شارة قائد الثورة الإسلامية إلى الحركات الفلسطينية اليسارية الماركسية دليل بارز على أن المرحلة الراهنة تقتضي تسليط الضوء على الإجراءات اللازمة لتحرير الأراضي الفلسطينية، وفلسطين هي القضية الأم للمسلمين قاطبة ولا يمكن تهميشها من الساحة السياسية حتى وإن تآزر التكفيريون والصهاينة.
هذا التقرير هو الأول من ثلاثة تقارير حول ما تمخض عنه المؤتمر السادس لدعم انتفاضة الشعب الفلسطيني من نتائج والذي عقد مؤخراً في العاصمة الإيرانية طهران، وهو خلاصة لندوة عقدة في هذا الصعيد وقد حضرتها لجنة من مراسلي وكالة تسنيم الدولية للأنباء وعدد من الناشطين والخبراء في الشأن الفلسطيني.
الخبير الاستراتيجي المعروف والمدير السابق لقناة “العالم” الأخبارية الدكتور حسين رويوران هو أحد المشاركين في هذه الندوة، وهو حالياً أستاذ متخصّص حول دراسات فلسطين المحتلة في كلية الدراسات العالمية بجامعة طهران، وقد وجه أحد مراسلي وكالة تسنيم السؤال التالي:
* مراسل تسنيم: ما هي أهم مجريات البحث في المؤتمر السادس لدعم انتفاضة الشعب الفلسطيني؟
تطرق الدكتور حسين رويوران في بداية الندوة إلى بيان القضايا التي أدرجت على جدول أعمال المؤتمر السادس لدعم انتفاضة الشعب الفلسطيني، ثم قال: حضر المؤتمر 823 ضيفاً و 21 وفداً رسمياً مع رئيس أحد البرلمانات، فما يقارب 10 وفودٍ حضرته برئاسة نائب رئيس البرلمان في بلدانها و 9 وفودٍ حضرته برئاسة مسؤولي الأمن الوطني والسياسة الخارجية في بلدانها.
لا شكّ في أنّ حضور هذه الوفود الرسمية الرفيعة المستوى يعد رقماً قياسياً مقارنة مع المؤتمرات الخمسة التي أقيمت سابقاً، وإلى جانب الوفود الرسمية فقد حضرت العديد من الوفود والشخصيات التي تمثل مؤسسات المجتمع المدني ولا سيما قادة مختلف الحركات الفلسطينية، وكما جرت العادة فقد افتتح المؤتمر بكلمة قيمة ألقاها قائد الثورة الإسلامية آية الله العظمى الإمام السيد علي الخامنئي (حفظه الله) وأعتقد أن هذه الكلمة تضمنت مفاهيم قيمة، وخلافاً لكلماته السابقة في افتتاح المؤتمرات الخمسة الماضية والتي أكد فيها على ضرورة إجراء استفتاء عام في الأراضي المحتلة وحق الشعب الفلسطيني في تعيين مصيره قانونياً وسياسياً، فقد أكد في هذا المؤتمر ولأول مرة على انتهاج سبيل المقاومة كحل للقضية الفلسطينية.
بعد هذه الكلمة القيمة بدأت الاجتماعات العامة للمؤتمر برئاسة الدكتور علي لاريجاني رئيس مجلس الشورى الإسلامي، وفي اليوم الأول ألقيت سبع كلمات وفي صباح اليوم التالي تم تشكيل أربع لجان إحداها سياسية مرتبطة بالحركات الجهادية، والأخرى برلمانية، والثالثة مختصة بمؤسسات المجتمع المدني NGO، والرابعة مختصة بالشباب. وحسب اعتقادي فالاهتمام بجيل الشباب يعتبر نقطة إيجابية تضاف إلى تأريخ هذا المؤتمر الهام، والانتفاضة الثالثة التي انطلقت في الأراضي الفلسطينية تتراوح أعمار شبابها بين 20 إلى 21.
وفي عصر اليوم الثاني من المؤتمر استؤنفت الاجتماعات العامة وألقيت بعض الكلمات، ومن ثم قدم رؤساء اللجان تقاريرهم الخاصة، وفي نهاية الأمر قرئ البيان الختامي.
من الأمور الملفتة للنظر في هذا المؤتمر أن أحد الخطباء الذين ألقوا كلمة في الاجتماع الختامي هو مدير قناة الميادين السيد غسان بن جدو، وهذا الأمر يدل على ذكاء وحنكة في تنظيم المؤتمر، فالعالم يخوض في المرحلة الراهنة حرباً إعلامية، لذا من المؤكد أن حضور المعنيين بالشأن الإعلامي والمسؤولين الإعلاميين في هذا المؤتمر يعد أمراً إيجابياً يضاف إلى سائر النقاط الإيجابية فيه.
اختتم المؤتمر بكلمة لرئيس الجمهورية الإسلامية الشيخ حسن روحاني ومن ثم قراءة البيان الختامي من قبل رئيس مجلس الشورى الإسلامي الدكتور علي لاريجاني.
* أهمّ ما امتاز به المؤتمر
وأضاف الدكتور حسين رويروان: من الأمور التي ميزت هذا المؤتمر عن غيره أنه خصص يوم الخميس لممثلي مؤسسات المجتمع المدني، وهذا يدل على اتباعه رؤية جديدة، فإلى جانب اهتمامه بجيل الشباب، نجده يؤكد على المؤسسات المدنية إلى جانب اهتمامه بالجانب الإعلامي؛ والسبب في ذلك هو الظروف التي تمرّ بها المنطقة بشكل عام والساحة الفلسطينية بشكل خاص في الوقت الراهن.
وحسب اعقتادي فقد تم اختيار توقيت مناسب لعقد هذا المؤتمر، حيث تزامن مع تولي الرئيس الأمريكي دونالد ترامب مقاليد الأمور في الولايات المتحدة الأمريكية، فالقضية الفلسطينية قد وصلت إلى طريق مغلق من حيث الحوار السياسي، لذا لم يعد دعاة التسوية قادرين على السير قدماً بمشروعهم السابق، والمنطقة دخلت مخاض مرحلة جديدة تؤثر بشكل كبير على القضية الفلسطينية بعد تحرير مدينة حلب في سوريا وبعد اكتمال تحرير مدينة الموصل العراقية، إذ ستتغير الأوضاع إلى حد كبير، لذا فهذا الوقت بالتحديد لعقد المؤتمر يعتبر مثالياً ويتناسب مع استراتيجية وضع حل للأزمة الفلسطينية، وهذا الأمر بطبيعية الحال غير مقدور في جميع بلدان المنطقة باستثناء الجمهورية الإسلامية الإيرانية، فدولة مستقلة حرة لا تتبع سياسات القوى العظمى هي التي تتمكن من عقد مؤتمرات حول قضية المسلمين الأولى فلسطين.
* القضية الفلسطينية ستبقى القضية الأم للعالم الإسلامي
وأكد هذا الخبير الاستراتيجي في الشأن الفلسطيني قائلاً: المؤتمر السادس لدعم انتفاضة الشعب الفلسطيني يعد مؤشراً أساسياً على بقاء القضية الفلسطينية حية في السياسة التي تتبناها الجمهورية الإسلامية الإيرانية، والملفت للنظر أن إقامة هذا المؤتمر الهام تتزامن مع إحدى دورات البرلمان الإيراني (مجلس الشورى) والتي تدوم أربع سنوات، وكما هو معروف فالبرلمان ممثل للشعب وقراراته تعكس آراء أبناء الشعب، لذا فإن عقد المؤتمر ينم عن رغبة الشعب الإيراني قاطبة في الدفاع عن القضية الفلسطينية.
المسألة الأخرى الجديرة بالاهتمام على هذا الصعيد هي أن قائد الثورة الإسلامية آية الله العظمى الإمام السيد علي الخامنئي (حفظه الله) أكد في كلمته القيمة على محور المقاومة واعتبرها إيديولوجية أساسية في إنقاذ الشعب الفلسطيني من الظلم والجور، فمن المؤكد أن الأرض المحتلة إن لم يمكن تحريرها بالحوار فلا بد من اللجوء إلى المقاومة المسلحة، كما تضمنت كلمته إشارة إلى الحركات اليسارية الماركسية مما يعني ضرورة حث الخطى لتحرير فلسطين في الوقت الراهن وليس المبادرة إلى تعريف هويتها، فما دامت محتلة لا قيمة لتعريف هويتها، وباعتقادي فهذه الرؤية تعد ثاقبة لكون هكذا آراء من قبل هكذا شخصية دينية عظيمة لا يمكن أن تطرح إلا حول تلك القضايا المصيرية التي تحظى بأهمية بالغة مثل القضية الفلسطينية.
والملاحظة الأخرى الجديرة بالذكر حول كلمة السيد القائد، هي التأكيد على أن الجمهورية الإسلامية تبقى إلى الأبد وفية للقيم والمبادئ التي تتبناها، ومن جملة ذلك أنها تعتبر القضية الفلسطينية واحدة من الأولويات الأساسية لها، وتعتقد بأن وحدة الأمة الإسلامية إنما تتحقق بمحورية القضية الفلسطينية.
* الخلافات المحتدمة حالياً والقضية الفلسطينية
وفي إجابته عن سؤال حول تأثير الخلافات المحتدمة حالياً على القضية الفلسطينية، قال الدكتور رويوران: يجب علينا الرجوع إلى تلك الأهداف التي رفعتها الثورة الإسلامية التي انطلقت في إيران قبل أربعة عقود تقريباً، فهي منذ تلك الآونة رفعت شعار الوحدة الإسلامية واعتبرت فلسطين بأنها القضية الأم للمسلمين.
الجمهورية الإسلامية تعتبر المسلمين أمة واحدة استناداً إلى قوله تعالى: “إِنَّ هَذِهِ أُمَّتُكُمْ أُمَّةً وَاحِدَةً وَأَنَا رَبُّكُمْ فَاعْبُدُونِ” ومن المؤسف اليوم أن محورية الخلافات والنزاعات المسلحة وغير المسلحة الجارية بين المسلمين وغير المسلمين تجري في البلدان الإسلامية وعلى الحدود الرابطة فيما بينها والتي تربطها مع البلدان الأخرى، فهناك خلافات احتدمت وبعضها ما زال محتدماً غربي الصين وكشمير وقره باغ والبوسنة وجنوب نيجيريا وجنوب السودان وميانمار.
* إقامة مؤتمر دعم انتفاضة الشعب الفلسطيني مؤشر بارز على مواصلة نهج الإمام الخميني (رحمه الله)
وأضاف في السياق ذاته: وأما فلسطين فهي قلب العالم الإسلامي، فهي ذات أهمية دينية وجغرافية، لذلك اعتبرها الإمام الخميني (رحمه الله) بأنها القضية الأولى للعالم الإسلامي، وخطابات السيد القائد علي الخامنئي (حفظه الله) تدل بوضوح على مواصلة هذا النهج.
إن ديننا توحيدي، ومن أهم الميزات التوحيدية هي وحدة الفكر والعقيدة بين أتباع الدين الواحد، لذا كلما توحدت وجهات نظرنا بشأن فلسطين سوف تتوحد كلمتنا ونتقارب فيما بيننا أكثر من أي وقت مضى، والعكس صحيح، فلو ابتعدنا عن هذه القضية المصيرية سوف نتشتت وتتلاشى وحدتنا وتسود الفرقة فيما بيننا.
* الحوار مع الصهاينة كان وما زال عقيماً
وحول مسألة التسوية والحوار مع الصهاينة، أكد هذا الخبير الاستراتيجي قائلاً: اتفاقية أوسلو التي عقدت في عام 1993 م هي المحور الأساسي للحوار بين الفلسطينيين والصهاينة، وبعد مضي 24 عاماً على اجتماعات وحوارات لا حصر لها لم يجن الشعب الفلسطيني أي شيء يذكر، وهذا الأمر ينم بوضوح عن عقم هذه الاجتماعات الهزيلة، فلو كانت صادقة لتحققت منها نتائج ملموسة على أرض الواقع خلال خمس سنوات على أبعد تقدير وأسوأ الاحتمالات، لكننا لحد الآن نرى عمليات الاستيطان جارية على قدم وساق بشكل أوسع مما مضى والفلسطينيون يهجرون بشكل دائم من ديارهم والقدس مستباحة ليلاً ونهاراً من قبل الصهاينة، وما إلى ذلك من مآسي لا حصر في شتى أرجاء الأرض المحتلة؛ لذا لا فائدة من محادثات التسوية بتاتاً وبالتالي فالمقاومة هي السبيل الوحيد لإعادة الحق إلى أهله.
* التكفيريون مشروع صهيوني بامتياز
المدير السابق لقناة العالم الدكتور حسين رويوران تطرق في هذه الندوة إلى المشروع التكفيري الكبير الذي ينفذ حالياً في البلدان الإسلامية، وقال: القاصي والداني يعرف أن القضية الفلسطينية ليس لها أي مكان في قاموس التيارات التكفيرية الوهابية، حيث يطرح التكفيريون قضايا أخرى تهمش القضية الفلسطينية وتبعدها عن ساحة الأحداث السياسية، وبما في ذلك مزاعمهم الواهية في تأسيس حكومة خلافة إسلامية وما شاكل هذا من قضايا لا طائل منها.
وأما من الناحية التكتيكية فبعد أن كانت إسرائيل عدواً بعيداً جغرافياً عن ديار المسلمين، تمكن الصهاينة اليوم من تأسيس عدو موال لهم قابع على صدور المسلمين في عقر دارهم، وهذا الأمر يستبطن مشروعاً خطيراً فحواه غرس العداء بين أبناء الدين الواحد والسعي للتسوية مع العدو اللدود الذي يتمثل في إسرائيل، ومن المؤكد أن مهمة قادة الزمر الوهابية التكفيرية قد تدربوا على تحقيق هذا الهدف الذي يخدم مصالح الصهاينة والغربيين فحسب لذلك جعلوا أولوية نشاطتهم تدمير البنى التحتية للبلدان الإسلامية وذبح المسلمين وتكفيرهم واتهامهم بالشرك لكون هذه المساعي تمهد الأرضية لإسرائيل بغية فرض ما تشاء من مطالب وإخضاع البلدان الإسلامية لها مع تدنيس حقوق الشعب الفلسطيني بكل حرية دونما أية مضايقة ولو سياسية أو إعلامية.
والمثير للسخرية أن هذه الزمر التكفيرية التي تدعي الإسلام، لا تشكل على العدو اللدود للمسلمين أي خطر يذكر، أي الصهيونية العالمية، والسبب في ذلك واضح بكل تأكيد، إذ هناك مخطط صهيوني لطي صفحة القضية الفلسطينية إلى الأبد لذلك بادر الصهاينة إلى تأسيس مجاميع تكفيرية ودعمها من وراء الكواليس لضرب العالم الإسلامي من الصميم.
* تأكيد قائد الثورة الإسلامية على حتمية زوال الكيان الصهيوني
وتطرق السيد حسين رويوران مرة أخرى إلى الكلمة القيمة التي ألقاها قائد الثورة الإسلامية آية الله العظمى الإمام السيد علي الخامنئي (حفظه الله) وأضاف: الكيان الصهيوني يعاني اليوم من أزمات استراتيجية محتدمة، فهو متقوم على قوة العسكر والسلاح، لذلك تمكن قديماً من هزيمة التحالف العربي والقضاء على الجيوش العربية التي قررت تحرير فلسطين قبل عقود، ولكنه اليوم يعاني من أزمة خانقة جراء اقتدار تيار المقاومة الأصيل وقد تجرع طعم الهزيمة في غزة وجنوب لبنان، لذلك أكد سماحة قائد الثورة الإسلامية على حتمية زواله واضمحلاله مستقبلاً، وإضافة إلى المقاومة الإسلامية فهو يعاني من أزمات سياسية واقتصادية قاسية.
* عجز ترامب عن انتشال الصهاينة من المستقنع الذي سيغرقهم
وأشار إلى الزيارة الأخيرة لرئيس وزراء الكيان الصهيوني إلى الولايات المتحدة الأمريكية بعد دخول دونالد ترامب أروقة البيت الأبيض: حكومة الرئيس الجديد دونالد ترامب لا تمتلك استراتيجية واضحة وليس هناك كادر كفوء ومنسجم يقودها، والصهاينة بدورهم يحاولون استغلال نقاط الضعف هذه واقتناص أكبر قدر ممكن من المزايا، لكن عليهم أن يدركوا بأن ترامب ليس قادراً على الوفاء بالوعود التي قطعها لهم، فهو عديم التجربة السياسية وأعتقد أن وعده بنقل السفارة الأمريكية إلى القدس ليس سوى كلام فارغ.
صحيح أن الولايات المتحدة الأمريكية قوة عالمية عظمى ولديها مصالح في الأراضي الفلسطينية المحتلة وكذلك البلدان العربية، وحتى إن تقربت أكثر للكيان الصهيوني لكنها لا يمكن أن تتخلى عن الكثير من مصالحها لأجل إرضاء تل أبيب فحسب، ناهيك عن أن القدس الشرقية تعتبر منطقة محتلة حسب مواثيق منظمة الأمم المتحدة، لذا لا يمكن للرئيس دونالد ترامب من تحقيق وعوده التي قطعها للصهاينة.
الجزء الثاني لهذه الندوة سينشر قريباً