في ظل الجدل الذي أثاره الإعلان الذي صدر عن الديوان الملكي السعودي، والذي أشار إلى دور للملك سلمان بن عبد العزيز في إنهاء أحداث المسجد الأقصى الأخيرة وأشاد بإسهام تدخّله الحاسم في إقناع إسرائيل بإزالة البوابات الإلكترونية على مداخل الأقصى، فإن مراكز أبحاث ووسائل إعلام إسرائيلية قدّمت صورة مخالفة تماماً لدور الرياض خلال هذه الأحداث. وتراوح توصيف معلّقين وباحثين إسرائيليين للموقف السعودي من أحداث الأقصى بين الصمت أو تعمّد الرياض عدم تأييد مطالب الفلسطينيين، في حين ذهب البعض إلى أن السعودية تبنّت من وراء الكواليس موقفاً مسانداً للإجراءات الأمنية التي اتخذتها حكومة بنيامين نتنياهو في الأقصى.
وجزم الباحث في “مركز يروشليم لدراسة الجمهور والدولة” اليميني، بنحاس عنبري، بأن السعودية حرصت على عدم دعم الفلسطينيين في نضالهم الأخير ضد الإجراءات الإسرائيلية التي استهدفت المسجد الأقصى، مشيراً إلى أن السلوك السعودي ينبع بالأساس من الخوف من أن تمهّد الهبّة الفلسطينية لتفجّر موجة جديدة من الربيع العربي. وفي مقال نشره موقع المركز، الثلاثاء الماضي، قال عنبري إن السعودية خشيت أن تستغل جماعة “الإخوان المسلمين” أحداث الأقصى في إحداث تغييرات جذرية على النظام الإقليمي، معتبراً أن الرياض خافت أن يفضي تجمّع الفلسطينيين المحتجين على الإجراءات الإسرائيلية أمام “باب الأسباط” إلى ولادة “ميدان تحرير” جديد في قلب القدس، ينتقل تأثيره لاحقاً إلى العواصم العربية.
وذهب عنبري إلى أن الرياض انطلقت من افتراض مفاده أن السماح بتدشين “ميدان تحرير” جديد في القدس قد يمهّد “لعاصفة عربية أخرى يمكن أن تطيح بنظام حكم محمود عباس وتعصف باستقرار نظام الحكم في الأردن”، مشيراً إلى أن السعوديين لم يرغبوا في نجاح تحرك الفلسطينيين في طرد إسرائيل والأردن من الحرم القدسي. وادعى عنبري أن السعوديين خشوا من أن يكون نجاح “الإخوان المسلمين” في طرد إسرائيل من المسجد الأقصى مقدمة لنجاحهم في طرد نظام الحكم في الرياض من مكة.
ويتماشى تحليل عنبري مع ما ذهب إليه معلّق الشؤون العربية في صحيفة “هآرتس”، تسفي برئيل، الذي رأى أن نظام الحكم السعودي، كسائر الأنظمة العربية، كان معنياً باحتواء أحداث الأقصى خشية أن تفضي إلى انتشار احتجاجات في أرجاء العالمين العربي والإسلامي. وفي مقال نشرته الصحيفة أخيراً، أشار برئيل إلى أن “الأنظمة العربية خافت من إمكانية أن يفضي فقدان السيطرة على أحداث الأقصى إلى تهديد العلاقات الحساسة بينها وبين الشعوب”. وشدد على أن “الأنظمة العربية تشارك إسرائيل الخوف من تفجّر انتفاضة فلسطينية ثالثة، على اعتبار أن ذلك يمكن أن يؤسس لموجة أخرى من الربيع العربي”، مشيراً إلى أن أحداث الأقصى كان “بإمكانها إطلاق حراك تضامني هائل من شأنه أن يضع الأنظمة العربية في مواجهة مباشرة مع شعوبها”.
من جهته، رأى المعلّق العسكري في قناة التلفزة الإسرائيلية العاشرة، ألون بن دافيد، أن “الصمت السعودي أثناء أحداث الأقصى كان لافتاً بشكل خاص”، معتبراً أن الرئيس التركي رجب طيب أردوغان لاحظ انعدام الفعل السعودي “وسارع لملء هذا الفراغ”. وفي مقال نشرته صحيفة “معاريف”، الأحد الماضي، قال بن دافيد إن “الصمت السعودي” يدل على أنه لو تصرفت حكومة نتنياهو “بحكمة” لتمكّنت من تحقيق أهدافها الأمنية في الحرم القدسي من خلال التعاون مع العائلة المالكة في الرياض وكذلك من خلال التنسيق مع نظام الحكم في عمّان والسلطة الفلسطينية. واعتبر بن دافيد أن الانقسام في العالم العربي مثّل فرصة كان يمكن لإسرائيل استغلالها لإحداث تغيير في الحرم القدسي، مستدركاً أن عدم تسلح نتنياهو بالحكمة أفضى إلى حرمان إسرائيل من استغلال هذا الواقع.
في السياق، اعتبرت صحيفة “ميكور ريشون”، في تقرير نشرته الجمعة الماضي، أن السلوك السعودي أثناء أحداث الأقصى كان “مريحاً” لإسرائيل، زاعمة أن السعوديين تفهّموا دوافع إسرائيل من وراء نصب البوابات الإلكترونية. ووفق الصحيفة، فإن السعوديين اقتنعوا بالتبريرات التي قدّمها لهم نتنياهو لتسويغ وضع البوابات الإلكترونية، مشيرة إلى أن رئيس الوزراء الإسرائيلي حرص على وضع الملك سلمان في صورة الإجراءات الإسرائيلية. وقالت الصحيفة إن نتنياهو دعا مسؤولين سعوديين لزيارة الحرم لبلورة انطباعات مباشرة عما يجري هناك، لافتاً إلى أن السلوك السعودي مناقض تماماً لسلوك أردوغان، “الذي وظّف أحداث الأقصى في التحريض على إسرائيل”.
“العربي الجديد”
الولاية الاخبارية