الرئيسية / الاسلام والحياة / تأسيس الحضارة الإسلامية في فكر الإمام الخامنئي دام ظله

تأسيس الحضارة الإسلامية في فكر الإمام الخامنئي دام ظله

 بِسْمِ اللهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ

الحمد لله رب العالمين وصلى الله على سيّدنا محمد وعلى آله الطاهرين وصحبه المنتجبين وبعد.

كان ذلك مجتمع العرب بخيره القليل وشرّه الكثير، ثمّ ما لبثت الدعوة الإسلامية التي جاء بها النبي محمد صلى الله عليه وآله وسلم بشيراً ونذيراً لقومه خاصة وللناس عامّة أن احتلت مكانها في قلوب المؤمنين، إنها دعوة منطَلَقها كريم، ومبعثها رحيم، هي تدعو إلى الإيمان بالله خالق الكون وبارئ السماوات والأرض، وتحضّ على الخير وتنهى عن الشر وتكرم الإنسان وتدفع به إلى التماس العلم أينما وجد، وإلى تحصيل المعرفة أنّى عثر عليها ومهما كانت بعيدة، بُعد الصين عن المدينة بمقاييس ذلك الزمان.

إنّ أولى آيات كتاب الدين الإسلامي “القرآن الكريم” تحضّ على التعليم ﴿اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ الَّذِي خَلَقَ * خَلَقَ الْإِنسَانَ مِنْ عَلَقٍ * اقْرَأْ وَرَبُّكَ الْأَكْرَمُ * الَّذِي عَلَّمَ بِالْقَلَمِ * عَلَّمَ الْإِنسَانَ مَا لَمْ يَعْلَمْ﴾[1].

ولا يزال الإسلام يحضّ على العلم ويدعو إليه في آيات عزيزة كثيرة: ﴿الرَّحْمَنُ * عَلَّمَ الْقُرْآنَ * خَلَقَ الْإِنسَانَ * عَلَّمَهُ الْبَيَانَ﴾[2], فعلم البيان مقرون بخلق الإنسان. ويمجّد الإسلام العلماء، ويفرق في الحكم بينهم وبين العامّة فيقول الكتاب العزيز: ﴿قُلْ هَلْ يَسْتَوِي الَّذِينَ يَعْلَمُونَ وَالَّذِينَ لَا يَعْلَمُونَ[3]. ذلك أنّه كلّما ازداد المرء علماً ازداد قرباً إلى الله وخشية له، والقرآن يسجّل ذلك في قوله تعالى: ﴿إِنَّمَا يَخْشَى اللَّهَ مِنْ عِبَادِهِ الْعُلَمَاء[4].

فالعلماء أكثر الناس فهماً لآلاء الله ووعياً لآياته وتمثّلاً لبديع قدرته: ﴿وَتِلْكَ الْأَمْثَالُ نَضْرِبُهَا لِلنَّاسِ وَمَا يَعْقِلُهَا إِلَّا الْعَالِمُونَ﴾[5].

ويخاطب القرآن الكريم العقل والقلب جميعاً ويدفع بهما إلى التأمّل في كل ما خلق الله فإنّ العقل الراجح والقلب المتفتّح إذا أنعم النظر في آيات الله كان أقرب إلى الإيمان وأدنى إلى التقوى: ﴿لَخَلْقُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ أَكْبَرُ مِنْ خَلْقِ النَّاسِ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَعْلَمُونَ﴾[6] .

وفي نطاق دفع العقل الإنساني إلى التفكير يقول تبارك وتعالى: ﴿إِنَّ

فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ وَاخْتِلاَفِ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ لآيَاتٍ لِّأُوْلِي الألْبَابِ * الَّذِينَ يَذْكُرُونَ اللّهَ قِيَامًا وَقُعُودًا وَعَلَىَ جُنُوبِهِمْ وَيَتَفَكَّرُونَ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ رَبَّنَا مَا خَلَقْتَ هَذا بَاطِلاً سُبْحَانَكَ فَقِنَا عَذَابَ النَّارِ[7].

ويخاطب الإسلام العقل ويحّضه على التفكر في خلق الكون والوصول – ما استطاع – إلى شواطئ المعرفة، ومراسي العلم، فيقول الكتاب العزيز: ﴿إِنَّ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ وَاخْتِلاَفِ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ وَالْفُلْكِ الَّتِي تَجْرِي فِي الْبَحْرِ بِمَا يَنفَعُ النَّاسَ وَمَا أَنزَلَ اللّهُ مِنَ السَّمَاء مِن مَّاء فَأَحْيَا بِهِ الأرْضَ بَعْدَ مَوْتِهَا وَبَثَّ فِيهَا مِن كُلِّ دَآبَّةٍ وَتَصْرِيفِ الرِّيَاحِ وَالسَّحَابِ الْمُسَخِّرِ بَيْنَ السَّمَاء وَالأَرْضِ لآيَاتٍ لِّقَوْمٍ يَعْقِلُونَ[8].

إنّ كتاب الإسلام يتجه بالعقل إلى التفكّر في أخطر ما يمكن أن يتمثّله عاقل، وهل هناك أدنى شكّ في أنّ خلق السماوات والأرض لما يدعو إلى التفكّر، وأنّ اختلاف الليل والنهار يحضّ على التدبّر، وأن تمهيد متن الماء للفلك تجري عليها، وأن نزول المطر من السماء الذي يحيي الأرض وينبت الزرع يلفت النظر وينبّه العقل والقلب والخاطر؟!

وإذا كانت الحضارة بنت العلم، والعلم هدفٌ وضالة وغاية يسعى المسلم إليها جميعاً من واقع كتابه الذي آمن به، وتعاليم رسوله الذي

اهتدى به، فليس ثمّة شكّ في أنّ العلم يدفع إلى الخلق والإبداع والتفكّر والتدبّر، وكلٌّ من الخلق والإبداع والتفكّر والتدبّر ينبت حضارة وينشئ معرفة.

يواكب هذا الكتاب تأسيس الحضارة الإسلامية الخطوات الأولى التي أرساها النبي محمد صلى الله عليه وآله وسلم في تبليغ الرسالة الإسلامية في الجزيرة العربية، ثم نشرها في الأصقاع المختلفة، وصولاً إلى بناء الحضارة الإسلامية الشامخة في فترة زمنية وجيزة قياساً مع أوقات بناء الحضارات، ويقدم تقويماً دقيقاً للمراحل المختلفة التي مرّ بها المسلمون وصولاً إلى عصر الإمام الخميني وبناء الدولة الإسلامية والنظام الإسلامي.

وهو دراسة علمية عميقة جديدة عن تأسيس الحضارة الإسلامية تعتمد على الفكر الأصيل للإمام الخامنئي (حفظه المولى)، وهي لا تغوص بشكل جامد في الأحداث كالدراسات التاريخية المحضة، بل تحلّل الأحداث وتستنطقها من بوابة الحاضر والمستقبل.

مركز نون للتأليف والترجمة

 

 

التعرّف من جديد إلى حضارة صدر الإسلام

إنّ الاحتفاء بالنبيّ الأكرم صلى الله عليه وآله وسلم، ليس مجرّد تشريفات. مع أنّ مثل هذه الاحتفاءات بين الشعوب المسلمة غنيمة، بل هي لازمة. ولكنّ المسألة أعمق من ذلك. والعالم الإسلاميّ – خاصّةً اليوم- أكثر حاجةً من أيّ يومٍ مضى، إلى إحياء ذكرى نبيّ الإسلام العظيم صلى الله عليه وآله وسلم، كما أنّ البشريّة بحاجة إلى هذا الاسم المبارك، والذكرى المباركة والتعاليم المباركة, لكن قبل أن نطلب إلى البشريّة كافّة أن تقوم بهذا الأمر، على العالم الإسلاميّ أن يتعرّف من جديد إلى رأسماله المعنويّ العظيم, لا أن يكون كالشعوب التي نامت جائعةً، على ثرواتها الماديّة غير المعروفة لديها إلى أن جاء الآخرون ونهبوها. يعاني العالم الإسلاميّ اليوم، إلى جانب ذخائره المعنويّة العظيمة، مشاكل كثيرة ويمضي, في حال أنّ هذه الذخائر العظيمة والثروات الكبيرة يمكن أن تخلّصه، وتمدّه بالعون[9].

– تأسيس الحضارة الإسلاميّة

في صدر الإسلام، استطاع رسول الإسلام المكرّم وصحابته وخلفاؤه العظام بالاعتماد على الله أن يؤسّسوا حضارةً تاريخيّةً عظيمةً. لقد كانوا أيضًا، في مقابل القوى العظمى في زمانهم، قلّة في الظاهر, لكنّ الإيمان أمدّهم بالقوّة، فاستطاعوا تحقيق عظمة في التاريخ امتدّت قرونًا, لِمَ لا يمكننا نحن ذلك؟! ﴿وَلاَ تَهِنُوا وَلاَ تَحْزَنُوا وَأَنتُمُ الأَعْلَوْنَ إِن كُنتُم مُّؤْمِنِينَ﴾[10], شرط الإيمان[11] (فلا بدّ من توفّر هذا الشرط).

لقد أسّس النبيّ في زمانه وفي مدّة قصيرة ـ في ظرف عشر سنوات ـ بنيان حضارةٍ عظيمة. هنا تتّضح عظمة النبيّ. انظروا، لقد مضى اثنا وعشرون عامًا على ثورتنا, لكنّنا (لم ننطلق في العقد الأوّل) منها, هذه هي عظمة النبيّ, وهذه هي قدرة النبوّة. لقد صنع الناس بنحو واستخدمهم بنحو أمكنه أن يصنع بتلك العدّة القليلة ـ حيث كانت دولته بادىء الأمر عبارة عن مدينة واحدة تضمّ، عدّة آلاف من الأفراد، أساسًا بنيت فوقه حضارة عظيمة. القرن الرابع الهجري، أي: القرنين العاشر والحادي عشر الميلادي – هو عمق القرون الوسطى في أوروبا, ظلامٌ مطبق. في هذا القرن تُشكّل الحكومة الإسلاميّة والحضارة الإسلاميّة التي ظهر فيها كثيرون أمثال ابن سينا، وأمثال الفارابي، والخوارزميّ، وسائر الشخصيّات العظيمة الأخرى، وظهرت فيه حكومات عظيمة

وقوىً سياسيّة كبرى في العالم, والتي، بالطبع، ابتُلي معظمها، للأسف، بالفساد والانحراف, وحينها كانت النتيجة أنّها تراجعت فورًا. وإلّا لو لم تكن فاسدة، ولم تُبتلَ بالفساد واتّبعت حكومة الولاية العلويّة – لكان هذا الازدهار امتدّ على هذا النحو لقرون, لقد تلقّينا الضربة من حينها. لقد نما أساس الرسول بهذا النحو على امتداد الزمان، وكان أساسًا – على حدّ قولكم أنتم المهندسون – أساسًا متينًا – يمكن إقامة بناء عظيم عليه. انظروا كم حكومة إسلاميّة عظيمة وُجدت في القرن الرابع، من أقصى آسيا إلى قلب أوروبا – إلى الأندلس, إسبانيا المعاصرة ـ إلى حدود أفريقيا[12].

 

التأمّل في التاريخ, عامل في بناء المستقبل

هنا عانى الرسول العظيم الشأن وأصحابه على مدى ثلاث عشرة سنةً الصعاب وتجرّعوا المرارات لتقوى غرسة الإسلام… إذا تدبّر المسلم في هذا الماضي وعايشه لحظةً لحظة، وارتبط بالمستقبل أيضًا ارتباطًا بنّاءً، فسوف يعرف نهج الحياة وهدفها، وسيعي مخاطر الطريق، وسيشاهد بأمّ العين غد هذه المسيرة، وسيهيّىء نفسه للالتحاق بها، وسيتغلّب على الشكّ الناجم عن الخوف من العدوّ والإحساس بالضعف والحقارة أمامه[13].

– مهد تأسيس الحضارة الإسلاميّة

ماذا حدث في أرض الوحي؟

هنا حدث انتصار بدر، وهزيمة أُحُد، ومحنة الخندق، واختبار الحديبيّة, هنا صنع الإخلاص والجهاد النصر، وأركس حبّ المال والطمع, هنا نزل القرآن آيةً آية، ووضعت لبنات الثقافة والحضارة والحياة الطيّبة الإسلاميّة لبنة لبنةً[14].

 

انبعاث حضارة عظيمة من الصحراء

لقد حدثت ظاهرة في التاريخ إذا أردنا حلّها على أساس المعادلات التاريخيّة العاديّة، لاستحال ذلك، وهي أنّ قومًا كانوا في فترة من الفترات محرومين من أوليّات التمدّن البشري، أسّسوا بناءً شكّل أعظم الحضارات البشريّة، وهو النهضة الإسلاميّة.

من الذي شكّل الحضارة؟ الحضارتان اليونانيّة والرومانيّة القديمتان، التي لا تزال أوروبا المعاصرة تتغنّى بهما إلى الآن، وتستشهد بهما في تاريخها وأبحاثها العلميّة، كانت كلّ خطوة لهما مترتّبة على الخطوة السابقة. أنّى لحضارة عظيمة أن تنبعث من الصحراء؟ وهل مثل هذا الأمر ممكن؟ لكنّ مثل هذا الأمر حدث بالنسبة إلى الإسلام. لقد أسّست قلّة قليلة لا تعرف حتّى القراءة ـ فكيف، إذن، انتهى بها الأمر إلى التعلّم وقراءة الكتب المختلفة وابتداع

النظريات العلميّة، ومن ثمّ، تحقّق هذه النظريّات العلميّة المرتبة الأعلى في مباريات النظريّات العلميّة للبشر ـ حضارة عظيمةً. انظروا أيّ طرق طويلة هذه[15].

 

– طرح نموذج شامل ودائم: الرسول  صلى الله عليه وآله وسلم يصنع “النموذج”

إنّ عصر المدينة كان عصر تأسيس النظام الإسلاميّ وصنع نموذج ومثال عن حاكميّة الإسلام لجميع أزمنة التاريخ الإنسانيّ وعصوره وجميع الأمكنة. وهذا النموذج، بالطبع، هو نموذج كامل، ولن نحظى بمثله في أيّ عصر من العصور, لكن من خلال النظر إلى هذا النموذج الكامل، يمكن معرفة المؤشّرات. هذه المؤشّرات بالنسبة إلى أفراد البشر والمسلمين هي علامات، ينبغي من خلالها الحكم على الأنظمة والناس, أمّا كيف يمكنهم الثبات عليه، وكيف يمكن للذين من بعدهم الاقتراب منه، فهذا رهن بمساعيهم. النبيّ يصنع النموذج ويقدّمه إلى البشريّة جمعاء وإلى التاريخ[16].

 

تلقي رسالة الوحي وتنفيذها

لقد وُوجه هذا المولود المقدّس، في أثناء بعثته بمثل هكذا عالم، ومن خلال جهاد شاقّ جدًّا، أخرج الإنسانيّة من الجهل، والخرافات، والفساد، والظلم والعصبيّات القبليّة، وحذّر من ظلم الناس للنّاس (بعضهم لبعض)، ومن سيطرة بعضهم على الآخر. لقد غيّر أساسًا، وضع البشريّة،

وخلق جوًّا جديدًا ووضعًا جديدًا في العالم. بديهيّ أنّ عمل النبيّ الخاتم ليس هو إصلاح جميع العالم, لا، كان يجب على ذلك العظيم أن يأخذ هذه العيّنة العمليّة وهذا النموذج الصحيح من الوحي الإلهيّ ويعلّمه للبشر, ليلتزم البشر به طوال حياتهم، والاستفادة منه لحظةً لحظة. والكلام في من يلتزم ومن يضلّ هو بحث آخر. لقد أدّى ذلك العظيم رسالته على وجه التمام، وأنجز مهمّته وانتقل إلى جوار رحمة ربّه[17].

 

– رسالة الحريّة، اليقظة والسعادة

كان هدف الرسول من الهجرة إلى المدينة هو محاربة الأوضاع الظالمة، والطاغوتيّة، والفاسدة على الأصعدة: السياسيّة، والاقتصاديّة، والاجتماعيّة, والتي كانت في ذلك الوقت حاكمةً على العالم من أقصاه إلى أقصاه. ولم يكن الهدف محاربة كفّار مكّة فقط, إنّما كانت المسألة عالميّة. كان الرسول الأكرم يسعى وراء هذا الهدف، وأينما وجد الظرف مساعدًا، كان يزرع بذور الفكر والعقيدة, على أمل إيناع هذه البذور في الوقت المؤاتي. وكان الهدف إيصال رسالة حرّيّة الإنسان واليقظة والسعادة إلى جميع القلوب, وهذا لم يكن ممكنًا من دون تشكيل النظام النموذج والمثال. لذا هاجر النبيّ إلى المدينة, ليشكّل هذا النظام النموذج[18].

قلوب أهل المدينة الجيّاشة

لقد كانت هجرة الرسول إلى المدينة ـ التي كانت تُعرف قبل ذلك بـ “يثرب” وسُمّيت بعد هجرة النبيّ إليها بـ “مدينة النبيّ” ـ كنسيم الربيع العليل الذي عمّ المدينة، فأحسّ الجميع وكأنّ فرجًا قد حلّ, لذا انتبهت القلوب واستفاقت. بعد أن ورد الرسول المدينة تبدّل هذا الشوق وهذا النسيم اللطيف والملائم، إلى إعصار في قلوب الناس, وغيّر القلوب, أحسّوا، فجأةً أنّ عقائدهم وعواطفهم وارتباطاتهم القبليّة وعصبيّاتهم، انمحت في شخصيّة هذا الرجل وسلوكه وكلامه, وتعرّفوا من خلال بوّابةٍ جديدة على حقائق عالم الخلق، والمعارف الأخلاقية. هذا الإعصار نفسه هو الذي أحدث في البداية ثورةً في النفوس، وامتدّ فيما بعد إلى خارج المدينة, ليحتلّ من ثمّ حصن مكّة الطبيعيّ, ويطأ في النهاية، المناطق القاصية، فيصل إلى أعماق الإمبراطوريّتين ودولتيهما العظيمتين في ذلك الزمان، وفي كلّ مكان، كان يحلّ فيه، كان يهزّ القلوب ويحدث ثورةً في داخل نفوس البشر.[19]

أسس تشكيل الحضارة

 

– العقائد والأفكار الصحيحة

بالطبع، إنّ تشكيل مثل هكذا نظام يحتاج إلى الأسس العقائديّة والإنسانيّة – ينبغي، أوّلًا، أن يكون هناك عقائد وأفكار صحيحة, حتّى يُقام هذا النظام على أساس تلك الأفكار. لقد بيّن الرسول في المرحلة المكّيّة التي امتدّت إلى ثلاث عشرة سنةً، هذه العقائد والأفكار في قالب كلمة التوحيد وعزّة الإنسان، وباقي المعارف الإسلاميّة, وبعد ذلك – أيضًا – في المدينة وفي جميع أوقاته ولحظات حياته إلى حين الوفاة، كان يلقّن دائمًا هذه الأفكار والمعارف السامية – التي هي أسس هذا النظام – ويعلّمها لهذا وذاك[20].

 

– تربية الخواصّ

المرتكزات والأسس الإنسانيّة

إنّ المرتكزات والأسس الإنسانيّة لازمة, ليقوم هذا البناء عليها- ذلك لأنّ النظام الإسلاميّ ليس قائماً على فرد. لقد أقام الرسول الكثير من هذه الأسس في مكّة وهيّأها. هناك جماعة، هي عبارة عن صحابة الرسول

الكرام ـ على اختلاف مراتبهم ـ هؤلاء كانوا نتيجة سعي وجهاد فترة الثلاث عشرة سنةً القاسية في مكّة، وحاصلها. وهناك – أيضًا – جماعة، هم الأشخاص الذين كانوا قبل هجرة الرسول في يثرب، وظهروا مع رسالة الرسول  صلى الله عليه وآله وسلم, من أمثال: سعد بن معاذ، وأبي أيّوب الأنصاري وآخرين. وبعد أن ورد الرسول  صلى الله عليه وآله وسلم أيضًا، بدأ بصناعة الإنسان، ويومًا فيومًا كان يدخل المدينة مدراء لائقون، أناس عظام، شجعان، متسامحون، مؤمنون، أقوياء وذوو معرفة، كأسس متينة لهذا البناء الشامخ والمنيف[21].

 

تربية شخصيّات عظيمة من الأناس الجاهليّين

قبل ظهور النبيّ الأكرم وظهور رسالته الإسلاميّة، كان أمثال: أبي ذر، والمقداد، وعمّار- أناسًا, يعيشون كما بقيّة الناس في ظلمات الجاهلية، لكن طلوع شمس الإسلام، صنع من عمّار شخصيّة على قدر كبير من العظمة، بحيث كان على امتداد عمره الطويل ـ ما يقارب التسعين سنةً ـ في خدمة الإسلام دائمًا، ويعمل لله ويتحمّل المشاقّ في سبيله. لقد صنع الإسلام من المقداد وأبي ذرّ ومن بقيّة الأناس العظام، تلك الشخصيّات. أيّ نوع من البشر كان هؤلاء؟ لقد كانوا أناسًا بدويّين، وبدائيّين وجاهليّين[22].

تشكيل خلايا جسد الأمّة الإسلاميّة

لقد شُكّلت أوّل خليّة من جسد الأمّة الإسلاميّة في تلك الأيّام الصعبة في مكّة على يد الرسول القويّة, الأسس المتينة التي ينبغي، لبناء الأمّة الإسلاميّة أن يقوم عليها أوّل المؤمنين، أوّل الأشخاص الذين كانوا يمتلكون هذا العلم، وهذه الشجاعة، وهذه النورانيّة، بحيث فهموا معنى رسالة الرسول وتعلّقوا بها. ﴿فَمَن يُرِدِ اللّهُ أَن يَهْدِيَهُ يَشْرَحْ صَدْرَهُ لِلإِسْلاَمِ﴾[23], لقد صُنعت القلوب المستعدّة، والأبواب المفتوحة نحو هذه المعارف الإلهيّة وهذه الأوامر الإلهيّة، بيد الرسول القديرة, تنوّرت هذه الأذهان, وأصبحت هذه الإرادات يومًا فيومًا أكثر قوّةً[24].

 

أهمّيّة وقت الشابّ في النظام الإسلاميّ

لم يعد مقبولًا، اليوم، أن نسمح بهدر يومٍ أو ساعة من عمر شابٍّ متديّن، ومستعدٍّ للعمل والجهاد في سبيل دين الله, لذا، لا ينبغي لوقت شابّ بهذه الميّزات، عندما يُوفّق الإسلام إلى طرح نظام جديد قائم على الفكر والتفكير والرؤية الكونيّة أمام البشريّة، أن يُهدَر, … بل ينبغي أن يؤمّن هدف نشر الإسلام وترويجه ومعرفته[25].

– صناعة الأمّة

لقد امتدّت صناعة الأمّة عشر سنوات أيضًا. صناعة الأمّة هذه، لم تكن سياسيّة, جزء منها كان سياسيًّا, والجزء الأساسيّ الآخر منها كان تربية الأفراد, ﴿هُوَ الَّذِي بَعَثَ فِي الْأُمِّيِّينَ رَسُولًا مِّنْهُمْ يَتْلُو عَلَيْهِمْ آيَاتِهِ وَيُزَكِّيهِمْ وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ﴾[26]. يزكّيهم, يجعل القلوب واحدًا واحدًا تحت تربية النبيّ. كان النبيّ  صلى الله عليه وآله وسلم يلقّن الأذهان والعقول العلم واحدًا واحدًا. ﴿وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ﴾, الحكمة مرتبة أعلى. لم يكن يعلّمهم القوانين والأنظمة والأحكام فقط، بل كان يعلّمهم الحكمة ويفتح أعينهم على حقائق العالم. لقد سار النبيّ عشر سنوات على هذا المنوال: من ناحية هناك السياسة، إدارة الحكومة، الدفاع عن كيان المجتمع الإسلاميّ، توسيع دائرة الإسلام، فتح الطريق أمام الجماعات خارج المدينة للدخول تدريجيًّا، وواحدًا واحدًا إلى ساحة الإسلام النورانيّة والمعارف الإسلاميّة. ومن ناحيةٍ أخرى، توجد- أيضًا- تربية الأفراد فردًا فردًا…, لا يمكن فصل هذين الأمرين عن بعضهما[27].

المعالم الأساسيّة في نظام حكومة الرسول صلى الله عليه وآله وسلم

 

الأول: المعرفة الشفّافة والواضحة

لقد شكّل النبيّ الأكرم نظامًا كانت معالمه الرئيسة عبارة عن عدّة أمور…

المعرفة الشفّافة والواضحة… هذه المعرفة هي نفسها التي انتهت بالعلم وتحصيل العلم، وأوصلت المجتمع الإسلاميّ في القرن الرابع الهجريّ إلى أوج الحضارة العلميّة. لم يكن النبيّ ليسمح بوجود الإبهام. وفي كلّ موضع كان يحدث فيه إبهام، كانت تنزل آية لترفعه[28].

 

الثاني: العدالة المطلقة والشاملة

العدالة في الحكم، العدالة في المعاملات العامّة لا الخاصّة ـ الثروات المتعلّقة بجميع الناس والتي ينبغي أن تُقسَّم بينهم على أساس العدالة ـ العدالة في إقامة الحدود الإلهيّة، العدالة في المناصب وتوزيع المسؤوليّات وقبولها. بالطبع، العدالة هي غير المساواة, لا يشتبهنّ الأمر عليكم. أحيانًا تكون المساواة ظلمًا. العدالة تعني: وضع كلّ شيء في موضعه،

وإعطاء كلّ ذي حقّ حقّه. في زمن النبيّ  صلى الله عليه وآله وسلم، لم يكن أحد في المجتمع الإسلاميّ خارجًا عن نطاق العدالة.[29]

ولهذا فإن ملاحظة العدالة، وضع الأجر على العدالة، والعمل بمقتضى العدالة، (كلّ ذلك) هو تكليفنا، وينبغي أن تُعدّ كمؤشّرٍ للنظام الإسلاميّ. ينبغي وضع كلّ شيء في ظلّ العدالة.

إن المطالبة بالعدالة، والسعي وراءها بالقول، (أمرٌ) سهل, لكنّها في مقام العمل تُواجَه بموانع مختلفة وكثيرة، وأصعب الأعمال في كلّ حكومة ونظام هو تحقيق العدالة في المجتمع. العدالة- ليست فقط العدالة الاقتصاديّة, العدالة في جميع أمور الحياة وشؤونها – غاية في الصعوبة… لذا، علينا كشيعة أن نتعلّم هذا الدرس وهو أنّ العدالة لا يمكن تجاوزها ولا المتاجرة بها، ولا شيء من المصالح المتنوّعة – سواءً المصالح الفرديّة أم مصالح الحكومة والدولة الإسلاميّة- يمكنه المتاجرة بالعدالة[30].

الثالث: العبوديّة التامّة من دون شرك

لقد أوجد النبيّ الأكرم  صلى الله عليه وآله وسلم نظامًا، كانت معالمه الرئيسة عبارة عن عدّة أشياء. … العبوديّة التامّة لله من دون شرك, أي: عبوديّة الله في العمل الفرديّ، العبوديّة في الصلاة التي تجب نيّة القربى فيها، إلى العبوديّة في بناء المجتمع، في نظام الحكومة، في نظام حياة الناس والعلاقات الاجتماعيّة بين الناس (كلّ ذلك) على أساس عبوديّة الله، والتي لها أيضًا تفاصيل وشرح كبير[31].

لاحظوا، لقد وضع الله – تعالى – حبيبه النبيّ المكرّم والأعظم في امتحانٍ صعب، فالشيء الأكثر عرضةً لتلقّي الضربة في تلك الواقعة، كان ماء وجه الرسول نفسه وحيثيّته, القضيّة ذُكرت في سورة الأحزاب: ﴿وَإِذْ تَقُولُ لِلَّذِي أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيْهِ وَأَنْعَمْتَ عَلَيْهِ أَمْسِكْ عَلَيْكَ زَوْجَكَ وَاتَّقِ اللَّهَ وَتُخْفِي فِي نَفْسِكَ مَا اللَّهُ مُبْدِيهِ[32] في هذه الحادثة، كان من الممكن لآراء الناس ومشاعرهم أن تتحرّك ضدّ الرسول, كان الموضع موضع تهمة. ﴿وَتَخْشَى النَّاسَ وَاللَّهُ أَحَقُّ أَن تَخْشَاهُ﴾[33], يخاطب الله، سبحانه، رسوله فيقول: إنّك تهتمّ لكلام هذا وذاك، في حال ينبغي عليك أن تراقب الله. وقد راقب النبيّ الله وتجاوز هذا الامتحان الكبير والصعب جدًّا. هنا تُذكر الآية التي ترتجف لها الأبدان: ﴿الَّذِينَ يُبَلِّغُونَ رِسَالَاتِ اللَّهِ وَيَخْشَوْنَهُ وَلَا يَخْشَوْنَ أَحَدًا

 

إِلَّا اللَّهَ﴾[34]. إنّ من مستلزمات تبليغ الرسالات الإلهيّة أن تقف جماعة، انطلاقًا من الاشتباه أو سوء الفهم أو الدعايات المعادية والمغرضة، في وجه المرء, وطريقة المواجهة تكون بجعل المرء محاسبة الله هي المعيار, لذا يقول تعالى في آخر هذه الآية: ﴿وَكَفَى بِاللَّهِ حَسِيبًا[35], الله هو المحاسب. هو الذي سيحكم عليّ وعليك إن كنّا سرنا في هذا الطريق بنحو صحيح أم لا. وإذا ما حكم الله بهذا، عندها ستكون ميزة كون المرء مع الله، أنّ الله – تعالى- نفسه سيتكفّل بإصلاح رأي الناس أيضًا, “من أصلح ما بينه وبين الله أصلح الله ما بينه وبين الناس[36]. الله سبحانه وتعالى سيتكفّل هذا الجانب من القضيّة, كما فعل في قضيّة النبيّ وأظهر الحقيقة[37].

 

الرابع: المحبّة والعاطفة الجيّاشة

المحبّة والعاطفة الجيّاشة هي من الخصائص الأساسيّة للمجتمع الإسلاميّ, حبّ الله، حبّ الله للنّاس, ﴿يُحِبُّهُمْ وَيُحِبُّونَهُ﴾[38]، ﴿إِنَّ اللّهَ يُحِبُّ التَّوَّابِينَ وَيُحِبُّ الْمُتَطَهِّرِينَ[39]، ﴿قُلْ إِن كُنتُمْ تُحِبُّونَ اللّهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ

 

اللّهُ[40]. المحبّة، العشق، محبّة الزوجة، محبّة الأولاد، حيث من المستحبّ أن تقبّل ولدك, المستحبّ أن تتحبّب إلى ولدك، المستحبّ أن تحبّ زوجتك وتتحبّب إليها، المستحبّ أن تتحبّب إلى إخوانك المسلمين، وأن تحبّهم, محبّة الرسول  صلى الله عليه وآله وسلم، محبّة أهل البيت عليهم السلام, ﴿إِلَّا الْمَوَدَّةَ فِي الْقُرْبَى[41].

… في عهد الخلفاء الراشدين، عندما فتح المسلمون مناطق غرب العالم الإسلاميّ ـ أي: مناطق الروم وسوريا الحاليّة ـ عاملوا اليهود والمسيحيّين في تلك المناطق، معاملةً أدّت إلى اعتناق الكثير منهم الإسلام. في بلدنا إيران، استسلم الكثير من النّاس من دون مقاومة, ذلك لأنّهم شاهدوا مروءة المسلمين ورحمتهم ومداراتهم الأعداء, لذا جاؤوا واعتنقوا الإسلام. عندما جاء المسلمون إلى بلاد الروم، قال اليسورة هود، الآية: “والتوراة“، إنّنا طوال عمرنا لم نرَ يومًا جيّدًا كما اليوم. كان الحكم مسيحيًّا وكان يحلّل الظلم لهم, عندما جاء الإسلام، شعروا بالرحمة الإسلاميّة. هذا ما يبقى للتاريخ, هذا ما يحدّد اتّجاهات التاريخ, هذا ما يحفظ ذكرى فكر ما وحضارة ما وثقافة ما[42].

الخامس: تزكية الناس وتعليمهم

قال تعالى: ﴿وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ[43]، هو فرعٌ لكون علم الكتاب والحكمة موجود في الوجود المقدّس للنبيّ الأكرم، في حدوده القصوى.

﴿وَيُزَكِّيهِمْ﴾ فرع لكون ذلك الوجود المطهّر قد زُكّي في الحدّ الأعلى، الممكن للطبيعة البشريّة. بهذه القوّة يمكنه أن يتقدّم بالعالم نحو التزكية. وهذا هو الشيء الذي كان يفتقده زعماء الأديان المختلفة، وأصحاب الأفكار الفلسفيّة والاجتماعيّة والسياسيّة المتنوّعة. أولئك تخطر في أذهانهم أمور, يفهمون أمورًا في عالم التصوّر ويُلقونها إلى الناس, يتعلّم منهم أشخاص – أيضًا – أو لا يتعلّمون, وهذا مغايرٌ لسيرة الأنبياء[44].

فإذا أراد مجتمعٌ ما الرشد وإيجاد الأخلاق الإسلاميّة الصحيحة فيه، فإنّه بحاجة إلى مثل هذا النهج. لعلّ المراد من التزكية في بعض آيات القرآن التي جاءت فيها كلمة “يزكّيهم” بعد “ويعلّمهم” أو قبلها هو هذا الأمر نفسه, أي: تصفية الناس وتطهيرهم وتهذيبهم. كالطبيب الذي لا يقول لمريضه إفعل كذا ولا تفعل كذا، فحسب, بل يضعه في مكانٍ خاصّ ويقدّم له ما يلزمه ويطعمه، ويمنعه عمّا يضرّه. كان النبيّ الأكرم طوال

ثلاثة وعشرين عامًا من النبوّة، وخاصّة في السنوات العشر التي عاشها في المدينة، والتي كانت عهد حاكميّة الإسلام وتشكيل الحكومة الإسلاميّة، يسعى إلى تحقيق هكذا وضع ونهج[45].

ولقد حدّد الأنبياء من أوّلهم إلى النبيّ الأكرم الخاتم، هدفهم بالتعليم والتزكية: ﴿وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ[46] يربّون الناس، سواءٌ التربية العقلانيّة والفكريّة أم التربية الروحيّة[47].

لاحظوا نهج النبيّ الأكرم في كافّة لحظات دعوته الإسلاميّة! فمنذ الأيّام الأولى التي كان فيها في غربة محضة، وكان يحارب فيها وحيدًا عالم الجاهليّة والكفر أجمع، إلى قمّة القوّة الإسلاميّة، أي: ذلك اليوم الذي فتح فيه مكّة والطائف، وحوّل الحجاز كلّها تحت سيطرته – كان في كلّ مناسبة يدعو الناس إلى تزكية أنفسهم وتطهيرها[48].

 

السادس: الجهاد والتضحية في سبيل الله

إنّ الشهادة والتضحية في سبيل الله في زماننا، أكثر قيمةً من كثير من أزمنة تاريخ الإسلام. الشهادة دومًا ذات قيمة، والتضحية في سبيل الله لطالما كانت أمرًا عظيمًا وجليلًا, لكنّ هذا الأمر الجيّد والعظيم نفسه، يكون في بعض الظروف والأوقات أعظم، وأهمّ، وأكثر قيمةً. على سبيل

المثال، التضحية في صدر الإسلام كان لها، واقعًا، أهمّيّة مضاعفة. والسبب في ذلك هو أنّ الإسلام في ذلك العهد كان مثل غرسة، ولو لم تكن تلك التضحيات، لربّما اقتلعها أعداء الإسلام.

في زمان سيّد الشهداء، كان لتلك التضحية والشهادة العظيمة أهمّيّة مضاعفة, لأنّ نتائج جهود الرسول في تلك الأيّام كانت حقيقةً، صائرةً إلى الزوال، وتضحية الحسين بن علي وأصحابه العظام، حالت دون هذا الأمر[49].

خصائص النظام النبويّ

 

المؤشّر الأوّل: الإيمان والمعنويّة

نفخ روح الإيمان في الأفراد

الإيمان والمعنويّة، الدافع والمحرّك الحقيقيّ إلى الأمام في النظام النبويّ، هو الإيمان الذي كان ينبع من قلوب الناس وعقولهم، ويحرّك أياديهم وسواعدهم وأرجلهم ووجودهم في الاتّجاه الصحيح, إذن، المؤشّر الأوّل: هو نفخ روح الإيمان والمعنويّة وتقويتهما في الأفراد، وتقديم العقيدة والفكر الصحيح لهم, وهذا ما بدأ به الرسول في مكّة ورفع لواءه في المدينة من خلال السلطة[50].

فإذا ما وجد الإنسان طريق الله وتعلّم كيف يعمل العمل من أجل الله، فسيرى عندها أنّ هذا العشق للعمل سيسهّله عليه كثيرًا. هكذا تشكّلت الحضارة الإسلاميّة. عندما يريد مهندسها أن يصمّم بناءً، هكذا يكون, وعمّالها عندما يريدون أن يضعوا لبنة فوق أخرى، هكذا يكونون, وقائدها عندما يكون جالسًا في المقرّ الرئيسيّ، هكذا يكون, جنديّها عندما يسير

في الخطوط الأماميّة، هكذا يكون, باني الدشمة، من دون دشمته، هكذا يكون, حارس زقاقها وشارعها الذي يحرس، هكذا يكون, وهكذا عالمها الديني في درسه, حاكمها السياسيّ حيثما يجلس ويريد أن يتّخذ قرارًا سياسيًّا, الخلاصة: الجميع يعمل لله. هل يمكن لمثل هكذا شعب وبلد أن يتراجع من الناحية الحياتيّة؟! هل يمكن لمثل هكذا شعب وبلد أن يتعرّض لأدنى ذلّ ومهانة في الدنيا؟! هل يمكن لأحد أن يجرؤ بعد هذا على تهديد مثل هذا الشعب؟[51].

 

المؤشّر الثاني: القسط والعدل

القسط والعدل, أساس العمل قائم على العدالة والقسط وإيصال كلّ حقّ إلى صاحبه دون ملاحظة أيّ شيء آخر[52].

 

تأكيد حاكميّة العدالة الاجتماعيّة

الهدف الآخر، الذي كان الرسول يسعى إليه منذ البداية: عبارة عن خلق جوّ سليم وصحيح لمعيشة الإنسان والحياة الإنسانيّة, أي: عالم ليس فيه ظلم ولا افتراس للضعيف من قبل القويّ, عالم خالٍ من حرمان الضعفاء ولا تحكمه شريعة الغاب, أي: ذلك الشيء نفسه الذي يُعرف في الاصطلاح القرآنيّ والروايات والاصطلاحات الدينيّة، بـ “القسط والعدل”, أي: أمنية البشريّة العظمى. … لقد شكّل مجتمعًا متذكّرًا،

واعيًا ويتمتّع بالحدّ الأعلى من العدالة الاجتماعيّة. قد يظلم أحد في ناحية من نواحي ذلك المجتمع أحدًا, لكنّ هذا ليس معيارًا لفقدان العدالة الاجتماعيّة. إنّ ملاك وجود العدالة الاجتماعيّة وعدمها هو ثبات حاكميّة العدالة الاجتماعيّة. في المجتمع الذي يكون فيه القانون والحاكم عادلين، الحاكم عادل، والنيّة نيّة عادلة، تكون الحركة العامّة باتّجاه العدالة الاجتماعيّة. قد يُسلك هذا الطريق عاجلًا أم آجلًا وقد يستغرق وقتًا، لكنّه في النهاية سيصل إلى العدالة الاجتماعيّة. لقد أوجد النبيّ مثل هكذا وضع, فلم يكن ذلك العظيم ليغطّي ويقبل أدنى ظلم. لقد قدّم النموذج، حيث شهدنا نحن بعد الحياة المباركة للنبيّ الأكرم، آثار تلك التربية إلى فترات طويلة في المجتمعات الإسلاميّة، ومرّةً أخرى شهدنا في عهد أمير المؤمنين، تلك العدالة المطلقة نفسها في شخص الحاكم المطهّر للعالم الإسلاميّ في ذلك الزمان[53].

 

إقامة القسط منذ اللّحظات الأولى

إنّ سيرة الأنبياء منذ البداية هي عبارة عن السير والإقدام, منذ البداية كانت تحقيق تلك الشعارات التي كانوا يطلقونها ويمارسونها في أعمالهم. وقد حدث هذا واقعًا في حياة الرسول الأكرم  صلى الله عليه وآله وسلم. فمنذ اللّحظة الأولى، بدأ ذلك التعليم وتلك التزكية وذلك التحرّك في سبيل إقامة القسط… إلى أن جاء الوقت ونشر ذلك وأعلنه على مستوى عامّة

الناس، وتحرّك باتّجاه النظام الاجتماعيّ ـ الذي كان النظام العادل نفسه، وأقامه[54].

 

المؤشّر الثالث: العلم والمعرفة

إن أساس كلّ شيءٍ في النظام النبويّ، هو العلم والمعرفة والوعي واليقظة. لا يُحرّك أحد إلى جهةٍ ما بنحو عشوائيّ, ويُحوّل الناس من خلال الوعي والمعرفة والقدرة على تشخيص الأمور، إلى عناصر فعّالة، لا منفعلة[55].

ولقد أوجب الإسلام على الجميع التعلّم كفريضة. فيجب على كلّ فرد بالحدّ الأدنى أن يتعلّم واجباته الدينيّة، وكلّ ما يساعد الإنسان على تعلّم واجباته الدينيّة، يجب عليه تعلّمه كمقدّمة للواجب, وكذا، كلّ ما يمكن أن يساعد الإنسان في فعاليّات الحياة وأداء مهامّه الكبرى, لذا، فإنّ فريضة التعلّم تستمّر إلى ما لا نهاية[56].

 

المؤشّر الرابع: الصفاء والأخوّة

فالمنازعات الناشئة عن الدوافع الوهميّة، والشخصيّة، والنفعيّة والانتهازيّة، مبغوضة في النظام النبويّ، وتتمّ محاربتها. الجوّ، جوّ إخلاص وأخوّة، ووئام[57].

فكانت الثقة المتبادلة تحكم جوّ المجتمع الإسلاميّ، في عصر صدر الإسلام الأوّل, وذلك ببركة تعاليم الرسول[58].

 

المؤشّر الخامس: الصلاح الأخلاقيّ والمسلكيّ

الصلاح الأخلاقيّ والمسلكيّ أي أن النبي  صلى الله عليه وآله وسلم يزكّي النّاس، ويهذّبهم ويطهّرهم من المفاسد والرذائل الأخلاقية, يبني إنسانًا ذا أخلاق ومن أهل التزكية, ﴿وَيُزَكِّيهِمْ وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ[59]. التزكية واحدة من الأركان الأساسيّة, أي أنّ الرسول يمارس العمل التربوي على الأفراد واحدًا واحدًا، ويصنع الإنسان[60].

 

المؤشّر السادس: العزّة والقدرة

العزّة والقدرة تعني أن المجتمع والنظام النبويّ لا يتلقّى الضربات، وغير مرتبط بالخارج، وليس تابعًا، ولا يستعطي هذا وذاك، عزيز، وقدير، ويتّخذ القرارات, وهو – إذ يعرف مصلحته – يسعى إلى تحقيقها ويتقدّم بعمله[61].

 

المؤشّر السابع: العمل والحركة والتطوّر الدائم

العمل والحركة والتطوّر الدائم، حيث لا وجود للتوقّف في النظام

النبويّ, هناك حركة وعمل وتطوّر بشكل مطّرد. لا يحدث أن يأتي وقت يُقال فيه: انتهى الأمر, فلنجلس الآن ونسترح, هذا لا وجود له. بالطبع هذا العمل هو العمل الباعث على البهجة والسرور, وليس العمل المتعب والمؤدّي إلى الكسل والضجر, هو العمل الذي يعطي الإنسان النشاط والقوّة والحماس[62].

وهناك نموذج آخر أيضًا هو مسألة خلق جوّ العمل والجدّ في المجتمع، فلا يكفى أن يأمر الرسول النّاس بالعمل والجدّ. فقد كان  صلى الله عليه وآله وسلم يحيي بأساليب مختلفة روحيّة العمل والجدّ في الناس، وكان أحيانًا، إذا ما رأى شابًّا عاطلًا عن العمل، يقول: “إنّ الله لا يحبّ الشابّ الفارغ[63], إنّ الله لا يرضى عن الشابّ الذي يهدر عمره ويمضيه بلا عمل[64].

وكان الرسول  صلى الله عليه وآله وسلم ينجز أعماله بنحو إداريّ وكان سريع العمل. ولم يكن يسمح للوقت أن يمرّ، في أيّ قضيّة من القضايا[65].

فلقد حكم مدّة عشر سنوات, لكنّنا إذا أردنا أن نسلّم هذا العمل الذي أُنجز في عشر سنوات، وهذه الجهود والخدمات إلى مجموعة نشيطة لتنجزه، فلا يمكنها أداؤه في مئة سنة[66].

ولقد شرع الرسول الأكرم  صلى الله عليه وآله وسلم بالعمل بمجرّد دخوله المدينة. من جملة عجائب حياته الشريفة أنّه لم يهدر لحظةً على مدى تلك الأعوام العشرة. لم يُرَ يتوانى لحظةً عن إسراج نور المعنويّة والهداية والتعليم والتربية. فيقظته ونومه، مسجده، بيته، ساحة معركته، مشيه في الطرقات، وذهابه إلى السوق، تعامله مع عائلته، ووجوده ـ أينما حلّ ـ كان درسًا. عجبٌ للبركة الموجودة في هذا العمر الشريف! شخص سخّر التاريخ كلّه لفكره، وأثّر فيه… قد مارس العمل الحكوميّ والسياسيّ والعامّ عشر سنوات فقط. يا له من عمر مفعم بالبركة![67].

 

– شموليّة القواعد للعالم

إنّ عهد النبيّ في المدينة… هو عهد تأسيس النظام الإسلاميّ وبناء نموذج ومثال عن حاكميّة الإسلام لجميع الأزمنة وعصور التاريخ الإنسانيّ وجميع الأمكنة. بالطبع، هذا النموذج، هو نموذج كامل، ولن يحصل مثله في أيّ عصر من العصور, لكن يمكن من خلال النظر إلى هذا النموذج الكامل، أن نتعرّف إلى المؤشّرات. هذه المؤشّرات هي علامات لبني البشر والمسلمين، ينبغي من خلالها الحكم على الأنظمة والناس.

هذه الولادة بالنسبة لتاريخ البشريّة، هي مقدّمة الرحمة الإلهيّة. وقد عبّر القرآن عن الوجود المبارك للرسول بـ ﴿رَحْمَةً لِّلْعَالَمِينَ[68]. هذه

الرحمة ليست محدودة, وهي تشمل أيضًا التربية، والتزكية، والتعليم، وهداية النّاس إلى الصراط المستقيم، وتطويرهم على مستوى حياتهم الماديّة والمعنويّة. وهي ليست مختصّة بأناس ذلك الزمان, بل متعلّقة بكافّة الأزمنة, ﴿وَآخَرِينَ مِنْهُمْ لَمَّا يَلْحَقُوا بِهِمْ﴾[69]. طريق الوصول إلى ذلك الهدف، هو العمل بالمعارف الإلهيّة وقوانين الإسلام التي حُدّدت للبشر[70].

سيادة الشعب الدينيّة

 

سيادة الشعب الدينيّة في الحكومة النبويّة

كان الرسول الأكرم  صلى الله عليه وآله وسلم يعيش مع الناس, يسأل الناس عن آرائهم, ينشر دين الله ويقوّي شوكة هذا الدين من خلال الناس, كان يسحق أعداء الله بأيد الناس, إنّها لحكومة شعبيّة بالمعنى الحقيقيّ للكلمة. في مثل هكذا حكومة يعمل الشعب من منطلق حبّه لحكّامه[71].

ففي منطق الإسلام، تكون إدارة أمور الناس والمجتمع، من خلال هداية الأنوار القرآنيّة والأحكام الإلهيّة. فلقد جعل للشعب شأن واحترام في قوانين القرآن السماويّة والإلهيّة, الشعب هو الذي يختار ويمسك بيده مصير إدارة البلاد. هذه السيادة الشعبيّة هي أرقى أنواع السيادة الشعبيّة التي يشهدها العالم اليوم, ذلك أنّ السيادة الشعبيّة تكون في إطار الأحكام والهداية الإلهيّة, هي اختيار الشعب، لكنّه الاختيار الذي استطاع من خلال الاهتداء بالقوانين السماويّة المنزّهة عن كلّ نقص وعيب، العثور على الوجهة والطريق الصحيحين.

يوجد أطر لما يُعرف في العالم باسم الديمقراطيّة والسيادة الشعبيّة. ففي الديمقراطيّات الغربيّة، أطر هي عبارة عن مصالح أصحاب الثروات وأصحاب رؤوس الأموال وإراداتهم الحاكمة على مصير المجتمع, وحدها تلك الأطر التي تجعل رأي الشعب ذا قيمة ونافذًا. فإذا أراد الشعب شيئًا مخالفًا لمصالح أصحاب رؤوس الأموال، وذوي النفوذ الماليّ والاقتصاديّ ـ وبتبعه، النفوذ السياسيّ، فلا يوجد أيّ ضمانة لتسليم هذه الأنظمة الديمقراطيّة لإرادة الشعب. هناك أطر متينة ومحكمة حاكمة على جميع هذه الإرادات والديمقراطيّات. في الدول الاشتراكيّة السابقة ـ التي كانت تسمّي نفسها أيضًا ديمقراطيّة ـ كان هذا الإطار هو الحزب الحاكم. وخارج نطاق إرادة الحزب الحاكم وسياساته ودوافعه، لا تأثير لرأي الشعب ولا يؤخذ به.

 

النّظام الإسلاميّ قائمٌ على الأحكام القرآنيّة والهداية الإلهيّة

يمتاز النظام الإسلاميّ في أنّ هذا الإطار، هو الأحكام الإلهيّة المقدّسة والقوانين الإلهيّة ونور الهداية الإلهيّة الذي يشعّ في قلوب الناس وأعمالهم وعقولهم ويهديهم. إنّ مسألة هداية الناس هي واحدة من المسائل المهمّة جدًّا، التي غُضّ الطرف عنها في الأنظمة السياسيّة الرائجة في العالم, ولا سيّما الأنظمة الغربيّة. معنى هداية الشعب هي أن يحصل، نتيجة للتعليم والتربية الصحيحين، وإرشاد الناس إلى منابع الفضيلة – أمرٌ تكون فيه إرادة الشعب متّجهة نحو الفضائل الأخلاقية, وتُبعد فيه الميول

المفسدة، التي تُطرح أحيانًا تحت عنوان رأي الشعب وإرادته، عن أفق الاختيار الشعبي. تلاحظون اليوم، أنّ أشدّ الانحرافات قبحًا ـ الانحرافات الجنسيّة وأمثالها ـ تأخذ الصبغة القانونيّة في الكثير من الديمقراطيّات الغربيّة، وتُشرعن، ويتمّ الترويج لها، على أنّها رأي الشعب! هذا يدلّ على غياب العنصر المعنوي والهداية الإيمانيّة.

 

انتخاب الشعب واختياره في إطار الصلاح والفلاح

في النظام الإسلاميّ – أي سيادة الشعب الدينيّة – الشعب ينتخب، يتّخذ القرارات، ويتولّى إدارة أمور البلاد من خلال منتخبيه, لكنّ هذه الإرادة وهذا الانتخاب والاختيار هي في ظلّ الهداية الإلهيّة، ولا تسير أبدًا خارج طريق الصلاح والفلاح، ولا تتنكّب أبدًا عن الصراط المستقيم, المسألة الأساسيّة، في سيادة الشعب الدينيّة، هي, أنّها هديّة الثورة الإسلاميّة للشعب الإيراني, هذه التجربة الجديدة والحديثة العهد, لكن يمكن التأمّل فيها ومتابعتها ومحاكاتها، لكلّ الذين تتوق قلوبهم للفضائل وللمجتمع الإنسانيّ الطاهر والنزيه، ويعانون من الرذائل الأخلاقية وانتشار قبائح الأخلاق البشريّة[72].

 

النموذج الحكوميّ على أساس الموازين الفقهيّة

إنّه لخطأ كبير أن نخلط ونمزج اليوم بين سيادة الشعب الدينيّة، بهذه الفلسفة العميقة ورعاية حقّ الشعب، وبين ما هو موجود في الغرب. هذه

هي السيادة الشعبيّة الحقيقيّة، والشارع المقدّس، طبق الموازين الفقهيّة التي بين أيدينا، قد قرن في غيبة الإمام المعصوم  عليه السلام هذه الوظيفة أو التكليف أو حقّ الحكومة والحاكميّة بمؤهّلات. وبدون هذه المؤهّلات، لا وجود لهذا الحقّ وهذه الإجازة, ذلك لأنّ الأصل هو عدم سلطة أحد على أحد. عندما يريد إنسان أن يتدخّل في شؤون الناس الآخرين، ينبغي لهذه المؤهّلات أن تكون موجودة حتماً. تشخيص هذه المؤهّلات – أيضًا (و) طبق نهجٍ عقلائيّ ومحطّ ثقة – يقع على عاتق الأشخاص الذين لهم القدرة على ذلك, والشعب في نظام الجمهوريّة الإسلاميّة يعلن عن هذا الطريق اختياره وبيعته. إنّ مشاركة الشعب واختياره بواسطة الأشخاص، الذين يعرفون هذه المؤهّلات ولديهم القدرة على تشخيصها في الشخص، والذين هم مسؤولون عن الإشراف عليها، ومراقبة وجودها وبقائها، والذين يعرفون ما يجري- هي من أرقى الوظائف الموجودة[73].

 

فلسفة المسؤوليّة في النظام الإسلاميّ

عندما نقول “الشعب“، فلا يعني ذلك أن يأتي الناس ويصوّتوا، وينتخبوا مسؤولًا أو نائبًا, ومن ثمّ لا توجد أيّ مسؤوليّة لذلك الشعب, وليست المسألة صرفًا، أنّه إذا أراد شخص أن يقوم بعمل من أجل الشعب فذلك, لكي ينتخبه الناس مرّةً أخرى, المسألة ليست كذلك. ففي الإسلام وفي نظام الجمهوريّة الإسلاميّة، فلسفة تكليف انتخاب المسؤولين في

البلاد هي من أجل أن يعملوا للشعب. المسؤولون من أجل الشعب، وهم خَدَمَة له ومدينون له ومؤتمنون من قبله. الشعب هو المحور. على الشخص الذي يتسلّم المسؤوليّة في نظام الجمهوريّة الإسلاميّة، أن يكون الشعب جلّ همّه وفكره, سواءً في ذلك دنيا الناس، أم أمورهم الماديّة أم أمورهم المعنويّة، أم تحقيق العدالة بين الناس، أم إحياء الشؤون الإنسانيّة للناس، أو حريّة الناس, هذه بعض الوظائف الأساسيّة للحكومة[74].

 

اختلاف السيادة الشعبيّة الغربيّة عن السيادة الشعبيّة الدينيّة

الجمهوريّة الإسلاميّة في الواقع، مخالفة للتيّارين الأوروبيّين كليهما, سواءٌ كان ذاك الذي ساد في أوروبا في القرون الوسطى و قبل القرن الثامن عشر، أم ذاك الذي ساد بعده كردّة فعلٍ عليه. ما كان سائدًا في السابق، حكومات استبداديّة مُتَوَارَثَة، ومعتمدة على الغشّ وسيطرة سلطة ما، وفردٍ ما، أو جماعةٍ نافذةٍ على أمور بلدٍ ما ـ وهذا ما يخالفه الإسلام, لكن ما ظهر بعد ذلك، أنّهم كانوا يرون الحقّ محصورًا في انتخاب الشعب ورأيه وإرادته, هذا كان (موجودًا) بالحدّ الأدنى في الشعارات وطرح الفكر والنظريّة، ولو لم يكن كذلك في واقع الأمر, وهذا مخالفٌ للإسلام.

حقّ اختيار الشعب ناشىء من الحكم الإلهيّ

إنّ حقّ الله في الإسلام ليس منافسًا لحقّ الناس ولا في مقابله. جميع حقوق الناس – من جملتها: حقّ الشعب في الانتخاب، والذي هو حتمًا في أمر الحكومة – ناشئة من الحكم الإلهيّ, قيمة جميع حقوق الشعب ناشئة عن حاكميّة الله وما أمر به الله تعالى, لذا، عُبّر في القرآن الكريم، في الموضع الذي يتمّ فيه الاعتداء على حقوق الناس والتعرّض لهم، ـ كمسألة الربا، بقوله – تعالى -: ﴿فَأْذَنُواْ بِحَرْبٍ مِّنَ اللّهِ[75] ومع أنّ هذا العمل هو اعتداءٌ على حقوق النّاس، لكنّ الحرب مع الله. أو في الموضع الذي تكون المسألة فيه مسألة فساد في الأرض – ﴿وَيَسْعَوْنَ فِي الأَرْضِ فَسَادًا[76] هذا العمل هو ﴿يُحَارِبُونَ اللّهَ وَرَسُولَهُ﴾[77], هذا تعرّض لحقوق الناس، لكنّه محاربة لله ولرسوله, ذلك لأنّ ما يرتبط بالناس على اتّساعه، هو تكليفٌ إلهيّ, الحقّ الذي جعله الله للناس, التكليف الذي وضعه الله على عاتق من يتولّون أمور الناس.

… يمكن القول إنّ الجمهورية الإسلاميّة ليست حبرًا على ورق، هي حقيقة, تعتمد على رأي الشعب حيث أمرنا الله سبحانه أن نولي الأهميّة لرأيه واختياره وإرادته في هذا المجال.

وليست مشكلتنا في نظام الجمهوريّة الإسلاميّة فقط، أن يسيء النّاس فهمنا، أو تتراجع ثقتهم بنا, مشكلتنا هي التكليف الشرعي أيضًا, ولو لم يفهم الناس. فإذا قمنا في مكان ما بعمل، أدّى إلى تضييع حقوق الناس, مع أنّ أحدًا لم يدرك أنّه تمّ التعرّض لحقوق الناس وكانت الدعايات صاخبة أيضًا… فإنّ مشكلة التكليف الشرعي تبقى تواجهنا. في أقاصي الجسم العظيم للحكومة وفي طولها وعرضها ـ حيث الحكومة ليست محصورة ومتجلّية في شخص القائد- الجميع شركاء في هذه السيادة الشعبيّة الدينيّة، والوظائف الملقاة على عاتقهم من هذه الناحية, سواءٌ رئيس الجمهوريّة، أم رئيس سلطة من السلطات الثلاث، أم نوّاب المجلس، أم أيّ مسؤول في ناحية من النواحي ـ تكليف الجميع هو مراعاة حقوق الناس لله, هذان الاثنان، متساويان بعضهما مع بعضٍ ومتّحدان[78].

 

– تنصيب مدير المجتمع على أساس المؤشّرات الإلهيّة

مسألة الغدير – وتنصيب أمير المؤمنين عليه السلام كوليّ أمر للأمّة الإسلاميّة من قبل نبيّ الإسلام الأكرم  صلى الله عليه وآله وسلم – هي حادثة عظيمة جدًّا ومليئة بالمعاني, في الحقيقة، هي تدخّل للنبيّ الأكرم  صلى الله عليه وآله وسلم في أمر إدارة المجتمع. معنى هذا التحرّك، الذي حدث في اليوم الثامن عشر من ذي الحجّة من العام العاشر الهجري، هو أنّ الإسلام ينظر إلى مسألة إدارة المجتمع بعين الأهمّيّة. ولا يُترك أمر الإدارة في النظام الإسلاميّ

والمجتمع الإسلاميّ هكذا من دون اكتراث. السبب هو أنّ إدارة مجتمعٍ ما هي واحدة من أكثر مسائل المجتمع تأثيرًا. تنصيب أمير المؤمنين عليه السلام أيضًا – (و) الذي هو مظهر التقوى، والعلم، والشجاعة، والتضحية، والعدل بين صحابة النبيّ – يبيّن أبعاد هذه الإدارة. ومن الواضح أنّ ما له الأهمّية في نظر الإسلام في باب إدارة المجتمع هو هذه الأمور. وحتى أولئك الذين عارضوا أميرالمؤمنين  عليه السلام، لم يكونوا يشكّون في علم ذلك العظيم وزهده وتقواه وشجاعته، وفي تضحيته من أجل الحقّ والعدل. كان هذا موضع اتّفاق المسلمين كافّة، وجميع من كان يعرف أمير المؤمنين  عليه السلام. هذا يظهر أيّ نوع من أنواع الإدارة والحكم والحكومات ينبغي على المجتمع الإسلاميّ – من وجهة نظر الإسلام والرسول  صلى الله عليه وآله وسلم أن يسعى إليها كهدفٍ منشود[79].

 

الولاية مختصّة بالله تعالى

الولاية تعني الحاكميّة وقيادة المجتمع الإسلاميّ، ومن الطبيعيّ أنّها أمر مغاير للولاية والقيادة والحكومة في المجتمعات الأخرى. ولاية المجتمع في الإسلام، مختصّة بالله تعالى. ليس لأيّ إنسان الحقّ في تولّي إدارة أمور الناس الآخرين. هذا الحقّ مختصّ بالله المتعال الخالق والمنشىء والعالِم بالمصالح والمالك لأمور الناس، والمالك لجميع ذرّات

عالم الوجود. وهذا الشعور نفسه في المجتمع الإسلاميّ أمرٌ قلّ نظيره. فأيّ سلطة، وأيّ سيف حادّ، وأيّ ثروة، وحتّى أيّ قوّة علميّة وإداريّة، لا تعطي لأحد الحقّ بأن يكون المالك والمقرّر لمصير الناس الآخرين؟!

الله – سبحانه وتعالى – يُعمل هذه الولاية والحاكميّة من قنوات (مجاري) خاصّة. أي: عندما يُنتخب الحاكم الإسلاميّ ووليّ أمر المسلمين، سواءٌ على أساس تعيين الشخص، كما حدث طبقاً لعقيدتنا بالنسبة لأمير المؤمنين والأئمّة  عليهم السلام، أم على أساس المعايير والضوابط, عندما تُعطى له هذه الصلاحية بأن يدير أمور الناس – فإنّ هذه الولاية أيضًا هي ولاية الله, هذا الحقّ هو حقّ الله، وهذه هي السلطة والحكم الإلهيّان اللذان يجريان في الناس. ذلك الإنسان- مهما كان ويكون- من دون الولاية الإلهيّة والسلطة الإلهيّة، ليس له أيّ حقّ على الناس الآخرين. وهذه نفسها، مسألة مهمّة جدًّا وحاسمة في مصير المجتمع الإسلاميّ.

أمّا ذلك الشخص الذي يتولّى هذه الولاية من قبل الله تعالى، فعليه أن يحقّق ويظهر نموذجًا ضعيفاً وشعاعًا وظلًّا من تلك الولاية الإلهيّة، أو لنقل: فلتكن فيه. خصائص الولاية الإلهيّة هي السلطة والحكمة والعدالة والرحمة وأمثالها. فالشخص أو الجهاز الذي يتولّى إدارة أمور الناس – عليه أن يكون مظهرًا للسلطة، والعدالة، والرّحمة، والحكمة الإلهيّة. هذه الخصّيصة هي الفارق بين المجتمع الإسلاميّ وسائر المجتمعات الأخرى، التي تُدار بأشكالٍ أخرى. ليس للجهالات، والشهوات النفسانيّة،

والأهواء والميول والسلائق الشخصيّة المستندة إلى مصلحة شخص أو جماعة ومنفعتهما، – الحق في أن تجعل حياة الناس وسير أمورهم تحت سلطتها. لذا، ينبغي للعدالة والعلم والدين والرحمة أن تكون الحاكمة في المجتمع والنظام الإسلاميّ, لا ينبغي للأنانيّة أن تكون حاكمة, ولا ينبغي للرغبات والأهواء – من أيّ شخص، وفي قول وعمل أيّ شخص وشخصيّة – أن تحكم[80].

 

المضمون الحقيقي للغدير

الشيء الذي يبقى على امتداد الزمان على شكل حادثة، ويمكن للبشر أن يأخذوا منه الدروس، ويطابقوا حياتهم ومستقبلهم عليه- هو المضمون الموجود في حادثة الغدير. فنفس أن يصدر الله – سبحانه – أمرًا خاصًّا، وعلى أساس هذا الأمر، يعيّن الرسول الأكرم  صلى الله عليه وآله وسلم شخصًا كـ “وليّ” – وهو – أيضًا – الشخص الحائز بهذه الخصائص – لهو أمٌر مهمّ ودرس كبير وجزء مهمّ من الإسلام. لعلّه يمكن أن يُقال: إنّ الأساس والركن الحقيقيّ للإسلام هما في هذا الجزء من القضيّة. أهميّة المضمون الحقيقيّ للغدير- كما جاء في القرآن – هي: ﴿وَإِن لَّمْ تَفْعَلْ فَمَا بَلَّغْتَ رِسَالَتَهُ﴾[81].

ما هي حقيقة الغدير وحقيقة هذا التنصيب الحائز على هذا القدر من الأهمّيّة؟ لهذه المسألة أبعاد متنوّعة: أحدها, أنّ إدارة أمور البشر أمر

إلهيّ وليس بشريًّا، وتختلف عن سائر شؤون الإنسان الأخرى. قد يستغلّ البعض الأمر من هذه الناحية، ويربط الكثير من المخالفات والانحرافات بارادة الله. بالطبع، يمكن أن يجري هذا الاستغلال بالنسبة إلى الكثير من حقائق العالم. وقد استغلّ البعض مسألة النبوّة نفسها, ادّعوا النبوّة وأضلّوا البعض. هذا لا يصلح دليلًا, لكي نتجاوز هذا البعد العظيم جدًّا بسهولة. وهذا نفسه، يشكّل نقطة[82]، ألا وهي أنّ مسألة إدارة أمور المجتمع، ومسير البشر ومصيرهم، وما من شأنه أن يبني مستقبلهم- مرتبطة بمعدن الإرادة الإلهيّة والتنصيب الإلهيّ[83].

في يوم الغدير، كان لهذه الحركة العظيمة، التي تمّت كما جاء في الروايات على يد النبيّ الأكرم  صلى الله عليه وآله وسلم – أبعاد. بالطبع، كان أحد أبعادها فضائل أمير المؤمنين  عليه السلام. النّاس أيضًا كانوا يعرفون ويشاهدون عن كثب هذه الفضائل في ذلك الرجل العظيم. الرسول الأكرم، وفي الحقيقة الإرادة الإلهيّة – أيضًا – يعتبران هذه الفضائل والقيم ذات أهمّية, وعلى أساس تلك القيم، عيّن الولاية والحاكميّة بعد الرسول. ومعلومٌ أنّ الذي يمكنه أن يتربّع على عرش حكومة المسلمين هو الذي يتحلّى بتلك القيم. لم يكن من اللّازم على الرسول الأكرم في ذلك اليوم أن يبيّن فضائل أمير المؤمنين, فقد كان الناس يعلمونها.

هذا، بعد من أبعاد واقعة الغدير, أي: تأكيد هذه الفضائل وتثبيتها، وكون هذه الفضائل والقيم تعود إلى الحكومة وإلى هذه الأخلاق المتوافق عليها في المجتمع الإسلاميّ. هذا البعد مهمّ جدًّا، ومن الواضح أنّ الحكومة في الإسلام، طبقًا لرؤية النبيّ والوحي الإلهيّ، – تابعة للقيم, وليست تابعة لأمور أخرى. هذا نفسه، أصلٌ إسلاميّ[84].

 

– الارتباط بين الناس والحكّام

الولاية، هي الارتباط الوثيق بالناس

للولاية معنى عجيب. أصل معنى الولاية: عبارة عن قرب شيئين أحدهما من الآخر. لنفترض أنّ حبلين متينين رُبطا بعضهما بالبعض بحيث لا يمكن فصلهما بسهولة، هذا ما يُسمّى في اللغة العربيّة بـ “الولاية“. الولاية تعني: اتّصال شيئين وارتباطهما وتقاربهما بنحوٍ لصيقٍ ومتين. جميع المعاني التي ذُكرت لـ”الولاية” في كتب اللغة ـ معنى المحبّة، ومعنى القيّوميّة وباقي المعاني، حيث يوجد في اللّغة العربيّة سبعة أو ثمانية معاني ـ من هذه الناحية ـ يوجد في كلّ واحد منها بشكلٍ ما هذا القرب والتقارب بين طرفي الولاية. كـ “الولاية” بمعنى المحبّة, ذلك لأنّ المحبّ والمحبوب لهما ارتباط واتّصال معنويّ لأحدهما بالآخر (يشدّ أحدهما إلى الآخر)، ولا يمكن فصلهما.

يذكر الإسلام الحكومة بتعبير “الولاية” ويعرّف الشخص الذي يقف على رأس الحكومة بـالوالي، الوليّ، المولى ـ أي: اشتقاقات كلمة الولاية ـ. ما معنى ذلك؟ معناه أنّ الشخص الذي يجلس على رأس السلطة وأولئك الأشخاص الذين تكون في يده سلطة الولاية عليهم، لهم ارتباط واتّصال وتواصل لا ينقطع. هذا هو معنى هذه المسألة. هذا، يفسّر لنا الفلسفة السياسيّة للإسلام في موضوع الحكومة. كلّ حكومة لا تكون هكذا فهي ليست ولاية, أي ليس الحاكميّة التي توقّعها الإسلام. لو افترضنا أنّ هناك أشخاصًا على رأس السلطة ليس لهم ارتباط بالناس، فهذه ليست ولاية, إذا كان هناك أشخاص علاقتهم بالناس علاقة خوف ورعب وليست علاقة محبّة ووئام وارتباط – فهذه ليست ولاية, إذا تزعّم أشخاص من خلال الانقلاب، فهي ليست ولاية, إذا تربّع أحد على عرش الحكم عن طريق الوراثة والخلافة النسبيّة، وهو يفتقر إلى الفضائل والشروط الحقيقيّة التي تُشترط في الحكومة – فهي ليست ولاية. الولاية تكون عندما يكون ارتباط الوالي أو الولي بالناس المولّى عليهم ارتباط قريب، شفّاف، مفعم بالمحبّة, وذلك كما كان الأمر عليه مع النبيّ  صلى الله عليه وآله وسلم ـ أي: ﴿بَعَثَ فِيهِمْ رَسُولاً مِّنْ أَنفُسِهِمْ[85], أي: يكون هناك شخص من بين الناس أنفسهم يتولّى مسألة الولاية والحكومة. هذا هو أساس المسألة في حاكميّة الإسلام[86].

الولاية الإلهيّة ارتباطٌ بالناس

إذن، علاوة على تلك المعاني الحقيقيّة الموجودة، الحكومة في الإسلام هي حكومة ولائيّة، والولاية تعني: الحكومة التي عُبّر عنها بهذه العبارة اللطيفة والمتناسبة مع شخصيّة الإنسان. ولأنّ لأفراد المجتمع وأفراد بني البشر في الإسلام، أهميّة في حساب الإسلام السياسيّ, في الواقع، فالشعب هو كلّ شيء. الشعب هو من يُعتدّ بشخصيّته، وإرادته، ومصالحه، وجميع شؤونه في نظام الإسلام السياسيّ, عندها (عندما يتوفّر ذلك الشرط)، تأخذ الولاية الإلهيّة معناها من خلال هكذا مشاركة للشعب. حقيقة الولاية الإلهيّة هي: الارتباط بالشعب.

 

ارتباط أمير المؤمنين الدائم بالشعب

لذا، نرى أمير المؤمنين  عليه السلام الذي هو مظهر الولاية في الإسلام والمصداق التامّ للوليّ الذي نُصّب للناس، لم يخلُ في أيّ وقت من حالة الارتباط بالناس هذه، والتواصل والانسجام معهم. سواء في العهد الذي أُقصي فيه عمليًّا عن الحكم، وانفصل عنه الناس على نحو الارتباط الحكومتيّ, أي: سُلبت منه الحكومة عمليًّا, الولاية والحكومة والقيادة والسلطة التي يُعبَّر عنها في الإسلام بـ “الولاية” وكانت حقًّا له – سُلبَت منه ـ بالطبع، الولاية المعنويّة- ذلك الشيء المفروض والموجود في إمامة الشيعة – موجودة في كلّ الأحوال وليست مرتبطة بالولاية الظاهريّة – ولا في العهود الأخرى، ترك الارتباط والاتّصال بالنّاس. في ذلك الوقت كان

أمير المؤمنين عليه السلام واحدًا من أفراد الشعب وجزءًا منهم, لم ينزوِ وينعزل ويبتعد عن الناس. وأيضًا، في الوقت الذي تسلّم فيه الحكم، كان حاكمًا شعبيًّا بكلّ ما للكلمة من معنى[87].

 

الحكومة الشعبيّة الحقيقيّة في عصر الظهور

الدرس المهمّ الآخر الذي يُستفاد، هو أنّ حكومة المهديّ الموعود (أرواحنا له الفداء) الآتية، هي حكومة شعبيّة بالمعنى التامّ للكلمة. ماذا تعني كلمة شعبيّة؟ أي: مستندة إلى إيمان الشعب وإرادته وسواعده. إمام الزمان لا يملأ العالم قسطًا وعدلًا وحده. إمام الزمان يعتمد على عموم أفراد الشعب, ليقيم بناء العدل الإلهيّ في أرجاء العالم، ويشكّل حكومة شعبيّة مئةً في المئة, لكنّ هذه الحكومة الشعبيّة تختلف عن الحكومات الرائجة اليوم والتي تدّعي الشعبيّة والديمقراطيّة، اختلاف الأرض عن السماء. ما يُسمّونه في العالم اليوم بالديمقراطيّة والسيادة الشعبيّة، هو الديكتاتوريّات القديمة نفسها، وقد لبست لبوسًا جديدًا, أي: ديكتاتوريّة الأحزاب. ومع أنّ التنافس موجود، إلّا أنّ التنافس بين الأحزاب والشعب في هذه الأثناء مُعطَّل… السيادة الشعبيّة في عصر إمام الزمان ـ أي: سيادة الشعب الدينيّة ـ مختلفة كلّيًّا عن هذه المناهج[88].

عوامل تطوّر الحضارة الإسلاميّة

 

سرّ تطوّر الإسلام في عصر الجاهليّة

في السنوات الماضية، عندما كانت تُطرح قضيّة المبعث وذكريات البعثة العظيمة، كان شعبنا – أيضًا – يعتبر حركته ونهضته العامّة وقيامه الشعبيّ التاريخيّ في الثورة، هو استمرار لتلك البعثة النبويّة العظيمة، وأيضًا كان هذا السؤال ينقدح، بالحدّ الأدنى، في أذهان أفراد من الناس ـ من الخواصّ وأهل الفكر ـ وهو ما كان سرّ تطوّر الإسلام في أيّام غربة المعرفة تلك وانتشار الجهل، الذي ملأ العالم كلّه؟ أيّ عامل هو الذي استطاع أن يتقدّم بقدرة الإسلام، ومن ثمّ يؤسّس للحضارة الإسلاميّة، حيث بقيت هذه الحضارة الإسلاميّة – حتّى في عصر انحطاط السلطة السياسيّة للإسلام – في أوج السطوع والقدرة، كيف جعلت ثقافة العالم تحت تأثيرها، وطوّرت العلم وروّجت الثقافة الإسلاميّة؟ هذه تجارب عجيبة جدًّا في التاريخ. ما هو السبب فيها؟ هذا، موضوع بحث طويل جدًّا. وقد عمل المحقّقون والكتّاب على هذا الموضوع، وينبغي أيضًا العمل عليه مجدّدًا[89].

– الإيمان القلبي بالإسلام, عامل تطوّر المسلمين

يقينًا، إنّ أحد العناصر المؤثّرة في تطوّر الإسلام، كان الاتكّال على الله والاستناد إلى الأحكام الإلهيّة, ﴿آمَنَ الرَّسُولُ بِمَا أُنزِلَ إِلَيْهِ مِن رَّبِّهِ وَالْمُؤْمِنُونَ كُلٌّ آمَنَ بِاللّهِ وَمَلآئِكَتِهِ وَكُتُبِهِ وَرُسُلِهِ[90]. فالرسول نفسه ومؤمنو صدر الإسلام كانوا مؤمنين برسالة الإسلام من أعماق القلب، وفي الواقع، آمنوا من الأعماق بشعارات الإسلام وحقائقه، وبجدارة الإسلام لنجاة البشريّة، من الأعماق. هذا الإيمان، هو عامل غاية في الأهمّيّة[91].

فلقد فتح مسلمو صدر الإسلام، إيران وبلاد الروم بقوّة الإيمان. وحتّى الشعوب التي كانوا يهاجمونها، بمجرّد أن كانت تراهم، كان هذا الإيمان – أيضًا – يدخل قلوبها. كان السيف من أجل إزالة الموانع والزعماء المتسلّطين من الطريق, وإلّا فإنّ عامّة الناس في أيّ مكان كانوا قد تصدّوا لذلك. وأصبحت الأمبراطوريّتان العظيمتان في ذلك

العصر ـ أي: الرومانيّة والفارسيّة ـ حتّى الأعماق جزءاً من النظام والدولة الإسلاميّة[92].

 

– عدم الاهتمام بالذات والمصالح الشخصيّة

العامل الآخر، الذي كان يقع بالحدّ الأدنى على رأس هذه الحركة، هو أنّهم كانوا غير مهتمّين بأنفسهم ـ بما يعود للشخص، بالمنافع المادّية ـ وهذا عامل مهمّ جدًّا. وكلّ هذه التأكيدات والتوصيات التي نراها في الروايات، في نهج البلاغة، في أحاديث النبيّ الأكرم والأئمة والعظام، حول الزهد في الدنيا وعدم الاهتمام بزخارفها من قبل الشخص- هو بسبب التأثير العظيم لهذا العامل.

بالطبع، لقد ظنّ أعداء الإسلام والمسلمون منحرفو التفكير أو أظهروا، أنّ الإسلام بدعوته إلى الزهد فإنّما يدعو إلى ترك الدنيا، بمعنى مظاهر عالم الوجود ومظاهر الحياة, في حال لم تكن هذه هي المسألة, بل كان المقصود هو الدنيا السيّئة والدنيا المذمومة وما معناه، أنا وأنتم، هدفًا لأنفسنا ومصالحنا المادّيّة وسعينا وراءه. هذا هو الشيء المؤدّي إلى البلاء والخراب وأساس جميع المصائب[93].

 

رأس الأهداف, النفس أو الإسلام

ما ننتظره، هو أن لا يضع زعماء العالم الإسلاميّ – سواءٌ أكانوا

زمنيّين أم دينيّين – مصالحهم الشخصيّة في الدرجة الأولى من الأهميّة. ما ننتظره من شعوبنا وزعماء عصرنا، ليس ما حلّ في قلوبنا من خلال سلوك الرسول  صلى الله عليه وآله وسلم, لا فهناك بون شاسع جدًّا. الأمر نفسه هو ما ننتظره من أنفسنا – كما ننتظر من الآخرين في العالم الإسلاميّ أيضًا – أن لا يضعوا منافعهم وهذه “الأنا” في رأس أهدافهم، وأن لا يقدّموها على سائر الأمور الأخرى, بل يقدّموا الإسلام وتحقيق القوّة الإسلاميّة والاقتدار والتسامي والكمال الإسلاميّ على مصالحهم. وإذا ما حصل ذلك، فسيعود، ومن دون شكّ، جزء عظيم من القوّة الداخليّة والقوّة الذاتيّة للإسلام، إلى الأمّة الإسلاميّة. هنا، كانت المسألة الأهمّ في وجود إمامنا العظيم، ذلك الشخص الذي استطاع أن يحمل على عاتقه مسؤوليّة الاهتمام بالشعب، وإيمانه، واعتقاده، ومحبّته، وحركته العظيمة، وإيصال الأمور إلى هنا- أنّه ألغى نفسه وغضّ الطرف عنها, جعل التكليف محور أفعاله وحركته, لذا نجح[94].

 

– الصمود والمواجهة المخلصة

يقول أمير المؤمنين عليه السلام كما ورد في نهج البلاغة: “ولقد كنّا مع رسول الله نقتل آباءنا وأبناءنا وإخواننا وأعمامنا، ما يزيدنا ذلك إلّا


إيمانًا وتسليمًا، ومضيًّا على اللّقم، وصبرًا على مضض الألم[95], “فلمّا رأى الله صدقنا أنزل بعدوّنا الكبت وأنزل علينا النصر[96], ومن ثمّ يقول: لو لم يكن هذا: “ما قام للدين عمود ولا اخضرّ للإيمان عود[97], لقد حصلت هذه التطوّرات بفضل إخلاص المسلمين وصدقهم، وتشكّل المجتمع الإسلاميّ. الحضارة الإسلاميّة والحركة التاريخيّة العظيمة اليوم هي – أيضًا – كذلك، وعلى شعبنا والمسلمين في كلّ العالم، التي تتحدّث باسم الإسلام في كلّ صقع من العالم، أيضًا أن يتعلّموا هذا الدرس من عليّ بن أبي طالب[98].

 

تحمّل الصعاب المنهكة

لقد تحمّل المسلمون عناءات كثيرة في زمان الرسول  صلى الله عليه وآله وسلم. تعلمون مصير أهل الصفّة. وسمعتم أنّهم كانوا يستعيرون ملابسهم بعضهم من بعض. لقد كانوا في ذلك الوقت يقاتلون في ساحة المعركة بحبّة واحدة من التمر. فكان الشخص الأوّل يمصّ حبّة التمر ليتقوّى من سكّر تلك المصّة، ومن ثمّ يخرجها من فمه ويعطيها لشخصٍ آخر ليمصّها بدوره

ويتقوّى من سكّر تلك المصّة، وبعد ذلك يعطيها لثالث ليبتعلها, هكذا كانوا يعيشون، هكذا كانوا يتحمّلون الصعاب، وهكذا كانوا يعانون الحرمان. في بداية الأمر، كان الضغط يُمارس عليهم من كلّ ناحية. بدايةُ الأمر، لم تكن الأشهر الخمسة أو الستّة الأولى، والسنة الأولى, الأشهر الخمسة أو الستّة من عمر أيّ رحلة تُعدّ بداية الأمر، وليس من عمر شعب، ولا من عمر تاريخ جديد. إنّ العشر سنوات والعشرين سنة في عمر شعب ما، تُحسب أيّامًا عدّة.

… في عصر الرسول، تحمّل الناس الصعوبات, لكن بعد أن قوي الأساس، أدّت هذه المجاهدات والتضحيات والاخلاص و”التربيات” إلى أن تستمرّ هذه الحركة بالمسير قُدُمًا، بحيث صار بعد ارتحال الرسول الأكرم  صلى الله عليه وآله وسلم أكثر من نصف العالم في تصرّف المسلمين. هذا ما كان الأمر عليه في ذلك العصر، واليوم هو كذلك[99].

 

سرّ استمرار حركة الإسلام

هذه الحركة مستمرّة، انظروا، بعد مرور أربعة عشر قرنًا، لا زال الإسلام يتألّق. جميع هؤلاء يدورون في فلك ذلك الوجود العظيم وتلك المجاهدات. تلك التي جعلت هذه الحركة مستمرّة على هذا النحو[100].

– وحدة الكلمة

الهدف من هذا التذكير، ليس التفاخر, الهدف هو التذكير بهذه الحقيقة, وهي أنّ ما أوجد هذه الحضارة – أي: الإسلام ومعارفه البانية للحياة – لا زال الآن بين أيدينا، ويحذّرنا: ﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ اسْتَجِيبُواْ لِلّهِ وَلِلرَّسُولِ إِذَا دَعَاكُم لِمَا يُحْيِيكُمْ﴾[101]. لقد أثبت الإسلام أنّ لديه الأهليّة، لإيصال الأمّة الإسلاميّة إلى التطوّر المدنيّ والعلميّ، والعزّة والسلطة السياسيّة. وشرط تحقّق هذا الهدف الكبير هو الإيمان والجهاد واجتناب التفرقة، ويبشّرنا القرآن بقوله: ﴿وَلاَ تَهِنُوا وَلاَ تَحْزَنُوا وَأَنتُمُ الأَعْلَوْنَ إِن كُنتُم مُّؤْمِنِينَ[102]. ويقول أيضًا: ﴿وَالَّذِينَ جَاهَدُوا فِينَا لَنَهْدِيَنَّهُمْ سُبُلَنَا[103].

وإنّا جادّون في قضيّة الوحدة، كما أنّنا عرّفنا معنى اتّحاد المسلمين. اتّحاد المسلمين، ليس بمعنى تخلّي المسلمين وفرقهم المتنوّعة عن عقائدهم الكلاميّة والفقهيّة الخاصّة, بل إنّ اتحاد المسلمين بمعنيين آخرين، حيث يجب تحقّق كليهما:

الأوّل: أن تكون المذاهب الإسلاميّة المختلفة (الشيعة والسنّة)، حيث

لكلّ منهما فرق كلاميّة وفقهيّة مختلفة – متوافقة ومتّحدة ومتعاونة ومتفاهمة في مواجهة أعداء الإسلام.

الثاني: أن تسعى الفرق الإسلاميّة المختلفة إلى التقارب والتفاهم فيما بينها، وإلى المقارنة فيما بين المذاهب الفقهيّة ومطابقتها بعضها ببعض. هناك الكثير من فتاوى الفقهاء والعلماء، إذا ما وُضعت موضع البحث الفقهي العلمي، يمكن من خلال تغيير طفيف، التقريب بين فتاوى المذهبين[104].

 

العمل من أجل المخالفة، خطأ

إنّ وضع المسلمين من حيث التضادّ والاختلافات المذهبيّة يدعو، واقعًا، إلى الأسف. وإنّ أكثر طاقات المسلمين العلميّة والفكريّة القيّمة، قد صُرفت على امتداد التاريخ، على مخالفة بعضهم الآخر. لا يشتبهنّ الأمر على أحد, إذا بذل أحدهم جهدًا علميًّا لإثبات مذهبه، فأنا لا أعارضه. فكلٌّ من الشيعة والسنّة وأيّ مؤمن بفرقة، بعقيدة، بطريقة- له الحقّ بإثبات طريقته, هذا بحث آخر, نحن لا نعارض ذلك. ما نعارضه ونرفضه هو السعي لمخالفة الطرف المقابل، وسحقه، وإهانته، ونفي وجوده, وهذا خطأ[105].

القلوب متوجّهة إلى الوحدة

انظروا إلى بعض الدول الإسلاميّة التي تدّعي الإسلام والترويج له. بعضهم وقح وجسور إلى درجة، يعدّون ويعرّفون فيها أنفسهم، بأنّهم المؤسّسون للإسلام وأصحابه والمروّجون له، في حال أنّهم مصدر الفساد والانحطاط ومنشأ المحرّمات والمعاصي الكبيرة! هذا ما تراه شعوب العالم. أهل البصيرة من المسلمين يدركون هذه الأمور، ويعلمون أنّه في هذه الحال، إذا ما رُفع علم الوحدة الإسلاميّة، فإنّ قلوب المسلمين ستتوجّه تلقائيًّا إلى المكان، الذي يحكم فيه الإسلام حقيقةً، والملاكات والمعايير فيه مستقاة من الإسلام، وملاك الحاكميّة والقيادة والمسؤوليّة فيه، أن يكون المرء مسلمًا، وحيث تصدق الآية الشريفة: ﴿الَّذِينَ إِن مَّكَّنَّاهُمْ فِي الْأَرْضِ أَقَامُوا الصَّلَاةَ وَآتَوُا الزَّكَاةَ وَأَمَرُوا بِالْمَعْرُوفِ وَنَهَوْا عَنِ الْمُنكَرِ﴾[106]. إنّ شعوب العالم ترى هذا، وقلوبهم متوّجهة إلى إيران الإسلاميّة[107].

 

معاناة العالم الإسلاميّ

العالم الإسلاميّ يتمتّع بإمكانيّات لا تُحصى في جميع مجالات الحياة البشريّة، ويعاني من مشاكل كبيرة. وإنّ الحاجة إلى المعرفة والجدّيّة والتعاون للوصول إلى الحياة الطيّبة للحضارة الإسلاميّة، والحاجة إلى

الاتّحاد والوعي في سبيل مواجهة المخاطر والعداوات، والحاجة إلى الإخلاص والصدق لجلب الرحمة والمدد الإلهيّين – واضحة (أي: كلّ تلك الحاجات) ومورد قبولٍ للجميع[108].

 

– كيف وُجدت الحضارة الإسلاميّة؟

السؤال الرئيسيّ الآن هو، كيف وُجدت الحضارة الإسلاميّة؟ ذهب البعض إلى القول بأنّها مستقاة من حضارة الفرس، وذهب البعض الآخر إلى أنّها مستقاة من الحضارة الرومانيّة, لكنّ هذه الآراء آراء جاهلة وصبيانيّة. لنفرض أنّ عشرة كتب نُقلت في الحضارة الإسلاميّة من حضارات أخرى, فهل يمكن بهذه الكتب العشرة بناء حضارة؟! وهل الحضارة الإسلاميّة بُنيت من خلال ترجمة الآثار اليونانيّة والرومانيّة والهنديّة؟! لا، فجوهر الحضارة الإسلاميّة كان نابعًا من ذاتها. بالطبع، الحضارة الحيّة تستفيد أيضًا من الآخرين. السؤال هو: من أين أتى هذا العالم العامر، هذا الاستخدام للعلم، هذا الكشف لحقائق من الدرجة الأولى في عالم الوجود, عالم المادّة نفسه ـ الذي تحقّق على أيدي المسلمين؟ من أين أتى هذا الاستخدام للأفكار والعقول والأذهان، والأنشطة العلميّة العظيمة، وتأسيس الجامعات الكبرى بالمقاييس العالميّة في ذلك الزمان، وتأسيس عشرات الدول الغنيّة والقويّة في ذلك الزمان، والسلطة السياسيّة التي لا نظير لها على امتداد التاريخ؟ إنّكم على امتداد

التاريخ، لا تجدون سلطةً سوى السلطة السياسيّة للإسلام، أصبحت، من قلب أوروبا إلى عمق شبه القارّة الهنديّة، دولةً واحدةً، وحكمتها سلطةٌ خالدة. لقد كان عصر القرون الوسطى في أوروبا، عصر الجهل والتعاسة لأوروبا. والأوروبيّون يسمّون القرون الوسطى بـ “عصر الظلام”. وهذه القرون الوسطى نفسها التي كانت في أوروبا عصور الظلام، كانت عصر تألّق العلم في البلدان الإسلاميّة، ومن جملتها إيران. ولقد أُلّفت أساسًا، الكتب حول القرن الرابع الهجريّ ـ الذي كان عصر تألّق العلم ـ وجرت حوله الأبحاث. ما الذي ولّد مثل سلطة سياسيّة كهذه، وقوّة علميّة كهذه، وعالم منظّم وحكم كهذا، واستخدام كهذا لكافّة الطاقات البشريّة الحيّة والبنّاءة والفعّالة؟ إنّ هذه الأمور كانت نتيجةً لتعاليم الإسلام. المسألة هي مجرّد هذا[109].

 

الفتح، ليس بالسيف بل بسلاح الرحمة

تنتهي الحروب، لكنّ التجارب تبقى. في الحوادث الكبرى دروس للشعوب. هذا الدرس سوف يبقى في نفوس البشريّة وذاكرتها الخالدة، حيث: حضارة مع كلّ هذا الزهو، ومع كلّ هذا الادّعاء- تخرج مخفقة من شبّاك الامتحان. في الأعمال التي يمارسونها: إشعال الحروب والظلم والجور، والغرور والنشوة, التصرّفات غير العقلانيّة. البدء بالحروب، تهديد السلام، قتل الناس الأبرياء، إنفاق رؤوس الأموال الكثيرة لإشعال

نار الحروب، وذلك أيضًا بذرائع واهية, هذه تجارب حضارة ما. قارنوا هذا بالحضارة الإسلاميّة، في عهد الخلفاء الراشدين: عندما فتح المسلمون مناطق غرب العالم الإسلاميّ، أي: مناطق بلاد الروم وسوريا الحاليّة، عاملوا اليهود والمسيحيّين في تلك المناطق معاملة، أدّت إلى اعتناق الكثير منهم الإسلام. في بلدنا إيران، استسلم الكثير من الناس من دون مقاومة, ذلك لأنّهم شاهدوا مروءة المسلمين ورحمتهم ومداراتهم للأعداء, لذا جاؤوا واعتنقوا الإسلام. في بلاد الروم، عندما جاء المسلمون، قال اليسورة هود، الآية: “والتوراة” إنّنا طوال عمرنا لم نرَ يومًا جيّدًا كما اليوم. كان الحكم مسيحيًّا وكان يحلّل الظلم لهم, عندما جاء الإسلام، شعروا بالرحمة الإسلاميّة[110].

عصور الحضارة الإسلاميّة

 

العالم الإسلاميّ، من الأندلس إلى الصين

أوّل النتاجات السياسيّة ـ الإنسانيّة للإسلام، كانت الأمّة الإسلاميّة التي ابتدأت من مدينة النبيّ  صلى الله عليه وآله وسلم، وخطت بصورة محيّرة وأسطوريّة خطواتها نحو الرُقيّ الكمّي والنوعي. فلم يكد يمضي نصف قرن على ولادة هذه الظاهرة المباركة، حتّى نفذت إلى ما يقارب النصف من منطقة نفوذ الحضارات الثلاث القديمة الكبرى، المجاورة لها، أي: إيران، وبلاد الروم، ومصر, لتشكّل بعد قرن واحد من ذلك حضارةً متألّقة، ودولة عزيزةً وقويّة في الوسط، تصل من الشرق إلى جدار الصين العظيم، ومن الناحية الأخرى إلى سواحل المحيط الأطلسيّ، ومن الشمال إلى آخر سيبيريا، ومن الجنوب إلى جنوب المحيط الهنديّ. إنّ القرنين الثالث والرابع الهجريّين وما بعدهما مزدانان بحضارة متألّقة، لا زالت بركاتها العلميّة والثقافيّة، وبعد ألف سنة، تُرى بوضوح في حضارة العالم المعاصر. وإذا كان المؤرّخون الغربيّون أثناء حديثهم عن تاريخ العلم والحضارة، يضعون هذا البعث العظيم والذي لا سابقة له للعلم والثقافة والحضارة، (يضعونه) دفعةً واحدةً في بوتقة الإجمال والإهمال، ويصلون مسار العلم من اليونان وروما القديمة مباشرةً

بعصر النهضة – فإنّ الحقيقة، أنّ القرون الوسطى كانت تمثّل للغرب وأوروبا، عصر الظلام والجهل والخوف فحسب, أمّا بالنسبة إلى العالم الإسلاميّ الممتدّ أضعافًا مضاعفة من مساحة أوروبا، أي: من الأندلس إلى الصين ـ فقد كان يُعدُّ عصر التألّق العلميّ ونهضته وتساميه[111].

هذه حقيقة، وهو أنّ كلّ ما تملكه أوروبا فقد رونقه أمام الحضارة الإسلاميّة واستمرّ هذا إلى القرن الرابع والخامس والسادس الهجريّ. بالطبع، بعد هذا تراجعت الحضارة الإسلاميّة سنواتٍ إلى أن جاء عصر النهضة[112].

 

عامل انتصار ثورة صدر الإسلام

ما هو العامل الذي كان مؤثّرًا في انتصار ثورة صدر الإسلام؟ هذا هو الشيء الذي يمكن أن نفهمه بوضوح. هل انتصرت, لأنّها كانت مرتبطة بالله؟ هل دين الإسلام انتصر على أعدائه ومعارضيه، وعلى تلك القوى العظمى التي كانت تخالفه في ذلك الزمان, لأنّه كان على حقّ؟ في الإجابة نقول: لا، أن يكون الدين إلهيًّا، وأن تكون العقيدة والفكرة على الحقّ – لا يوجب بالضرورة أن تنتصر هذه العقيدة في ميدان الحياة. الدليل على ذلك واضح, وهو أنّ ذلك الدين نفسه الذي انتصر في زمن الرسول،

وتلك الحكومة والنظام الذي حكم حياة الناس مع مجيء الرسول  صلى الله عليه وآله وسلم إلى المدينة – اضمحلّوا، بعد مدّة من الزمن، العقيدة نفسها، والدين نفسه، والقوانين نفسها، وشكل الحكومة نفسها, وزالت. إذا نظرتم إلى عصر بني أميّة، فسترون أنّ الشيء الذي كان موجودًا فيه هو الإسلام. الإسلام كان الإسلام نفسه, القرآن لم يتغيّر, القوانين الإسلاميّة كانت القوانين نفسها، لكنّ هذه القوانين في عهد النبيّ استطاعت أن تحطّم قصور الجاهليّة, وأن تزيل أصنام قريش والعرب وأرجاسهما، وأن تنتصر على الطواغيت, لكن مع هذا القرآن نفسه، والإسلام نفسه، والقوانين والمقرّرات نفسها بعد قرن من الزمن… إذا نظرتم إلى العالم الإسلاميّ لرأيتم أنّه مغلوب. مغلوب مِن مَن؟ مغلوب مِن تلك الأصنام والقصور. لقد أطاح الإسلام في البداية بالقوّة العظيمة لامبراطوريّتي الروم والفرس, لكن بعد قرن من الزمن إذ نظرتم، لرأيتم أنّ امبراطوريّتي كسرى وقيصر نفسيهما، والحكومة الشيطانيّة نفسها للفرس والروم قد تسلّطت على الإسلام والمجتمع الإسلاميّ وعلى الشعوب المسلمة. الإسم لا يُحدث تغييرًا, سواءً كان الاسم المتوكّل العباسيّ، أو هارون الرشيد، أو الوليد، وغيره، أو آنوشيروان، أو خسرو برويز، أو يزدجرد، أو هرقل. فشكل الحكومة ذاك نفسه الذي جاء الإسلام لمحاربته وأطاح به، عاد ونما بعد قرن من الزمن في بلاد الإسلام, وفي نفس البيئة التي كان الإسلام قد ولد فيها وتفتّحت براعمه فيها – حكم – وفي الحقيقة أزال الإسلام. إذاً، ليست حقّانيّة الإسلام وكونه إلهيًّا فقط هو الذي جعل الإسلام يتقدّم, هناك شيء آخر

كان مترافقًا معه، ألا وهو إرادة الناس، وجهادهم: كان السعي الذي أظهره الناس المؤمنون بالإسلام في يوم بعثة النبيّ  صلى الله عليه وآله وسلم، وقد انعدم هذا السعي وهذا الجهاد وهذه الإرادة بعد مئة سنة بل بعد خمسين سنة, لذا، انهزم الإسلام[113].

 

الاستفادة من الدروس السماويّة

أعزّائي! هذا الشعب لم يكن متراجعًا ومتخلّفًا من ناحية العلم والثقافة، والتطوّر الفكريّ والعلميّ والاجتماعيّ, هذا الأمر فرضته عليه القوى الطاغوتيّة على امتداد الأزمنة، وذلك بمساعدة الحكّام الفاسدين، وجعلت الشعب الإيرانيّ يتخلّف ظلمًا وزورًا، عن قافلة الحضارة والعلم البشريّ والتطوّر العلميّ. لقد جاء الإسلام وأحيا هذا الشعب وعرّفه على قدراته. لقد أرسل الله – سبحانه – إلى هذا الشعب معلّمًا، يتكلّم معهم بكلام الأنبياء, أوقظهم وعرّفهم حقّهم وقوّتهم, وأفهمهم أنّ الشعب، إذا اختار أن يكون مريدًا فأيّ معجزات كبيرة، ستظهر منه وعلى يديه! لقد استيقظ هذا الشعب. لقد استغرق الأمر ثمانية عشر عامًا حتّى استطاع هذا الشعب واحدًا بعد الآخر، من خلال الاستفادة من هذه الدروس السماويّة والإلهيّة، حلّ القيود السحريّة التي لفّها الأعداء حول يديه ورجليه وعنقه. لقد انطلقت البلاد من الناحية العلميّة والعمرانية، وطوت شوطًا كبيرًا من الناحية الأخلاقية والقيم الدينيّة[114].

مراكز الحضارة الإسلاميّة

 

عدم تصديق الجيل الحالي بالحضارة الإسلاميّة

يشير كتاب “الحضارة الإسلاميّة في القرن الرابع الهجري” تأليف “آدم متز” إلى أنّ العالم الإسلاميّ كافّةً كان أساسًا، سوق علم العالم، ومركزه الرئيسيّ إيران أيضًا، أي: أصفهان هذه وريّ وشيراز وخراسان وهرات ومرو و… كانت هذه المدن عواصم للعلم في العالم وقمّته, لكنّ الجيل الحالي، للأسف، لا يعلم هذا. عدم العلم هذا ليس بمعنى أنّه لا يعرف هذه المواضيع التي عرضتها, وكيف لا؟! وقد سمعها مئة مرّة، والجميع ذكرها في الكتب، وقد جرى الحديث عنها في كلّ مكان, لكنّه لا يصدّق ذلك! ومن دون أن ينكر باللسان، توجد حالة من عدم التصديق عند الجيل المعاصر بأسره، والجيل السابق فيما يتعلّق بماضي إيران, والسبب هو أنّ الحضارة الغربيّة وهذه التكنولوجيا الصاخبة، قد جاءت وملأت الأجواء حتّى لم يعد أحد يجرؤ على النظر إلى شجرة عائلته![115]

وكان العراق عاصمة إحدى الحضارات القديمة وعاصمة الحضارة الإسلاميّة العظيمة[116].

علم أوروبا مدين للحضارة الأندلسيّة

لقد أسّست حياة المسلمين في جنوب أوروبا وفي إسبانيا إلى جنوب فرنسا، حضارة إسلاميّة. أصبح هذا البلد مهد الحضارة، وإنّما تفتّح العلم في أوروبا من تلك الحضارة الأندلسيّة في القرون الأولى للإسلام. لتطوّر العلم في تلك البلاد، قصصٌ يعترف بها الغربيّون أنفسهم. وهم يسعون الآن بالطبع إلى حذف هذه الورقة من التاريخ، وإلى محو اسم المسلمين بنحو كلّيّ, لكنّهم أنفسهم دوّنوا هذا التاريخ، وهو مسجّل بالطبع في تواريخنا أيضًا[117].

ولشعبنا بصفته شعبًا مسلمًا، دور عظيم في الحضارة الصناعيّة والعلميّة، والتحوّل الأساسي لسيرة البشر. لِمَ؟ لأنّ الإسلام قد أسّس من دون شكّ حضارةً شملت لثلاثة أو أربعة قرون، بالحدّ الأدنى، القسم الأكبر من العالم في زمانها، وهذه الحضارة كانت نفسها التي صّدرت العلم إلى الشعوب الأخرى، ما مكّنها فيما بعد من تأسيس الحضارة المعاصرة, لا شكّ في هذا.

يُشاع اليوم على ألسنة الغربيّين أنفسهم، وينتشر أنّ القرون الوسطى في أوروبا كانت عصور ظلام. هذه المسألة مهمّة، وهي أنّ الظلام ناشئ من أوروبا، وليس من إيران، والشرق الأوسط والدولة الإسلاميّة في ذلك اليوم. فتلك الأيّام نفسها التي كانت تشكّل القرون الوسطى في أوروبا، أي:

قرون الظلام – كانت عصر تألّق الحضارة في إيران وسطوعها، عصر ابن سينا. وهل البلد الذي فيه ابن سينا يعيش في الظلام؟! وهل البلد الذي فيه الفارابي، يعيش في ظلمات الجهل؟! وهل البلد الذي فيه علماء وشعراء وكتّاب على ذلك القدر من العظمة، يقع في مستنقع الظلام؟! اُنظروا إلى كتّاب وشعراء القرون الرابع والخامس والسادس الهجريّة – المتزامنة مع أحلك أوقات القرون الوسطى في أوروبا، أيّ أشخاص كانوا؟ عدوّا من الفردوسيّ إلى حافظ، وانظروا: ماذا كان يجري في إيران في ذلك العصر؟ وعدّوا من ابن سينا إلى الخواجة نصير الدين الطوسيّ وانظروا في هذه المئتي سنة أيّ عظماء كانوا موجودين في إيران, سواءٌ فلاسفتها، أو شعرائها، أو كتّابها, ومن جملتهم البيهقي. هذا البلد، كان بلدًا مؤثّرًا من خلال وصوله إلى ذروة الحضارة والثقافة، والثقافة في جميع أبعادها أيضًا، وليس فقط في البعد الأدبي وقصّة البلبل والوردة وأمثالها، بل في مجال الحساب والرياضيّات، والنجوم، والطبّ وسائر العلوم الأخرى التي يدور العالم بها. إذن، لقد أدّى شعبنا في تلك العصور دورًا مهمًّا. بتعبير آخر، إنّ لشعبنا دورًا أساسيًّا ومهمّاً في تحوّل العالم وتطوّره إلى الوضع الذي هو عليه اليوم من الناحية العلميّة والصناعيّة, بمعنى أنّه شكّل حلقةً مهمّةً من هذه السلسلة[118].

عوامل إضعاف الحضارة الإسلاميّة

 

 

شروط الارتقاء

لقد أثبت الإسلام أنّ بمقدوره إيصال أمّته إلى الارتقاء المدنيّ، والعلميّ، والعزّة، والسلطة السياسيّة. والشرط الوحيد لتحقّق هذا الهدف الكبير هو “الإيمان” و “الجهاد” و “اجتناب التفرقة“: يحدّثنا القرآن ويقول: ﴿وَلاَ تَهِنُوا وَلاَ تَحْزَنُوا وَأَنتُمُ الأَعْلَوْنَ إِن كُنتُم مُّؤْمِنِينَ[119], ويقول: ﴿وَالَّذِينَ جَاهَدُوا فِينَا لَنَهْدِيَنَّهُمْ سُبُلَنَا وَإِنَّ اللَّهَ لَمَعَ الْمُحْسِنِينَ﴾[120] ويقول: ﴿وَأَطِيعُواْ اللّهَ وَرَسُولَهُ وَلاَ تَنَازَعُواْ فَتَفْشَلُواْ وَتَذْهَبَ رِيحُكُمْ وَاصْبِرُواْ إِنَّ اللّهَ مَعَ الصَّابِرِينَ[121].

إنّ الضعف في هذه العوامل الثلاثة، جعل الأمّة الإسلاميّة اليوم في موضع يدعو للأسف. في القرنين الماضيين بالحدّ الأدنى، كان الأعداء المثابرون والمحنّكون وبعض الحكومات المسلمة غير الجديرة، إلى جانب العوامل والظروف التاريخيّة والسياسيّة المختلفة، مؤثّرين بشدّة في ظهور هذا الوضع، وإنّنا اليوم خلف لأسلافنا[122].

سياسة جعل إيران على نمط الأندلس

السياسة اليوم، هي سياسة جعل إيران على نمط الأندلس. الموضوع الذي أطرحه عليكم ليس على هيئة الموعظة, بل هو موضوع أساسيّ يُناقَش مع أفضل مكوّنات الشعب ـ وهو أنتم أيّها الشباب ـ. لستم أنتم مخاطبيّ الوحيدين, وسوف يسمع هذا الكلام شباب البلد كافّة. على الجيل الشابّ في البلاد، الذي يشكّل أكثر من نصف الشعب ومجموع السكّان في البلاد، أن يعرف الموانع الموجودة أمام أمانيه الكبرى، وقضاياه السامية، والأهداف المقدّسة التي هي مورد قبوله ووجيهة عنده.

… عندما أراد الأوروبيّون استرجاع الأندلس من المسلمين، قاموا بإجراءات طويلة الأمد. حينها، لم يكن الصهاينة موجودين, لكنّ أعداء الإسلام ومراكز القرار كانت نشطة ضدّ الإسلام.

هؤلاء قاموا بإفساد الشباب، وفي هذا المجال كانت لديهم دوافع مختلفة: مسيحيّة، دينيّة، أو سياسيّة. إحدى هذه الأعمال أنّهم وقفوا كروم العنب حتّى يُوَزَّع خمرها مجّانًا على الشباب! وقد دفعوا الشباب بشدّة إلى نسائهم وبناتهم, ليلوّثوهم بالشهوات[123].

 

– ضعف الإيمان وتقديم هوى النفس

إذا لم تقف بوجه الانحلال الأخلاقيّ، الشخصيّ، اتّباع الشهوات والميل إلى الأنانيّات المختلفة… وتحارب هذه الأمور بنفسك، سوف

يُسلب منك الإيمان، وستكون خاويًا من الداخل. عندما يُسلب الإيمان منك سيكون قلبك خاليًا منه، وظاهرك مؤمن, ويطلق على مثل هكذا إنسان اسم المنافق. إذا لا قدّر الله خلا قلبي وقلبك من الإيمان، وكان ظاهرنا ظاهرًا إيمانيًّا, فقدنا ارتباطاتنا وميولنا العقائديّة والإيمانيّة، لكنّ ألسنتنا لا تزال تنطق بذلك الكلام الإيمانيّ الذي كانت تنطق به في السابق، يصبح هذا نفاقًا, وهو أمر غاية في الخطورة. يقول القرآن الكريم: ﴿ثُمَّ كَانَ عَاقِبَةَ الَّذِينَ أَسَاؤُوا السُّوأَى أَن كَذَّبُوا بِآيَاتِ اللَّهِ﴾[124], فالذين أساءوا ستكون عاقبتهم السوأى. ما هي تلك السوأى؟ التكذيب بآيات الله. ويقول في موضع آخر: أولئك الذين لم يؤدّوا التكليف العظيم ـ الانفاق في سبيل الله ـ ﴿فَأَعْقَبَهُمْ نِفَاقًا فِي قُلُوبِهِمْ إِلَى يَوْمِ يَلْقَوْنَهُ بِمَا أَخْلَفُواْ اللّهَ مَا وَعَدُوهُ[125], لأنّهم أخلفوا الله ما وعدوه، ظهر النفاق في قلوبهم. هذا هو الخطر الكبير على الأمّة الإسلاميّة. وأينما ترون، المجتمع الإسلاميّ قد انحرف على امتداد التاريخ، فقد انحرف من هنا. قد يأتي عدوّ خارجي، يطيح، يهزم، يدحر, لكنّه لا يستطيع أن يلغي. بالنهاية، الإيمان يبقى، ويعلو في مكان ما ويزدهر, أمّا حين يهجم جيش الأعداء الداخليّ هذا على الإنسان، ويخلي داخل الإنسان ويفرّغه، فسوف يضلّ الطريق. وأينما يوجد الانحراف فهذا منشؤه. ولقد حارب الرسول هذا العدوّ أيضًا[126].

مكامن الخطر نتيجة للمنّ إنّنا في هذه العشرين سنةً في الجمهوريّة الإسلاميّة، حيثما استطعنا تقديم التكليف والأهداف، وإضعاف أنفسنا، (أشخاصنا)، ذواتنا وأهوائنا، تقدّمنا إلى الأمام, لكن حيثما كان يحدث خلاف ذلك، كنّا نتلقّى الضربات. ويعرف الأشخاص الذين كانوا على علم بتفاصيل الأمور، على امتداد السنوات الثماني للحرب المفروضة، (يعرفون) هذا الأمر أفضل معرفةً, حيثما كانت روح المسؤوليّة حاكمة، والمنّ قليل لدى المتصدّين للأمور، تقدّمنا, وحيثما كان المنّ يظهر كانت مكامن الضرر تنشأ. والمسألة اليوم كذلك[127].

الانحراف عن أصول الإسلام في إدارة المجتمع

 

– فصل الدين عن السياسة

اعتبر البعض أنّ الإسلام مسألة فرديّة صرفة، وجرّدوه من السياسة. ويُروّج اليوم في كثير من المجتمعات الإسلاميّة، وفي معارف العالم الغربي المهاجم والمستكبر والمستعمر، أنّ الإسلام لا دخل له بالسياسة! فلقد جرّدوا الإسلام من السياسة, في حال أنّ أوّل ما فعله نبيّ الإسلام المكرّم في بداية الهجرة، وحينما استطاع تخليص نفسه من مصاعب مكّة – كان الاشتغال بالسياسة. فتشكيل المجتمع الإسلاميّ، والحكومة الإسلاميّة، وتشكيل النظام الإسلاميّ، وتشكيل الجيش الإسلاميّ، والرسائل التي بعثها إلى حكّام العالم الكبار، والدخول في ميدان السياسة الإنسانيّ العظيم في ذلك الوقت، هو سياسة, كيف يمكن فصل الدين عن السياسة؟! وكيف يمكن للسياسة أن تُفسّر وتُشرح وتتشكّل من خلال إدارة غير إدارة الإسلام؟!

﴿الَّذِينَ جَعَلُوا الْقُرْآنَ عِضِينَ﴾[128], البعض يقسّمون القرآن أقسامًا!

فتراهم يؤمنون ببعض الكتاب ويكفرون ببعض[129], يؤمنون بالأمور العباديّة في القرآن ولا يؤمنون بالأمور السياسيّة فيه! ﴿لَقَدْ أَرْسَلْنَا رُسُلَنَا بِالْبَيِّنَاتِ وَأَنزَلْنَا مَعَهُمُ الْكِتَابَ وَالْمِيزَانَ لِيَقُومَ النَّاسُ بِالْقِسْطِ[130]. ما هو القسط؟ هو ترسيخ العدالة الاجتماعيّة في المجتمع. من يستطيع القيام بهذا الأمر؟ تشكيل مجتمع مصحوب بالعدالة والقسط، هو عمل سياسيّ, هو عمل مسؤولي دولة ما. هذا هو هدف الأنبياء. ليس نبيّنا فحسب، بل إنّ عيسى وموسى وإبراهيم وجميع الأنبياء جاءوا من أجل السياسة وتشكيل النظام الإسلاميّ. قد تتنحّى جماعة جانباً من باب التقدّس وتقول: إنّنا لا نتعاطى السياسة! وهل الدين مفصولاً عن السياسة؟! وعندما تروّج الدعايات الغربيّة الخبيثة دومًا لهذا الأمر، وتقول: افصلوا الدين عن السياسة, افصلوا الدين عن الدولة. إذا كنّا مسلمين، فالدين والدولة متداخلان أحدهما بالآخر, لا كالشيئين اللّذين يوصَلان أحدهما بالآخر, الدين والدولة هما شيءٌ واحد.

الدين والدولة في الإسلام ينبعان من منبعٍ ومصدرٍ واحد, ألا وهو الوحي الإلهيّ. هكذا هما الإسلام والقرآن[131].

– غضّ النظر عن الأخلاق الإسلاميّة في السياسة

يفصل البعض، من ناحية، الدين عن السياسة ويعتبر البعض من ناحية أخرى أنّ الإسلام هو محض السياسة، ولعب الأدوار السياسيّة والاشتغال بها, ويغضّون الطرف عن الأخلاق والمعنويّات، والمحبّة والفضيلة والكرامة، التي هي من أعظم أهداف بعثة نبيّنا, هذا مصداق للآية الكريمة ﴿الَّذِينَ جَعَلُوا الْقُرْآنَ عِضِينَ[132] والآية ﴿نُؤْمِنُ بِبَعْضٍ وَنَكْفُرُ بِبَعْضٍ﴾[133]. إنّ اختصار الإسلام في العبارات السياسيّة البرّاقة والمعسولة، الغفلة عن خشوع القلوب، وغضّ الطرف عن الذكر، عن الصفاء، عن المعنويّات، عن الخضوع لله، عن الدعاء لله، عن الارتباط بالله، عن البكاء من خشية الله، عن طلب الرحمة الإلهيّة، عن الصبر والحلم والسخاء والجود والعفو والإخوّة وصلة الرحم، ومحض الالتصاق بالسياسة وذلك – أيضًا – باسم الإسلام، هو الانحراف بعينه, لا يفرق عنه أبدًا[134].

منذ أن فصلت الأمّة الإسلاميّة الدين عن الدولة، والأخلاق عن إدارة المجتمع، ابتليت بعدم التوازن. ومنذ ذلك اليوم الذي رفع فيه الملوك، تحت مسمّى “الخلفاء”، علم الإسلام في بغداد وفي الشام، وفي هذه الناحية من العالم، وتلك، ولكنّهم أدخلوا تحته الأهواء النفسانيّة، والشهوات والأهداف الشخصيّة، والتكبّر، وغرور الملوك، وادّخار الأموال، وجمع

الثروات وتحويلها إلى خزائنهم، وانشغلوا بهذه الأمور- تهيّأت الأرضيّة لانحطاط العالم الإسلاميّ. مع أنّ نبيّ الإسلام الأكرم وأصحابه العظام وأنصاره المجاهدين، كان بحركة تتقدَّم بالإسلام بسرعة، حيث كانت مهارة النبيّ تتقدّم بحركة الإسلام السياسيّة والعلميّة إلى القرنين الرابع والخامس الهجريّين ـ في تلك الأثناء، كانت بذور الضعف والانحطاط والفساد والنفاق، تُنثَر في البلاطات وفي الأسر الحاكمة, وكانت تلك نفس البذور التي نمت، وشلّت الأمّة الإسلاميّة، (و) ها نحن، الآن، نتحسّس نتائجها بكلّ وجودنا وكياننا[135].

 

– تبدّل المعايير وإضعاف القيم

أيّ حادثة جرت في التاريخ والمجتمع الإسلاميّ وأيّ جرثومة نفذت إلى جسد هذا المجتمع! ذلك المجتمع الذي تربّع على رأسه شخص مثل رسول الله  صلى الله عليه وآله وسلم – وليس إنسانًا عاديًّا – وقد حكم هذا الرسول عشر سنوات بتلك القوّة البشريّة الاستثنائيّة، من خلال الارتباط بمصدر الوحي الإلهيّ الدائم، والحكمة اللامتناهية والمنقطعة النظير التي كان يتمتّع بها، وبعدها بسنوات، سادت حكومة عليّ بن أبي طالب عليه السلام مجدّداً على هذا المجتمع، وقد كانت المدينة والكوفة، على التتالي، مقرًّا لهذه الحكومة العظيمة، فإذا بعد مرور نصف قرنٍ على وفاة الرسول  صلى الله عليه وآله وسلم،

وعشرين سنةً على شهادة أمير المؤمنين عليه السلام، يُقتل شخصٌ مثل الإمام الحسين بن عليّ عليهما السلام على تلك الحال، في هذا المجتمع نفسه، وبين هؤلاء الناس أنفسهم ؟[136].

 

سبب أفول العظمة

عندما تُفقَد المعايير، وتضعف القيم، وعندما تصبح الأشكال الخارجيّة خاوية، ويغلب حبّ الدنيا وحبّ المال، على الناس، الذين قضوا عمرًا مفعمًا بالعظمة، وسنوات من عدم الاعتناء بزخارف الدنيا، واستطاعوا رفع تلك الراية العظيمة-حينها يصبح شخص مثل (كعب الأحبار)، في عالم الثقافة والمعارف، أمينًا على المعارف الإلهيّة والإسلاميّة, ذلك الحديث العهد بالإسلام، والذي يقول ما يفهمه لا ما يقوله الإسلام, حينها ستتوجّه إرادة البعض إلى تقديم قوله، على كلام ذوي الخبرة من المسلمين[137].

 

الحؤول دون تبديل المعايير الإلهيّة

لا ينبغي للشفوقين[138] (للحريصين) أن يسمحوا بتبديل المعايير الإلهيّة في المجتمع. إذا ما تبدّل معيار التقوى، من الواضح أنّ دم إنسان تقيّ كالحسين بن عليّ سيُراق. إذا جُعل الدهاء والاشتغال في أمور الدنيا والاحتيال والكذب وعدم الاهتمام بالقيم الإسلاميّة معيارًا، فمن الواضح

أنّ شخصًا كيزيد سيتربّع – حتمًا – على رأس الحكومة، وأنّ شخصًا مثل عبيد الله بن زياد سيكون الشخصيّة الأولى في العراق. جلّ همّ الإسلام كان تغيير هذه المعايير. وكلّ همّ ثورتنا – أيضًا – كان الوقوف بوجه المعايير الباطلة، والأخطاء الماديّة بقوة، وتغييرها[139].

هذا هو الشرك الذي يجب على المسلمين، من خلال إعلان البراءة، تطهير محيطهم والإسلام منه. ما يدعو إلى الأسف، أنّ غفلة المسلمين وهجر القرآن لسنوات أدّى إلى تمكّن المحرِّفين، وباسم الدين، من إدخال كلّ كلام باطل إلى الأذهان، وإلى إنكار أكثر أصول الدين بداهةً، وإلباس الشرك لبوس التوحيد، وإنكار مضمون الآيات القرآنيّة بكلّ سهولة[140].

 

– بذر الخلاف وشقّ وحدة الصفّ

هؤلاء الذين ترونهم في مراسم الحجّ يسعون وراء نثر بذور الفرقة، وإشعال نار الفتنة والترويج لأفكارهم الموهومة والخرافيّة والمتحجّرة – هم تلك الأدوات نفسها – (سواءٌ) علموا أم لم يعلموا – التي تعدم هذه الذخيرة, الإيمان الخالص في قلوب المؤمنين، وتزيلها[141].

– الاختلاف: السمّ المهلك للشعوب

لطالما كان الاستكبار العالميّ مشغولًا بتهيئة الأرضيّات لظهور الاختلافات القوميّة والطائفيّة والمناطقيّة والسلائقيّة والسياسيّة في صفوف شعبنا. بالنسبة إلى أيّ شعب، ليس هناك عامل مضرّ أكثر من الاختلاف والفرقة. فالاختلاف هو السمّ المهلك للشعوب والحضارات والثورات. وإذا ما ابتليت أفضل الشعوب بالاختلاف والفرقة، فإنّ جميع قواها الحياتيّة ليست فقط ستنعدم، بل سينتهي ذلك بتخريب البلاد[142].

ولقد واجهت الأمّة الإسلاميّة الكبرى على امتداد القرون المتمادية، تحدّيات وانحرافات. وقد ابتعدنا عن الإسلام وانشغلنا بالأشياء الذي كان الإسلام قد حذّرنا منها. على امتداد هذا التاريخ الطويل، انشغلنا بالحروب الداخليّة, وكان ذلك بفعل القوى الطاغوتيّة. وكانت النتيجة أنّ الأمّة الإسلاميّة الكبرى على امتداد القرون المتمادية، بعد القرون الأولى للإسلام، لم تستطع بلوغ الهدف والغاية اللذين توقّعهما لها رسول الإسلام والإسلام العزيز، وكانا ينشدانهما. وعلى الرغم من أنّ الله – تعالى – قد ادّخر لنا في البلاد الإسلاميّة ثروات ماديّة هائلة، كان من الممكن أن تكون الوسيلة لتطوّرنا، فإنّنا أصبحنا في مجال العلم والصناعة وكثير من مؤشّرات التطوّر، جزءًا من بلدان العالم المتخلّف. لم يكن هذا ما قدّره لنا الإسلام, بل هو ما جلبه علينا عملنا السيّئ وسلوكنا وغفلتنا

نحن المسلمين, ﴿وَمَا أَصَابَكَ مِن سَيِّئَةٍ فَمِن نَّفْسِكَ[143] نحن الذين أوصلنا أنفسنا نتيجةً لغفلتنا على امتداد الزمان إلى هذا الحال[144].

 

– تجاهل عظمة الأمّة الإسلاميّة

أولئك الذين لا يسمحون لقوّة هذه الوحدة وأبّهتها وعزّتها وعظمتها، أن تتراءى لعين الأمّة الإسلاميّة الكبرى، وتتجلّى لها، هم من الأشخاص الذين يعدمون هذه الذخيرة-الإيمان الخالص في قلوب المؤمنين – ويضيّعونها. أولئك الذين لا يسمحون لوحدة الأمّة الإسلاميّة الكبيرة وعظمتها – أن تظهر -، وذلك – أيضًا – في سبيل الله – ليس العظمة بعنوان التفاخر، ولا العظمة بعنوان الاستعمار وإهانة الشعوب الأخرى، ولا العظمة بعنوان إشعال نار الحرب ضدّ مستضعفي العالم, بل العظمة في سبيل القيم الإلهيّة وفي طريق التوحيد – إنّما هم يظلمون البشريّة.

العالم الإسلاميّ، اليوم، يتلقّى الضربات بسبب هذا التجاهل لهذه الذخيرة الإلهيّة العظيمة[145].

تراث الحضارة الإسلاميّة

 

الفقه الإسلاميّ، أهمّ تراث في الحضارة الإسلاميّة

من الواضح عند أهل البحث أنّ ذخيرة الفقه الإسلاميّ المهمّة بناءً على مذهب أهل البيت عليهم السلام، هي من أكثر مواريث الثقافة والحضارة الإسلاميّة إثمارًا وأهميّةً، وقد قدّمت إلى الإسلام والبشريّة مئات الآثار العلميّة والتخصّصيّة، التي يحتلّ كلّ منها مكانةً رفيعةً، وأغنت مكتبة المعارف الإسلاميّة وزادتها قيمةً. لقد أضاف سلفنا الصالح، بجهاده المنقطع النظير على الرغم من العسرة وقلّة الامكانات، كلّ بدوره شيئاً على هذا التراث القيّم، وأعدّوا كتابًا أو كتبًا… وتتشوّق اليوم، جميع المؤسّسات والحوزات العلميّة العالميّة، إلى التعرّف على مسائل فقه مذهب أهل البيت ومعارفه، وجوانبه كافّة[146].

 

تغذّي الحضارة الغربيّة من الحضارة الإسلاميّة

بعد مدّة، بدأت الحضارة الغربيّة بالصعود من جديد, بالمحصِّلة، كانت الحضارة الغربيّة في كلّ تلك السنوات، بعد سيطرة الحضارة الإسلاميّة،

تتغذّى من هذه الحضارة. انظروا إلى كتب تلك الفترة ومصادرها, أبرز العلماء، الذين كان باستطاعتهم الاشتغال بالآثار الإسلاميّة، وفهم شيء منها وترجمته[147].

تجديد بناء الحضارة الإسلاميّة

 

– بناء الحضارة على أساس الحضارة النبويّة

يقول القرآن الكريم حول بعثة النبيّ الأكرم: ﴿هُوَ الَّذِي أَرْسَلَ رَسُولَهُ بِالْهُدَى وَدِينِ الْحَقِّ لِيُظْهِرَهُ عَلَى الدِّينِ كُلِّهِ وَكَفَى بِاللَّهِ شَهِيدًا[148]. “ليظهره على الدين كلّه” لم تقيّد بزمان, إنّها تظهر الوجهة. على البشريّة أن تسير نحو الحريّة المعنويّة، والاجتماعيّة، الحقيقيّة والعقلانيّة. لقد بدأ هذا الأمر، واستمراره في أيدينا نحن البشر[149].

 

أرض الوحي, تأسيس الحضارة الإسلاميّة

هنا، نزل القرآن آيةً آيةً. ووضعت أسس بناء الثقافة والحضارة والحياة الطيّبة الإسلاميّة لبنةً لبنةً. وبتدبّر المسلمين في هذا الماضي ومعايشته لحظةً بلحظةً، يحقّقون ارتباطًا بنّاءً بالمستقبل، يعرفون نهج الحياة والهدف منها، يدركون مخاطر الطريق، ويرون غد هذه المسير عيانًا، ويعدّون أنفسهم لسلوكه ويتغلّبون على الشكّ الناشئ عن الإحساس بالضعف والحقارة والخوف من الأعداء[150].

الثورة الإسلاميّة تتّبع نهج النبيّ الأعظم  صلى الله عليه وآله وسلم

الثورة الإسلاميّة في إيران بقيادة مخلّص العصر الكبير، الإمام الخمينيّ قدس سره، قد ظهرت – باتّباع نهج النبيّ الأعظم، والرسول الخاتم، وأفضل خلق الله، محمد المصطفى – على شكل ثورةٍ ممتازة, وهذه طبيعة الثورة, والتي إذا ما كانت تقوم على أسسٍ صحيحة، ومنطقيّة، فإنّها ستكون كالبركان، يحدث زلزالًا في جميع أنحاء المحيط، وسيتأثّر بدفئها ووهجها كلّ الأشياء، الأمكنة والأشخاص[151].

 

الهدف , تحقيق الحياة الطيّبة الإسلاميّة

كان الهدف من وراء جميع الأعمال الكفاحيّة، التي قام بها الشعب الإيرانيّ بقيادة الإمام الخمينيّ العظيم، إلى أن انتصرت الثورة، وجميع المساعي التي جرت بعد انتصار الثورة في هذا البلد – كان تحقيق الحياة الطيّبة الإسلاميّة. وقد حدّد الإسلام للإنسان نمط حياة مناسبة ولائقة. وفقط إذا ما تحقّقت هذه الظروف، يمكن للإنسان أن يصل إلى السعادة والكمال[152].

وإنّ ما دعا إليه الرسول  صلى الله عليه وآله وسلم، هو الأمور عينها التي يحتاجها البشر في جميع مراحل تاريخ الحياة … إنّ شعار الجمهوريّة الإسلاميّة اليوم هو الحريّة الفكريّة، التطوّر العلميّ والمعرفيّ، الاهتمام بحقوق الإنسان وإرادات البشر، الرحمة والمودّة بين أفراد الإنسان, هذه هي شعارات الإسلام ورسالته, العالم يسعى وراء هذه الأمور[153].

الثورة الإسلاميّة حلول الإسلام المحمّدي الأصيل مكان الإسلام الأميركي

في الثورة الإسلاميّة، حلّ إسلام الكتاب والسنّة محلّ إسلام الخرافة والبدعة، إسلام الجهاد والشهادة محلّ إسلام القعود والأسر والذلّ، إسلام التعبّد والتعقّل محلّ إسلام الالتقاط والجهل، إسلام الدنيا والآخرة محلّ إسلام حب الدنيا أو الرهبانيّة، إسلام العلم والمعرفة محلّ إسلام التحجّر والغفلة، إسلام الدين والسياسة محلّ إسلام التحلّل واللامبالاة، إسلام القيام والعمل محلّ إسلام الضعف والكآبة، إسلام الفرد والمجتمع محلّ إسلام التشريفات والإسلام العديم التأثير، الإسلام المنجّي للمستضعفين محلّ الإسلام الألعوبة بأيدي القوى العظمى، وبالخلاصة، الإسلام المحمّديّ الأصيل محلّ الإسلام الأميركي. إنّ تقديم الإسلام بهذه الصورة وبهذه الواقعيّة والجدّيّة، أدّى إلى غضب عارم وجنونيّ لدى من كانوا يعلّقون الآمال على زوال الإسلام في إيران وفي جميع البلدان الإسلاميّة، أو كانوا لا يقبلون من الإسلام سوى اسم خال من المحتوى، ووسيلة لجعل الناس حمقى وغافلين, لذا، تراهم منذ اليوم الأوّل لانتصار الثورة إلى الآن، لم يوفّروا فرصةً للهجوم والضربة والمؤامرة وإضمار السوء للجمهوريّة الإسلاميّة، ومركز حركة الإسلام العالميّة ـ أي: إيران[154] .

تحمّل جميع المصاعب من أجل الإسلام

هذه النهضة الشعبيّة والثورة المنقطعة النظير، التي ظهرت بعد خمسة عشر عامًا من النضال, وهذه الملحمة العظيمة، التي ظهرت على امتداد اثني عشر عامًا من عمر هذا النظام، وشهادة النفوس الطيّب, وتحمّل الشعب لكلّ تلك المصاعب والتعذيب والمصائب، كانت جميعها من أجل الإسلام. هذا الشعب العظيم وإمامه الكبير، كانا يعتبران السعادة في الاتّباع الحقيقي للإسلام، ويريان أنّ حاكميّة الإسلام هي وسيلة للتحرّر، من سلطة الشياطين والطواغيت والظالمين، وقد فتّشوا عن رضا الله في اتّباع حاكميّة الإسلام. إنّ الشعوب المسلمة المخلصة والشفوقة في العالم الإسلاميّ كافّة، قد كانت دومًا ولا تزال تعتبر هذه الثورة، ثورةً متعلّقة بها وتدافع عنها من أجل الإسلام. من هنا، فإنّ من أهمّ مسؤوليّات الجمهوريّة الإسلاميّة هو أن تطبّق الإسلام في حياة الناس، وأن تحوّل المجتمع إلى مجتمع إسلاميّ نموذجيّ[155].

 

حركة داخل الحدود، برسالة عالميّة

أعزّائي! أيّها الشباب! إنّ مسألة بناء نظام وحضارة إسلاميّة وتاريخ جديد، بالنسبة إلى هذا الشعب، لهي مسألة جدّيّة, خذوا الأمر على محمل الجدّ. أحيانًا، قد يقوم أحدهم بثورة في بلد ما، ويأتي نظام جديد, هذا النظام لا يلبث أن يزول بعد أيّامٍ قلائل، أو يستلمه شخص آخر, ليعود كلّ شيء إلى حالته الأولى. في بعض الأحيان تكون المسألة كذلك ولا تُذكر كلّ هذه الأمور. ما حصل في إيران هو مسألة حركة عظيمة في المقياس العالميّ.

ثورتنا يومٌ جديد لكافّة الشعوب المسلمة

هذه الرسالة كانت رسالة عالميّة. ما الدليل على ذلك؟ الدليل أنّه عندما قام الشعب الإيرانيّ وقائدنا العظيم، الإمام الخمينيّ، بهذا الأمر- أحسّ المسلمون في جميع أرجاء العالم أنّ هذا اليوم، يوم انتصار الثورة، هو يوم عيدهم، وأنّ يومًا جديدًا قد بدأ بالنسبة إليهم, مع أنّ لا علاقة لهم بالأمر. أحسّ الجميع في سائر أنحاء العالم أنّ مرحلةً جديدةً من تاريخهم قد بدأت, هذا ما شهدناه عن قرب. وقد لمست بنفسي هذه الحقيقة على امتداد السنوات الماضية في الدول الأخرى، وسمعتها على ألسنة العشرات, هذه الأمور ليست روايةً أو تخمينًا أو تحليلًا, إنّها وقائع. فكلّ شخص، وكلّ مسلم في أيّ مكانٍ من العالم، عندما انتصرت هذه الثورة، عندما ظهر الإمام في الميدان، عندما ارتفعت راية الإسلام ولا إله إلّا الله، أحسّوا بالانتصار. من هذا الجمع الكبير، مليار مسلم في أنحاء العالم، البعض استمرّ على هذا الإحساس، سار خلفه وشرع بالنضال والكفاح, فحدث أن انطلقت هذه الأحداث في الدول المختلفة على يد الحركات الإسلاميّة. والبعض تخلّى عن الأمر. مع أنّنا موجودون داخل حدودنا، ولا دخل لنا بما هو خارج الحدود، إلّا أنّ هذه الرسالة رسالة عالميّة. اليوم هنا أيضًا، المسؤوليّة ملقاة على عاتقكم. وقد قام الشعب الإيرانيّ إلى الآن بعمله على أكمل وجه[156].

تشكيل الحضارة على أساس الثقافة والمعرفة

إنّنا في طور التقدّم والبناء، وفي صدد بناء حضارة. ما أريد أن أقوله لكم: إنّ قضيّتنا ليست أن ننجو بحياتنا وننفذ بأرواحنا, القضيّة أنّ الشعب الإيرانيّ، كما هو شأنه، في طور إيجاد حضارة, الركن الأساسي للحضارة لا يقوم على الصناعة والتقانة والعلم، بل على الثقافة والفكر والمعرفة، والكمال الفكري الإنسانيّ. هذا الذي يوفّر كلّ شيء لشعبٍ ما، ويحقّق له العلم أيضًا. إنّنا على هذا الطريق وفي هذا الاتّجاه. لا إنّنا قرّرنا القيام بهذا الأمر, بل إنّ المسير التاريخيّ للشعب الإيرانيّ هو في صدد إيجاده[157].

 

الهدف, تحكيم دين الله

لقد سلك إمامنا من أجل إحياء الإسلام مجدّدًا، الطريق نفسه تمامًا الذي سلكه الرسول الأعظم  صلى الله عليه وآله وسلم, أي: طريق الثورة. الأساس في الثورة، هو السير, السير الهادف، المتوازن، المستمرّ الذي لا يعرف التعب والمفعم بالإيمان والإخلاص. في الثورة، لا يُكتفى بالكلام والكتابة والشرح, بل إنّ السلوك والتقدّم إلى الأمام موقعًا فموقعًا، وإيصال الذات إلى الهدف – هو المحور والأساس. الكلام والكتابة هما – أيضًا – في خدمة هذه المسيرة، ويستمرّان إلى حيث بلوغ الهدف، أي: تحكيم دين الله وإزالة حكومة الظالمين الشيطانيّة: ﴿هُوَ الَّذِي أَرْسَلَ رَسُولَهُ بِالْهُدَى وَدِينِ الْحَقِّ لِيُظْهِرَهُ عَلَى الدِّينِ كُلِّهِ وَكَفَى بِاللَّهِ شَهِيدًا﴾[158].


أهداف الحضارة الإسلاميّة العظيمة

 

– صناعة الإنسان المتكامل والمطابق للنمط الإسلاميّ

كان الإسلام نهضةً وحركةً معنويّةً وأخلاقيّةً والهدف الأعلى للإسلام هو صناعة الإنسان المتكامل والمطابق للنمط الإسلاميّ[159].

 

– العلم مرفقًا بالمعنويّة

إنّنا في الحضارة الإسلاميّة، وفي نظام الجمهوريّة الإسلاميّة المقدّس الذي يسير باتّجاه تلك الحضارة – وضعنا هذا الأمر هدفًا, وهو أن نتقدّم بالعلم مصحوبًا بالمعنويّة. ما ترونه من حساسيّة الغرب من التزامنا بالمعنويّات، وإطلاقهم على تديّننا اسم التعصّب والتحجّر، واعتبارهم محبّتنا للأسس الأخلاقية والانسانيّة مخالفةً لحقوق الانسان – إنّما هو بسبب أنّ هذا المنهج مخالف لمنهجهم. لقد طوّروا العلم، وكان ذلك حقًّا أمرًا مهمًّا وعظيمًا, لكنّه كان منفصلًا عن الأخلاق والمعنويّات، وحصل

ما حصل. إنّنا نريد للعلم أن يتقدّم متساويًا مع الأخلاق. والجامعة، كما أنّها مركزًا للعلم، هي – أيضًا – مركز للدين والمعنويّات. وخرّيج الجامعات العلميّة في البلاد، كخريّج الحوزات العلميّة، يخرج منها متديّنًا. هذا، هو الشيء الذي لا يقبلوه ولا يريدوه[160].

 

– تقدّم العلم وازدهار الاقتصاد

مع أنّ الإسلام كان نهضةً وحركةً معنويّةً وأخلاقيّةً، والهدف الأعلى له عبارة عن صناعة الإنسان المتكامل والمطابق للنمط الإسلاميّ، فلا شكّ في أنّ، التطوّر العلمي والازدهار الاقتصادي هما من الأهداف الإسلاميّة, لذا، تلاحظون في الحضارة الإسلاميّة، أنّ الإسلام ظهر في أفقر بقاع العالم وأكثرها تخلّفًا, لكن، لم تكد تمضي خمسون سنةً من عمره، حتّى سيطر على أكثر من خمسين بالمئة من العالم المتحضّر في ذلك الزمان, ولم يمضِ أكثر من قرنين من عمر هذه الحضارة، حتّى أصبح العالم الإسلاميّ الكبير قمّة الحضارة البشريّة، من حيث العلم وأنواع العلوم والتطوّرات المدنيّة والاقتصاديّة. وهذا لم يكن ليحدث لولا بركة تعاليم الإسلام. فالإسلام لم يدعُنا للاهتمام بالمعنويّات، وأن نبقى غافلين عن صلب حياة المجتمع الإنسانيّ. علينا أن نستخدم جميع التدابير اللازمة من أجل استقلال الأمّة الإسلاميّة وفي سبيل عزّتها، وأهمّها المسألة الاقتصاديّة. بناءً على هذا، فإنّ العمل على تنمية الجوانب الاقتصاديّة

للعالم الإسلاميّ، وتطويرها وازدهارها، هو من الأعمال التي هي – بلا شكّ – من الأهداف الإسلاميّة[161].

والوظيفة الحتميّة الأساسيّة للدولة الإسلاميّة هي تطوير العلم والمعرفة, ذلك أنّ الدولة الإسلاميّة من دون العلم والمعرفة لن تصل إلى مكان. كما أنّ ترويج الفكر الحرّ هو-أيضًا- مهمّ. وينبغي للناس واقعًا أن يتمكّنوا من التفكير في جوّ حرّ, حرّية التعبير تابعة لحرّيّة الفكر, عندما تكون حرّيّة الفكر موجودة، تكون حرّيّة التعبير موجودة بنحوٍ طبيعيّ. وإنّ حرية الفكر -أساسًا – هي التي تمكّن الإنسان من التفكير بحريّة. وفي غير جوّ حريّة الفكر، ليس هناك إمكانيّة للتطوّر. أساسًا، لن يكون هناك مكان للفكر، والعلم، ولمجالات التطوّر الإنسانيّ العظيمة. إنّ كلّ تقدّم أحرزناه في الأبحاث الكلاميّة والفلسفيّة، إنّما كان في ظلّ المباحثة والجدل والبحث ووجود الرأي المخالف. الإشكال الذي كنّا دومًا نوجّهه إلى الأقسام الثقافيّة، هو أنّهم – كدولة إسلاميّة – لم يؤدّوا دورهم جيّدًا، في ميدان الصراع الفكريّ, ينبغي أن يكون هناك صراع فكريّ, في النهاية، لا أن ينتهي الصراع الفكري عمليًّا بهذا النحو، وكما نستشهد نحن بقول سعدي: نطلق الكلب ونربط الصخرة[162], نأخذ السلاح من يد أهل الحقّ، ومن أهل الفكر الذي نؤمن بحقّانيّته, لكنّنا نبسط يد أهل الباطل، بحيث ينزلون على رؤوس شبابنا ما يريدون من أنواع البلاء, لا، فليتكلّم هو،

ولتتكلّموا أنتم، وليجري تلقيح الفكر في المجتمع. لقد توصّلنا من خلال التجربة إلى أنّه حيثما يعرض الكلام الحقّ على الملأ بمنطقه وتناسقه المطلوب، لن يكون لأيّ كلام قدرة الوقوف في وجهه ومجابهته[163].

 

– الرفاه والعمران

العالم اللائق بالإنسان

العالم المنظّم والمنوّر بالتعاليم القيّمة لأنبياء الله، وبآيات الله النورانيّة، هو عالم لائق بالإنسان, العالم المشتمل على العمران والرفاه والتطوّر العلميّ والصناعيّ، المشتمل أيضًا على القوّة السياسيّة والتكامل المعنويّ, العالم الذي يشعر فيه البشر إلى جانب بعضهم بالاستقرار والأمن والطمأنينة، وتتفتّح فيه براعم الإنسانيّة, الشيء الذي لا يوجد في العالم الناتج عن الحضارة الماديّة, ذلك لأنّ الناس في العالم الماديّ كالذئاب، عليها أن تخاف من بعضها. الشعب الإيرانيّ عازمٌ على إيجاد عالمٍ كهذا لنفسه وصناعته، سواءٌ من الناحية الماديّة أو من الناحية المعنويّة, وهذا نضالٌ طويل الأمد[164].

– تأمين الدنيا من أجل الآخرة

أنتم ترون في الإسلام، أنّ الذي كان من أهل الإعمار المادّيّ، كان أيضًا أزهد خلق الله تعالى. فأمير المؤمنين عليه السلام كان يحفر بيده البئر والقناة، وعندما كان الماء يفور بحجم عنق الناقة، كان يخرج من البئر، يجلس على حافّته ويكتب: وقفت هذا الماء للفقراء وجعلته صدقةً, أي: عندما كان يقوم بتعمير مكان كان ينفقه في سبيل الله. كان أكثر الناس إنفاقًا، بناءً، توزيعًا للمال، ومن الناحية المعنويّة، كان أفضلهم وأعلاهم شأنًا, هذا الأمر هو نتيجة للتربية، ودالّ على برنامج الإسلام الماديّ والمعنوي[165].

 

الدنيا من منظور الإسلام

الدنيا من وجهة نظر الإسلام هي مقدّمة ومعبر للآخرة. الإسلام لا يرفض الدنيا, لا يذمّ المتع الدنيويّة, يريد للإنسان أن يكون فعّالًا، بكلّ قواه وغرائزه، في ميدان الحياة, لكنّ هذه جميعًا، ينبغي أن تكون في خدمة تسامي روحه وتعاليها وبهجته المعنويّة, ليطيب العيش في هذه الدنيا. في هكذا عالم لا مكان للظلم والجهل والافتراس، وهذا أمر صعب يتطلّب جهادًا، وقد بدأ الرسول الأكرم بهذا الجهاد من اليوم الأوّل[166].

 

النظام الإسلاميّ لا يكتفي بتعمير الحياة الاقتصاديّة

بلدنا اليوم بحاجة إلى أن تكون أجواؤه العامّة أجواء الأمر بالمعروف، وإقامة الحقّ والعدل والميل إلى المعنويّات. النظام الإسلاميّ لا يكتفي

بتعمير الحياة الاقتصاديّة والماديّة للناس, هذه واحدة من وظائفه الحتميّة، لكن إلى جانب هذه الوظيفة أيضًا، تكون إقامة المعروف وترسيخ الروح الدينيّة، وتثبيت الأخلاق الإسلاميّة، وروح الأخوّة والإخلاص بين عموم أفراد الشعب وإحياء روح العزّة والاستقلال, الروحيّة التي يحول دونها ركون الشعب للذلّ والصغار والضعة- واحدةً من الوظائف الإسلاميّة. لقد كان نبيّ الإسلام العظيم الشأن يؤثّر في كلّ حركة وسكنة، على كلّ الناس الذين يلتقي بهم فردًا فردًا، وكان يغيّر الناس سواءً في ظلّ استقرار النظام الإسلاميّ، أو من خلال التربية الفرديّة. تغيير البشر هو أساس جميع التحوّلات في العالم[167].

علينا واقعًا، أن نعمل جهدنا وأن نبذل ما لدينا من استعداد جسديّ وعقلي، في إدارة أمور البلاد وإطلاق أعمال الناس نحو الحياة الإسلاميّة. الحياة الإسلاميّة لا تعني الاهتمام بالمعنويّات دون الماديّات, كما أنّها ليست بمعنى الاهتمام بالمادّيّات دون المبادئ والمعنويّات.

… كذلك هي الجنبة الأخرى للمسألة, أي إذا اشتغل مجتمعٌ ما، بالجوانب المعنويّة فقط، وغفل عن العلوم، عن التطوّر العلميّ، والاكتشافات العلميّة، والابتكارات العلميّة، عن التحصيل العلمي بين أبناء الوطن، وصناعة أناس يمكنهم جعل الحياة متناسبةً مع احتياجات البشر.

وغفل عن السهولة والسرعة التي يتطلّبهما العالم اليوم ويقتضيهما، فسيكون – أيضًا – جناحه الآخر مكسورًا. لا يتصوّرنَّ أحد أنّ الإسلام يميل إلى حصر كلّ شيء بالأمور الروحيّة والمعنويّة، وأنّه لا يهتمّ بالأمور الماديّة. لا، هذا انحراف، وهو كبير بحجم الانحراف الأوّل. لقد رفض الإسلام الاعتزال عن الدنيا والحياة بنحوٍ واضح جدًّا[168].

 

شكر النعمة الإلهيّة الكبيرة

هذه القلوب بيد الله. إنّ اهتمام الناس، وإقبالهم، وحضورهم، وعزمهم، وإرادتهم، وشوقهم – هي نعم إلهيّة كبرى، حبانا بها, علينا شكرها. وشكر هذه النعم يكون من خلال بذل وسعنا جميعًا في سبيل إصلاح أمور الحياة، وتعزيز الإيمان الدينيّ لدى النّاس[169].

 

– تحقيق العدالة وتشكيل المجتمع العادل

“العدالة الاجتماعيّة” هي واحدة من الأمور اللازمة في جوّ السياسة الداخليّة. ومن دون تحقيق العدالة الاجتماعيّة لن يكون مجتمعنا إسلاميّا. إذا تصوّر أحدهم أنّ الدين الإلهيّ الواقعيّ- ليس فقط دين الإسلام – يمكن أن يتحقّق من دون أن تتحقّق فيه العدالة الاجتماعيّة بمعناها الحقيقيّ والواسع، فليعلم أنّه مشتبه. إنّ هدف الأنبياء هو إقامة القسط,

﴿لِيَقُومَ النَّاسُ بِالْقِسْطِ[170]. والأنبياء أساسًا قد جاءوا, ليقيموا القسط. بالطبع، إقامة القسط هي محطّة في الطريق، وليس الهدف النهائي, لكنّ هؤلاء عندما جاءُوا، كان عملهم الأوّل هو إقامة القسط، وتخليص الناس من شرّ الظلم، وجور الطغاة والظالمين. وهدف حكومة ولي العصر (عجّل الله تعالى فرجه الشريف) في آخر الزمان، هو- أيضًا- إقامة العدل[171].

طريق الوصول إلى الحضارة الإسلاميّة

 

الطريق التي تُسلك بالتقوى

الحكومة الإسلاميّة هي التي تنشىء الدولة الإسلاميّة. عندما توجد الدولة الإسلاميّة، تنشأ الحضارة الإسلاميّة, عندها ستعمّ الثقافة الإسلاميّة الجوّ العامّ للبشريّة. هذه جميعها تكون عمليّة من خلال المراقبة والتقوى, التقوى الفرديّة وتقوى الجماعة والأمّة[172].

 

– النهضة والثورة الإسلاميّة

نريد تشكيل ذلك النظام، وتلك التركيبة والحكومة التي يمكنها أن تحقّق هذه الأهداف: نشر المبادىء الإلهيّة واتّباعها، فيها.

هذه عمليّة طويلة ودونها صعوبات، وبدايتها تكون من الثورة الإسلاميّة. حتمًا، الثورة التي نقصدها ليست بمعنى العراك، وإثارة الشغب وأمثالها.

الثورة تكون عندما تُزال الأسس الخاطئة، وتوضع مكانها الأسس الصحيحة, هذه هي الخطوة الأولى[173].

وعندما تتحقّق الثورة، يتشكّل بعدها النظام الإسلاميّ مباشرةً. النظام الإسلاميّ يعني تنفيذ المشروع الهندسيّ والتصميم الإسلاميّ في مكان ما. كما حصل عندما أُزيل في بلدنا النظام الملكيّ الاستبداديّ الفرديّ الوراثيّ الارستقراطي العميل، وحلّ مكانه نظام دينيّ تقوائيّ شعبيّ اختياريّ, يتحقّق بهذا الشكل العامّ نفسه الذي حدّده له الدستور, أي: النظام الإسلاميّ.

… فلقد صمّمنا وأسّسنا نظامًا إسلاميّا… والآن لدينا نظام إسلاميّ أصوله مشخّصة، وأسس الحكومة واضحة فيه, ومشخّص (فيه) كيف يجب على المسؤولين أن يكونوا، السلطات الثلاث محدّدة الوظائف, والوظائف الملقاة على عاتق الحكومات محدّدة ومعلومة[174].

 

الهدف الأساس, إحياء الإسلام مجدّدًا

لقد عاهدنا الله سبحانه على متابعة طريق الإمام الخمينيّ قدس سره الذي هو طريق الإسلام والقرآن وطريق عزّة المسلمين. فسياسة “لا شرقية ولا غربيّة“، والدفاع عن مستضعفي العالم ومظلوميه، والدفاع عن وحدة الأمّة الإسلاميّة الكبرى ومسيرتها، وتجاوز أسباب الاختلاف والتفرقة بين المسلمين على مستوى العالم، والجهاد من أجل تشكيل المدينة الإسلاميّة الفاضلة، والاعتماد على التحزّب للطبقات المحرومة والفقيرة، وتوسّل جميع الأسباب والامكانات لإعادة إعمار البلاد على

المستوى الداخليّ, – علّها تشكّل الخطوط الأساسيّة لبرامجنا. الهدف الأساسيّ من وراء هذه الأمور كلّها، هو إحياء الإسلام مجدّدًا، والعودة إلى قيم القرآن، وأن لا نتراجع قيد شعرة عن هذا الهدف[175].

 

حاكميّة الإسلام فقط

يسعى الأعداء من خلال تهيئة الأجواء والحيل الدعائيّة، إلى أن تكونوا حذرين من اسم الحكومة الإسلاميّة والنظام الإسلاميّ، ولعلّ بعض البسطاء يفكّرون في هذا الأمر ألا وهو: من الأفضل اجتناب اسم الحكومة الإسلاميّة في تصريحاتنا العلنيّة كي لا نثير حساسيّة أميركا والدول الغربيّة! وصيّتي لكم، هي الاجتناب الجدّي لهذا التفكير في المصلحة، الذي هو خلاف المصلحة. اذكروا هدف تشكيل النظام الإسلاميّ وحاكمية القرآن والإسلام، من دون أيّ انفعال وبصراحة ودومًا وفي جميع الظروف، ولا تطمعوا الأعداء من خلال العدول عن اسم الإسلام المقدّس، ولا تجعلوا الهدف مبهمًا وضبابيًّا[176].

 

السلوك والمنهج المطلوب للحكّام المسلمين

بعد أن جاء النظام الإسلاميّ، وصل دور تشكيل الحكومة الإسلاميّة بمعناها الحقيقي, أو بتعبير أوضح، تشكيل سلوك الحكّام – أي نحن – ومنهجهم على نحوٍ إسلاميّ. ولأنّ هذا غير متوفّر للوهلة الأولى، ينبغي أن يوجد تدريجيًّا

ومن خلال السعي. على المسؤولين ورجال الدولة، أن يطابقوا أنفسهم على الضوابط والشرائط المتعلّقة بالمسؤول الإسلاميّ. إمّا أن يأتي أشخاص كهؤلاء – إن كانوا موجودين – إلى الحكم, وإمّا إن كانوا غير كاملين، يسيروا بأنفسهم في ذلك الاتّجاه نحو الكمال، ويتقدّموا. هذه المرحلة الثالثة التي نعبّر عنها بتشكيل الحكومة الإسلاميّة. لقد جاء النظام الإسلاميّ من قبل, والآن ينبغي للحكومة أن تصبح إسلاميّة, الحكومة بالمعنى العامّ، لا بمعنى أعضاء مجلس الوزراء, أي: السلطات الثلاث، مسؤولو البلاد، القائد والجميع[177].

 

على المسؤولين أن يصبحوا إسلاميّين

الخطوة التالية التي هي أصعب من هذه الأمور (تأسيس الثورة الإسلاميّة والنظام الإسلاميّ)، هي تشكيل الحكومة الإسلاميّة, لا بمعنى مجلس الوزراء، بل بمعنى جماعة العاملين في الحكومة, أي أنا وأنتم. ينبغي علينا بالمعنى الواقعي للكلمة أن نصبح إسلاميّين داخل هذا النظام الإسلاميّ, وهذا أكثر صعوبة من المراحل السابقة[178].

 

معنى الحكومة الإسلاميّة

المرحلة التالية للنظام الإسلاميّ، هي الحكومة الإسلاميّة. وقد سلكنا أيضًا هذا الطريق. وتولّى مسؤولون مؤمنون، ووزراء ونوّاب جيّدون، ورؤساء جمهوريّة مؤمنون، واحداً بعد الآخر أمور البلاد, لكنّ الحكومة

الإسلاميّة التي يمكنها أن تحقّق أهداف الشعب الإيرانيّ والثورة العظيمة، هي الدولة التي لا وجود فيها للرشوة، ولا للفساد الإداريّ، ولا للمحسوبيّات، ولا للتقصير، ولا لعدم الاهتمام بالشعب، ولا لتقديم الخواص، ولا لنهب بيت المال, وأمور أخرى هي لازمة للدولة الإسلاميّة[179].

ولا نستطيع الادّعاء بأنّنا حكومة إسلاميّة, إنّنا مقصّرون. علينا أن نبني أنفسنا ونتقدّم. علينا أن نهذّب أنفسنا. بالطبع، لو كان على رأس الحكومة إمام معصوم كأمير المؤمنين عليه السلام، والذي قوله وفعله ونهجه أسوة – يكون العمل أسهل على عاملي النظام, ذلك لأنّ النموذج الكامل موجود بين ظهرانيهم، والهداية موجودة في كلّ أموره. ليس لديكم مثل هكذا شخص, لتنظروا إليه بهذه النظرة وليكون قدوة لكم, لكنّ الضوابط متوافرة بين أيدينا جميعًا، وكلّنا اليوم مسؤولون[180].

 

خصائص الدولة الإسلاميّة

المرحلة الرابعة، بعد هذا، هي الدولة الإسلاميّة. إذا أصبحت الحكومة إسلاميّة بالمعنى الحقيقي للكلمة، حينها تصبح الدولة إسلاميّة بالمعنى الحقيقي للكلمة, تستقرّ العدالة, وينتفي التمييز, يزول الفقر تدريجيًّا, تتحقّق العزّة الحقيقيّة للشعب, يعلو شأنه في العلاقات الدوليّة, هذا يُسمّى بلد إسلاميّ[181].

بركات الدولة الإسلاميّة

إنّنا شعب إسلاميّ. لقد استطاع هذا الشعب، بعزمه الراسخ العامّ، أن يأتي إلى هذا البلد بنظامٍ متناسب وإيمانه وعقيدته. ما هو هدف هذا النظام؟ ما كان هدف هذا الشعب؟ الهدف كان أن تتمكّن هذه الدولة، من خلال هذا النظام، من الاستفادة من جميع الخيرات والتطوّرات والبركات، التي وعدها الله سبحانه للشعوب المؤمنة, يعني أن تصبح الدولة إسلاميّة. الدولة الإسلاميّة تعني: الدولة التي يحكم فيها الإسلام المحيي، الإسلام الباعث على النشاط، الإسلام المحرّك، الإسلام الخالي من الفكر المنحرف والتحجّر والانحراف، الإسلام الخالي من الالتقاط، الإسلام المشجّع للناس، والإسلام الهادي للبشر نحو العلم والمعرفة, الإسلام الذي عُمل به على هذا النحو في القرن الأوّل الإسلاميّ، استطاع أن يوصل جماعة متفرّقة إلى أوج الحضارة التاريخيّة والعالميّة، وأن تسيطر حضارته وعلمه على العالم, والسيطرة العلميّة تجرّ وراءها أيضاً العزّة السياسيّة، والرفاه الاقتصادي، والفضائل الأخلاقية, (كل ذلك) إذا أصبحت الدولة إسلاميّة بالمعنى الواقعي للكلمة[182].

ولكن إلى الآن لم نصل إلى الدولة الإسلاميّة. ولا يمكن لأحد الادّعاء بأنّ بلدنا بلداً إسلاميّاً[183].

الدولة الإسلاميّة مقدّمة لتشكيل العالم الإسلاميّ

عندما نتجاوز هذه المرحلة، يأتي بعدها العالم الإسلاميّ. من الدولة الإسلاميّة يمكن تشكيل عالم إسلاميّ. النموذج الذي تحقّق، يمكن إيجاد أمثاله في العالم[184].

 

يمكننا أن نقوّي أسس الحضارة الإسلاميّة

إذا بقي الشعب الايراني كما كان، بحمد الله، إلى الآن، وسيكون هكذا بعد ذلك – بفضل الله – محافظاً على وحدته المهمّة ووعيه، ويقظته، وارتباطه وعلاقته الوثيقة بالمسؤولين، وكان – بفضل الله تعالى – دوماً، على رأس هذا النظام، مسؤولون لائقون يعملون على خدمة هذا الشعب، فسيتمكّن نظام الجمهوريّة الإسلاميّة المقدّس من توطيد أسس الحضارة الإسلاميّة في هذا البلد، بل في جميع الدول الإسلاميّة، والمجتمعات الإسلاميّة[185].

العوامل المؤثّرة في الوصول إلى الحضارة الإسلاميّة

 

– الأمل

حافظوا على نور الأمل حيّاً

علينا أن نُبقي دائماً (نحافظ على) نور الأمل حيًّا في القلوب. من خلال نور الأمل ومن خلال السعي سنصل – إن شاء الله – إلى الهدف[186].

إنّنا نسير طبقاً للقوانين نفسها التي كان الرسول الأكرم  صلى الله عليه وآله وسلم في أشدّ مراحل حياته صعوبةً، يشعر بالأمل من خلال الاستناد إليها. ففي ذلك اليوم نفسه الذي حاصره كلّ قومه في مكّة، وكانت حياته في خطر، ومُنع من العيش في بيته، وكان مجبراً على الذهاب يوماً إلى الطائف وآخر إلى شُعَب أبي طالب، في ذلك اليوم كان يقول: ﴿إِنْ أَنَا إِلَّا نَذِيرٌ مُّبِينٌ[187]. بالاعتماد على أيّ أمر قال هذه الكلمات؟ بالاعتماد على الله والقوانين الإلهيّة، والمجاهدات التي كان مصمّماً على القيام بها. نحن أيضاً نسير بالاعتماد على هذه القوانين نفسها. لِمَ نفقد الأمل؟ هو استطاع ونحن

أيضاً سنستطيع. إنّه استطاع تغيير التاريخ وجعل العالم مئات السنوات متأثّراً بأحكامه ونظامه, ونحن أيضاً سائرون على الطريق نفسه وسوف نستطيع[188].

 

المنتظِر يتحرّك بشوق وأمل

إنتظار المؤمن يعني الاعتقاد بأنّ الفكر الإلهيّ, الفكر النيّر الذي جاء به الوحي للناس ـ سيعمّ يومًا الحياة البشريّة جمعاء. أحد أبعاد الانتظار هو أنّ المنتظِر يتحرّك بشوق وأمل.

الانتظار يعني: الأمل. وللانتظار أيضًا أبعاد مختلفة أخرى[189].

أحد أبعاد الانتظار هو الثقة والأمل بالمستقبل، وعدم اليأس, وروح الانتظار هذه نفسها، هي التي تعلّم الانسان النضال في سبيل الخير والصلاح, إذا لم يكن الانتظار والأمل موجودين، فلا معنى للنضال, وإذا لم تكن الثقة بالمستقبل موجودة، فلا معنى للانتظار, الانتظار الحقيقي متلازم مع الاطمئنان والثقة[190].

 

الاعتقاد بالمهدويّة, إحياءٌ لروح الأمل في النفوس

يميل الاستكبار العالميّ اليوم، إلى ابتلاء الشعوب المسلمة، ومن جملتها الشعب الإيرانيّ العزيز، بروح اليأس وإلى أن يقولوا: لا يمكن فعل

شيء, ما من فائدة بعدُ! يريدون أن يزرعوا اليأس في الناس بالقوّة. إنّنا إذ نقع في خضمّ الأخبار الدعائيّة والمسمومة للأعداء، نشاهد بأمّ العين أنّ معظم الأخبار التي يعدّونها، هي من أجل زرع اليأس في نفوس أبناء الشعب.

 

لماذا؟

من أجل أن يأخذ الفورة والأمل من هذه الجماعة البشريّة التي تعمل بأمل، وليحوّلوهم إلى موجودات ميّتة أو شبيهة بالأموات, لكي يمكنهم القيام بالعمل الذي يريدون. مع شعب حيّ لا يمكنهم القيام بما يريدون. بجسد فاقد للوعي ذاهل، فاقد للحسّ مُلقىً في زاوية, ويمكن لأيّ شخص أن يحقنه بما يريد- يمكنهم أن يفعلوا ما يريدون, لكنّهم لا يستطيعون فعل ما يشاؤون بموجود نشيط حيّ، واعٍ، ومفعم بالحركة والحيويّة.

عندها يحيي الاعتقاد بالمهدويّة وبالوجود المقدّس للمهديّ الموعود (أرواحنا له الفداء)، الأمل في النفوس. وإنّ الإنسان المعتقد بهذا الأصل لا يعرف اليأس أبدًا, لماذا؟ لأنّه يعرف أنّ هناك نهايةً سعيدة حتميّةً, لا عودة عنها، فيسعى للوصول إليها[191].

 

نستطيع بمعونة الإيمان

هذا هو الإيمان الذي يمكنه أن يحطّم حكومات الشياطين والفراعنة، ويسحقها, كما حدث وتحطّمت. من كان يتصوّر أيّام ظهور الإسلام، أنّ عدّة معدودة مظلومة ضعيفة في ناحية من أنحاء مكّة، تستطيع ببركة،

هذه الآيات الإلهيّة، أن تشكّل أكبر حضارة في زمانها، وأن ترتقي بالتمدّن البشريّ وتطوّره، وأن توجد هذه السلطة العظيمة وهذه الرعيّة العظيمة[192]، وتبقى هكذا عزيزة على امتداد الزمن؟ تصوّر البعض أنّه سرعان ما سيزول كلّ شيء ـ ﴿الظَّانِّينَ بِاللَّهِ ظَنَّ السَّوْءِ[193] ـ كانوا يظنّون أنّ الرسول  صلى الله عليه وآله وسلم لن يوفّق في الكثير من الحوادث التي حدثت له, ﴿بَلْ ظَنَنتُمْ أَن لَّن يَنقَلِبَ الرَّسُولُ وَالْمُؤْمِنُونَ إِلَى أَهْلِيهِمْ أَبَدًا[194] و﴿وَظَنَنتُمْ ظَنَّ السَّوْءِ وَكُنتُمْ قَوْمًا بُورًا﴾[195]. أولئك الذين يسيئون الظنّ بالله، أولئك الذين لا يولون الأهميّة والاعتبار لجوهرة الدين القيّمة – هم أنفسهم “القوم البور”. نحن – المسلمين – لا ينبغي أن نصل إلى هذا الحدّ. القرآن يمكنه هداية الإنسان, يمكنه أن يخرجه من إنسانِ ﴿لَفِي خُسْرٍ﴾[196] ويوصله إلى إنسان ﴿يَا أَيُّهَا الْإِنسَانُ إِنَّكَ كَادِحٌ إِلَى رَبِّكَ كَدْحًا فَمُلَاقِيهِ﴾[197], يسير نحو الله والصيرورة إليه ويلاقيه[198].

 

ترسيم المستقبل بيد الإنسان نفسه

إنّ معرفة أيّ الأشخاص يختارون هذا الطريق ويسلكونه بقوّة،

وأيّ الأشخاص يعرضون عنه ولا ينالون خيراته، مرتبطة بإرادة البشر واختيارهم, هم أنفسهم من يختارون مصيرهم ومستقبلهم بأيديهم, لكنّ هذا الطريق قد وُضِع أمام الناس[199].

 

الاستفادة من الاستعدادات والقابليّات

بالطبع، في كلّ عصر وزمان، كلّ فرد من الأفراد وكلّ جماعة من الجماعات البشريّة، يستفيدون منها (البعثة) على قدر استعدادهم وقابليّاتهم. كما استطاع مسلمو صدر الإسلام أن يستفيدوا من مفهوم البعثة وحقيقتها، وينشروا نورها المضيء إلى كافّة أرجاء العالم في ذلك الزمان، وأن يهدوا أناساً كثيرين إلى الصراط المستقيم، ويجذبوهم إلى حقيقة العبوديّة. بعد ذلك، وفي برهة من الزمن استطاعوا تشكيل تلك المدنيّة والعظمة والعلم في العالم، (الأمور) التي لا يزال بريقها إلى الآن، يُرى من خلف أسوار التاريخ العالية، والمسافات الزمنيّة الطويلة، ولا زال العالم يتنعّم بنعم ذلك التطوّر العلميّ، والصناعيّ، والفكريّ، والمعرفيّ، والمدنيّ. في جميع العصور أيضًا حيثما استطاع المسلمون أن يستفيدوا الاستفادة المناسبة من الإسلام، سعدوا. وكلّ إنسان استطاع الاستفادة على قدر استعداده، فقد جلب السعادة إلى نفسه[200].

– القيام والعمل بإخلاص وصدق

أعزّائي! هذه الآية مرتبطة بإحدى المعارك، التي خاضها الرسول  صلى الله عليه وآله وسلم: ﴿الَّذِينَ قَالَ لَهُمُ النَّاسُ إِنَّ النَّاسَ قَدْ جَمَعُواْ لَكُمْ فَاخْشَوْهُمْ فَزَادَهُمْ إِيمَاناً وَقَالُواْ حَسْبُنَا اللّهُ وَنِعْمَ الْوَكِيلُ﴾[201] الله كافينا وحامينا. بالطبع ﴿حَسْبُنَا اللّهُ وَنِعْمَ الْوَكِيلُ﴾ لا يصحّ إطلاقها في المخادع وفي غرف المنامة. إنّنا لا نفعل شيئًا، ولا نسعى سعيًا، ولا نقوم بحركة، ولا نعرّض نفسًا لخطر، ولا نريق شيئًا من ماء وجوهنا، ومن ثمّ نقول: ﴿حَسْبُنَا اللّهُ وَنِعْمَ الْوَكِيلُ﴾! لا، فالله تعالى لن يكفي الذي لا يجاهد في سبيله, هذا مرتبط بساحة الحرب, إنّنا اليوم في ساحة حرب، وإن لم تكن حربًا عسكريّة وحرب موت وحياة. للمّا كان مستكبرو العالم معادين بجدّ للإسلام وللنظام الإسلاميّ، فإنّنا في كلّ عمل جيّد نقوم به، وكلّ قانون جيّد نضعه، وكلّ إجراء جيّد نقوم به، وكلّ حكم جيّد نحكم به، وكلّ سلوك حسن يظهر منّا، وكلّ عمل جيّد يؤدّي إلى تقوية هذا النظام وتقوية الإسلام، إذا ما صدر عنّا، نكون في الواقع، وجّهنا ضربةً إلى الأعداء. هنا يمكن للمرء أن يقول: ﴿حَسْبُنَا اللّهُ وَنِعْمَ الْوَكِيلُ﴾. وسيكون جواب الله تعالى، أيضًا: ﴿فَانقَلَبُواْ بِنِعْمَةٍ مِّنَ اللّهِ وَفَضْلٍ لَّمْ يَمْسَسْهُمْ سُوءٌ وَاتَّبَعُواْ رِضْوَانَ اللّهِ وَاللّهُ ذُو فَضْلٍ عَظِيمٍ﴾[202].

الدعوة إلى التحرّك والقيام

لقد دعا الرسول  صلى الله عليه وآله وسلم الناس إلى التحرّك والقيام. والله تعالى في الآيات الأولى التي نزلت على الرسول، قال: ﴿قُمْ فَأَنذِرْ[203]: القيام: التحرّك: الخروج من حالة الركود والجمود واعتبار النفس مسؤولة. ﴿إِنَّمَا أَعِظُكُم بِوَاحِدَةٍ أَن تَقُومُوا لِلَّهِ﴾[204], القيام لله في جميع ظروف الحياة البشريّة، هو الحلّ للمشاكل، ومن دون القيام والتحرّك لا يمكن بلوغ أيٍّ من الأهداف العليا[205].

موعظة القرآن الهامّة موجّهة إلى أولئك الذين لم يشرعوا إلى الآن في محاربة الباطل – أن يقوموا لله, مثنى وفرادى ثم يتفكّروا. هذه الموعظة موجّهة دومًا إلى كلّ المؤمنين بالله الحيّ وبقوّته الدائمة. لقد شاهدنا في تاريخ الإسلام أناسًا، سواءً على نحو فرديّ أو جماعي، أنّهم حين عدوّا القيام لله فريضةً واجبةً لا بدّ من القيام بها، وقاموا لله وأدّوا تكليفهم الذي هو هذا القيام لله ـ فقط من أجل الله, لا لأيّ هدف آخر – نالوا مقصودهم وهدفهم. لو لم تكن روحيّة القيام لله موجودة في المسلمين في الأيّام، التي كانت دعوة الرسول  صلى الله عليه وآله وسلم تواجه المشاكل والانكار – لما انتصر الإسلام, وكذلك في ثورتنا العظيمة، لو لم نشعر بوجود روحيّة القيام لله في الناس، ولم يقم قائدنا العظيم الشأن لله وانتظر, ليرى ماذا

يقول الآخرون وماذا سيفعلون، أو انتظر الشعب ليرى الخطّة والبرنامج اللذين سيُعدّان له – لكان من المتيقّن أنّ الثورة لن تنتصر[206].

لقد علّم الإسلام المسلمين درسًا، ما دام هو موجود بين المسلمين فستكون نتيجته السطوع والتألّق والتسامي المعنويّ والماديّ- ذلك الدرس هو الجهاد الخالص. فحيثما يكون الجهاد خالصًا، تكون نتيجته السطوع والتألّق. بالنتيجة، الجهاد الخالص يمكن أن يكون لله، ويمكن أن يكون لغير الله. إن كان لله سيكون أبديًّا، خالدًا ولا يزول, وإن كان لغير الله فلن يدوم. قد يكون شخص عاشقًا لشخص آخر، فيقوم بتحرّك خالص من أجله, أو قد يكون عاشقًا لوطنه، فيقوم بتحرّكٍ خالص من أجله. هذه التحرّكات لا تدوم، وتبقى ما دامت هذه الحماسة الشعور موجودان فيه. وبمجرّد أن يبرد هذا الشعور فيه بمقدار ذرّة، يفتح عينيه ويقول في نفسه: أذهب أنا للموت, ليأكل فلان ولتشتدّ عنقه غلظة؟! أمّا لو كان الجهاد لله، فلن يكون الأمر كذلك.

فكلّما ازدادت الدقّة العقلانيّة في الإنسان، كثر جهاده, ذلك لأنّه يعلم أنّ ﴿مَا عِندَكُمْ يَنفَدُ وَمَا عِندَ اللّهِ بَاقٍ[207], ما قدّمناه من أجل الله يبقى[208].

 

الصمود, شرط لبلوغ الحضارة الإسلاميّة

إنّ جوهرة الصمود والمقاومة في شعب ما، هي جوهرة نفيسة وثمينة,

بهذه الجوهرة نفسها, ومن خلال الهداية الإلهيّة, ومن خلال الامدادات المعنويّة الغيبيّة، والأدعية الزاكية والهدايات المعنويّة لوليّ الله الأعظم (أرواحنا فداه) – سيتمكّن الشعب الإيراني، بفضل الله، من إعلاء شأن الحضارة الإسلاميّة مرّة أخرى في العالم، وإقامة صرح الحضارة الإسلاميّة العظيم. هذا مستقبلكم الحتمي. على الشباب أنفسهم أن يعدّوا أنفسهم لهذه الحركة العظيمة. وعلى القوى المؤمنة والمخلصة أن تجعل هذا الأمر هدفًا لها[209].

 

استقامة النبيّ الأكرم  صلى الله عليه وآله وسلم

لقد كانت استقامته (النبي) استقامةً لا يمكن الإشارة إلى مثلها في التاريخ البشريّ. لقد أظهر استقامةً، استطاع من خلالها تأسيس هذا البناء الإلهيّ المحكم الأبديّ. وهل كان يمكن ذلك من دون الاستقامة؟ باستقامته أصبح ذلك ممكناً, باستقامته، ربّى هكذا أصحاب, باستقامته، أقام في ذلك المكان الذي لم يكن أحد يتصوّره، خيمةَ التمدّن البشريّ الخالد، وسط صحراء الحجاز القاحلة, ﴿فَلِذَلِكَ فَادْعُ وَاسْتَقِمْ كَمَا أُمِرْتَ[210].

يخاطب الله تعالى النبيّ في سورة هود بقوله: ﴿فَاسْتَقِمْ كَمَا أُمِرْتَ وَمَن تَابَ مَعَكَ[211]. جاء في رواية عن النبيّ  صلى الله عليه وآله وسلم قوله: “شيّبتني سورة

هود”[212], وحين سُئل: أيّ موضع منها؟ قال: هذه الآية ﴿فَاسْتَقِمْ كَمَا أُمِرْتَ﴾. لِمَ تشيّب الرسول؟ لأنّ هذه الآية تقول: اثبت واستقم على هذا الطريق كما أُمرت واصبر عليه. وهذا الثبات نفسه أمر صعب. هذا هو “الصراط“, الصراط الذي صوّرته لنا الآيات يوم القيامة. إنّ باطن عملنا وطريقنا في هذه الدنيا هو الصراط نفسه. إنّنا الآن نسير على الصراط, علينا رعاية الدقّة. إذا أراد الإنسان أن يراعي الدقّة في كلّ أعماله، فإنّ ذلك سينتهي بمشيبه. لكنّ الأهمّ من هذا كلّه، بنظري، الجملة التالية:

﴿وَمَن تَابَ مَعَكَ﴾. لم يكن النبيّ وحده المأمور بالاستقامة, لا بدّ أنّها تأمر جموع المؤمنين العظيمة، بالاستقامة على هذا الطريق. فالناس الذين هم من ناحية، في معرض هجوم البلايا، ومشاكل الحياة: الأعداء، المتآمرين، المتربّصين شرّاً، والقوى المسيطرة – ومن ناحية أخرى، هم مورد هجوم أهوائهم النفسانيّة: رغبات الإنسان النفسانيّة، ونفسه العديمة الصبر التي تميل إلى زخارف الدنيا وتنجذب نحوها – ينحرفون عن هذا الصراط يمينًا أو شمالًا. إنّ حبّ الذهب والفضّة، وحبّ المال والشهوات الجنسيّة، وحبّ المنصب وأمثالها، هي أمور يضع كلّ منها رسنًا في عنق الإنسان وتجرّه نحوها. إنّ المقاومة والثبات في مقابل هذه الأمور بحيث لا تزلّ قدم الإنسان، وتثبيت المؤمنين في الخطّ المستقيم بين هاتين الجاذبتين القويّتين: جاذبة ضغوط الأعداء وجاذبة الضغط النفسي للقلب المنقاد للأهواء, وهدايتهم: “ومن تاب معك”– أغلب الظنّ أنّها هي التي شيّبت الرسول[213].

– الارتباط باللّه

بالطبع، في هذا الطريق، علينا أن لا ننسى التوجّه والتوسّل إلى الله تعالى والدعاء له – وخاصّة من قبل الشباب. وقد كان النبيّ  صلى الله عليه وآله وسلم بتلك القوّة الملكوتيّة، دومًا في حال تضرّع وتوجّه وتوسّل إلى الله تعالى. إنّ التوسّل إلى وليّ الله الأعظم (أرواحنا فداه) والعلاقة القلبيّة به، من وظائفنا. … تقوية المعنويّات، والارتباط بالله، وإيلاء الأهمّيّة للذكر والدعاء والتوسّل، هي من وظائفنا. إنّ تقوية علاقتنا بالله، والسعي في الشؤون الدنيويّة – الأعمّ من طلب العلم والمعرفة والسعي في طريق البناء – والوعي بالمسائل السياسيّة والاقتصاديّة، والأهمّ من ذلك كلّه، الحفاظ على الأمل, كلّها عوامل وخصائص ستُنوّر- إن شاء الله – في المستقبل القريب، وجه البسيطة كلّه بنور الجمهوريّة الإسلاميّة، وستجعل البشريّة تنتفع من بركات الإسلام، وستجعل الشعب الإيراني شاهدًا على اتّحاد البشريّة، ووحدتها على وجه الارض[214].

 

استعانة النبيّ  صلى الله عليه وآله وسلم الدائمة بالله تعالى

… في أوقات الشدّة، لم يكن يلحظ أنّ تضرّعه لله وطلبه العون منه، قد يترك هذا الانطباع في أذهان مخاطبيه ومشاهديه والناظرين إليه, وهو أنّه عاجز بذاته. كان يقول بصريح العبارة: إنّني عاجز بذاتي، ولا يمكنني فعل شيء من دون عون الله تعالى. في معركة الأحزاب، عندما كان الأعداء جميعًا يحاصرون المدينة، والرسولَ والمؤمنينَ من كلّ

جانب, بقصد استئصال الإسلام والقرآن والنظام الجديد من الجذور، جثا الرسول  صلى الله عليه وآله وسلم على ركبتيه أمام أعين الناس! وذلك إلى جانب تنظيم الجيش، وإلى جانب التدابير الذكيّة التي اتُخذت هناك، وإلى جانب حضّ الناس على المقاومة – وكرّر هذا الأمر مراراً على ما جاء في كتب السيرة – رفع الرسول  صلى الله عليه وآله وسلم يديه نحو السماء، وراح يتضرّع، يبكي ويقول: إلهيّ! أعنّا وامددنا بالنصر ووفّقنا[215].

 

– الاتّباع الكامل للنموذج النبويّ

العمل بقوانين الإسلام, طريقُ الوصول إلى الهدف

كانت هذه الولادة (ولادة النبيّ) طليعة الرحمة الإلهيّة لتاريخ البشريّة. وقد عُبّر في القرآن عن وجود الرسول بعبارة ﴿رَحْمَةً لِّلْعَالَمِينَ[216]. هذه الرحمة غير محدودة، تشمل: التربية، التزكية، التعليم، وهداية الناس إلى الصراط المستقيم، وتطوُّر الناس في مجالات الحياة الماديّة والمعنويّة أيضًا. كما أنّها ليست مختصّة بأناس ذلك الزمان, مرتبطة بالتاريخ كلّه: ﴿وَآخَرِينَ مِنْهُمْ لَمَّا يَلْحَقُوا بِهِمْ[217]. وطريق الوصول إلى ذلك الهدف هو العمل بمعارف الإسلام وقوانينه التي بُيّنت للبشر[218].

هكذا كان الإمام الخميني قدس سره

لقد أصبح (الإمام الخميني) من خلال الجهاد والهجرة التي تجعل المؤمنين في كنف الولاية الإلهيّة، مصداقًا للآية: ﴿إِنَّ الَّذِينَ آمَنُواْ وَهَاجَرُواْ وَجَاهَدُواْ بِأَمْوَالِهِمْ وَأَنفُسِهِمْ فِي سَبِيلِ اللّهِ[219]. ومن خلال مواجهته للخطر، ووضعه روحه على كفّه في سبيل الله, صار في زمرة الأشخاص الذين أثنى الله عليهم منتهى الثناء، بقوله: ﴿وَمِنَ النَّاسِ مَن يَشْرِي نَفْسَهُ ابْتِغَاء مَرْضَاتِ اللّهِ[220]. ومن خلال قيامه التاريخي في سبيل الله، وسعيه المنقطع النظير لإقامة القسط والعدل، وتحرير المستضعفين من الظلم والتمييز- استجاب للنداء الإلهيّ: ﴿كُونُواْ قَوَّامِينَ لِلّهِ[221] و﴿كُونُواْ قَوَّامِينَ بِالْقِسْطِ﴾[222]، استجابةً تبعث على الفخر. وجعل من الغضب والبراءة من المشركين والكفّار المعاندين, ومن الرحمة والمودّة لمسلمي العالم مصداقاً تامّاً للآية: ﴿أَشِدَّاء عَلَى الْكُفَّارِ رُحَمَاء بَيْنَهُمْ﴾[223]. ومن خلال المناجاة والتهجّد والتضرّع الخالص، صار في سلك: ﴿عَسَى أَن يَبْعَثَكَ رَبُّكَ مَقَامًا مَّحْمُودًا[224] لقد كان آمراً بالمعروف، وناهياً عن المنكر، ومجاهداً في سبيل الله. ومن خلال قطع كلّ رابطة، لا تنسجم مع محبّة

الحقّ والفناء فيه، أصبح مصداقاً للآية[225]: ﴿رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ وَرَضُوا عَنْهُ أُوْلَئِكَ حِزْبُ اللَّهِ أَلَا إِنَّ حِزْبَ اللَّهِ هُمُ الْمُفْلِحُونَ﴾[226].

 

أسس الجمهورية الإسلاميّة هي نهج الإمام

إنّ أسس الجمهوريّة الإسلاميّة – التي هي نهج الإمام نفسه وأسس الإسلام المؤكّدة – هي في إيران الإسلاميّة ذات أهمّية، وهي أساس حياتنا السياسيّة والاجتماعيّة، رغم أنوف الأعداء.

 والشعب الإيراني لن يتخلّى، تحت أيّ ظرف، عن الحياة في ظلّ الإسلام المحمّدي الأصيل الذي تحصّل من خلال التضحيات وبذل أعزّ النفوس، وإنّ أصول الإمام الخميني – وعلى رأسها، أصل عدم الفصل بين الدين والسياسة، ومقاومة ضغوط المدنيّة الماديّة لعزل الإسلام والقرآن – ستبقى الأصول الحيّة دومًا للجمهوريّة الإسلاميّة[227].

 

– تعليم العلم والمطالبة بالحقّ

حين لم يكن هناك في العالم خبر عن العلم والتعلّم والدرس والكتابة وآثار التعلّم والتعليم، ابتدأ إسلامنا وقرآننا بـ ﴿اقْرَأْ﴾، وأقسم بالقلم والكتابة، وحرّر أسير الحرب مقابل بضع كلمات يعلّمها للمسلمين. يعود هذا الأمر إلى أربعة عشر قرناً خلت. أعمال الإسلام ونبيّنا الأكرم هذه

نفسها، هي التي أدّت إلى أن يصبح المجتمع العربي الأمّي – الأمّي هو غير المتعلّم, ﴿هُوَ الَّذِي بَعَثَ فِي الْأُمِّيِّينَ رَسُولًا مِّنْهُمْ﴾[228] – وفي وقتٍ، كانت أوروبا ترزخ تحت وطأة الجهل – (أن يصبح) مجتمعاً لديه كبرى الجامعات وأعظم العلماء، وكثيرون من أمثال: الفارابي وابن سينا ومحمد بن زكريّا الرازي وأبي ريحان البيروني وآخرين غيرهم. أي أنّ محاربة الجهل والحثّ على العلم والتعلّم والحضّ عليه، جعل المجتمع الإسلاميّ يتقدّم، بسبعة أو ثمانية قرون، على العالم المتحضّر أجمع. بالطبع، لقد تراجعنا بعد ذلك، تكاسل المسلمون ووصل أمرنا إلى هنا, ولكنّنا الآن، يمكننا البدء من جديد. قامت الثورة من جديد، وعاد الإسلام إلى ساحة الحياة من جديد، ولم يعد بعد من معنىً للأميّة[229].

كما كان للإسلام التحرّك الأهمّ باتّجاه العلم والتشويق والحثّ الأكبر عليه، ظهرت الحضارة الإسلاميّة بفضل الحركة العلميّة التي بدأت منذ اليوم الأوّل لظهور الإسلام. ولم يكد يمضي قرنان على ظهور الإسلام حتّى ظهرت الحركة العلميّة الإسلاميّة النوعيّة, وذلك أيضًا في تلك البيئة[230].

هذه هي المعرفة نفسها التي انتهت بالعلم وتحصيله، وأوصلت المجتمع الإسلاميّ إلى أوج التمدّن العلمي[231].

السؤال مقدّمة للوصول إلى الحقّ

الاستفسار مقدّمة التوجيه الدائم للبشر ومفتاحه. ولو لم تكن حالة الاستفسار والبحث وطلب الحقّ والبحث عنه موجودة في الإنسان، ما كانت لتحدث أيّ هِداية في العالم، ولما سُلِك أيّ طريق للكمال… هذا أمر طبيعيّ في البشر. فالاستفسار والسؤال مقدّمة ومفتاح للبحث عن الحق، والوصول إليه وللمسير, وبالتالي الوصول والوصال وتحقيق المبتغى[232].

فالإسلام العزيز، أكبر مشجّع على العلم… واليوم …  الجهاد العلمي أحد أعظم فرائضنا[233].

عوامل الحفاظ على الحضارة الإسلاميّة وتطويرها

أعزّائي! أقول لكم: إنّ هاتين الآيتين معًا. هذه الآية[234] تقول إنّ الإسلام في ظلّ عوامله الذاتيّة – والتي قلنا أنّها المنطق والاستدلال من جهة، والعدالة الاجتماعيّة من جهة أخرى – سوف يسيطر على العالم, لا عن طريق التآمر، ولا عن طريق السيف، ولا عن طريق الأعمال التي يتوسّلها أعداء الإسلام دوماً في الأماكن الأخرى، والتي يتوسّلها أعداء الجمهوريّة الإسلاميّة الآن أيضًا, بل عن طريق المنطق وتطبيق العدالة. هذه آية. والآية السابقة أيضًا هي: ﴿يُرِيدُونَ لِيُطْفِؤُوا نُورَ اللَّهِ بِأَفْوَاهِهِمْ[235], فليهدّدوا ما شاءوا. وكون الله سبحانه يعدّ كيد الأعداء ضعيفاً في مقابل الإسلام، لا ينطبق فقط على كيد كفّار قريش في عصر النبي, هذا يعني جميع مؤامرات الأعداء ضدّ الجمهوريّة الإسلاميّة, أي، الحصار الاقتصادي والمؤامرات الدعائيّة المنتشرة في كلّ مكان والضغوط السياسيّة والجلسات المتواصلة للصهاينة الموسوسين مع القوى الأخرى المعادية للجمهوريّة الإسلاميّة، والعمل ليلاً ونهاراً ضدّ الجمهوريّة الإسلاميّة, يشمل كلّ هذه الأمور. يقول القرآن في مقابل التزام هذا الشعب بالإسلام وبطريق الله – وفي مقابل وحدة هذا الشعب وترابطه، وفي مقابل العشق الذي حتّم على هذا الشعب، منذ اليوم

الأوّل، السير في طريق الله والقرآن، وفي مقابل استقامة هذا الشعب وصبره وحكمته ووعيه – فإنّ جميع هذه القوى، وجميع هذه المؤامرات، وجميع هذه التحايلات والتكتّلات وجميع هذه العداوات, محكومةٌ بالفشل![236].

 

– الالتزام المتعصّب بالإيمان

إنّ النظام الذي يكون مبنيّاً على أساس البعثة هدفه سعادة البشر وراحة عيشهم, وهذا لا يتيسّر إلّا من خلال ذينك الهدفين (ايلاء الأهميّة للقيم المعنويّة والعدالة). وإذا ما حصل ذلك، فلن يكون هناك من بعد أثر للعداوات. يتساءل الكثيرون، ما الذي حصل ذلك اليوم، حيث كانت هناك قوّتان عظميان، وكلاهما تآمرتا ضدّنا، ولم تتمكّنا من النيل من الجمهوريّة الإسلاميّة؟

اليوم أيضًا حيث زالت إحدى القوّتين وبقيت الثانية، لن تستطيع هي وعملاؤها – سواءً الدول المتقدّمة أو الدول الضعيفة التي قبلت التعاون مع أميركا من باب الحقارة والذلّة، وتتعامل معها – توجيهَ ضربةً إلى الجمهوريّة الإسلاميّة. والسرّ في ذلك هو الإيمان، واهتمام الناس بالدين والتزامهم به، وحضور المعنويّات في حياة الناس، وهذا الإحساس بأنّ نظام المجتمع يسير باتّجاه العدالة[237].

 

الحرب الناعمة، هادئة ومن دون ضجيج

الحرب الناعمة كالقلم5، يعمل بهدوء ومن دون إحداث ضجّة. كانت إحدى طرق الحرب الناعمة، العمل على صرف الشباب المؤمن،

عن التزامه التعصبيّ للإيمان، والذي هو نفسه عامل في الحفاظ على حضارة ما, الأمر نفسه اتّبعوه في الأندلس في القرون الماضية, أي: شغلوا الشباب في العالم بالفساد، واتّباع الشهوات، وشرب الخمر، وأمثال هذه الأمور. وهم يعملون الآن على هذا الأمر… عندما يدوّي، لا سمح الله، صوت انهدام الإيمان والعقيدة، الناجم عن حرب الأعداء الخفيّة والماكرة – إذا لم تكونوا أنتم أيّها الشعب والقوى الثقافيّة يقظين – لا سبيل بعد للعلاج. عندما يكون هناك تنظيمات، تفسد الشابّ في ريعان الشباب, والأعداء الآن يعملون على هذا الأمر[238].

 

– الجهاد والصمود

لم يضطرب الرسول الأكرم  صلى الله عليه وآله وسلم في مواجهة عالم عصره الظلماني – سواءً في مكّة عندما كان وحيداً، أم عندما أحاطت به قلّة قليلة من المسلمين – وكان يقف في مقابل زعماء العرب المستكبرين، وصناديد قريش المتعجرفين، بأخلاقهم السيّئة وأيديهم الطائلة، أو عامّة الناس الذين لم ينالهم حظّ من المعرفة – لم يخف, قال كلامه الحقّ، كرّر القول، شرح، بيّن، تحمّل الإهانات، والصعوبات والعناءات، إلى أن تمكّن من جلب عدد كبير إلى دين الإسلام. وسواءً عندما شكّل الحكومة الإسلاميّة، واستلم الحكم بنفسه كرئيس لهذه الحكومة, يومذاك أيضًا كان للرسول  صلى الله عليه وآله وسلم أعداء ومعارضون متنوّعون سواءً القبائل العربيّة المسلّحة – البدائيّة التي كانت منتشرة في كافّة أرجاء صحراء الحجاز واليمامة، والتي كان على الدعوة

الإسلاميّة أن تصحلهم، وكانوا هم يحاربونها – أم ملوك العالم الكبار في ذلك الزمان – القوّتين العظميين في ذلك العالم, أي: امبراطوريّتي الفرس والروم حيث بعث الرسول الأكرم  صلى الله عليه وآله وسلم إليهما بالرسائل، حاججهما، خاطبهما، حرّك الجيوش، تحمّل الصعاب، عانى حصاراً اقتصادياً ووصل الأمر بأهل المدينة أحياناً، أنّه كان يمرّ يومان أو ثلاثة أيّام من دون أن يحصلوا على الخبز, ليسدّوا به رمقهم. أخطار كثيرة أحاطت بالنبيّ من كلّ صوب، أثارت قلق البعض، وزلزلت آخرين، وجعلت البعض الآخر يتذمّر، وآخرين يحثّون النبيّ على الليونة والمهادنة, لكنّ الرسول الأكرم  صلى الله عليه وآله وسلم لم يخضع لحظةً في ميدان الدعوة والجهاد هذين، وبقوّة تقدّم بالمجتمع الإسلاميّ إلى الأمام حتى وصل إلى ذروة العزّة والقوّة. وذلك النظام نفسه والمجتمع نفسه، تمكّن في السنوات التالية بفضل ثبات الرسول في ميادين القتال والدعوة، من التحوّل إلى القوّة الأولى في العالم[239].

 

– الزهد وعدم الاهتمام بالدنيا

كلّ هذه التأكيدات والتوصيات التي نراها في الروايات، وفي نهج البلاغة، وفي أحاديث النبيّ الأكرم  صلى الله عليه وآله وسلم والأئمة والعظام عليهم السلام، حول الزهد في الدنيا وعدم الاهتمام بزخارفها، من قبل الشخص – هو بسبب التأثير العظيم لهذا العامل. بالطبع، لقد ظنّ أعداء الإسلام والمسلمون المنحرفو التفكير أو أظهروا أنّ الإسلام بدعوته إلى الزهد، إنّما يدعو إلى

ترك الدنيا، بمعنى مظاهر عالم الوجود ومظاهر الحياة, في حال لم تكن هذه هي المسألة, بل كان المقصود هو الدنيا السيّئة والدنيا المذمومة وما وضعته أنا وأنتم هدفاً لأنفسنا ومصالحنا المادّيّة، وسعينا وراءه. هذا هو الشيء المؤدّي إلى البلاء والخراب وأساس جميع المصائب[240].

 

– اجتناب التفرقة

على إخواننا الأعزّاء، أتباع مذهب أهل البيت عليهم السلام، في أيّ مكان من العالم كانوا، أن لا ينسوا هذه المسألة أبداً… ألا وهي إيجاد الوحدة والمودّة مع الفرق الإسلاميّة الأخرى. لا تدَعوا الأعداء يستغلّونكم. لا تسمحوا للأعداء أن يضعفوا الأخوّة ويمحقوهم بعضهم بأيدي بعض, ﴿وَلاَ تَنَازَعُواْ فَتَفْشَلُواْ وَتَذْهَبَ رِيحُكُمْ[241]. عليكم أن تعدوّا كلّ من في العالم الإسلاميّ إخوةً لكم. منظومة الإسلامَ اليومَ هي في معرض الخطر من قبل الأعداء. وأصل الدين اليوم، معرّض للضغط والتهديد من قبل قوى الاستكبار العالمي[242].

 

الحفاظ على الوحدة على صعيد المجتمع

وصيتي الأخرى لكم: حاولوا الحفاظ على الوحدة على مستوى عموم أبناء المجتمع. وإذا ما اعتمد الإسلام على بعض الطبقات وأكنّ احترامًا

خاصًّا لها – كالمعلّمين وعلماء الدين والعمّال والمزارعين و… – فلا يعني ذلك أنّ الإسلام يمارس الطبقيّة, لا! فالإسلام يخالف الطبقيّة والفئويّة. والمؤمنون على امتداد العائلة الإسلاميّة الكبيرة، إخوة، والرابطة بينهم رابطة أخويّة. على عموم أفراد الناس، الحفاظ على هذه الرابطة على مستوى مجتمعنا، ومن ثمّ على مستوى الأمّة الإسلاميّة الكبيرة[243].

 

التفرقة والخلاف عامل ضعف المسلمين

هذا الضعف والذلّة المبتلى بهما اليوم مسلمو بعض دول العالم، ناشئ عن هذه التفرقة وهذا الاختلاف أنفسهما. لو كان المسلمون متّحدين لما حصل لفلسطين ما حصل، ولما حصل للبوسنة ما حصل، ولما حصل في كشمير، وفي تاجيكستان ما حصل، ولما عاش مسلمو أوروبا في المحنة، ولما لاقى المسلمون في أميركا مثل هذا الظلم, السبب يكمن في اختلافنا[244].

 

– المنطق والعدالة

أسباب الانتصار على جميع أديان العالم

للإسلام سببان آخران يستطيع من خلالهما، أن ينتصر على جميع أديان العالم, أن يجلب إليه جميع القلوب، ويدحض كلّ منطق مزيّف يواجهه. ما هما هذان السببان؟

الأول: عبارة عن المنطق القويّ والاستدلال المتين والدلائل المحكمة، التي يتحلّى بها الإسلام.

الثاني: عبارة عن العدالة بالمعنى الحقيقيّ للكلمة وبنحو مطلق. هاتان وسيلتان لتقدّم الإسلام[245].

 

هدف النظام الإسلاميّ هو إقامة العدالة والقسط الإسلاميّين

إنّ الهدف الأكثر إلحاحاً لتشكيل النظام الإسلاميّ، هو إقامة العدالة الاجتماعيّة والقسط الإسلاميّ. وقد كان قيام أنبياء الله ونزول الكتاب والميزان الإلهيّ، من أجل هذا الأمر: ألا وهو تخليص الناس من ضغط الظلم والتمييز والإجبار, ليعيشوا في ظلّ القسط والعدل، وينالوا الكمالات الإنسانيّة في كنف ذلك النظام العادل. الدعوة إلى النظام الإسلاميّ من دون الاعتقاد الراسخ، والعمل المتواصل في طريق العدالة الاجتماعيّة، هي دعوة ناقصة, بل خاطئة وكاذبة, وكلّ نظام – مهما كان مزوّقاً بالمظاهر الإسلاميّة – إذا لم يكن تحقيق العدل والقسط ونجاة الضعفاء والمحرومين، على رأس قائمة مشاريعه، فهو غير إسلاميّ ومنافق. من هنا، اعتُبر إدّعاء الملوك والحكّام – الذين، على الرغم من وجود الدعاة المسلمين وشعار اتّباع القرآن، اتّبعوا نهج الجبّارين الآخرين، وباعدوا المسافة أكثر بين الفقير والغنيّ، وجعلوا أنفسهم في مصافّ الأغنياء وغفلوا عن آلام الفقراء والحفاة – سواءً في التاريخ أم في الزمان الحالي – ( اعتُبر) مردوداً من قبل الواعين العالمين بمعارف القرآن والاسلام[246].

[1]  سورة العلق، الآيات 1 – 5.

[2] سورة الرحمن، الآيات 1 – 4.

[3] سورة الزمر، الآية 9.

[4] سورة فاطر، الآية 28.

[5] سورة العنكبوت، الآية 43.

[6] سورة غافر، الآية 57.

[7] سورة آل عمران، الآيتان 190 – 191.

[8]  سورة البقرة، الآية 164.

[9]  خطاب القائد في لقاء الموظّفين الرسميّين (12/7/1998).

[10] سورة آل عمران، الآية 139.

[11]  خطاب القائد في لقاء أئمّة الجمعة في بعض الدول (22/2/1985).

[12] خطاب القائد في لقاء أعضاء الجمعيّة الإسلاميّة للطلبة الجامعيّين (7/11/2000).

[13] بيان القائد إلى حجّاج بيت الله الحرام (16/6/1991).

[14]  بيان القائد إلى حجّاج بيت الله الحرام (6/6/1991).

[15]  خطاب القائد في لقاء قادة حرس الثورة الإسلاميّة (20/9/1994).

[16] من كلام له في خطبتي صلاة الجمعة في طهران (18/5/2001).

[17] خطاب القائد في لقاء شرائح الشعب المختلفة (5/9/1993).

[18] خطابه في صلاة الجمعة في طهران (18/5/2001).

[19]  من كلام له في خطبتي صلاة الجمعة في طهران (18/5/2001).

[20]  من كلام له في خطبتي صلاة الجمعة في طهران (18/5/2001).

[21]  من كلام له في خطبتي صلاة الجمعة في طهران (18/5/2001).

[22] خطاب القائد في لقاء عوائل الشهداء (23/10/1991).

[23] سورة الأنعام، الآية 125

[24] خطاب القائد في لقاء الموظّفين الرسميّين والمشاركين في مؤتمر الوحدة الإسلاميّة (22/8/2006).

[25] خطاب القائد في لقاء فضلاء الحوزة العلميّة في قم (24/1/1991).

[26] سورة الجمعة، الآية 2.

[27] خطاب القائد في لقاء الموظّفين الرسميّين والمشاركين في مؤتمر الوحدة الإسلاميّة (22/8/2006).

[28]  من كلام للقائد في خطبتي صلاة الجمعة في طهران (8/5/1998).

[29] من كلام للقائد في خطبتي صلاة الجمعة في طهران (8/5/1998).

* صحيفة الامام، ج11، ص1: تشّكلت حكومة الاسلام الأصيلة في عهدين من عهود صدر الإسلام، المرّة الأولى في عهد رسول الله، والمرّة الثانية عندما كان الامام عليّ بن أبي طالب عليه السلام يحكم في الكوفة. في هاتين الحكومتين، كانت القيم المعنويّة تحكم، أي: شُكّلت حكومة عدل، ولم يتخلّف الحاكم قيد أنملة عن تطبيق القانون. لقد كانت الحكومة في هذين العهدين حكومة القانون.

[30] من كلام له في خطبتي صلاة الجمعة في طهران (14/11/2003).

* صحيفة الامام، ج4، ص214: إنّ من لديه بعضًا من المعرفة بمنطق القرآن، يرى أنّ القرآن دعا رسول الإسلام دومًا إلى محاربة أصحاب رؤوس الأموال، وأولئك الذين كانوا في الحجاز والطائف ومكّة، أغنياء وأصحاب نفوذ وأشخاصًا مستكبرين ومتسلّطين. القرآن كان من دعا الرسول الأكرم صلى الله عليه وآله وسلم إلى محاربة هؤلاء الناس، الذين يعارضون صيرورة الناس أمّة، ومصالح عامّة الناس، ويستغلّونهم، ودعا إلى تأديبهم.

[31] من كلامٍ للقائد في خطبتي صلاة الجمعة في طهران (8/5/1998).

[32] سورة الأحزاب، الآية 37

[33] سورة الأحزاب، الآية 37

[34] سورة الأحزاب، الآية 39.

[35]  سورة الأحزاب، الآية 39.

[36] الحرّ العاملي، وسائل الشيعة، ج15، ص297..

[37] خطاب القائد في لقاء مسؤولي السلطة القضائيّة (28/6/2003).

[38] سورة المائدة، الآية 54.

[39] سورة البقرة، الآية 222.

[40] سورة آل عمران، الآية 31.

[41] سورة الشورى، الآية 23. من كلام له في خطبتي صلاة الجمعة في طهران (8/5/1998).

[42] خطاب القائد في لقاء الموظّفين الرسميّين (15/10/2001).

[43] سورة آل عمران، الآية 164.

[44] خطاب القائد في لقاء الموظّفين الرسميّين (20/12/1995).

[45] من كلام له في خطبتي صلاة الجمعة في طهران (20/10/1989).

[46] سورة آل عمران، الآية 164.

[47]  من كلام له في خطبتي صلاة الجمعة في طهران (2/1/1998).

[48] خطاب القائد في لقاء عوائل الشهداء (23/10/1991).

[49] خطاب القائد في لقاء عوائل الشهداء (15/11/1989).

[50]  من كلام له في خطبتي صلاة الجمعة في طهران (18/5/2001).

[51] خطاب القائد في لقاء قادة الحرس (20/9/1994).

[52] من كلام له في خطبتي صلاة الجمعة في طهران (18/5/2001).

[53] خطاب القائد في لقاء الموظّفين الرسميّين (20/12/1995).

[54]  م.ن.

[55] من كلام له في خطبتي صلاة الجمعة في طهران (18/5/2001).

[56] في حوار للقائد مع مجلّة آينده سازان (بناة المستقبل) (13/10/1986).

[57] من كلام له في خطبتي صلاة الجمعة في طهران (18/5/2001).

[58] من كلام له في خطبتي صلاة الجمعة في طهران (20/10/1989).

[59] سورة آل عمران، الآية 164.

[60]  كلامه في خطبتي صلاة الجمعة في طهران (18/5/2001).

[61]  م.ن.

[62]  كلامه في خطبتي صلاة الجمعة في طهران (18/5/2001).

[63] العلّامة النراقي، جامع السعادات، ج1، ص151.

[64] من كلام له في خطبتي صلاة الجمعة في طهران (20/10/1989).

[65] من كلام له في خطبتي صلاة الجمعة في طهران (18/5/2001).

[66] م.ن.

[67] من كلام له في خطبتي صلاة الجمعة في طهران (18/5/2001).

[68] سورة الأنبياء، الآية 107.

[69] سورة الجمعة، الآية 3.

[70] خطاب القائد في لقاء الموظّفين الرسميّين (20/12/2003).

[71]  من كلام له في خطبتي صلاة الجمعة في طهران (1/7/1983).

[72] خطاب القائد في مراسم تنفيذ حكم رئاسة جمهوريّة الرئيس خاتمي (2/8/2001).

[73] خطاب القائد في لقاء أعضاء مجلس خبراء القيادة (14/3/2002).

[74] خطاب القائد في لقاء جمع من شرائح الشعب المختلفة، بمناسبة الذكرى السنويّة لارتحال الامام الخميني قدس سره. (4/6/2001).

[75] سورة البقرة، الآية 279.

[76] سورة المائدة، الآية 33.

[77] سورة المائدة، الآية 33.

[78] خطاب القائد في لقاء أعضاء مجلس خبراء القيادة (14/3/2002).

[79] خطاب القائد في لقاء أهالي باكدشت (29/1/2005).

[80] خطاب القائد في لقاء الموظّفين الرسميّين (11/7/1990).

[81] سورة المائدة، الآية 67.

[82] النكتة: المسألة العلميّة الدقيقة يُتوَصّل إليها بدقّة وإنعام فكر.

[83] خطاب القائد في لقاء الموظّفين الرسميّين (26/4/1997).

[84]  خطاب القائد في لقاء الموظّفين الرسميّين (1/7/1991).

[85] سورة آل عمران، الآية 164

[86] خطاب القائد في لقاء الموظّفين الرسميّين (26/4/1997).

[87] خطاب القائد في لقاء الموظّفين الرسميّين (26/4/1997).

[88] خطاب القائد في لقاء شرائح الشعب المختلفة (20/6/2002).

[89] خطاب القائد في لقاء الموظّفين الرسميّين (6/11/1999).

[90] سورة البقرة، الآية 285

[91] خطاب القائد في لقاء الموظّفين الرسميّين (6/11/1999).

* صحيفة الإمام، ج8،ص102: لا تخافوا من أن يقولوا: إنّ هؤلاء تراجعوا. هم الذين تراجعوا، هم الذين يجرّون الناس إلى العصر الحجريّ، تراجعوا, وليس نحن الذين نريد جرّ الناس إلى الحضارة، إلى الحضارة بمعناها الحقيقيّ. لا يخيفنّكم الكلام الذي يطلقوه. لا توجد أيّ قوّة تقف في وجه الإسلام. تلك القوّة نفسها التي من خلالها غلبت فئة قليلة جماعةً كثيرة، وقوىً كثيرة. صحيفة الامام، ج10، صص 285 و 286: الجهاد في سبيل الله – تبارك وتعالى- دونه مشاكل, أكبر هذه المشاكل كانت المشاكل التي اعترضت الرسول الأكرم والمسلمين في صدر الإسلام, لكن، لأنّهم كانوا يمتلكون قوّة الإيمان، استطاعوا في أقلّ من من نصف قرن، توطيد الإسلام – تقريبًا- في تمام تلك الكرة التي كانت حينها تشكّل المعمورة.

[92] من كلام للقائد في خطبتي صلاة الجمعة في طهران (18/5/2001).

[93] خطاب القائد في لقاء الموظّفين الرسميّين (6/11/1999).

[94] خطاب القائد في لقاء الموظّفين الرسميّين (6/11/1999).

[95]  نهج البلاغة، الخطبة 55.

[96] م.ن.

[97] م.ن.

[98]  من كلام للقائد في خطبتي صلاة الجمعة في طهران (5/4/1991).

* صحيفة الامام، ج1، ص21: القيام لله، هو الذي جعل خاتم النبيّين ينتصر وحده على العادات والعقائد الجاهليّة، ويطيح بعبادة الأصنام، ويقرّ مكانها التوحيد والتقوى، وأوصل تلك الذات المقدّسة أيضاً إلى مقام “قاب قوسين أو أدنى”.

[99] خطاب القائد في لقاء عوائل الشهداء (15/11/1989).

[100] خطاب القائد في لقاء الموظّفين الرسميّين (6/11/1999).

[101] سورة الأنفال، الآية 24.

[102] سورة آل عمران، الآية 139.

[103] سورة العنكبوت، الآية 69, خطاب القائد في مراسم افتتاح الاجتماع الثامن لقادة الدول الإسلاميّة (9/12/1997).

* صحيفة الامام، ج7، ص66: لقد كان سرّ انتصار المسلمين في صدر الإسلام، وحدة الكلمة وقوّة الايمان, وقوّة الإيمان هي التي جعلت جيشًا ضعيفًا يهزم إمبراطوريّات العالم العظمى، وجعلت ثلاثين نفرًا بقيادة خالد بن الوليد يغلبون جيش الروم المتأهّب المؤلّف من ستّين ألف نفر.

[104]  خطاب القائد في لقاء المشاركين في مؤتمر الوحدة الإسلاميّة (16/10/1989).

[105] خطاب القائد في لقاء المشاركين في ملتقى التقريب بين المذاهب الإسلاميّة (23/9/1991).

[106] سورة الحجّ، الآية 41.

[107] خطاب القائد في لقاء المشاركين في مؤتمر الوحدة الإسلاميّة (16/10/1989).

[108] رسالة شكر من القائد بمناسبة إقامة الجلسة الثامنة لمنظّمة المؤتمر الإسلاميّ (12/12/1997).

[109] خطاب القائد في لقاء قادة حرس الثورة الإسلاميّة (20/9/1994).

[110] خطاب القائد في لقاء الموظّفين الرسميّين (15/10/2001).

[111]  خطاب القائد في المراسم الافتتاحيّة للاجتماع الثامن لقادة الدول الإسلاميّة (9/12/1997).

* صحيفة الامام، ج8، ص516: أولئك الذين يريدون أن يعيبوا على الإسلام، يقولون: إنّ الإسلام مخالف لجميع الحضارات. وهذا اشتباه؛ الإسلام لا يخالف أيّ حضارة. لقد أسّس الإسلام حضارةً، وقد ساق الحضارة إلى ستمئة أو سبعمئة منطقة من المعمورة ـ معظمها تقريباً ـ مع أنّ الإسلام لم يكن صحيحًا (أُدخلت عليه بعض التحريفات والبدع). (من المترجم) أيضًا.

[112] خطاب القائد في لقاء قادة حرس الثورة الإسلاميّة (20/9/1994).

[113] سلسلة أبحاث الثورة الإسلاميّة (20/4/1979).

[114] خطاب القائد في اجتماع العناصر المشاركة في مناورات “طريق القدس” الكبرى (23/4/1997).

[115] خطاب القائد في لقاء أعضاء اللجنة العلميّة في إذاعة جمهوريّة إيران الإسلاميّة (4/2/1992).

[116] خطاب القائد في لقاء فضلاء الحوزة العلميّة في قم (24/1/1991).

[117] خطاب القائد في لقاء شباب محافظة سيستان وبلوتشستان (25/2/2003).

[118] خطاب القائد في لقاء هيئة الأمناء، والمسؤولين، والأساتذة، والمتخرّجين، في جامعة العلوم الاستراتيجيّة التابعة للجيش (26/12/1994).

[119] سورة آل عمران، الآية 139.

[120]  سورة العنكبوت، الآية 69.

[121] سورة الأنفال، الآية 46.

[122] خطاب القائد في المراسم الافتتاحيّة للاجتماع الثامن لقادة الدول الإسلاميّة (18/9/1376).

[123]  خطاب القائد في لقاء شباب محافظة سيستان وبلوتشستان (6/12/1381).

[124] سورة الروم، الآية 10.

[125] سورة التوبة، الآية 77.

[126] من كلام للقائد في خطبتي صلاة الجمعة في طهران (28/2/1380).

[127] خطاب القائد في لقاء الموظّفين الرسميّين (15/8/1378).

[128] سورة الحجر، الآية 91.

[129]  إشارة إلى الآية 150 من سورة سورة النساء، الآية “نؤمن ببعض ونكفر ببعض”.

[130] سورة الحديد، الآية 25.

[131] خطاب القائد في لقاء الموظّفين الرسميّين والمشاركين في مؤتمر الوحدة الإسلاميّة (31/5/1385).

[132]  سورة الحجر، الآية 91.

[133]  سورة النساء، الآية 150.

[134] خطاب القائد في لقاء الموظّفين الرسميّين والمشاركين في مؤتمر الوحدة الإسلاميّة (31/5/1385).

[135] خطاب القائد في لقاء الموظّفين الرسميّين والمشاركين في مؤتمر الوحدة الإسلاميّة (31/5/1385).

[136] خطاب القائد في لقاء جمع من حرس الثورة الإسلاميّة (5/10/1374).

[137] من كلام للقائد في خطبتي صلاة الجمعة في طهران (18/2/1377).

[138] اي الذين يتحرّقون على الدين ويضحّون من أجله.

[139] خطاب القائد في لقاء التعبويّين (22/4/1371).

[140] بيان القائد إلى حجّاج بيت الله الحرام (14/4/1368).

[141] خطاب القائد في لقاء العاملين في بعثة الحجّ (25/10/1381).

[142] خطاب القائد في لقاء شرائح الشعب المختلفة في آذربيجان (30/3/1368).

[143] سورة النساء، الآية 79.

[144] خطاب القائد في لقاء الموظّفين الرسميّين (29/2/1382).

[145] خطاب القائد في لقاء العاملين في بعثة الحجّ (25/10/1381).

[146] رسالة حول إنشاء مؤسّسة دائرة معارف الفقه الإسلاميّ التابع لأهل البيت عليهم السلام وإدارتها (2/11/1369).

[147] خطاب القائد في لقاء قادة حرس الثورة الإسلاميّة (29/6/1373).

[148] سورة الفتح، الآية 28.

[149] خطاب في لقاء الموظّفين الرسميّين (9/3/1381).

[150] بيان القائد إلى حجّاج بيت الله الحرام (26/3/1370).

[151] خطاب القائد بمناسبة الذكرى الأولى لوفاة الإمام الخمينيّ قدس سره. (10/3/1369).

[152] خطاب القائد في جمع من شرائح الشعب المختلفة في مراسم عشرة الفجر (12/11/1368).

[153] خطاب القائد في لقاء المسؤولين والموظفين الرسميّين (2/7/1382).

[154] رسالة بمناسبة الذكرى السنويّة الأولى لوفاة الإمام الخمينيّ قدس سره. (10/ 3/1369).

* صحيفة الإمام، ج5، صص204 و 205: الإسلام نفسه، كان من المؤسّسين للحضارة الكبرى في العالم. وكلّ بلد يعمل بقوانين الإسلام، سيصبح، بلا شكّ، من أكثر البلدان تطوّرًا. نأمل من خلال انتصارنا أن نثبت هذا الأمر للعالم.

[155] رسالة القائد بمناسبة الذكرى الأولى لوفاة الإمام الخمينيّ قدس سره. (10/3/1369).

[156] خطاب القائد في لقاء الطلبة الجامعيّين (11/8/1373).

[157] خطاب القائد في لقاء الطلبة الجامعيّين (11/8/1373).

[158] سورة الفتح، الآية 28، رسالة بمناسبة الذكرى الأولى لوفاة الإمام الخمينيّ قدس سره. (10/3/1369).

[159] خطاب القائد في لقاء المشاركين في اجتماع بنك التنمية الإسلاميّ (25/6/1383).

* صحيفة الامام، ج13، صص452 و 453: على الجميع أن يمدوّا يد العون وهذا الأمر مهمّ، فحضارتكم، وإسلامكم، وإنسانيتكم، وكلّ شيء يخصّكم – تابعون له- ومرتبطون به، فلتهذّبوا هذه الأمور.

[160] خطاب القائد في لقاء الممرّضين (19/6/ 1376).

[161] خطاب القائد في لقاء المشاركين في اجتماع بنك التنمية الإسلاميّ (25/6/1383).

[162] ترجمة أحد أبيات شعر سعدي الشيرازي الشاعر الإيراني المعروف.

[163] خطاب القائد في لقاء وزراء الحكومة (8/6/1384).

* صحيفة الامام، ج6، ص343: جميعنا مكلّف بحفظ هذا الأمر. إنّنا وصلنا بهذه النهضة الإسلاميّة إلى هنا، ودحرنا القوى. علينا من خلال هذه النهضة الإسلاميّة أن نبني من الآن فصاعداً. أي نتقدّم إلى الأمام جميعاً ومعاً، أن نشكّل جميعاً ومعاً حضارةً صحيحةً، لا حضارة كحضارة محمّد رضا شاه, حضارة إلهيّة، حضارة كحضارة رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، تلك التي لا تفرّق بين جميع طبقات البشر، أبيضهم وأسودهم، سوى بالتقوى, “إنّ أكرمكم عند الله أتقاكم”. الميزان هو التقوى، الميزان هو الإنسانيّة.

[164] خطاب القائد في لقاء جمع من المشاركين في مناورات طريق القدس العسكريّة (3/2/1376).

[165] خطاب القائد في لقاء علماء الدين (26/2/1375).

[166] خطاب القائد في لقاء الموظّفين الرسميّين (2/7/1382).

[167] خطاب القائد في جمع من التعبويّين المشاركين في مخيّم “علويّون” العسكريّ ـ الثقافي (21/8/1380).

[168] خطاب القائد في لقاء الطلبة الجامعيّين (24/9/1372).

[169] خطاب القائد في لقاء الموظّفين الرسميّين (20/3/1380).

[170] سورة الحديد، الآية 25.

[171] خطاب القائد في لقاء الموظّفين الرسميّين (9/11/1368).

[172] من كلام القائد في خطبتي صلاة الجمعة في طهران (28/5/1384).

[173] خطاب القائد في لقاء الموظّفين الرسميّين (12/9/1379).

[174] خطاب القائد في لقاء الموظّفين الرسميّين (12/9/1379).

[175] بيان إلى حجّاج بيت الله الحرام (14/4/1368).

[176] بيان إلى حجّاج بيت الله الحرام (26/3/1370).

[177] خطاب القائد في لقاء الموظّفين الرسميّين (12/9/1379).

[178] خطاب القائد في لقاء الموظّفين الرسميّين (21/9/1380).

[179] من كلام للقائد في خطبتي صلاة الجمعة في طهران (28/5/1384).

[180] خطاب القائد في لقاء الموظّفين الرسميّين (12/9/1379).

[181] م.ن.

[182] من كلام للقائد في خطبتي صلاة الجمعة في طهران (28/5/1384).

[183] خطاب القائد في لقاء الموظّفين الرسميّين (12/9/1379).

[184] خطاب القائد في لقاء الموظّفين الرسميّين (12/9/1379).

[185] خطاب القائد في لقاء الموظّفين الرسميّين (6/2/1376).

[186] خطاب القائد في لقاء شرائح الشعب المختلفة في مدينة قم (19/10/1371).

[187] سورة الشعراء، الآية 115.

[188] خطاب القائد في لقاء جمع من حرس الثورة الإسلاميّة (10/12/1368).

[189] خطاب القائد في لقاء شرائح الشعب المختلفة (11/2/1369).

[190] خطاب القائد في لقاء شرائح الشعب المختلفة (22/12/1368).

[191] خطاب القائد في لقاء شرائح الشعب المختلفة (25/9/1376).

[192] أيّ الأمّة والمجتمع الاسلامي العظيم.

[193] سورة الفتح، الآية 6.

[194] سورة الفتح، الآية 12.

[195] سورة الفتح، الآية 12.

[196] سورة العصر، الآية 2.

[197] سورة الانشقاق، الآية 6.

[198] خطاب القائد في لقاء العاملين في بعثة الحجّ (25/10/1381).

[199] خطاب القائد في لقاء الموظّفين الرسميّين (20/3/1380).

[200] خطاب القائد في لقاء الموظّفين الرسميّين (26/8/1377).

[201] سورة آل عمران، الآية 173.

[202] سورة آل عمران، الآية 174.

[203] سورة المدّثّر، الآية 3.

[204] سورة سبأ، الآية 46.

[205] خطاب القائد في لقاء الموظّفين الرسميّين (2/7/1382).

[206] من كلام القائد في خطبتي صلاة الجمعة في طهران (16/3/1359).

[207] سورة النحل، الآية 96.

[208] خطاب القائد في لقاء قادة حرس الثورة الإسلاميّة (29/6/1373).

[209]خطاب القائد في لقاء الأسرى المحرّرين والجرحى (29/5/1376).

[210] سورة الشورى، الآية 15؛ من كلام للقائد في خطبتي صلاة الجمعة في طهران (23/2/1379).

[211] سورة هود، الآية 112.

[212] المحقّق الأردبيلي، زبدة البيان، ص167.

[213] خطاب القائد في لقاء التعبويّين (6/1/1385).

[214] خطاب القائد في لقاء جمع من شرائح الشعب المختلفة (19/10/1371).

[215] خطاب القائد في لقاء ممثّلي مجلس الشورى الإسلاميّ (29/3/1379).

[216] سورة الأنبياء، الآية 107.

[217] سورة الجمعة، الآية 3.

[218] خطاب القائد في لقاء الموظّفين الرسميّين (29/2/1382).

[219] سورة الأنفال، الآية 72.

[220] سورة البقرة، الآية 207.

[221] سورة المائدة، الآية 8.

[222] سورة النساء، الآية 135.

[223] سورة الفتح, الآية 29.

[224] سورة الاسراء، الآية 79.

[225] من رسالة للشعب الإيراني الشريف في اختتام مراسم ذكرى أربعين الامام الخميني قدس سره. (23/4/1368).

[226] سورة المجادلة، الآية 22.

[227] بيان القائد لحجّاج بيت الله الحرام (28/2/1372).

[228] سورة الجمعة، الآية 2.

[229] خطاب القائد في لقاء جمع من شرائح الشعب المختلفة (4/7/1369).

[230] خطاب القائد في لقاء النخب الشبابيّة والطلّاب الجامعيّين (5/7/1383).

[231] من كلام للقائد في خطبتي صلاة الجمعة في طهران (18/2/1377).

[232] خطاب القائد في لقاء لجنة الأطفال والناشئة في إذاعة جمهوريّة إيران الإسلاميّة (1/2/1371).

[233] رسالة بمناسبة إعادة افتتاح الجامعات (6/7/1378).

[234] سورة الصف، الآية 9, “هو الذي أرسل رسوله بالهدى ودين الحقّ ليظهره على الدين كلّه ولو كره المشركون”.

[235] سورة الصفّ، الآية 8.

[236] خطاب القائد في جموع زوّار مقام الإمام الرضا (1/1/1376) عليه السلام .

[237] خطاب القائد في لقاء الموظّفين الرسميّين (29/9/1374).

[238] خطاب القائد في لقاء مسؤولي مديريّة التربية والتعليم (21/5/1371).

[239] من كلام للقائد في خطبتي صلاة الجمعة في طهران (5/7/1370).

[240] خطاب القائد في لقاء الموظّفين الرسميّين (15/8/1378).

[241] سورة الأنفال، الآية 46.

[242] خطاب القائد في لقاء المشاركين في المؤتمر العالمي لأهل البيت(4/3/1369) عليهم السلام .

* صحيفة الامام، ج1، صص 374 و 375: رأوا أنّه من خلال هذه السيطرة، ومن خلال وحدة الدول الإسلاميّة هذه، لا يمكن فرض الأشياء التي يريدونها؛ لا يمكن السيطرة على مدّخراتهم، نفطهم، ذهبهم، فسعوا لإيجاد الحلّ، وكان هذا الحلّ هو التفرقة بين الدول الإسلاميّة.

[243] خطاب القائد في لقاء العمّال (5/4/1368).

[244] خطاب القائد في لقاء جمع من شرائح الشعب المختلفة (14/6/1372).

[245] خطاب القائد في جموع زوّار مقام الإمام الرضا (1/1/1376).

[246] رسالة بمناسبة الذكرى السنويّة الأولى لوفاة الإمام الخمينيّ قدس سره. (10/3/1369).

شاهد أيضاً

حتى في رؤية هلال رمضان مختلفون…؟-مصطفى قطبي

كعادتنا نترقب كل عام هلال شهر رمضان المبارك، وكالعادة أيضاً تعلن بعض الدول رؤية الهلال ...