دراسة لحياة صحابي روى عن رسول الله صلى الله عليه واله – أبو هريرة
29 نوفمبر,2017
بحوث اسلامية
1,275 زيارة
تأليف: الامام السيد عبد الحسين شرف الدين الموسوي20
لم يكن سمع ذلك من رسول الله وإنما سمعه من الفضل بن العباس وكان الفضل (حين اعتذر بهذا) ميتاً (1).
(ومنها): ان رجلين دخلا على عائشة فقالا: ان ابا هريرة يحدث عن رسول الله صلى الله عليه واله وسلم أنه قال: إنما الطيرة في المرأة والدابة فطارت عائشة شغفاً ثم قالت: كذب والذي أنزل القرآن على أبي القاسم من حدث بهذا عن رسول الله صلى الله عليه واله وسلم؟ الحديث (2).
(ومنها): انه جلس مرة الى جنب حجرة عائشة يحدث عن النبي صلى الله عليه واله وسلم وهي مشغولة في سبحتها فقالت بعد فراغها: ألا يعجبك أبو هريرة يجلس الى جنب حجرتي يحدث عن النبي يسمعني ذلك؟ وكنت اسبح فقام قبل ان أقضى سبحتي ولو ادركته لرددت عليه الحديث (3).
(ومنها): انه روى عن النبي صلى الله عليه واله وسلم انه قال: متى استيقظ أحدكم من نومه فليغسل يده قبل أن يضعها في الاناء فان احدكم لا يدري اين باتت يده؟ فانكرت عائشة عليه (4) فلم تأخذ به وقالت: كيف نصنع بالمهراس (5).
____________
(1) تجد حديث الكلب والمرأة والحمار وحديث المشي في الخف الواحد وحديث من اصبح جنبا في: ص27 والتي بعدها من تأويل مختلف الحديث والصواب ان اللتين ردنا حديثه فيمن اصبح جنبا انما هما عائشة وأم سلمة كما نقلناه في الحديث: 27 عن صحيح البخاري.
(2) أورده ابن قتيبة في: ص126 والتي بعدها من تأويل مختلف الحديث.
(3) اخرجه مسلم في: 2/358 و538 من صحيحه في فضائل أبي هريرة وفي التثبت في الحديث.
(4) نقل ذلك أحمد أمين: ص259 من فجر الاسلام، والانصاف ان انكارعائشة في هذا على أبي هريرة إنما يكون متجها لعدم وثاقته، اما نقضها عليه بالمهراس فغير متجه كما لا يخفى.
(5) المهراس: حجر منقور ضخم لا يقله الرجال ولا يحركونه لثقله يملأونه ماء ويتطهرون منه.
(ومنها): ان أبا هريرة روى عن رسول الله صلى الله عليه واله وسلم أن من حمل جنازة فليتوضأ، فلم يأخذ ابن عباس بخبره وردّه صريحاً قال: لا يلزمنا الوضوء في حمل عيدان يابسة (1).
(ومنها): ان ابن عمر كان يروي ان رسول الله صلى الله عليه واله وسلم أمر بقتل الكلاب إلا كلب صيد أو كلب غنم أو ماشية فقيل لابن عمر: ان أبا هريرة يقول: أو كلب زرع، فلم يأبه بذلك ابن عمر وقال في رده: ان لأبي هريرة زرعاً يتهمه بزيادة كلب الزرع في حديث رسول الله صلى الله عليه واله وسلم احتفاظاً بكلبه واحتياطاً على زرعه والحديث في صحيح مسلم (2).
ومثله ما في صحيح مسلم ايضاً (3) عن أبي هريرة مرفوعاً: من اتخذ كلباً إلا كلب ماشية أوصيد أو زرع انتقص من اجره كل يوم قيراط، فذكر لأبن عمر قول أبي هريرة هذا فقال: يرحم الله أبا هريرة كان صاحب زرع ـ يتهمه بزيادة كلب الزرع ايثاراً لمصلحته ـ وقد اتهمه بهذا ايضا سالم بن عبد الله ان عمر في حديث أخرجه مسلم ايضاً (4).
(ومنها): ان ابن عمر لم يصدق أبا هريرة في حديثه في القنفذ وبقى شاكا فيه.
(ومنها): ان ابن عمر سمعه يحدث بأن من اتبع جنازة فله قيراط من الاجر فقال اكثر علينا أبو هريرة ولم يصدقه حتى بعث الى عائشة يسألها عن
____________
(1) رواه جماعة من الاثبات ونقله الاستاذ احمد أمين في: ص259 فجره.
(2) راجعه في: 1/625 من صحيحه في باب الأمر بقتل الكلاب وبيان نسخها.
(3) راجعه في: 1/627 من صحيحه في باب تحريم اقتناء الكلاب إلا لصيد أو زرع أو ماشية ونحو ذلك.
(4) في: 1/626 من صحيحه.
ذلك فروته له فصدق جينئذ والحديث في هذا ثابت (1).
وكذلك فعل عامر بن شريح بن هاني إذ سمع أبا هريرة يحدث بأن من أحب لقاء الله أحب الله لقاءه ومن كره لقاء الله كره الله لقاءه، فلم يصدق أبا هريرة بذلك حتى سأل عائشة فروته له وأفهمته المراد منه، والحديث في ذلك ثابت ايضاً (2).
ولو أردنا استقصاء الموارد التي ردّ فيها السلف حديث أبي هريرة وانكروا فيها عليه لطال بنا الكلام، وهذا القدر كاف لما أردناه والحمد لله.
وناهيك تكذيب كل من عمر وعثمان وعلي وعائشة له، وقد تقرر بالاجماع تقديم الجرح على التعديل في مقام التعارض على انه لا تعارض هنا قطعاً فان العاطفة بمجردها لا تعارض تكذيب من كذبه من الأئمة.
أما اصالة في الصحابة فلا دليل عليها والصحابة لا يعرفونها ولو فرض صحتها فانما يعمل على مقتضاها في مجهول الحال لا فيمن يكذبه عمر وعثمان وعلي وعائشة ولا فيمن قامت على جرحه ادلة الوجدان فاذا نحن من جرحه على يقين جازم.
سبوح لها منها عليها شواهد
ونحن الإمامية لنا في الصحابة رأي هو أوسط الآراء عقدنا لبيانه في أجوبة موسى جار الله فصلا مخصوصا (3) وعقدنا لتأييده فصلا آخر (4)
____________
(1) اخرجه مسلم في باب فضل الصلاة على الجنائز واتباعها: ص349 والتي بعدها من الجزء الأول من صحيحه، واخرج الحاكم في: 3/510 من المستدرك نحوه.
(2) اخرجه مسلم: 422 في باب: من احب لقاء الله احب الله لقاءه من الجزء الثاني من صحيحه.
(3) تجده في: ص11 وما بعدها إلى منتهى: ص15 من الأجوبة.
(4) تجده في: ص23 وما بعدها الى: 27 من الأجوبة ايضا.
فليراجعها من اراد التحقيق من أولي الألباب والحمد لله على الهداية للصواب.
ـ 15 ـ
إحتجاته على متهميه
كان أبو هريرة يحتج على مكذبيه ومتهميه فيقول (1): يقولون ان أبا هريرة يكثر الحديث! والله الموعد! ويقولون ما للمهاجرين والأنصار لا يحدثون مثل احاديثه؟ وان اخوتى من المهاجرين كان يشغلهم الصفق في الأسواق وان اخوتى من الأنصار كان يشغلهم عمل أموالهم! وكنت امرءاً مسكيناً الزم رسول الله على ملء بطني فأحضر حين يغيبون! وأعي حين ينسون!!. وقال النبي صلى الله عليه واله وسلم يوماً! لن يبسط احد منكم ثوبه حتى اقضي مقالتي هذه ثم يجمعه الى صدره فينسى من مقالتي شيئاً ابداً فبسطت نمرة ليس عليّ ثوب غيرها حتى قضى النبي صلى اله عليه واله وسلم مقالته ثم جمعتها الى صدري فوالذي بعثه بالحق ما نسيت من مقالته تلك شيئاً الى يومي هذا والله لولا آيتان في كتاب الله ما حدثتكم شيئاً ابداً: ان الذين يكتمون ما انزلنا من البينات والهدى، الى قوله: وأنا التواب الرحيم.
(قلت): ان أبا هريرة كلما ازداد مثالة زاده الله رعالة (2) يريد ان يقنع المنكرين عليه في كمية احاديثه وكيفيتها فجاءهم بهذا تزكية لنفسه
____________
(1) فيما اخرجه في البخاري في آخر المزارعة: 2/34 من صحيحه وأخرجه في البيوع وفي غير موضع من الصحيح وكذلك مسلم في عدة مواضع من صحيحه واحمد في مواضع من الجزء الثاني من مسنده وجميع أصحاب السنن والمسانيد اخرجوه من حديث أبي هريرة بطرق اليه كثيرة والفاظ مختلفة.
(2) أي كلما ازداد رزقا زاده الله حمقا.
واحتجاجا عليهم فاذا حجته جفاء أو ثأطة مدت بماء (1) كأن الله عز وجل سخره بهذا الحديث حجة للمنكرين عليه ودليلا على صحة ما نسبوه اليه فاني (وشرف الصدق) وعلو مقام الصادقين ما رأيت في كل ما صنعته ايدي المخرفين ابرد من هذا الحديث ولا ابعد منه عن الصدق وما كنت لأ لم به ولا لاعرج عليه لولا ان الشيخين وامثالهما قد نظموه في سلك الصحاح بكل ارتياح وانما فعلوا ذلك تعبداً برأيهم في كل صحابي وقد خالفوا في ذلك الأدلة عقلية ونقلية وخالفوا السلف الصالح من أولي الألباب كما أو ضحناه في كتابنا ـ تحفة المحدثين ـ ولنا على بطلان هذا الحديث وجوه: ـ.
(الأول): زعم ان المهاجرين كان يشغلهم عن النبي صلى الله عليه واله وسلم الصفق بالأسواق (2) والأنصار كان يشغلهم عمل اموالهم (3) فساق السابقين الأولين من المهاجرين والأنصار كافة بعصاً واحدة ـ لقد هزلت ـ ـ وحن قدح ليس منها ـ واي قيمة للقول بأن جميع المهاجرين كان يلهيهم الصفق بالأسواق؟ بعد قوله عز من قائل: (رجالٌ لا تلهيهم تجارة ولا بيع عن ذكر الله..) الآية وهل لمعارض كتاب الله إلا الضرب بعرض الجدار؟ ومن هو أبو هريرة؟ ليحضر حين يغيب الخصيصون برسول الله صلى الله عليه واله وسلم ويحفظ حين ينسون يقول هذا القول بملء فيه غير متئد ولا خجل ولا وجل إذ قاله على عهد معاوية حيث لا عمر ولا عثمان ولا علي ولا طلحة ولا الزبير ولا سلمان ولا عمار ولا المقداد ولا أبو ذر ولا أمثالهم كبرت كلمة تخرج من فيه ما أبعدها عن الصدق وقد علم
____________
(1) الجفاء هنا ما نفاه الباطل، والثأطة الحمأة كلما ازدادت ماء قل تماسكها.
(2) الصفق: كناية عن التبايع إذ كان البايعان يتصافقان بالأكف، وكان عمر يقول عما جهله من السنن ألهاني عنه الصفق بالأسواق، أي الخروج إلى التجارة اخرجه في: 2/4 من صحيحه في باب الخروج بالتجارة.
(3) أي إدارة حدائقهم إذ كانوا أهل نخيل.
الناس موضع علي من رسول الله صلى الله عليه واله وسلم بالقرابة والمنزلة الخصيصة وضعه في حجره وهو ولد يضمه الى صدره ويكنفه إلى فراشه ويمسه جسده ويشمه عرفه وكان يمضغ الشئ ثم يلقمه إياه وما وجد له كذبة في قول ولا خطلة في عمل ولقد قرن الله به صلى الله عليه واله وسلم من لدن ان كان فطيما اعظم ملك من ملائكته يسلك به طرق المكارم ومحاسن أخلاق العالم فكان علي يتبع رسول الله اتباع الفصيل أثر أمه يرفع له في كل يوم من اخلاقه علما ويأمره بالاقتداء به ولقد كان معه (هو والصديقة الكبرى خديجة أم المؤمنين) بحراء فيرى نور الوحي والرسالة ويشم ريح النبوة وكان بعد ذلك باب مدينته وأقضى أمته، وعيبة سره وولي أمره، ووارث حكمه؛ وفارج همه، وصاحب الأذن الواعية ـ ومن عنده علم الكتاب ـ فهل يمكن ان ينسى من سننه ما حفظه أبو هريرة أو يكتم منها ما بينه أبو هريرة؟ سبحانك هذا بهتان عظيم.
على انه لم يكن من المهاجرين من يصفق في الأسواق إلا القليل؛ وحسبك أبو ذر والمقداد وعمار ورفقاء أبي هريرة في الصفة وهم سبعون كانوا كما وصفهم أبو هريرة مامنهم رجل عليه رداء وإنما عليه إما ازار وإما كساء قد ربطوه في أعناقهم إلى آخر كلامه في وصفهم (1) فما بالهم لم يحدثوا بمثل احاديثه؛ ولم يكثروا كما أكثر بل لم يكن المجموع منحديثهم كافة إلاّ دون حديثه خاصة.
وكذا الأنصار لم يكونوا باجمعهم من أهل الأموال والأشغال كما زعم وحسبك (ممن لا مال له منهم) سلمان الفارسي الذي قال رسول الله صلى الله عليه واله وسلم فيه: سلمان منا أهل البيت، وقال: ـ كما في ترجمة سلمان من الاستيعاب ـ لو كان الدين عند الثريا لناله سلمان؛ وقالت عائشة ـ كما في ترجمته من الاستيعاب ايضا ـ كان لسلمان مجلس من رسول الله ينفرد به في الليل حتى كاد يغلبنا على رسول الله صلى الله عليه واله وسلم وفي الاستيعاب ايضاً قال علي: ان سلمان الفارسي مثل لقمان الحكيم علم
____________
(1) فراجعه في احواله على عهد النبي صلى الله عليه واله وسلم من هذا الاملاء.
علم الاؤل والآخر بحر علم لا ينزف، وقال كعب الاحبار ـ كما في الاستيعاب وغيره ـ: سلمان حشي علماً وحكمة إلى آخر ما هو مأثور عنه من امثال هذه الخصائص، وقد علم الناس ان أبا أيوب الأنصاري لم يكن له من العيش إلا بلغه لا تشغله عن علم ولا عن عمل، وكذلك ابو سعيد الخدري وأبو فضالة الأنصاري وغيرهم من نظرائهم من علماء الأنصار وعظمائهم رضي الله تعالى عنهم.
على ان سيد الحكماء وخاتم الأنبياء صلى الله عليه واله وسلم لم تكن اوقاته فوضى وإنما كانت في الليل والنهار مرتبة للمهمات على ما تقتضيه الحكمة في تلك الأوقات، وقد خصص منها لا لقاء العلم وقتاً لا يعارض اوقات الصفق في الأسواق ولا اوقات العمل في الأموال، وكان المهاجرون والانصار لايغيبون في ذلك الوقت ابداً وهم احرص على العلم مما يخرفه المخرفون.
(الثاني): لو صح ما زعمه ابو هريرة (من قول النبي صلى الله عليه واله وسلم لأصحابه: لن يبسط أحد منكم ثوبه أقضي مقالتي هذه ثم يجمعه إلى صدره فينسى من مقالتي شيئاً أبداً) لتسابقوا اليه، واجتمعوا بقضهم وقضيضهم عليه، فانه الفضل لا يبلغه الطالب بشد الرجال، والعلم لا يناله ببذل الاموال، وما الذي ثبطهم عن نيله؟ ومنعهم عن بسط اثوابهم في سبيله؟ وكيف زهدوا في هذه الغنيمة وضيعوا على انفسهم تلك الفوائد العظيمة؟ أترى انهم كانوا بهذه المثابة من الزهد في العلم والرغبة عما يدعوهم الرسول اليه؟ كلا! ما هكذا الظن بهم ولا هذا بمشبه لما كانوا عليه من التعبد بأوامره؛ والمبادرة الى ما يدعوهم اليه.
(الثالث): لو صح ما زعمه أبو هريرة لعظم ندم الصحابة، واسفهم على ما ضيعوه من ذلك الفضل الكبير، والعلم الغزير، ولتواتر لهفهم على ما اهملوه من بسط اثوابهم لرسول الله حين انه لا كلفة فيه ولامشقة عليهم، ولندّد بعضهم ببعض، وتلاوموا على تركهم ذلك بسوء اختيارهم ولتواترت منهم
الغبطة لأبي هريرة بالفوز به دونهم على حين انه لم يكن إلا ثوب واحد وما منهم من احد إلا وعليه ثوبان او اكثر فلما لم يكن شئ من ذلك علمنا ان هذا من كيس أبي هريرة.
(الرابع): لو كان الأمر كما قصه أبو هريرة لحدث به غيره ممن دعاهم النبي صلى الله عليه واله وسلم يومئذ الى بسط اثوابهم، بل لو كان لعده الصحابة والتابعون من اعلام النبوة، وآيات الاسلام وادلة الدين؛ ولتواترت به الأخبار، واشتهر اشتهار الشمس في رائعة النهار، فلما لم نجده إلا في حديث أبي هريرة عطفناه على واهياته.
(الخامس): انه قد تناقض كلام أبي هريرة في هذه القصة، فتارة حدث بها كما سمعت إذ قال ـ فيما رواه الاعرج عنه ـ (1): أن النبي صلى الله عليه واله وسلم قال يوماً لأصحابه لن يبسط احد منكم ثوبه حتى اقضي مقالتي هذه ثم يجمعه إلى صدره فينسى من مقالتي شيئاً ابداً (قال): فبسطت نمرة ليس على ثوب غيرها حتى قضى النبي صلى الله عليه واله وسلم مقالته ثم جمعتها إلى صدري فو الذي بعثه بالحق مانسيت من مقالته تلك شيئاً الى يومي هذا أ هـ بلفظه.
وتارة حدث بها فقال ـ فيما رواه عنه المقبري ـ (2): قلت يا رسول الله
____________
(1) الأعرج هو عبد الرحمن بن هرمز وحديثه هذا عن أبي هريرة موجود في آخر المزارعة: 2/34 من صحيح البخاري، وموجود في فضائل أبي هريرة: 2/357 من صحيح مسلم واخرج البخاري نحوه في اول البيوع في: 2/1 من صحيحه بالاسناد إلى سعيد بن المسيب وأبي سلمة بن عبد الرحمن عن أبي هريرة ولفظه: ان رسول الله قال في حديث حدثه انه: لن يبسط احد ثوبه حتى اقضي مقالتي هذه ثم يجمع اليه ثوبه الا وعى ما اقول فبسطت نمرة علي حتى قضى مقالته جمعتها الى صدري فما نسيت من مقالته تلك من شئ.
(2) هو سعيد بن ابي سعيد وحديثه هذا عن ابي هريرة موجود في: 1/24 من صحيح البخاري في باب: حفظ العلم من كتاب العلم.
اني اسمع منك حديثاً انساه قال صلى الله عليه واله وسلم: ابسط رداءك فغرف بيديه (1) ثم قال ضمه!! فضممته فما نسيت شيئاً بعده أ هـ بنصه.
وانت ترى أن القصة على مقتضى الحديث الاول ـ حديث الاعرج ـ انها كانت بين رسول الله صلى الله عليه واله وسلم واصحابه والمبتدئ فيها إنما كان رسول الله إذ دعاهم إلى بسط اثوابهم اشفاقاً عليهم من النسيان وانها على مقتضى الحديث الثاني ـ حديث المقبري ـ انما كانت بين أبي هريرة خاصة ورسول الله والمبتدئ فيها إنما هو أبو هريرة حيث شكا نسيانه إلى رسول الله صلى الله عليه واله وسلم.
وأيضاً فان الحديث الاول ـ حديث الاعرج ـ يقتضي تخصيص عدم النسيان بتلك المقالة فقط (2) لقوله فيه: مانسيت من مقالته تلك شيئاً والحديث الثاني ـ حديث المقبري ـ يقتضي العموم في عدم النسيان لكل شئ من الاشياء حديثاً كان ام غير مطلقاً لقوله فيه مانسيت شيئاً بعده، فان النكرة في سياق النفي حقيقة في العموم، وقد ارتبك هنا شارحوا البخاري وارتجت عليهم أبواب الاعتذار عنه حتى قرر ابن حجر في فتح الباري وقوع هذه القضية مرتين (3)
____________
(1) قال القسطلاني في شرح هذه الكلمة: فغرف بيديه من فيض فضل الله فجعل الحفظ كالشئ الذي يغرف منه ورمي به في ردائه إلى آخر كلامه فراجعه في: 1/379 من ارشاد الساري في شرح هذا الحديث من صحيح البخاري.
(2) وقع في جامع الترمذي وحلية أبي نعيم التصريح بهذه المقالة وانها كانت ما هذا لفظه: ما من رجل يسمع كلمة او كلمتين مما فرض الله تعالى عليه فيتعلمهن او يعلمهن الا دخل الجنة.
(3) قال القسطلاني في شرح هذه الاحاديث في باب حفظ العلم من كتاب العلم: 1/380 من ارشاد الساري ما هذا لفظه: ويحتمل أن يكون وقعت له ـ أي لأبي هريرة مع النبي ـ قضيتان فالتي رواها الزهري عن الاعرج مختصة بتلك المقالة، والتي رواها المقبري عامة قال: هكذا قرره في فتح الباري، قال: وهذا من المعجزات الظاهرات حيث رفع صلى الله عليه واله وسلم عن أبي هريرة النسيان الذي هو من لوازم الانسان حتى قيل أنه مشتق منه، وحصول هذا في بسط الرداء الذي ليس للعقل فيه مجال.
مرة كان عدم النسيان فيها مختصاً بتلك المقالة، وأخرى كان عدم النسيان فيها عاماً لكل شئ من الأشياء سواءأ كان حديثاً أم كان غيره مطلقاً وهذا كما ترى (1)..
على ان مسلماً اخرجه (2) من طريق يونس عن ابن المسيب على وجه ثالث إذ قال فيه أبو هريرة: فما نسيت بعد ذلك اليوم شيئاً حدثني به صلى الله عليه واله وسلم وهذا يقتضي كون عدم النسيان اعم مما اقتضاه حديث الاعرج وأخص مما اقتضاه حديث المقبري (3).
ونحوه حديث ابن سعد (4) بسنده الى عمرو بن مرداس بن عبد الرحمن الجندي عن أبي هريرة قال: قال لي رسول الله صلى الله عليه واله وسلم ابسط ثوبك فبسطته فحدثني النهار ثم ضممت ثوبي إلى بطني فما نسيت شيئاً مما حدثني أهـ لكن قوله فيه: فحدّثني النهار، لا يوجد في هذا الحديث إلا من هذا الطريق طريق الجندي
____________
(1) فان مثل هذا لو صدر مرة واحدة فضلا عن مرتين او أكثر لتواتر الخبر به فاستطار استطارة البرق فما بال الصحابة اغفلوه فلم يروه منهم احد غير ابي هريرة؟
(2) في: 2/358 من صحيحه في فضائل ابي هريرة.
(3) اما كونه أعم من حديث الاعرج فواضح لاختصاص عدم النسيان في حديث الاعرج بتلك المقالة فقط، اما كونه اخص مما اقتضاه حديث المقبري فلأن حديث المقبري يقتضي تعميم عدم النسيان لكل شئ من حديث وغيره، وهذا الحديث ـ اعني حديث يونس عن الزهري عند مسلم ـ يقتصي تخصيص عدم النسيان يجميع الاحاديث التي سمعها من النبي دون غيرها من سائر الاشياء، وقد نص القسطلاني في: 1/380 من ارشاد الساري على أنّ مسلماً رواه على وجه ثالث فراجع.
(4) في: ص56 من القسم الثاني من الجزء الرابع من طبقاته ترجم ابا هريرة.
مركز الأبحاث العقائدية
https://t.me/wilayahinfo
[email protected]
2017-11-29