للأسبوع الثالث على التوالي، وآلاف من الأساتذة يتظاهرون بشوارع الرباط ضد عدة قرارات أهمها عدم ترقيتهم بالشهادة الجامعية، فكان اليوم الثلاثاء، موعدا جديدا مع الاحتجاج، استعمرت من خلاله الجامعة الوطنية للتعليم أكبر شارعين بالرباط، إصرارا منها على زيادة الضغط على حكومة بنكيران من أجل تسوية ملف تعليمي بدأ منذ سنوات، واشتدت إشكالاته في السنتين الأخيرتين.
النقابة التي خرجت من رحم الاتحاد المغربي للشغل واستقلت عنه سنة 2011 بعد خلافات سياسية وتنظيمية، بصمت على حضور قوي في هذا اليوم الذي يصادف اليوم العالمي لحقوق الإنسان، حيث بدأت مسيرتها الاحتجاجية في قرابة الساعة الثالثة بساحة باب الأحد، ولم تنهيها سوى في حوالي السادسة أمام وزارة التربية الوطنية، فلم ينل طول المسافة من رجال ونساء التعليم، ممن قرروا مقاطعة التدريس منذ أزيد من عشرين يوما، إلى حين تحقيق مطالبهم.
ورغم أن المطالب تتركز أساساً في ضمان الترقية بالشهادة لأصحاب الإجازة والماستر، وفي التنديد بالتدخل العنيف للقوات العمومية بحق الأساتذة قبل أيام أمام البرلمان، إلا أن المتتبع لهتافات المحتجين القادمين من عدة مدن مغربية، يكتشف وجود عدد من الشعارات السياسية التي تنوعت ما بين “تقاد..ولا خوي لبلاد” “جوج بوسات وزيد ركيعة..تاخذ حقك من الوزيعة “عاش الشعب”. هي كلمات ابتعدت عن المجرى النقابي، واختلطت بما هو سياسي، في إشارة واضحة لمواقف الجامعة الوطنية للتعليم من الدستور والانتخابات، وكذلك دعمها الواضح لحركة 20 فبراير، التي رفرف علمها في جموع الحاضرين أكثر من مرة.
ويعود مشكل “الترقية بالشهادة” إلى مرسوم تعليمي لسنة 2003 كان قد أوقف هذه الإمكانية، ومع احتجاجات الأسرة التعليمية، قامت حكومة عباس الفاسي بإصدار مرسومٍ استثنائي يحكم بترقية أفواج 2008-2011 دون قيد أو شرط، غير أن انتهاء تاريخ تنفيذ هذا المرسوم، أعاد المشكل للبروز مجددا مع حكومة بنكيران.
وحسب ما استقته هسبريس من تصريحات، فإن اعتماد وزارة التربية الوطنية لنظام المراكز الجهوية للتربية والتكوين هذه السنة، وهو النظام الذي يسمح بولوج الناجحين في الامتحان إلى التدريس عبر اعتماد السلم العاشر، كان بمثابة النقطة التي أفاضت كأس غضب المحتجين، الذين يقبع العديد منهم منذ سنوات في السلم التاسع، رغم توفرهم على الإجازة وأقدميتهم في التعليم.
وبسبب هذا الإضراب الممتد من عشرين يوما، يقاطع حوالي 5 آلاف أستاذ مهنتهم، الأمر الذي حكم بانقطاع عدد كبير من التلاميذ عن الدراسة، ممّا قد يزيد من تعقيد وضعية قطاع يعاني أصلا من كثير من الاختلالات. حيث يشير المحتجون إلى أن سياسات الوزارة هي التي تتحمل ضياع حقوق التلاميذ، وأنهم على استعداد كامل للعودة إلى أقسامهم في حال ما فتحت معهم الدولة حوارا جديا يكفل مطالبهم.
وليس المنضوون تحت يافطة الجامعة الوطنية للتعليم وبقية المقاطعين للتدريس من اختاروا اليوم للتظاهر بشكل مكثف، فقد التقت مسيرتهم بمسيرة “المعطلين”، حيث تبادل المحتجون إشارات النصر والأمل بقرب الاستجابة للمطالب، كما تواجد بالقرب منهم، بعض المشاركين في وقفة تضامنية مع الصحافي علي أنوزلا المتابع في حالة سراح على خلفية قضايا تتعلق بالإرهاب، زيادة على وقفة للمطرب رشيد غلام وبعض المتضامنين معه ضدما وَصَفه باستمرار سنوات ظلمه والتضييق عليه.
تمازج المحتجين والمتضامنين، كاد أن يكلّف تدخلا جديدا من قوات الأمن التي حضرت بقوة في أرجاء شارع محمد الخامس، فرغبة بعض الأساتذة في الاتجاه بالمسيرة إلى شارع النصر، مقتدين في ذلك ببعض أفواج المعطلين، أثار حفيظة رجال الأمن الذين لاحقوا المعطلين حتى حدود محطة القطار الرباط المدينة، وبعد ذلك قاموا بإغلاق المنفذ، ليكون قرار لجنة المسيرة التوجه إلى مقر وزارة التربية عبر شارع مولاي يوسف كما كان مسطرا في البداية.
المسيرة التي انتهت بعد إسدال الظلام ستائره، شددت على لسان عبد الرزاق الإدريسي الكاتب الوطني للجامعة الوطنية للتعليم، على الاستمرار في الاحتجاج حتى ولو كلفهم الأمر غياب عدد من النقابات التي دعت الأساتذة إلى العودة إلى أقسامهم. ممّا سيزيد من الاحتقان بين الأسرة التعليمية وحكومة بنكيران، فالمباراة لا تعني الاستحقاق، والشهادة العلمية ينبغي أن يكون لها دور في تغيير سلاليم الأجور وكذا تغيير الإطار، وفق تعبير المحتجين.
شاهد أيضاً
انصياع الامم المتحدة للضغوط والتهديدات المالية السعودية
اعتبرت الناشطة الحقوقية مي خنساء، أن فضيحة الامم المتحدة كانت مدوية، بشطبها السعودية من اللائحة ...