ليالي بيشاور – 71 لسلطان الواعظين
22 يناير,2019
الاسلام والحياة, صوتي ومرئي متنوع
713 زيارة
مقايسة بين علي عليه السلام وعثمان
لقد سبق أن ذكرنا عطايا عثمان لأقاربه ورهطه ، أمثال أبي سفيان والحكم بن أبي العاص وابنه مروان وغيرهم ، فكان يخصص أموال المسلمين من بيت المال بهؤلاء ونظرائهم ، ويمنعها عن أهلها أبي ذر وعبد الله بن مسعود وغيرهما .
وقال ابن أبي الحديد في شرح النهج 9/16 : و روى الزبير بن بكار عن الزهري ، قال : لما أتي عمر بجواهر كسرى ، وضع في المسجد فطلعت عليه الشمس فصار كالجمر ، فقال لخازن بيت المال : ويحك ! أرحني من هذا ، و اقسمه بين المسلمين ، فإن نفسي تحدثني أنه سيكون في هذا بلاء و فتنة بين الناس .
فقال : يا أمير المؤمنين ، إن قسمته بين المسلمين لم يسعهم و ليس أحد يشتريه، لأن ثمنه عظيم ، و لكن ندعه إلى قابل ، فعسى الله أن يفتح على المسلمين بمال فيشتريه منهم من يشتريه .
قال : ارفعه فأدخله بيت المال .
و قتل عمر و هو بحاله ، فأخذه عثمان لما ولي الخلافة فحلى به بناته !
هذا ، وانظروا إلى الخبر الذي نقله ابن أبي الحديد في شرح النهج 11/253 ، قال : سأل معاوية عقيلا عن قصة الحديدة المحماة .
قال [ عقيل ] : نعم ، أقويت و أصابتني مخمصة شديدة ، فسألته فلم تند صفاته ، فجمعت صبياني و جئته بهم ، و البؤس و الضر ظاهران عليهم ، فقال ائتني عشية لأدفع إليك شيئا .
فجئته يقودني أحد ولدي ، فأمره بالتنحي ، ثم قال : أ لا فدونك ، فأهويت ـ حريصا قد غلبني الجشع ، أظنها صرة ـ فوضعت يدي على حديدة تلتهب نارا، فلما قبضتها نبذتها ، و خرت كما يخور الثور تحت يد جازره .
فقال لي : ثكلتك أمك ! هذا من حديدة أوقدت لها نار الدنيا ، فكيف بك و بي غدا إن سلكنا في سلاسل جهنم ؟!
ثم قرأ : ( إِذِ الْأَغْلالُ فِي أَعْناقِهِمْ وَ السَّلاسِلُ يُسْحَبُون )(54).
ثم قال : ليس لك عندي فوق حقك الذي فرضه الله لك إلا ما ترى ، فانصرف إلى أهلك .
فجعل معاوية يتعجب ، و يقول : هيهات هيهات ! عقمت النساء أن يلدن مثله ! انتهى .
فقايسوا بين الاثنين ، واعرفوا الحق في أين !
عفوه عن الأعداء:
كان علي عليه السلام في أعلى مرتبة من مراتب العفو والصفح ، كان يقول : لكل شيء زكاة ، وزكاة الظفر بعدوك العفو عنه .
ولقد عفا عن مروان بن الحكم وعبدالله بن الزبير لما ظفر بهما وهما أسيرين مقيدين في يوم الجمل ، فأمر بفك قيدهما وأطلق سراحهما ، مع العلم أنهما كانا من ألد أعدائه وأشد مبغضيه .
وصفحه عن عائشة ، أعظم من كل عفو وصفح ، لأنها سببت تجمع الناس الغافلين ، وأغوت الجاهلين ، وقادتهم لقتال أمير المؤمنين وسيد الوصيين عليه السلام ، فهي التي أضرمت نار الحرب وأججت الفتنة ، ومع كل ذلك ، لما اندحر أنصارها ، وانكسر جيشها ، وسقطت من الجمل مغلوبة مقهورة ، أسيرة في أيدي المؤمنين ، أمر الإمام علي عليه السلام أخاها محمد بن أبي بكر أن يأخذها إلى بيت في البصرة ويقوم بخدمتها ويكرمها .
وبعد ذلك هيأ الإمام عليه السلام عشرين امرأة من قبيلة عبد القيس ، وأمرهن بلبس ملابس الرجال والعمائم ، وأن يحملن معهن السيوف والسلاح ويلثمن حتى لا يعرفن ، وأمرهن أن يحطن بأم المؤمنين عائشة ويوصلنها على المدينة المنورة ، وأرسل خلف النسوة رجالا مسلحين ليراقبوهن من بعيد ويذبوا عنهن عند الحاجة .
فلما وصلت إلى المدينة ونزلت بيتها واستقرت ، اجتمعت زوجات رسول الله (ص) وبعض المؤمنات من أهل المدينة عندها وعاتبنها على خروجها ! فأظهرت الندم ، وشكرت لعلي عليه السلام عفوه وصفحه عنها ومقابلته لها بالرحمة والكرامة ، إلا أنها قالت : ولكن ما كنت أظن أن يبعثني علي بن أبي طالب مع رجال أجانب من البصرة إلى المدينة ، فإنه ما راعى حرمة رسول الله (ص) في حبيبته !!
فهنا كشفن المرافقات لها لثامهن وخرجن من زي الرجال إلى ظاهرهن وحقيقتهن .
فخجلت كثيرا وشكرت عليا أكثر من ذي قبل !
نعم هكذا يكون أولياء الله وخلفاؤه .
معاوية يمنع وعلي عليه السلام يسمح:
وأذكر لكم شاهدا آخر على رأفة علي عليه السلام ورحمته حتى بالخارج عليه لقتله ، مثل معاوية وحزبه الفاسقين ، في صفين .
لقد ذكر جميع المؤرخين وأصحاب السير ، منهم : المسعودي في مروج الذهب ، والطبري في تاريخه ، وابن أبي الحديد في شرح النهج 3/318 و10/257 ، وينابيع المودة ـ للقندوزي ـ باب 51 ، وغيرهم ذكروا أن معاوية استولى على الفرات فمنع جيش الإمام علي عليه السلام من حمل الماء ، وقال : لا والله لا ندعهم يشربوا حتى يموتوا عطشا !
فهاجمهم جيش الإمام علي عليه السلام واستولوا على الفرات وانهزم جيش معاوية ، ولكن عليا عليه السلام لم يمنعهم الشرب وسمح لهم بحمل الماء .
بالله عليكم أيها الحاضرون أنصفوا ! أي الخليفتين تشمله الجملة من الآية الكريمة ( رحماء بينهم ) ؟
وإذا كنتم تريدون تعريف الآية الكريمة وإعرابها كاملة ..
فيكون ( محمد رسول الله ) مبتدأ ( والذين معه ) معطوف على المبتدأ وخبره وما بعده خبر بعد الخبر ، وكلها صفات شخص واحد : الذين يعدون مع رسول الله (ص) ويوصفون بمعيته ، هم الذين يكونون أشداء على الكفار ، رحماء بينهم … إلى آخره .
وحيث إن هذه الصفات ما اجتمعت في أحد من الصحابة غير علي عليه السلام ، فالذي يعد مع رسول الله (ص) معية حقيقية معنوية ، فلا فارقه ولا فكر بمفارقته حتى ساعة واحدة ، هو علي عليه السلام ، فكأنهما أصبحا حقيقة ونفسا واحدة ، اتحدا روحا ومعنى وإن افترقا جسما وبدنا .
الشيخ : عندنا إجابات وردود كثيرة على كلامكم ، ولكن نكتفي بواحدة منها ، وهي : إن معاني الآية الكريمة إذا كانت تنطبق على سيدنا علي كرم الله وجهه فقط ، ولم تشمل أحدا غيره ، فلماذا جاءت الآية على صيغة الجمع ؟! فتقول والذين معه ، أشداء ، رحماء ، ركعا ، سجدا ، يبتغون ، سيماهم ، وجوههم … كلها كلمات على صيغة الجمع .
قلت :
أولا : أنا حاضر لأستمع كل إجاباتكم وردودكم ، وإلا فسكوتكم يدل على صحة حديثي وربما كان عنكم مغالطات تسمونها إجابات ! فاطرحوها ، فإني لا أتركها بلا جواب ، إن شاء الله تعالى .
ثانيا : إن سؤالكم هذا ، نقاش لفظي ، لأنكم تعلمون أن في كلام العرب والعجم يطلقون صيغة الجمع على المفرد من أجل التعظيم والتفخيم ، وكم لها في القرآن نظائر ! منها :
آية الولاية ونزولها في الامام علي عليه السلام:
القرآن الكريم هو أعظم مرجع في اللغة العربية ، وأقوى سند لها ، وفي ما نحن فيه أيضا ، القرآن دليل قاطع ، وبرهان ساطع .
فنجد فيه آية كريمة أخرى وهي : آية الولاية ( إنما وليكم الله ورسوله والذين آمنوا الذين يقيمون الصلاة ويؤتون الزكاة وهم راكعون )(55)، فكلماتها على صيغة الجمع ، واتفق المفسرون والمحدثون من الفريقين ـ الشيعة والسنة ـ أنها نزلت في حق علي عليه السلام وحده ، منهم : الإمام الفخر الرازي في ” التفسير الكبير” 3/431 ، والإمام أبو اسحاق الثعلبي في تفسير ” كشف البيان ” وجار الله الزمخشري في ” الكشاف ” 1/422 ، الطبري في تفسيره 6/186 ، أبو الحسن الرماني في تفسيره ، ابن هوازن النيسابوري في تفسيره ، ابن سعدون القرطبي في تفسيره ، الحافظ النسفي في تفسيره المطبوع في حاشية تفسير الخازن البغدادي ، الفاضل النيسابوري في غرائب القرآن 1/461 ، أبو الحسن الواحدي في أسباب النزول : 148 ، الحافظ أبو بكر الجصاص في تفسير أحكام القرآن :542 ، الحافظ أبو بكر الشيرازي في كتابه ” ما نزل من القرآن في علي عليه السلام ” ، أبو يوسف الشيخ عبد السلام القزويني في تفسيره الكبير ، القاضي البيضاوي في تفسيره أنوار التنزيل 1/345 ، جلال الدين السيوطي في الدر المنثور 2/293 ، القاضي الشوكاني في تفسيره ” فتح الغدير” السيد محمود الألوسي في تفسيره ” روح المعاني ” الحافظ ابن أبي شيبة الكوفي في تفسيره ، ابو البركات في تفسيره 1/496 ، الحافظ البغوي في ” معالم التنزيل” الامام النسائي في صحيحه ، محمد بن طلحة الشافعي في ” مطالب السؤول ” ابن أبي الحديد في شرح النهج 13/277 ، الخازن علاء الدين البغدادي في تفسيره 1/496 ، الحافظ القندوزي في ” ينابيع المودة ” الحافظ أبو بكر البيهقي في كتابه ” المصنف ” ، رزين العبدري في ” الجمع بين الصحاح الستة ” ، ابن عساكر في تاريخه ، سبط ابن الجوزي في التذكرة : 9، القاضي عضد الأيجي في كتابه “المواقف” :276 ، السيد الشريف الجرجاني في شرح المواقف ، العلامة ابن الصباغ المالكي في “الفصول المهمة” : 123 ، الحافظ أبو سعد السمعاني في ” فضائل الصحابة” ، أبو جعفر الاسكافي في ” نقض العثمانية ” ، الطبراني في الأوسط ، ابن المغازلي في ” مناقب علي بن أبي طالب ” ، العلامة الكنجي القرشي الشافعي في ” كفاية الطالب ” ، العلامة القوشجي في ” شرح التجريد” ، الشبلنجي في نور الأبصار : 77 ، محب الدين الطبري في الرياض النضرة 2/227 ، وغيرهم من كبار أعلامكم .
رووا عن السدي ومجاهد والحسن البصري والأعمش وعتبة بن أبي حكيم وغالب بن عبد الله وقيس بن ربيعة وعباية بن ربعي وعبدالله بن عباس وأبي ذر الغفاري وجابر بن عبد الله الأنصاري وعمار بن ياسر وأبو رافع وعبد الله بن سلام ، وغيرهم من الصحابة ، رووا أن الآية الكريمة نزلت في شأن سيدنا علي عليه السلام ، وقد اتفقوا على هذا المضمون وان اختلفت ألفاظهم ، قالوا :
إن علي بن أبي طالب عليه السلام كان يصلي في المسجد ، إذ دخل مسكين وسأل المسلمين الصدقة والمساعدة ، فلم يعطه أحد شيئا ، وكان علي عليه السلام في الركوع فأشار بإصبعه إلى السائل ، فأخرج الخاتم من يد الإمام علي عليه السلام ، فنزلت الآية في شأنه وحده على صيغة الجمع ، وذلك من أجل التعظيم والتفخيم لمقامه عليه السلام .
الشيخ عبد السلام : إن هذا التفسير وشأن النزول لم يكن قول جميع علمائنا ، فقد خالف هذا القول جماعة ، فمنهم القائل : إنها نزلت في شأن الأنصار ، وبعض قالوا : نزلت في شأن عبادة بن الصامت ، وجماعة قالوا : نزلت في حق عبد الله بن سلام .
قلت : إني أتعجب منكم ، حيث تتركون قول أعظم أعلامكم وأشهر علمائكم وأكثرهم ، إضافة إلى إجماع علماء الشيعة في ذلك ، وتتمسكون بأقوال شاذة من أفراد مجهولين أو معلومين بالكذب والنصب والتعصب ، بحيث نجد أقوالهم ورواياتهم مردودة وغير مقبولة عند كبا علمائكم .
والجدير بالذكر أن بعض علمائكم ادعى إجماع المفسرين واتفاقهم على أن الآية : نزلت في شأن الإمام علي عليه السلام ، منهم : الفاضل التفتازاني ، والعلامة القوشجي في شرح التجريد ، قال : إنها باتفاق المفسرين نزلن في حق علي بن أبي طالب حين أعطى السائل خاتمه وهو راكع ..
فهل العقل السليم يسمح لكم بترك قول جمهور العلماء والمفسرين وتتمسكوا بأقوال واهية وشاذة صدرت من المتعصبين والمعاندين الجاحدين للحق والدين ؟!
شبهات وردود:
الشيخ عبد السلام : سماحتكم أردتم بهذه الآيات أن تثبتوا خلافة سيدنا علي كرم الله وجهه بلا فصل بعد النبي (ص) ، والحال أن فيها أمورا تمنع من قصدكم .
أولا : كلمة ” الولي ” في الآية بمعنى المحب ، لا بمعنى الإمام والخليفة ، وإذا كانت بالمعنى الذي تقولونه فلا ينحصر الولي في رجل واحد ، بل تشمل الآية أفرادا كثيرين ، على القاعدة المقررة عند العلماء وهي : العبرة بعموم اللفظ لا بخصوص المعنى والسبب ، وعلى هذا فالإمام علي كرم الله وجهه هو أحد أفراد الآية الكريمة .
ثانيا : صيغة الجمع في كلمة ( وليكم ) وكلمة ( الذين ) تفيد العموم ، وحمل الجمع على الفرد ـ بدون دليل ـ يكون تأويلا لكلام الله تعالى بغير مجوز .
قلت :
أولا : كلمة ” الولي ” جاءت بصيغة المفرد وأضيفت إلى ضمير الجمع ، أي إنما ولي المسلمين .
ثانيا : أجبناكم من قبل أن الأدباء واللغويين يجيزون إطلاق الجمع على الفرد لأجل التفخيم والتعظيم .
وأما القاعدة المقررة عند العلماء ، أن العبرة بعموم اللفظ لا بخصوص السبب ، فنحن أيضا نلتزم بها ، فقد جاء في اللفظ ( إنما وليكم … ) وهي أداة حصر ، فلذا نقول : إن الآية نزلت في شأن أمير المؤمنين عليه السلام والولاية الإلهية في عصره منحصرة فيه ، فهو ولي المسلمين دون غيره ، ولا يحق لأحد أن يدعي الولاية على الإمام علي عليه السلام ما دام في الحياة ، فإذا مات أو قتل فالولاية الإلهية التي تضمنها الآية تنتقل إلى غيره ، وهم الأئمة الأحد عشر من ولده ، واحد بعد الآخر ، فحينئذ يحصل مرادكم أيضا ، لأنكم تقولون : إن الآية تشمل أفرادا كثيرين لا فردا واحدا .
فالأفراد المشمولون بالآية هم الأئمة المعصومون من أهل البيت عليهم السلام كما قال الزمخشري في ” الكشاف ” في ذيل الآية الكريمة : ولو أن الآية حصر في شأن علي عليه السلام فإن المقصود من نزولها بصيغة الجمع كان لترغيب الآخرين ليتبعوا عليا عليه السلام في هذا الأمر ويتعلموا منه .
ثالثا : أما قولكم بأن الشيعة أولوا الآية بغير مجوز ودليل ، ما هو إلا سفسطة كلام تريدون من ورائه إغواء العوام .
ونحن ذكرنا لكم ثلة من أسماء كبار علمائكم وأشهر أعلامكم ومفسريكم الذين قالوا بأن الآية نزلت في شأن علي عليه السلام ، وهذا القول إنما يكون تنزيل الآية وتفسيرها ، لا تأويلا أو رأيا اجتهاديا .
الشيخ عبد السلام : أما كلمة ( الولي) فهي بمعنى : المحب والناصر ، لا بمعنى الأولى بالتصرف حتى تستنبطوا منها معنى الخلافة ، لأنها إذا كانت بمعنى الخلافة ، فيجب بعد نزول الآية أن يخلف علي كرم الله وجهه رسول الله في حال حياته إذا سافر أو غاب لبعض شؤونه ، وأن يقوم مقامه ويتصرف في الأمور مثله (ص) وهذا الأمر لم يكن في حياة النبي (ص) فلذا نقول : إن كلامكم باطل .
قلت : بأي دليل تقول : إن هذا الأمر ـ أي قيام الإمام علي عليه السلام مقام النبي (ص) ـ لم يكن في حياة النبي (ص) ؟!
فظاهر الآية يثبت مقام الولاية لعلي عليه السلام من حين نزولها ، واستمرار المقام بدليل الجملة الاسمية ، وأن ” الولي” صفة مشبهة ، وهذان دليلان على ثبات ودوام مقام الولاية .
ويؤيد هذا المعنى أن النبي (ص) جعل عليا عليه السلام خليفته في المدينة حين خرج منها إلى تبوك ، ولم يعزله بعد ذلك إلى أن توفي (ص) .
ويؤيده حديث المنزلة ، فإنه (ص) كرره في مناسبات كثيرة ، قائلا : علي مني بمنزلة هارون من موسى ، أو يخاطبه في الملأ : أنت مني بمنزلة هارون من موسى .
وقد ذكرنا لكم بعض مصادره في الليالي الماضية .
وهذا دليل آخر على أن عليا عليه السلام كان خليفة النبي (ص) في غيابه لما كان حيا واستمرت خلافته للنبي (ص) بعد حياته أيضا .
الشيخ عبد السلام : لو تعمقتم في شأن نزول الآية كما تقولون وفكرتم فيه ، لعدلتم عن رأيكم ، لأنه لا يعد منقبة لسيدنا علي ، بل يعد نقصا له كرم الله وجهه ، وهو أجل من ذلك .
قلت :
أولا : لا يحق لأحد بلغ ما بلغ من العلم ، أن يغير ويبدل شأن نزول آيات القرآن الحكيم ، سواء ثبتت بها منقبة أو منقصة لأي شخص كان ، فإن شأن النزول يتبع الواقع وليس بأمر اجتهادي ، ولا يدخل فيه رأي هذا و ذاك ، ولا يتصرف أحد في شأن نزول الآيات إلا شقي عديم الدين والأيمان ، يتبع هواه ولا يطيع الله عز وجل ، مثل البكريين في هذا الشأن ، فإنهم اتبعوا قول عكرمة الكذاب وقالوا : إنها نزلت في شأن أبي بكر .
ثانيا : أوضحوا لنا كيف تكون الآية الكريمة منقصة لمن نزلت في شأنه ؟!
الشيخ عبد السلام : لأنه من جملة خصال سيدنا علي كرم الله وجهه التي تعد من أجمل خصاله وفضائله ، أنه لما كان يقف للصلاة كان ينسى نفسه وكل شيء سوى الله سبحانه ، فلا يحس ولا يبصر إلا عظمة الله وآياته .
وقد روى بعض العلماء ، أنه عليه السلام لما أصيب بسهم في رجله في إحدى المعارك ، فأشار عليه طبيب جراح ليأذن له حتى يشق اللحم ويخرج السهم من رجله ، فأبى عليه السلام .
ثم لما وقف بين يدي الله عز وجل واستغرق في العبادة في حال السجود أمر الإمام الحسن ـ رضي الله عنه ـ أن يخرج الجراح السهم من رجل أبيه ، فأخرجه وما أحس سيدنا علي أبدا !
فإن رجلا هذا حاله حين الصلاة ، كيف يلتفت إلى سائل فقير فيعطيه خاتمه وهو في حال الركوع ؟!
ألم يكن انصرافه عن الله تعالى والتفاته إلى الفقير نقصا لصلاته ونقضا لعبادته ؟!
قلت : إن هذا الإشكال أهون من بيت العنكبوت ! لأن التفات المصلي إلى الأمور المادية تعد نقصا ، وأما إلى الأمور المعنوية فهو كمال ، فإعطاء الزكاة والصدقة للفقير عبادة مقربة على الله سبحانه ، والصلاة ـ أيضا ـ عبادة أقامها علي عليه السلام قربة إلى الله تعالى ، فهو لم يخرج عن حال التقرب إلى الله ، ولم ينصرف عن العبادة إلى عمل غير عبادي ، وإنما انصرف من الله تعالى إلى الله ، وتكررت عبادته ، فقد آتى الزكاة في حال الصلاة ، فجمع فرضين ليكسب رضا الله عز وجل ويتقرب إليه ، وقد قربه الباري سبحانه وتعالى وقبل منه الزكاة والصلاة ، فأنزل الآية وأعطاه الولاية ، ليكون دليلا على قبول عمله وعبادته .
ألم يكن هذا دليل على فضل الإمام علي عليه السلام وكماله ؟!
ما لكم كيف تحكمون ؟!
عود على بدء:
فثبت أن الذي تنطبق عليه الآية الكريمة تطبيقا كاملا وصحيحا وصريحا من غير تأويل وتعليل ، إنما هو الإمام علي عليه السلام الذي كان مع النبي (ص) معية امتزجت نفسه عليه السلام بنفسه (ص) الطيبة، وأخلاقه عليه السلام بأخلاقه (ص) الكريمة ، وصفاته عليه السلام بصفاته (ص) الحميدة ، حتى أصبحا حقيقة واحدة لا يمكن افتراقهما .
وثبت أنه لم يكن أشد منه عليه السلام على الكفار ، ولا أرحم وأرأف منه عليه السلام بالمؤمنين .
فكان صلب الإيمان ، ثابت العقيدة ما شك في النبوة والدين لحظة واحدة ، ولا تزلزل في رسالة سيد المرسلين طرفة عين أبدا .
الشيخ عبد السلام : لا أدري ما الذي تقصده من هذه الكنايات والنكايات ؟!
فهل شك أحد الخلفاء الراشدين والصحابة المهتدين ، بعد ما آمنوا بالدين ؟!
وهل تزلزل أحدهم في رسالة خاتم النبيين ؟! حتى تقول : إن عليا ما شك وما تزلزل ! بل كلهم كذلك ، ما شكوا وما تزلزلوا ، فلماذا هذا التأكيد على سيدنا علي كرم الله وجهه ؟!
لعلك تريد أن تقول : بأن الشيخين أو غيرهما من الصحابة الكرام شكوا في الدين وتزلزلوا في الأيمان ؟!
قلت : يا شيخ ! أشهد أني لم أقصد بكلامي ما ظننت ، ولو كان كذلك لأظهرته بالصراحة لا بالكناية .
الشيخ عبد السلام : إن أسلوب حديثك ينبئ بأن عندك شيئا في هذا المجال ، ولا تريد أن تظهره بالمقال ، ولكني أريد منك أن تبين كل ما في قلبك ولا تبقي شيئا ، ولا تنس أننا لا نقبل منك شيئا إلا مع الدليل والبرهان .
قلت : لو كنتم تعفوني من الخوض في هذا الموضوع لكان أجمل وأحسن ، وان كانت أدلتي كلها من كتب علمائكم الأعلام ومحدثيكم الكرام ، ولكن رعاية لبعض الجهات أحب أن لا أطرح هذا الموضوع أبدا .
الشيخ عبد السلام : إنك بهذا الكلام ألقيت الشك في قلوب هؤلاء العوام ، فإنهم سيظنون أن الشيخين ـ رضي الله عنهما ـ وغيرهما من الصحابة الكرام قد شكوا يوما وتزلزلوا في الدين الحنيف والنبوة !
فالرجاء الأكيد … إما أن تقيم الدليل والبرهان الصريح الواضح على هذا الكلام ، أو أن ترجع في كلامك الذي فيه إبهام ، وتعلن من غير إبهام ، بأن الشيخين وغيرهما من الصحابة الكرام ، ما زلت بهم الأقدام ، ولم يشكوا طرفة عين في النبوة والإسلام .
قلت : يا شيخ ! إن الشك والترديد كان يعتري أكثر الصحابة الذين كانوا في مرتبة دنيا من الإيمان ، ولما دخل الإيمان قلوبهم ، ولم يمتزج بنفوسهم .
فكان بعضهم يبقى في حال الشك والريب ، فكانت آيات من القرآن الحكيم تنزل في شأنهم وذمهم ، كالمنافقين الذين نزلت آيات كثيرة في سورة المنافقين وغيرها في ذمهم .
وبعضهم كان يعرض عليه الشك والترديد ثم يزول عنه بعد مدة . هذا جواب عام ، ولا نريد أن نمس أحدا ، فأرجوكم أنت تكتفوا بهذا المقدار في هذا الإطار .
الشيخ عبد السلام : إن الشك الذي وقع بسبب كلامك في قلوب الحاضرين باق ، فإما أن تذكر ما يختلج في قلبك ، واضحا من غير التباس ، مستدلا بأقوال علمائنا المعتمدين عندنا وكتبنا الموثوقة المعتبرة لدينا ، أو تصرح بأن الشيخين كانا في اليقين ، وما شكا في الدين ، ولم يتزلزلا في نبوة سيد المرسلين ، طرفة عين .
قلت : يا شيخ ! إن إلحاحك وإصرارك على هذا الأمر ، اضطرني أن أكشف عن حقائق لم أكن أحب أن أكشف عنها .
نعم ، لقد شك عمر بن الخطاب في نبوة خاتم النبيين (ص) ، وتناقل الخبر بعض علمائكم الأعلام ، مثل ابن المغازلي الشافعي في كتابه : مناقب علي بن أبي طالب(56) والحافظ محمد بن أبي نصير الحميدي في كتاب ” الجمع بين الصحيحين ” نقل عن عمر بن الخطاب أنه قال بعد يوم الحديبية : ما شككت في نبوة محمد قط كشكي يوم الحديبية .
فسياق الكلام يقتضي أنه شك في هذا الأمر كرارا ، ولكن شكه يوم الحديبية كان أقوى وأشد .
النواب : لو سمحت ، بين لنا ما كان سبب شك الفاروق في الحديبية ؟ وما الذي جرى هناك حتى وقع عمر منه في شك ؟!
قلت : شرح القضية بالتفصيل يحتاج إلى وقت كثير ، لكن ملخصه :
#ليالي_ بيشاور 2019-01-22