الرئيسية / القرآن الكريم / تفسير تقريب القرآن إلى الأذهان سورة آل عمران

تفسير تقريب القرآن إلى الأذهان سورة آل عمران

تفسير تقريب القرآن إلى الأذهان

سورة آل عمران

47

((قَالَتْ )) مريم لما سمعت هذا النبأ المدهش ((رَبِّ أَنَّى يَكُونُ لِي وَلَدٌ ))، كيف يمكن أن ألِد ولداً ((وَلَمْ يَمْسَسْنِي بَشَرٌ ))، أي لم يقترب منّي على نحو النكاح فإنها كانت دون زوج ((قَالَ)) المَلَك في جواب مريم ((كَذَلِكِ ))، أي هكذا بدون المس الزوج ((اللّهُ يَخْلُقُ مَا يَشَاء )) فإنه ليس بخارج عن قدرة الله سبحانه ((إِذَا قَضَى أَمْرًا )) أراد خلقه وتكوينه ((فَإِنَّمَا يَقُولُ لَهُ : كُن)) قولاً أو إرادة بدون تلفّظ ((فَيَكُونُ)) في الخارج، فإنّ الله يوجِد الأشياء بصرف الإرادة.

تفسير تقريب القرآن إلى الأذهان

سورة آل عمران

48

((وَيُعَلِّمُهُ ))، أي يعلّم الله سبحانه ((الْكِتَابَ ))، أي الكتابة أو مطلق الكتاب المنزل من السماء ((وَالْحِكْمَةَ )) حتى يكون حكيماً يعرف مواضع الأشياء أو المراد بالحكمة علم الشرائع من الحلال والحرام وسائر الأحكام ((وَالتَّوْرَاةَ )) وهو كتاب موسى (عليه السلام) ((وَالإِنجِيلَ)) وهو الكتاب الذي أُنزل على المسيح بنفسه، وقد ذكروا أن معنى التوراة : التعليم والبشارة، ومعنى الإنجيل : البشارة والتعليم.

تفسير تقريب القرآن إلى الأذهان

سورة آل عمران

49

((وَ)) نجعله ((رَسُولاً إِلَى بَنِي إِسْرَائِيلَ )) لإرشادهم من الضلالة إلى الحق، وهنا إنتقل السياق إلى كلام عيسى (عليه السلام) الذي كان يتكلم به بعد النبوة، فكان يقول لبني إسرائيل ((أَنِّي قَدْ جِئْتُكُم بِآيَةٍ مِّن رَّبِّكُمْ ))، أي بمعجزة وعلامة تدل على صدق دعواتي للنبوة وأني رسول إليكم ((أَنِّي أَخْلُقُ لَكُم ))، أي أصنع لأجلكم ((مِّنَ الطِّينِ كَهَيْئَةِ الطَّيْرِ ))، أي على سورة الطائر ((فَأَنفُخُ فِيهِ ))، أي في الطائر المصنوع من الطين ((فَيَكُونُ طَيْرًا بِإِذْنِ اللّهِ )) وإرادته وقدرته، فصنع صورة خفاش من الطين ونفخ فيه فطار ((وَأُبْرِىءُ ))، أي أُشفي ((الأكْمَهَ )) الذي وُلد أعمى أو مطلق الأعمى ((والأَبْرَصَ )) الذي أُصيب بمرض البرص وهو الوضح ((وَأُحْيِي الْمَوْتَى)) كل ذلك ((بِإِذْنِ اللّهِ )) فكان يقف على القبر ويقول للميت : قم بإذن الله، فيقوم ينفض عن جسمه الغبار كأنه لم يمت أصلاً ((وَأُنَبِّئُكُم ))، أي أُخبركم ((بِمَا تَأْكُلُونَ )) إخباراً عن الغيب ((وَمَا تَدَّخِرُونَ )) من الإدّخار ((فِي بُيُوتِكُمْ )) فكان يقول للشخص تغذّيت بكذا أو حفظت لليل كذا ((إِنَّ فِي ذَلِكَ )) الذي ذكرت من المعجزات ((لآيَةً )) معجزة دالة على صدقه ((لَّكُمْ إِن كُنتُم مُّؤْمِنِينَ)) بالله وإنما يقيّد بالإيمان لأن من لا يؤمن بالله سبحانه لا يمكن أن يفرّق بين المعجزة والسحر.

تفسير تقريب القرآن إلى الأذهان

سورة آل عمران

50

((وَ)) ذلك في حال كونه ((مُصَدِّقًا لِّمَا بَيْنَ يَدَيَّ ))، أي ما تقدّم عليّ وأُنزل قبلي ((مِنَ التَّوْرَاةِ)) فإنه من أسباب لزوم تصديقي حيث لا أُبطل كتاب بني إسرائيل ((وَلِأُحِلَّ لَكُم )) يابني إسرائيل ((بَعْضَ الَّذِي حُرِّمَ عَلَيْكُمْ )) في شريعة موسى (عليه السلام) وهذا التحليل إنما كان لإنقضاء ظرف التحريم ((وَجِئْتُكُم بِآيَةٍ مِّن رَّبِّكُمْ ))، أي بحجة تشهد بصدقي وأني من قِبَل الله سبحانه، وهي أما إجمال لما فُصّل في الآية السابقة جمعاً لأعماله (عليه السلام) في الأمور الثلاثة : التصديق والتحليل والإعجاز، وأما يُراد به آية أخرى لم تُذكر في القرآن ((فَاتَّقُواْ اللّهَ )) وصدِّقوا برسالتي ((وَأَطِيعُونِ)) فيما أمركم به وأنهاكم عنه.

تفسير تقريب القرآن إلى الأذهان

سورة آل عمران

51

((إِنَّ اللّهَ رَبِّي وَرَبُّكُمْ )) فلست أنا إبناً له، قال ذلك رداً على النصارى الذين إتخذوه إلهاً ((فَاعْبُدُوهُ )) وحده ولا تعبدوا من دونه الشركاء كما عبدت اليهود عزيراً وعبدت النصارى المسيح ((هَذَا صِرَاطٌ مُّسْتَقِيمٌ)) لا إعوجاج له ولا إنحراف بخلاف سائر الطرائق التي هي طرق معوجّة منحرفة زائغة.

تفسير تقريب القرآن إلى الأذهان

سورة آل عمران

52

وبعد هذه الحجج لم يزدد بني إسرائيل إلا عناداً وإستكباراً ((فَلَمَّا أَحَسَّ )) من الحس، أي وجد ((عِيسَى )) (عليه السلام) ((مِنْهُمُ الْكُفْرَ )) وأنه لم تنفعهم الحجة والدليل ((قَالَ مَنْ أَنصَارِي إِلَى اللّهِ )) الذين ينصرون ديني للوصول إلى ثواب الله تعالى إذ المسلم يقطع طريق الوصول إلى الله لينتهي إلى ثوابه ((قَالَ الْحَوَارِيُّونَ )) هو جمع حواري من الحور بمعنى شدة البياض وسمّي خاصة الإنسان بالحواري لنقاء قلبه وصفاء باطنه ((نَحْنُ أَنصَارُ اللّهِ )) الذين ننصر دينه ونتابعك على ما أنت عليه ((آمَنَّا بِاللّهِ )) إيماناً لا يشوبه شرك ((وَاشْهَدْ )) ياعيسى ((بِأَنَّا مُسْلِمُونَ)) في أدياننا.

تفسير تقريب القرآن إلى الأذهان

سورة آل عمران

53

ثم توجّهوا إلى الله سبحانه داعين قائلين ((رَبَّنَا ))، أي ياربنا ((آمَنَّا بِمَا أَنزَلَتْ )) على رسولك عيسى (عليه السلام) ((وَاتَّبَعْنَا الرَّسُولَ )) فيما أمَرَ ونهى ((فَاكْتُبْنَا مَعَ الشَّاهِدِينَ)) الذين يشهدون على الأمم كما قال سبحانه (لتكونوا شهداء على الناس ويكون الرسول عليكم شهيدا) فالرُسُل شهداء على أصحابهم وهم شهداء على سائر الناس.

تفسير تقريب القرآن إلى الأذهان

سورة آل عمران

54

ذلك كان قول أنصار عيسى والمؤمنين به أما الكفار الذين جحدوه وأنكروه فلم يؤمنوا ((وَمَكَرُواْ )) لعيسى (عليه السلام) بأن يقتلوه ((وَمَكَرَ اللّهُ )) بإنقاذه منهم وقتل كبيرهم عوضه، والمكر لغة بمعنى تطلب العلاج لأمر ما والغالب يُستعمل في الشر، ولعل نسبة المكر هنا إلى الله سبحانه للمقابلة نحو قوله (تعلم ما في نفسي ولا أعلم ما في نفسك) مع أن الله سبحانه ليس له نفس ((وَاللّهُ خَيْرُ الْمَاكِرِينَ)) لأنه أعرف بطرق العلاج، وفي بعض التفاسير أنه لما أراد مَلِك بني إسرائيل قتل عيسى (عليه السلام) دخل خوخته وفيها كوّة فرفعه جبرئيل من الكوّة إلى السماء وقال الملِك لرجل خبيث من الكفار أدخل عليه فاقتله فدخل الخوخة فألقى الله عليه شبه عيسى (عليه السلام) فخرج إلى أصحابه يخبرهم أنه ليس في البيت فقتلوه بظن أنه عيسى وكان قتله على نحو الصلب وكلما صاح أنه ليس بعيسى لم يُفد.

تفسير تقريب القرآن إلى الأذهان

سورة آل عمران

55

واذكر يارسول الله ((إِذْ قَالَ اللّهُ )) أو ذاك إذ قال، أو ومكر الله إذ قال ((يَا عِيسَى إِنِّي مُتَوَفِّيكَ))، أي آخذك وافياً فإن معنى توفّاه أخذه وافياً ويُقال : توفى الله فلان حين يأخذ روحه وافية من الوفاء وهو في أخذ الروح والجسد أقرب إلى الحقيقة من أخذ الروح فقط فإنه بعلاقة الكل والجزء، أي أخذك ((وَرَافِعُكَ إِلَيَّ )) فإنه (عليه السلام) رُفع إلى السماء الرابعة كما في بعض الأحاديث، وقد يُظن أذ ذلك ينافي ما اشتُهر في العلم الحديث من عدم سماوات ذات حجوم لكنه ظن غير تام إذ السماء حتى لو كان يُراد بها المدار -كما هو معناه لغة- تكون هناك سماوات وللتوضيح راجع “الهيئة والإسلام” تأليف العلامة الشهرستاني ((وَمُطَهِّرُكَ مِنَ الَّذِينَ كَفَرُواْ )) فإنهم أرجاس أنجاس فكما أن الجسم المحاط بالنجاسة إذا غُسل يطهر عنها كذلك إن الإنسان الطيب في أُناس كفرة عصاة إذا خرج من بينهم كان تطهيراً له في المعنى عن لوثهم وكفرهم ((وَجَاعِلُ الَّذِينَ اتَّبَعُوكَ )) من النصارى ((فَوْقَ الَّذِينَ كَفَرُواْ )) بك من اليهود ((إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ )) وهذا من معاجز القرآن الحكيم فإنّ النصارى دائماً فوق اليهود إلى يومنا هذا وسيكونون كذلك إلى يوم القيامة ((ثُمَّ إِلَيَّ مَرْجِعُكُمْ )) جميعاً أنت وأصحابك والكفار، وذلك يوم القيامة ((فَأَحْكُمُ بَيْنَكُمْ فِيمَا كُنتُمْ فِيهِ تَخْتَلِفُونَ)) من التوحيد والشرك ومن كونك نبيّاً وسائر الأصول والفروع التي كنتَ تنادي بها وتبشّر من أجلها وكانت اليهود يكفرون بها.

شاهد أيضاً

مطالبة برفع القيود فورًا الـ”أونروا”: الوقت يمضي بسرعة نحو المجاعة في غزة

فلسطين  29/03/2024 مطالبة برفع القيود فورًا الـ”أونروا”: الوقت يمضي بسرعة نحو المجاعة في غزة نبّهت ...