إنه لبالجهاد الأصغر نقضي على الظالمين والكافرين أعداء الدين بأذن الله تعالى، وبالجهاد الأكبر نحارب أنفسنا ونستطيع بأذن الله ان نستقيم في ديننا، وبجهادنا الأصغر نحارب الشيطان ومكائده… فالسعيد من تسلط على نفسه وصار ملكًا عليها، يسيرها إلى ما يرضي ربه عز وجل؛ والشقي الضال من سار وراء نفسه وأصبحت تملكه. وصدق من قال ان لم تمزق الرصاصة صدري فإنها ستمزق كتاب الله، فاعلموا يا إخواني إن لم تمزق الرصاصة صدوركم فإنه سيمزق كتاب الله( ).
من مواليد مدينة العمارة، منطقة المحمودية، قرب سوق النجارين. أبصرت عيناه النور عام 1961م وسط أسرة عرفت بإيمانها وتقواها وحبها لمحمد وآله الأطهار صلوات الله عليهم أجمعين، فكان لإيمان أسرته وصلاحها الأثر البالغ على سلوكه وسيرته.
أكمل الدراسة الابتدائية والمتوسطة ثم دخل إعدادية التضميد ليتخرج منها عام 1982م بعنوان مضمد ماهر.
امتاز بنشاطه الإسلامي الرافض لحكم العفالقة، وكان من تلك النشاطات توزيع المنشورات والكتب، وجمع الأموال وتوزيعها على عوائل الشهداء والمعتقلين، والكتابة على الجدران، وفضح النظام وبيان خطه الإلحادي، كما كان يبين لأصدقائه وزملائه في الدراسة، متى ما سنحت له الفرصة.
إن واحدة من تلك النشاطات كانت تلقي بصاحبها إلى السجن ثم الإعدام في قاموس العفالقة المجرمين، لذلك بدأت مضايقاتهم له حتى كان قاب قوسين أو أدنى من الاعتقال، لكنه عندما أحس بالخطر، أخذ يتوارى عن الانظار، ثم قرر الهجرة بدينه، فكتب رسالة إلى أهله وشريطًا مسجلا بصوته لهم، وطلب من أحد أصدقائه إيصاله بيده إلى أهله. وهكذا اتخذ قراره الحاسم الذي لم يتخذه إلا القليل ممن امتحن الله قلوبهم استجابة لقوله تعالى ﴿أَلَمْ تَكُنْ أَرْضُ اللهِ وَاسِعَةً فَتُهَاجِرُوا فِيهَا﴾( ).
بتاريخ 18/4/1982م وصل مدينة دهلران الإيرانية، بعد مسير يوم وليلة عن طريق علي الغربي، فاستقبل من قبل القطعات العسكرية المتواجدة هناك، ونقل من هناك إلى مخيم اللاجئين في بارك إرم( ).
هنا تنقل الحاجة أم محمد( ) عن كريم قوله: «خرجت مشيًا على الأقدام وعندما شارفت الحدود وجهت وجهي تلقاء مدينة العمارة وقلت إن شاء الله انتهت تلك الأيام التي لاأستطيع بها ممارسة الشعائر الدينية.
لم يغتر أبوعمار في الدنيا، ولم يركن إليها، ولم يخطر بباله الذهاب إلى إحدى المدن الإيرانية للعيش الهادئ بعيدا عن المخاطر والصعوبات، بل سأل ساعة وصوله عن المجاهدين ليلتحق بهم ويؤدي واجبه الرسالي تجاه دينه ووطنه، وأول من تعرف عليهم كانو أعضاءا في منظمة العمل الإسلامي، فانضم إلى مجاميعها الجهادية، ثم التحق بقوات الشهيد الصدر( )، وعمل مع مجاميعها العاملة داخل العراق التي كانت تتخذ من هور الحويزة مقرًا لها، وتقوم بواجباتها الجهادية من إيصال المواد التي يحتاجها مجاهدو الداخل، وكذلك مساعدة الأفراد والأسر المطلوبة من قبل أجهزة النظام القمعية.
بعد تشكيل قوات بدر التحق بدورتها الثانية التي بدأت تدريباتها بتاريخ 21/4/1983م.
انتهت الدورة وكلفت بواجب جهادي على أطراف مدينة البصرة، فكان دوره فاعلًا في تنفيذ الكمائن والدوريات القتالية، واستمر إلى ان كلفت القوات بواجب آخر في طبيعة مغايرة، فالأهوار كانت المحطة الثانية في حياته مع فوج الشهيد الصدر الذي كان قد تشكل من دورات المجاهدين الأولى.
اتخذ المجاهدون مقرات ونقاطا على الممرات المائية في هور الحويزة مثل باب الهوى( ) وبرگة سيد نور( ) وممر البرمائية( ) وسبل الكسر( ) وغيرها.
رغم أن طبيعة الأهوار كانت قاسية الّا أنها كانت تجربة ناجحة للمجاهدين، اذ استطاعوا من خلالها اختبار قدراتهم على العمل والتكيف والتغلب على الظروف الصعبة والسيطرة عليها بعمليات نوعية كان أولها عملية تحرير مخفر الترابة( ) ومناطق أبوصخير والبنيات والنهروان( )، نفذوها بتاريخ 11/03/1985م حيث كان للغواصين دور فاعل فيها.
اندفع المجاهدون شمال وغرب مخفر الترابة وسيطروا على مالة عويد( ) وشط الدوب وممرات مائية أخرى، ثم خططوا لتنفيذ عملية واسعة أطلقوا عليها القدس لتطهير شرق وغرب وجنوب بحيرة أم النعاج، فكان واجب فوج الشهيد الصدر السيطرة على مناطق القچاقچي( ) وبرگة سيسون( ) ومناطق أخرى غرب وجنوب غرب بحيرة أم النعاج.
انطلق أبوعمار مع مجاميع غواصي فوج الشهيد الصدر، ظهر يوم 22/07/1985م على رغم درجة حرارة الجو والرطوبة العالية.
في تمام الساعة الثانيةعشرة ليلا، نفذت أفواج المجاهدين هجومها الصاعق، ففي دقائق معدودة وقبل ان تصل اليهم الزوارق الساندة، سيطروا على نصف البحيرة الجنوبي ومناطق واسعة على جانبيها الشرقي والغربي.
حاول العدو استعادة ما فقد من مواضع الّا أن محاولاته باءت بالفشل، فقام بوضع عوّامات تحمل سلاح الديمتروف( ) على عرض البحيرة لإعاقة حركة المجاهدين وصد هجماتهم المتوقعة.
بدأ المجاهدون باستطلاع نقاط العدو على جانبي البحيرة تمهيدًا لتنفيذ عمليات واسعة أخرى للسيطرة على النصف الآخر للبحيرة وعلى جميع المناطق المحيطة بها، وكان الدور المرسوم لأبيعمار مع مجموعة من الغواصين( ) هو الهجوم على أول نقطة للعدو المقابلة لنقاط فوج الشهيد الصدر.
انطلقت سرايا فوج الشهيد الصدر من منطقة الهرود بواسطة الزوارق مستخدمين المجاذيف بدل المحركات لكي لايسمع العدو تقدمهم، فوصلوا ليلا إلى أقرب فسحة مائية يحيط بها القصب تسمى المهوار، وهناك استقروا على الجانب الأيمن.
بعد ان فتحوا طرقًا بين كل نقطتين من نقاط العدو قبل الهجوم بأيام، قامت مجموعة الاستطلاع التابعة لاستخبارات لواء بدر( ) بنقل مجاميع الغواصين إلى حافة البحيرة،، دون ان يشعر العدو بذلك.
في تمام الساعة الثانية بعد منتصف ليلة 23/10/1985م، انطلق أبوعمار ومجموعته التي كانت بإمرة أبيعباس الحسيني( ) ثم بدأ الهجوم على جميع نقاط العدو في لحظة واحدة، فذهل العدو ولم يبد أي مقاومة تذكر وتهاوت جميع مواقعه.
انطلق زورقان لإسناد مجموعة أبيعمار، فوجدوا أبايوسف قد استشهد بينما جرح أبومؤيد وأبوعباس وأبوإسماعيل، ولكن تمت السيطرة على الهدف وسلم المجرمون أنفسهم إلى المجاهدين الذين عاملوهم بكل مسؤولية وخلق إسلامي.
سيطر المجاهدون على بحيرة أم النعاج وكل المناطق المحيطة بها، وفقد العدو كل مواقعه في هور الحويزة، وفشلوا في استعادة أي منها.
انسحبت القوات وأنيطت مسؤولية هور الحويزة إلى فوج أنصار الحسين عليهالسلام المتشكل في أغلبيته من العشائر وسكان الأهوار وسرية من الفوج الثالث.
دخلت القوات المنسحبة دورة تدريبية في مناطق جبلية تمهيدا لتنفيذ عمليات جهادية في شمال العراق.
اشترك أبوعمار مع فوج الشهيد الصدر في معركة حاج عمران البطولية في 01/09/1986م وكان آمرًا لأحد فصائل الصولة( ) وكان له دور فاعل فيها.
بتاريخ 20/01/1987م اشترك مع فوج الشهيد الصدر في عمليات بطولية على أطراف مدينة البصرة، ضرب فيها مثلًا في الشجاعة والصمود فقد كان يتقدم المجاهدين نحو مواضع العدو ويمطرها برصاص سلاحه، لكنه أصيب بجراحات في أماكن متعددة من جسمه، وحول ذلك تقول الحاجة أم محمد: «كان جسمه مليئا بالشظايا في وجهه ويده ورجله ومفصل كتفه، وقال لنا الطبيب عن إحدى تلك الشظايا انها قريبة من مكان قاتل»، وتضيف «إنه كان يحب القتال في الجو الحار صيفًا والبارد شتاءً، فقد كان يهوى الجهاد في أهوار الجنوب صيفًا لشدة الحرارة، وعلى ربى الشمال شتاءًا، وعندما كنت أسأله كان يجيب ان الثواب والأجر على قدر المشقة، وكنت أرى في وجهه وكفيه عندما كان يعود من الأهوار آثار لسع البعوض… وكان يؤكد ان الدنيا دار مرور إلى الآخرة.
عرف بخلقه الرفيع وحسن معاشرته ومساعدته للآخرين كما عرف بكثرة عبادته ودعائه.
يقول المجاهد محمد سلمان( ) «لا يمكن ان نحيط بخصائص الشهيد الساعدي فلقد كان شهيدًا حيًّا، وملكًا يسير على الأرض، وكان مؤمنًا تقيًّا شجاعًا، لايعرف طعمًا للراحة إلا في ميادين الجهاد.
ويقول الشيخ أبوغالب الشريفي( ) «امتاز أبوعمار بأخلاقه العالية وبطبعه الهادئ، كان كلامه قليلا مفيدا، وكذلك امتاز بخشوعه في عبادته وكان يقرأ القرآن بصوت عذب، كنا نتزود منه الأخلاق والإيمان والتقوى.
أما المجاهد أبوكرار النجفي فقال عن خصائص الشهيد: «كان صبورًا وكاتمًا للأسرار، كان كثير القراءة للقرآن والأدعية المأثورة عن الأئمة الأطهار عليهالسلام، كما كان مواظبًا على صلاة الليل، وخلعت يده في عمليات شرق البصرة لكنه استمر ولم يقبل الانسحاب.
وتقول الحاجة أم محمد: «…كان مهتمًا بتربية ولدنا محمد وكان ينقل الحديث عن الرسول صلّىاللهعليهوآلهوسلم من كان له صبي صبا. كان يحب السفر والزيارة ويشتري هدايا للآخرين عند عودته، كما كان يسعى في قضاء حوائج الآخرين.
هكذا كانت أخلاقه في البيت مع زوجته وأهلها، ومع طفله الصغير محمد ومع الناس الآخرين، وأما أخلاقه مع المجاهدين فلا يزال الباقون منهم يتذكرون تلك الشخصية الربانية ويجلونها، بل يشتاقون إلى تلك الأيام التي عاشوها مع أبيعمار والشهداء من إخوته.
وتضيف الحاجة أم محمد: «كنت أروم السفر إلى بيت الله الحرام، وعندما ذهب إلى سوح الجهاد، أخبر بأنه أهدي إليه الحج إلى بيت الله الحرام، فطار فرحًا، وطلب مني ان أدعو له بالشهادة في سبيل الله، فعندما أحرمت للحج، دعوت الله ان لايكون موتي وموت زوجي على الفراش، وذلك كان أسعد خبر سمعه مني.
كانت آخر محطة في حياة أبيعمار هي عمليات تحرير مدينة حلبچة من دنس البعثيين الجناة، الذين ارتكبوا أبشع الجرائم ضد الشعب الكردي المسلم، لهذا كان أبوعمار وإخوته المجاهدون يعتبرون الوقوف بوجه هكذا جناة شرفا عظيما، فما أحلى القتل في سبيل الله والمستضعفين من الرجال والنساء والولدان.
تقدم أبوعمار مع فصيل الصولة، مقتحمين مواقع العدو التي تهاوت أمام ضربات المجاهدين لكن أبا عمار أصيب خلال الاشتباك فخر شهيدا على ربي مدينة حلبچة بتاريخ 15/03/1988م، ورجعت روحه المطمئنة إلى ربها راضية مرضية، لتكون في مقعد صدق عند مليك مقتدر.
شيع تشييعا مهيبا ودفن في مقبرة الشهداء في مدينة يزد.
وصيته رحمهالله لزوجته:
بسم الله الرحمن الرحيم وبه نستعين
… عن الباقر عليهالسلام قال ﴿واعلم انك لن تخلو من عين الله فانظر كيف تكون﴾.
أوصيك بأن تجعلي لك من نفسك واعظًا لك، واعلمي انك لن تخلين من عين الله سبحانه وتعالى، فأحفظي عهد زوجك ولا تفكري أبدًا بمخالفته.
زوجتي، أوصيك بأن لاتكثري الكلام الفارغ الغير مفيد والذي لايخدم الدين، فعن الإمام علي عليهالسلام قال ﴿ العافية درجات تسع وتسعون منها في الصمت وواحدة في ذكر الله.﴾ فاستعملي الصمت دائمًا ولا ترفعي صوتك أكثر من المعتاد.
زوجتي، أكثري من الصلاة والدعاء وقراءة القرآن، أكثري من قراءة الكتب الفكرية والأدبية والسياسية وتابعي الأخبار العالمية منها والداخلية.
زوجتي العزيزة، إذا رزقنا الله طفلًا آخر إن شاء الله، فأرجو منك وأحملك مسؤولية تربيته على أساس الأخلاق الإسلامية…
أرجو من أهل زوجتي أو أهلي في العراق ان يتركوا زوجتي في أمورها مع الله وليس للناس حق في التدخل في شؤونها فهي أعرف بمصلحتها ان أرادت ان تتزوج أو لا.
زوجتي، اعرضي قضيتك على الله ورسوله والمؤمنين وخذي برأيهم دائمًا وأبدًا فالمهم عندي ان تربي ولدي بما يرضي الله، وان تحفظي ما أردته منك من مواصلة الطريق، طريق الله ورسوله والمؤمنون، المهم عندي أيضًا ان تكوني من الحافظات القانتات المسلمات المؤمنات الذاكرات بالليل والنهار لله العلي القهار وان تواصلي جهادك ضمن خط الإمام روح الله الموسوي الخميني ولا تأخذك في الله لومة لائم.
حفظك الله ورعاك فإني قد سلمتك بيد الله فهو حافظك وراعيك…
حسبي الله ونعم الوكيل وأرجو من الله العلي القدير وبحق الحسين الشهيد عليهالسلام ان يلحقك معي عاجلًا ان شاء الله. والسلام عليكم جميعًا ورحمة الله وبركاته
وصيته إلى ولده محمد:
بسم الله الرحمن الرحيم
ولدي العزيز محمد… السلام عليك ورحمة الله وبركاته
هذا ما أوصى به أبوك الفاني الفقير الراحل من هذه الدنيا، وصية خاصة لك وأتمنى من كل قلبي ان تعمل بها…
ولدي العزيز، أوصيك بتقوى الله ومراقبة أحكامه والتوجه إليه في كل صغيرة وكبيرة مع مراقبة هذا التوجه، واعلم يا ولدي العزيز انه لاينفعك أحد أكثر من الله سبحانه وتعالى فتوكل عليه في كل أمورك ولا تقطع صلتك بالله واجعل بينك وبينه علاقة العبد الذليل إلى الخالق الباري والسيد الجليل.
ولدي محمد اعبد الله حق عبادته وأد حقوقه وحقوق والديك وأطع أمك التي سهرت عليك الليالي وعانت الآلام الكثيرة بسببك وحملتك في بطنها تسعة أشهر، لم تملّك ولم تتضجر منك، فكيف إذن تملها وتتضجر منها! ولدي، لاأريد ان أطيل عليك فإنك إن شاء الله سوف تكون بتلك المسؤولية التي أريدها مسؤولية التكامل العبادي مع الله والتعامل الأخلاقي مع أمك وأقاربك ومع الناس أجمعين، وليكن يا ولدي العزيز همك خدمة الإسلام العظيم وخدمة المؤمنين وجند نفسك في صفوف المقاتلين المسلمين، ودافع عن الإسلام في كل مكان تحت قيادة إمام الأمة الخميني دام ظله، وانطلاقًا من أحكامه في الجهاد.
كن جنديا من جنود الإسلام… ولا تأخذك في الله لومة لائم والسلام.
والدك الحاج كريم هاشم الساعدي… 05/02/1366هـ ش.
كلمة للمجاهدين:
إن القضية ليست قضية إيران والعراق إنها قضية الإسلام والكفر الذي حرك أذياله في مواجهة التحرك الإسلامي، وتم اختيار القذر الحقير صدام المجرم في قيادة هذه المواجهة… فهل نقعد ونقول تعال وافعل ما شئت من خلال سكوتنا وقعودنا في بيوتنا، ان هذا لعار وجبن يبقى يطاردنا نحن وأبناءنا والأجيال التي تأتي من بعدنا، حتى نقف بين يدي الله الجبار ليقتص منا وتكون الأغلال في أعناقنا ونغلَّ في سرابيل القطران…؟!
والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.