في كل مرة يفتح فيها الرئيس الامريكي دونالد ترامب فمه مدليا بتصريحات، او يغرد على “تويتر” حول منطقة الشرق الاوسط، و”البعبع″ الايراني على وجه الخصوص، تبدأ عملية “ابتزاز″ جديدة لدول الخليج العربية، والمملكة العربية السعودية على وجه الخصوص، لحلب مئات المليارات على شكل صفقات اسلحة واستثمارات، وغالبا ما تنجح هذه الاستراتيجية “الابتزازية” في اعطاء ثمارها.
بالامس خرج علينا الرئيس الامريكي بتصريحات حول البرنامج النووي الايراني، الذي جرى التوقيع عليه بين ايران والدول الست العظمى في تموز (يوليو) عام 2015، مؤكدا انه “سيء للغاية”، ولكن حكومته ستستمر في الالتزام به، ولكنها ستفرض عقوبات اقتصادية جديدة بسبب برنامج الصواريخ الباليستية الذي يقوض هذا الاتفاق، وايضا بسبب برنامج آخر لتطوير زوارق بحرية سريعة تهدد الملاحة في منطقة الخليج.
الرد الايراني جاء فوريا من خلال بدء مجلس النواب الايراني اليوم (الثلاثاء) مناقشة قانون يهدف الى تعزيز هذا البرنامج الباليستي برصد 260 مليون دولار، ورصد 260 مليون دولار اخرى لدعم فيلق القدس المتخصص في العمليات الخارجية، ويرأسه الجنرال “المرعب” قاسم سليماني.
ادارة ترامب تخشى من الصواريخ الباليستية الايرانية لانها ليست بحاجة الى تهديد ثان، وهي لم تتخلص، وقد لا تتخلص، من مثيلاتها في كوريا الشمالية، وثانيا لان هذه الصواريخ التي يصل مدى بعضها الى اكثر من 2000 كيلومتر، تشكل تهديدا لدولة الاحتلال الاسرائيلي، وربما عواصم ومدن خليجية عديدة، في حالة نشوب حرب في منطقة الخليج لاي سبب من الاسباب.
لا نعتقد ان الادارة الامريكية حريصة على عواصم الخليج، بقدر حرصها على المدن الاسرائيلية في فلسطين المحتلة، فامريكا تفننت في تدمير العواصم والمدن العربية، دون اي رحمة او شفقة، وحولتها الى ركام، وآخرها مدينة الموصل شمال العراق، وقبلها بغداد، وطرابلس الغرب.
وربما تكون هذه المرة الاولى التي تهدد واشنطن بفرض عقوبات على ايران بسبب برنامجها لتطوير الزوارق الحربية السريعة، ونعيد ذلك الى سببين رئيسيين:
الاول: تشكيل هذه الزوارق السريعة والصغيرة التي يقودها انتحاريون من الحرس الثوري الايراني، وربما فيلق القدس تحديدا، خطرا اساسيا على حاملات الطائرات والسفن الحربية الامريكية، وتشّل فاعليتها، وربما يفيد التذكير بأن تنظيم القاعدة استخدم نسخة مماثلة، ولكن بدائية من هذه الزوارق للهجوم على الفرقاطة البحرية الامريكية “يو اس اس كول” في ميناء عدن عام 2000 واعطبها واخرجها من الخدمة كليا.
الثاني: تدرك الولايات المتحدة وحلفاؤها في دول الخليج، ان هذه الزوارق يمكن ان تستخدم في الهجوم على محطات التحلية على طول الشواطيء الغربية، وتزودها، اي الدول الخليجية العربية، بأكثر من 80 في المئة من احتياجاتهم من المياه العذبة، الامر الذي قد يؤدي الى ازمة مياه خانقة.
الرئيس ترامب، وهو تاجر محترف، يظل يحوم حول مسرح الجريمة، اي دول الخليج، لانه متعطش للمال ولا شيء غير المال، ولا يشبع مطلقا، رغم التعهدات السعودية بإرواء ظمئه بأكثر من 500 مليار دولار، حصل عليها اثناء زيارته للرياض في ايار (مايو) الماضي.
الامر المؤكد ان تهديداته بفرض عقوبات اقتصادية جديدة لن يقوض الاتفاق النووي الايراني فقط، وربما قد يؤدي الى ردود انتقامية ايرانية، مباشرة او في ميادين الحروب بالوكالة في العراق وسورية واليمن، حيث توجد في هذه الدول، وخاصة العراق، اكثر من 6000 جندي امريكي.
احتمالات تراجع ترامب كبيرة، تماما مثلما تراجع عن تعهداته بالغاء الاتفاق النووي “السيء” مع ايران في حال فوزه بانتخابات الرئاسة، فهو يدرك جيدا ان ايران ليست دولة عربية، تركع على ركبتيها عند قدميه تقبلها، وتتعهد بتلبية كل طلباته دون ابطاء، ولا نحتاج لضرب امثلة، والباقي متروك لفهمكم.
الولاية الاخبارية