تفسير تقريب القرآن إلى الأذهان سورة آل عمران
7 فبراير,2018
القرآن الكريم
970 زيارة
تفسير تقريب القرآن إلى الأذهان
سورة آل عمران
165
((أَوَلَمَّا أَصَابَتْكُم مُّصِيبَةٌ))، أي هل أنتم بحيث لما أصابتكم مصيبة في أُحُد والحال أنكم في بدر ((قَدْ أَصَبْتُم)) من الكفار ((مِّثْلَيْهَا)) فإنه قُتل منكم في أُحُد سبعين، وقد أصبتم من الكفار مائة وأربعين إذ قتلتم منهم سبعين وأسرتم منهم سبعين في واقعة بدر ((قُلْتُمْ : أَنَّى هَذَا))، أي من أيّ وجه أصابنا هذا ونحن مسلمون، وهذه الجملة “أوَلَمّا ..” إستنكارية، أي كيف تستنكرون إصابتكم بأُحُد والحال أنكم قد أصبتم في بدر مثلي ما أصابتكم، ثم إن هذه الإصابة كانت لضعف نفوسكم حيث أغراكم المال وأخليتم أماكنكم في الجبل ((قُلْ)) يارسول الله ((هُوَ))، أي ما أصابكم ((مِنْ عِندِ أَنْفُسِكُمْ)) الجشعة الى حب الغنيمة والمال ((إِنَّ اللّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ)) يقدر أن ينصركم على أعدائكم كما يقدر أن يخذلكم حين تتركون أوامره، وفي بعض الأحاديث أنهم في بدر خُيِّروا بين أخذ الفدية من الأسرى على أن يُقتل منهم في العام القابل سبعون بعدد الأسرى وبين أن يقتلوا الأسرى ولا يا×ذون الفدية فطلبهم للمال أوجب إختيار الأول، وعلى هذا كان ما أصابهم في أُحُد “من عند أنفسهم”.
تفسير تقريب القرآن إلى الأذهان
سورة آل عمران
166
((وَمَا أَصَابَكُمْ)) أيها المسلمون ((يَوْمَ الْتَقَى الْجَمْعَانِ))، أي حين تلاقى المسلمون والكفار في يوم أُحُد ((فَبِإِذْنِ اللّهِ))، أي بعلمه أو بأنه لم يحل بين الكفار وبينكم حتى أصابوا منكم وهذا كالإذن تكويناً، وقد أذِنَ سبحانه لفائدة التمييز بين المؤمن والمنافق ((وَلِيَعْلَمَ))، أي يتحصّل علمه في الخارج ((الْمُؤْمِنِينَ)) الذين جاهدوا.
تفسير تقريب القرآن إلى الأذهان
سورة آل عمران
167
((وَلْيَعْلَمَ الَّذِينَ نَافَقُواْ)) أظهروا الإسلام وأبطنوا النفاق وهم إبن أبي سلول وجماعته حيث أنهم إنخذلوا يوم أُحُد نحو اً من ثلثمائة رجل قالوا : علام نقتل أنفسنا ((وَقِيلَ لَهُمْ تَعَالَوْاْ قَاتِلُواْ فِي سَبِيلِ اللّهِ)) فإنّ عمرو بن حزام الأنصاري قال لهم هذه المقالة ((أَوِ ادْفَعُواْ)) عن حريمكم وأنفسكم فإنّ الكفار إذا غلبوا نكّلوا بكم ((قَالُواْ))، أي قال أولئك المنافقون في جواب المؤمنين ((لَوْ نَعْلَمُ قِتَالاً لاَّتَّبَعْنَاكُمْ)) فإنّ هذا الذي تخوضونه ليس بقتال إذ لو كان قتالاً لأخذتم رأينا فيه، أو يريدون إلقاء النفس في التهلكة فليس قتالاً يتكافئ فيه الجانبان ((هُمْ))، أي هؤلاء المنافقون ((لِلْكُفْرِ يَوْمَئِذٍ أَقْرَبُ مِنْهُمْ لِلإِيمَانِ)) فكلما عمل المنافق بالخلاف كان أقرب الى الكفر وكلما عمل بالوفاق كان أقرب الى الإيمان ((يَقُولُونَ بِأَفْوَاهِهِم مَّا لَيْسَ فِي قُلُوبِهِمْ)) فأفواههم تنطق بالإيمان وقلوبهم تضمر الكفر والعصيان ((وَاللّهُ أَعْلَمُ بِمَا يَكْتُمُونَ)) في قلوبهم فيجازيهم حسب نفاقهم المضمر،..، أقول : الظاهر أن قوله “وليعلم..” ليس عطفاً على “بإذن الله” إذ فيكون المعنى حينئذ أن الإصابة علّة للتمييز والحال أن إعلان الجهاد كان علّة ذلك، فقوله “ليعلم” جملة مستأنفة، أي إن حرب أُحُد كان لأجل التمييز بين المؤمن والنفاق، في جملة فوائده الأُخر.
تفسير تقريب القرآن إلى الأذهان
سورة آل عمران
168
ثم ذكر سبحانه صفة أخرى للذين نافقوا بأنهم ((الَّذِينَ قَالُواْ لإِخْوَانِهِمْ))، أي قالوا حول إخوانهم الذين ذهبوا الى ساحات الجهاد فقُتلوا ((وَقَعَدُواْ))، أي قعد هؤلاء المنافقون عن القتال ((لَوْ أَطَاعُونَا)) في تركهم الخروج ((مَا قُتِلُوا)) جملة “لو أطاعونا ما قُتلوا” مقول قولهم ((قُلْ)) لهم يارسول الله ((فَادْرَؤُوا))، أي ادفعوا ((عَنْ أَنفُسِكُمُ الْمَوْتَ إِن كُنتُمْ صَادِقِينَ)) في مقالكم أن البقاء في البيت موجب لعدم موت الإنسان، فمن أين لكم أنّ مَن يبقى في بيته لا يموت فكم بقوا في بيوتهم وماتوا وكم خرجوا في القتال ورجعوا سالمين.
تفسير تقريب القرآن إلى الأذهان
سورة آل عمران
169
ولو فرضنا أن الخارج الى الجهاد قُتل، فما يضلره ذلك، فإنّ من إستشهد في سبيل الله لا تنتهي حياته بل يبقى حياً يُرزق ((وَلاَ تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ قُتِلُواْ فِي سَبِيلِ اللّهِ أَمْوَاتًا)) فكما أن هذه الحياة المادية ذات مراتب فمرتبة منها كاملة فيمن كان سعيداً فرحاً مرتبة منها ناقصة فيمن كان شقياً حزيناً كذلك من مات يكون على قسمين -بعد بقاء كليهما في حياة من لون آخر- قسم يكون حياً هناك، أي سعيداً فرحاً، وقسم يكون ميتاً هناك، أي شقياً حزيناً، فليس للآية الكريمة مفهوم أن غير المقتول لا حياة له هناك ((بَلْ أَحْيَاء عِندَ رَبِّهِمْ يُرْزَقُونَ)) حياة غير مادية بل حياة عند ربهم ولهم رزقهم فيها بُكرة وعشيّا.
تفسير تقريب القرآن إلى الأذهان
سورة آل عمران
170
في حال كونهم ((فَرِحِينَ بِمَا آتَاهُمُ اللّهُ مِن فَضْلِهِ)) من الحياة الباقية والسعادة والخير ((وَيَسْتَبْشِرُونَ))، أي يسير هؤلاء المقتولون في سبيل الله ((بِالَّذِينَ لَمْ يَلْحَقُواْ بِهِم)) من المؤمنين الذين بقوا في الحياة وبقوا ((مِّنْ خَلْفِهِمْ)) واستبشارهم بهؤلاء من جهة ((أَلاَّ خَوْفٌ عَلَيْهِمْ)) إذ الله سبحانه يتولّى أمورهم ((وَلاَ هُمْ يَحْزَنُونَ)) بالنسبة الى من خلفهم، فهؤلاء المقتولون جمعوا بين خيرين خير أنفسهم حيث تنعّموا بنعمة الله سبحانه وخير أخوانهم الذين من خلفهم حيث علموا بأنهم لا خوف عليهم وذلك بخلاف من بقي ولم يجاهد فإنهم جمعوا بين شرّين مشاكل حياة أنفسهم ومشاكل حياة أخوانهم حيث لا يعلمون ماذا تكون عاقبة أمر أنفسهم وأمر إخوانهم.
تفسير تقريب القرآن إلى الأذهان
سورة آل عمران
171
((يَسْتَبْشِرُونَ))، أي هؤلاء المقتولون يُسرّون ويفرحون ((بِنِعْمَةٍ مِّنَ اللّهِ)) ينعمها عليهم في الآخرة ((وَفَضْلٍ))، أي الزيادة على قدر إستحقاقهم أو على ما يترقّبون ((وَأَنَّ اللّهَ لاَ يُضِيعُ أَجْرَ الْمُؤْمِنِينَ)) فإنّ مَن عَلِم أنّ حقه وأجره مضمون فرح واستبشر فهؤلاء يرون عياناً أنّ حقهم محفوظ بخلاف الإنسان في الدنيا فإنه يعلم ذلك دون أن يراه، وفي تكرار المطلب زيادة تمكين المعنى في النفس، ومثله كثير في التحذيرات والترغيبات المستقبلية وبالأخص إذا لم يشاهد الإنسان أمثاله بل كان غيباً محضاً فإنّ في التكرار تركيز المطلب في النفس حتى تعمل تلقائياً كالذي شاهد وحضر.
2018-02-07