الرئيسية / كلامكم نور / جامع السعادات – ما من أحد إلا ومعه ملكان وعليه حكمة

جامع السعادات – ما من أحد إلا ومعه ملكان وعليه حكمة

(انكسار النفس)
ضد العجب انكسار النفس واستحقارها وكونها في نظره ذليلة مهينة. وكما ان العجب مجرد استعظام النفس من دون اعتبار استصغار الغير معه، فكذا ضده مجرد استحقار النفس من دون اشتراط اعظام الغير معه، إذ الأول مع اعتبار الثاني تكبر، والثالث مع اشتراط الرابع تواضع، وهما ضدان.

ثم لا ريب في فوائد انكسار النفس واستصغارها، وكل من بلغ مرتبة عظيمة فانما بلغ بهذه الصفة، لأن الله تعالى عند المنكسرة قلوبهم، وقال رسول الله (ص): ” ما من أحد إلا ومعه ملكان وعليه حكمة[1] يمسكانها، فان هو رفع نفسه جبذاها[2] ثم فلا: اللهم ضعه، وان وضع نفسه قالا: اللهم ارفعه “[3].

وروي: ” انه اوحى الله تعالى إلى موسى (ع): ان يا موسى! أتدري لم اصطفيك بكلامي دون خلقي؟ قال: يا رب! ولم ذلك؟ فاوحى الله تبارك وتعالى إليه: اني قلبت عبادي ظهراً لبطن، فلم أجد فيهم أحداً أذل نفساً لي منك، يا موسى! إنك إذا صليت وضعت خدك على التراب “.

وروي: ” انه لما أوحى الله تعالى إلى الجبال. أني واضع سفينة نوح عندي على جبل منكن، فتطاولت وشمخت، وتواضع الجودي، وهو جبل عندكم، فضربت السفينة بجؤجؤها الجبل، فقال نوح عند ذلك: (يا مارى اتقن) وهو بالسريانية: رب اصلح “[4]

الكبر
وقد عرفت: انه الركون إلى رؤية النفس فوق الغير، وبعبارة أوضح: هو عزة وتعظيم يوجب رؤية النفس فوق الغير واعتقاد المزية والرجحان عليه، فهو يستدعى متكبراً عليه. وبه ينفصل عن العجب، إذ العجب مجرد استعظام النفس من دون اعتبار رؤيتها فوق الغير، فالعجب سبب الكبر والكبر من نتائجه.

ثم الكبر ـ أي العزة الموجبة لرؤية النفس فوق الغير ـ هو خلق الباطن يقتضي اعمالا في الظاهر هي ثمراته، وتسمى تلك الاعمال الظاهرة الصادرة منه تكبرأ، ولذا من تعزز ورأى نفسه باطناً فوق الغير، من دون صدور فعل على جوارحه، يقال له (كبر)، وإذا ظهرت الاعمال يقال له (تكبر) وهذه الاعمال الظاهرة التي هي ثمرات خلق الكبر أفعال وأقوال توجب تحقير الغير والازراء به، كالترفع عن مواكلته ومجالسته، والاستنكاف عن مرافقته ومصاحبته، وابعاده عن نفسه، وابائه عن الجلوس بجنبه، وانتظاره ان يسلم عليه، وتوقعه ان يقوم ماثلا بين يديه، والاستنكاف من قبول وعظه، وتعنيفه في ارشاده ونصحه، وتقدمه عليه في المحافل والطرقات، وعدم الالتفات إليه في المحاورات، وتوقع التقديم عليه في كل ما يدل على التعظيم عرفاً.

وبالجملة: الاعمال الصادرة عن الكبر كثيرة، ولاحاجة إلى احصائها، لكونها مشهورة معروفة، ومن جملتها الاختيال في المشي وجر الثياب، إذ فاعلهما يرى نفسه فوق الاكثر ويقصد بهما استحقارهم، فهما يقتضيان متكبراً عليه، فيكونان من انواع التكبر، وما ورد في ذمهما يدل أيضاً على ذمه، كما يأتي. وهذه الافعال المعبر عنها بالتكبر قد تصدر عن الحقد أو الحسد أو الرياء، وان لم تكن في النفس عزة وتعظم.

شاهد أيضاً

أوائل المقالات في المذاهب والمختارات – للشيخ المفيد

أوائل المقالات في المذاهب والمختارات / الصفحات: ٣٤١ – ٣٦٠ وفي الدعاء السابع عشر من ...