علوم القرآن الكريم – التحريف و المحرفون
24 مارس,2017
القرآن الكريم
1,182 زيارة
روايات التفسير
ومن أجل الوقوف على ما تُتّهم من أجله الشيعة بأنه قولٌ بالتحريف ما روي عن الأئمة^ بأن القوم حرّفوا القرآن ولم يدعوه كما اُنزل، وهكذا بعض الروايات التي تظهر فيها إدانة للبعض على ما ارتكبوه من تحريف في المعنى، فمن هذه الروايات:
عن جابر قال: قال أبو جعفر(ع): دعا رسول الله(ص) أصحابه بمنى، فقال : «يا أيها الناس، إنّي تارك فيكم الثقلين أما إن تمسّكتم بهما لن تضلّوا: كتاب الله وعترتي أهل بيتي، فإنهما لن يفترقا حتّى يردا عليَّ الحوض، ثمّ قال: أيها الناس، إنّي تارك فيكم حرمات الله: كتاب الله وعترتي والكعبة البيت الحرام» ثمّ قال أبو جعفر(ع): «أمّا كتاب الله فحرّفوا، وأما الكعبة فهدموا، وأما العترة فقتلوا، وكل ودائع الله فقد تبّروا»([1]).
يرد الحديث بلهجة ٍمشعرة بالمرارة والحزن لما حلّ بوصية رسول الله(ص)، ويشير الإمام الباقر(ع) إلى خيبة الأمل لما ارتكب في حقّ ما كان ينبغي أن يُحفظ، ثمّ يشدّد على انتهاك حرمة الكتاب بالعمد إلى تحريفه، وتحريف الكتاب يعني عدم حفظه وعدم الاعتناء بتنزيله، وتحريف المعنى الحقيقي الذي ينبغي أن يُصان به، حيث حرّفوا تفسيره وحادوا عن معناه، وإلاّ لو كانوا قد حفظوا حدود الكتاب، لما أضاعوا العترة بين أظهرهم ولما عمدوا إلى قتلهم والتنكيل بهم، فإنّ الكتاب قد أوصى بالعترة وشدّد على عظيم منزلتها ولو لم يحرّف هؤلاء الكتاب لما أضاعوا العترة حقّها.
وفي خطبة الإمام الحسين(ع) يوم عاشوراء مخاطباً الجيش الاُموي بقوله: «إنّما أنتم طواغيت الاُمّة، وشذّاذ الأحزاب، ونبذة الكتاب، ونفثة الشيطان، وعصبة الآثام، ومحرّفي الكتاب»([2]).
فتمرّد القوم يكشف عن تحريفهم لمعنى الكتاب كونهم لم يتعاطوا مع الإمام(ع) كما ينبغي، ولم يحفظوا حرمته كما أوصاهم الكتاب به، فتحريفهم لتفسير الكتاب ومعانيه، دعاهم إلى الخروج عن طاعة الإمام(ع) والسعي إلى قتله.
ومن المفيد جداً أن نتعرّض لرسالة الإمام الباقر(ع) التي بعث بها إلى سعد الخير، هذا نصّ بعضها:
بسم الله الرحمن الرحيم
أمّا بعد: فإنّي اُوصيك بتقوى الله فإنّ فيها السلامة من التلف والغنيمة في المنقلب إنّ الله عزّ وجلّ يقي بالتقوى عن العبد ما عزب عنه عقله، ويجلي بالتقوى عنه عماه وجهله.
وبالتقوى نجا نوح ومن معه في السفينة وصالح ومن معه من الصاعقة.
وبالتقوى فاز الصابرون ونجت تلك العصب من المهالك ولهم إخوان على تلك الطريقة يلتمسون تلك الفضيلة، نبذوا طغيانهم من الإيراد بالشهوات لما بلغهم في الكتاب من المثلات.
حمدوا ربّهم على ما رزقهم وهو أهل الحمد، وذمّوا أنفسهم ما فرّطوا وهم أهل الذّمّ، وعلموا أنّ الله تبارك وتعالى الحليم العليم إنّما غضبه على من لم يقبل منه رضاه، وإنّما يمنع من لم يقبل منه عطاه، وإنّما يضلّ من لم يقبل هداه، ثمّ أمكن أهل السيّئات من التوبة بتبديل الحسنات، دعا عباده في الكتاب إلى ذلك بصوت رفيع لم ينقطع، ولم يمنع دعاء عباده، فلعن الله الذين يكتمون ما أنزل الله.
وكتب على نفسه الرحمة فسبقت قبل الغضب، فتمّت صدقاً وعدلاً، فليس يبتدئ العباد بالغضب قبل أن يغضبوه، وذلك من علم اليقين وعلم التقوى، وكلّ ُامّة رفع الله عنهم علم الكتاب حين نبذوه وولاّهم عدوّهم حين تولّوه، وكان من نبذهم الكتاب أن أقاموا حروفه وحرّفوا حدوده، فهم يروونه ولا يرعونه، والجهّال يعجبهم حفظهم للرواية والعلماء يحزنهم تركهم للرعاية، وكان من نبذهم الكتاب أن ولّوه الذين لا يعلمون، فأوردوهم الهوى، وأصدروهم إلى الردى، وغيّروا عرى الدين، ثم ورثوه في السفه والصبا، فالاُمّة يصدرون عن أمر الناس بعد أمر الله تبارك وتعالى وعليه يردون، فبئس للظالمين بدلاً ولاية الناس بعد ولاية الله، وثواب الناس بعد ثواب الله ورضا الناس بعد رضا الله، فأصبحت الاُّمة كذلك، وفيهم المجتهدون في العبادة على تلك الضلالة، معجبون مفتنون، فعبادتهم فتنة لهم ولمن اقتدى بهم.
وفي معرض تعليقه على قوله(ع) «وكان من نبذهم الكتاب أن أقاموا حروفه» قال الشيخ المازندراني في شرحه للكافي:
وكلماته واعرابه وصحّحوها عن التصحيف والتحريف «وحرّفوا حدوده» وأحكامه، وجعلوا حلاله حراماً، وحرامه حلالاً، وولاية الحقّ مردودة، وولاية الباطل مقبولة «فهم يرونه بضبط حروفه ومبانيه»([3]) أي أنّ هؤلاء حفظوا الشكل وأضاعوا الحكم، واهتمّوا بالظاهر وفرّطوا بالمعنى.
——————————————————————————–
([1]) البحار: 23/140.
([2]) البيان: 227.
([3]) شرح الكافي للمازندراني: 11 / 378.
2017-03-24