الرئيسية / القرآن الكريم / تفسير تقريب القرآن إلى الأذهان سورة النساء

تفسير تقريب القرآن إلى الأذهان سورة النساء

تفسير تقريب القرآن إلى الأذهان

سورة النساء

70

((ذَلِكَ )) التوفيق للإطاعة المُعقِب لكون رفقاء الإنسان النبيّين وسائر من ذُكِر ((الْفَضْلُ مِنَ اللّهِ))، أي تفضّل منه سبحانه لمن إهتدى بمثل هذه الهداية ((وَكَفَى بِاللّهِ عَلِيمًا))، أي يكفي الله سبحانه عالماً بما يفعله الإنسان من خير وشر فإنه إذا علم شيئاً رتّب عليه الأثر.

تفسير تقريب القرآن إلى الأذهان

سورة النساء

71

وإذا إنتهى الكلام حول الإطاعة المطلقة لله والرسول يلتفت السياق الى حكم شاق من أحكام الإسلام هو القتال لتدريب المؤمنين على هذا العمل الجهدي العظيم وتقرير الواجب عليهم فقال سبحانه ((يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ)) ذكرنا سابقاً أن أحكام الإسلام عامة لكل شخص وتخصيص المؤمنين بالخطاب لأنهم المستفيدون من ذلك ((خُذُواْ حِذْرَكُمْ )) يُقال خُذ حِذرك أي تأهّب لملاقات الأمر بالمكروه، أو المراد بالحذر الأسلحة مجازاً لأنه آلة الحذر فيكون من باب المجاز ((فَانفِرُواْ ثُبَاتٍ ))، أي أخرجوا الى الجهاد، والثبات الجماعات في تفرقة مفردة “ثِبة”، أي ليكن خروجكم فِرقة بعد فرقة كما تخرج السرايا سرية الى هنا وسرية الى هناك أو جماعة أثر جماعة ((أَوِ انفِرُواْ )) وأخرجوا ((جَمِيعًا)) في عسكر واحد.

تفسير تقريب القرآن إلى الأذهان

سورة النساء

72

((وَإِنَّ مِنكُمْ )) أيها المسلمون ((لَمَن لَّيُبَطِّئَنَّ ))، أي يتأخر عن الخروج إستثقالاً للجهاد وإرادة للفرار كما كان ذلك حال المنافقين فإنهم كانوا لا يريدون الجهاد ولذا كانوا يستثقلون رجاء الفرار ((فَإِنْ أَصَابَتْكُم مُّصِيبَةٌ )) من هزيمة أو قتل بعض أفرادكم ((قَالَ )) ذلك المنافق المُبطئ وهو مسرور جذلان ((قَدْ أَنْعَمَ اللّهُ عَلَيَّ إِذْ لَمْ أَكُن مَّعَهُمْ شَهِيدًا))، أي شاهداً حاضراً في القتال حتى يصيبني ما أصابهم، وهذا دائماً عادة المنافقين في كل حركة إنهم يُبطِئون حتى يذهب الناس ويترقبون الأنباء حتى إذا وجدوا في الذاهبين كسراً سرّوا بأنهم كانوا بُعداء عن المعركة.

تفسير تقريب القرآن إلى الأذهان

سورة النساء

73

((وَلَئِنْ أَصَابَكُمْ )) في جهادكم ((فَضْلٌ مِّنَ الله )) بالفتح والغنيمة ((لَيَقُولَنَّ )) ذلك المُبطِئ متحسراً ((كَأَن لَّمْ تَكُن بَيْنَكُمْ وَبَيْنَهُ مَوَدَّةٌ )) جملة معترضة ليست مقولة للقول، وإنما هي حكاية حال المنافق الذي لا يريد إلا النفع والمادة ولا يخلص للدين والدعوة ((يَا لَيتَنِي كُنتُ مَعَهُمْ)) حاضراً في الجهاد لأنال مالاً وفخراً ((فَأَفُوزَ فَوْزًا عَظِيمًا)) فإنه يتمنى الحضور لا لنصرتكم بل لأن يفوز هو بشرف الجهاد وغنيمة الفاتحين.

تفسير تقريب القرآن إلى الأذهان

سورة النساء

74

ولما تقدّم ذِكر المنافقين الذين يُبطئن عن القتال، بيّن سبحانه ما هو واجب المسلم بالنسبة الى هذا الأمر المهم فقال ((فَلْيُقَاتِلْ فِي سَبِيلِ اللّهِ ))، أي لأجل أمره وإعلاء كلمته ((الَّذِينَ يَشْرُونَ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا بِالآخِرَةِ ))، أي يبيعون الحياة القريبة الفانية بالحياة الآخرة الباقية فإنّ من أقدم على الحرب كان كمن باع نفسه وكل ما يملك تجاه الآخر ((وَمَن يُقَاتِلْ فِي سَبِيلِ اللّهِ)) بأن تكون مقاتلته لأجل إعلاء أمر الله وتنفيذ حُكمه ((فَيُقْتَلْ )) يستشهد ((أَو يَغْلِبْ )) يظفر على الأعداء ((فَسَوْفَ نُؤْتِيهِ أَجْرًا عَظِيمًا)) فهو بين إحدى الحُسنَيَين : الإستشهاد والجنة أو الغَلَبة والفتح.

تفسير تقريب القرآن إلى الأذهان

سورة النساء

75

((وَمَا لَكُمْ )) أيها المسلمون ((لاَ تُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِ اللّهِ )) لإعلاء كلمته وتطبيق حُكمه في البلاد ((وَ)) في سبيل نُصرة ((الْمُسْتَضْعَفِينَ )) بإنقاذهم من براثن الحكام الجائرين والسادة الظالمين ((مِنَ الرِّجَالِ وَالنِّسَاء وَالْوِلْدَانِ )) الذين بقوا محصورين في أيدي الجائرين فإنه يحق للمسلم أن يقاتل لأجل أحد الأمرين، ولا يحق له أن يقاتل لأجل نشر السيطرة والإستثمار والسيادة -كما هي العادة عند غير المسلم من المحاربين- ((الَّذِينَ يَقُولُونَ رَبَّنَا أَخْرِجْنَا مِنْ هَذِهِ الْقَرْيَةِ الظَّالِمِ أَهْلُهَا ))، أي المدينة التي هم فيها مما لا يجدون محيصاً عنها فلا يتمكنون من الخروج عنها لضعفهم ومنع الظالمين لهم من الخروج ولا لهم حول لدفع ظلم الظالمين عن أنفسهم ((وَاجْعَل لَّنَا مِن لَّدُنكَ ))، أي من عندك ((وَلِيًّا )) يلي أمورنا ويسير بنا بالعدل والإحسان ((وَاجْعَل لَّنَا مِن لَّدُنكَ )) عندك ((نَصِيرًا)) ينصرنا على الظالمين.

تفسير تقريب القرآن إلى الأذهان

سورة النساء

76

ثم شجّع سبحانه المجاهدين بأنهم أقوى من أعدائهم فإن ((الَّذِينَ آمَنُواْ يُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِ اللّهِ)) ولمرضاته وإعلاء كلمته ((وَالَّذِينَ كَفَرُواْ يُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِ الطَّاغُوتِ )) الذي هو طاغً متجاوز للحد، فإن الذين كفروا لا يريدون بقتالهم إلا الظلم والطغيان وإبقاء الأنظمة الفاسدة والعادات والتقاليد الزائفة ((فَقَاتِلُواْ )) أيها المؤمنون ((أَوْلِيَاء الشَّيْطَانِ )) وأحبائه الذين يتولّونه ((إِنَّ كَيْدَ الشَّيْطَانِ )) ومكره وحيلته في سبيل إبقاء أمره وتقوية جيشه ((كَانَ ضَعِيفًا))فيغلبه نصر الله وولاية للمؤمنين ولا مجال لأن يُقال فكيف نرى غَلَبة الكفار في كثير من الأحيان، فإن الجواب أن ذلك لعدم توفّر شروط المقاتلة في المؤمنين، إذ الله سبحانه لم يعد النصر مطلقاً بل مشروطاً بأن يعدّوا لهم ما استطاعوا من قوة وأن يصدّقوا في الجهاد والمثابرة الى غير ذلك، نعم مع توفّر الشروط لا يفيد الأعداء جمعهم وكثرتهم كما دلّت التجارب على ذلك وصدّق الخبر الخبر.

تفسير تقريب القرآن إلى الأذهان

سورة النساء

77

كان المسلمون وهم بمكة يطلبون من الرسول (صلّى الله عليه وآله وسلّم) الإذن لهم في قتال الكفار حينما يلاقون منهم الأذى ولما جاء دور القتال في المدينة تولّى بعضهم كما هي العادة عند الناس غالباً حيث أنهم يحرّضون الرؤساء على الإقدام فلما أن أقدموا كانوا أول المنهزمين ((أَلَمْ تَرَ )) يارسول الله -إستفهام تعجبي- ((إِلَى )) المسلمين ((الَّذِينَ قِيلَ لَهُمْ )) بمكة والقائل هو الرسول (صلّى الله عليه وآله وسلّم) ((كُفُّواْ أَيْدِيَكُمْ ))، أي امسكوها واقبضوها عن القتال ((وَأَقِيمُواْ الصَّلاَةَ وَآتُواْ الزَّكَاةَ )) فإنه لا يجب عليكم الجهاد حالاً وكان النهي عن الجهاد لقتلهم وعدم تمكنهم من مقابلة العدو وأنهم إن قاتلوا أُبيدوا واجتُثّت جذور الإسلام، بالإضافة الى إرادة رسوخ الإيمان في قلوبهم، فإن الإنسان مهما إبتلى بالمشقات والشدائد يصفو جوهره وتنصقل نفسه ((فَلَمَّا )) أتوا الى المدينة و((كُتِبَ عَلَيْهِمُ الْقِتَالُ ))أي فُرض عليهم ((إِذَا فَرِيقٌ مِّنْهُمْ ))، أي من هؤلاء المسلمين الذين كانوا يطلبون الإذن بالقتال ((يَخْشَوْنَ النَّاسَ )) الكفار أن يقتلوهم إذا بارزوا ((كَخَشْيَةِ اللّهِ )) كما يخافون من الله سبحانه أن يُميتهم ((أَوْ أَشَدَّ خَشْيَةً)) إذ خوف الإنسان من الموت غالباً أقل من خوفه من القتل، إذ القتل يكتنف في الأغلب بالأهوال والمرعبات بخلاف الموت ((وَقَالُواْ ))، أي قال هؤلاء الفريق ((رَبَّنَا لِمَ كَتَبْتَ عَلَيْنَا الْقِتَالَ ))، أي لأيّ علّة فرضتَ علينا أن نقاتل فعلاً ((لَوْلا أَخَّرْتَنَا إِلَى أَجَلٍ قَرِيبٍ ))، أي لماذا لم تؤخّر الأمر بالقتال الى زمان آخر قريب حتى نستعد للحرب، فقد ورد في بعض التفاسير أنه كان بالنسبة الى حرب بدر حيث كان بعض المسلمين يكرهون ذلك لأنهم لم يستعدوا ويطلبون التأخير الى أجل قريب ليستعدوا ((قُلْ )) يارسول الله لهؤلاء إن كان خوفكم من الحرب لأجل إحتمال القتل فما فائدة البقاء في الدنيا بـ ((مَتَاعُ الدَّنْيَا ))، أي ما يستمتع به في الدنيا ((قَلِيلٌ)) الأمد يفنى بعد مدة ((وَالآخِرَةُ خَيْرٌ لِّمَنِ اتَّقَى )) المعاصي وعمل بالواجبات ((وَلاَ تُظْلَمُونَ فَتِيلاً))، أي مقدار فتيل، وهو ما في شق النواة، فإذا قُتلتم لا تُهدر أتعابكم وأعمالكم.

شاهد أيضاً

الحجاب النوراني والحجاب الظلماني

لكن أنواع ذلك الجلال هو اشراقاتي وهو لفرط العظمة والنورانية واللانهائية، يبعد عنها العاشق بعتاب ...