الرئيسية / القرآن الكريم / تفسير تقريب القرآن إلى الأذهان سورة المائدة

تفسير تقريب القرآن إلى الأذهان سورة المائدة

تفسير تقريب القرآن إلى الأذهان

سورة المائدة

28

ثم قال هابيل (عليه السلام) لقابيل ((لَئِن بَسَطتَ ))، أي مددت ((إِلَيَّ يَدَكَ لِتَقْتُلَنِي ))، أي تريد قتلي ((مَا أَنَاْ بِبَاسِطٍ ))، أي ماد ((يَدِيَ إِلَيْكَ لَأَقْتُلَكَ )) فإنّ من يريد قتل إنسان ظلماً لا يجوز للمظلوم إلا المدافعة لا قتل الظالم إلا إذا توقّف الدفاع عليه، أو المراد : إن أردتَ قتلي ظلماً فإنّي لستُ أريد قتلك كذلك ((إِنِّي أَخَافُ اللّهَ رَبَّ الْعَالَمِينَ)) في أن أقتل أحداً ظلماً .

تفسير تقريب القرآن إلى الأذهان

سورة المائدة

29

((إِنِّي أُرِيدُ أَن تَبُوءَ ))، أي ترجع أنت ياقابيل ((بِإِثْمِي ))، أي إثم قتلي ((وَإِثْمِكَ ))، أي وِزرك الذي عليك من غير جهة القتل ومعنى الإرادة هنا مجازي لأنه مقابل إرادة الفاعل فإنّ الإنسان إذا أراد شيئاً يقول : أردتُ ، وإذا لم يرد أن يفعله وأراد غيره فعله يقول : أردتُ أن يفعله غيري، فالتعبير بالإرادة هنا للمقابلة نحو قوله (تعلم ما في نفسي ولا أعلم ما في نفسك) فقولنا : أريد أن تُذنب يُراد به : إني لا أذنب بل أنت تحمل الذنب، لا إنه إرادة حقيقة من المتكلم لذنب المخاطب فلا يُقال : كيف يصح أن يريد هابيل (عليه السلام) أن يأثم قابيل ((فَتَكُونَ )) أنت ياقابيل ((مِنْ أَصْحَابِ النَّارِ )) الملازمين لها ((وَذَلِكَ جَزَاء الظَّالِمِينَ)) الذين يظلمون أنفسهم .

تفسير تقريب القرآن إلى الأذهان

سورة المائدة

30

((فَطَوَّعَتْ ))، أي شجّعت ((لَهُ ))، أي لقابيل ((نَفْسُهُ قَتْلَ أَخِيهِ )) هابيل ((فَقَتَلَهُ )) قالوا قتله غيلة ((فَأَصْبَحَ )) قابيل ((مِنَ الْخَاسِرِينَ)) الذين خسروا الدنيا والآخرة .

تفسير تقريب القرآن إلى الأذهان

سورة المائدة

31

وحينما قتله لم يدرِ كيف يصنع بجثته لأنه لم ير من قبل ذلك ميتاً ((فَبَعَثَ اللّهُ غُرَابًا يَبْحَثُ فِي الأَرْضِ ))، أي يتطلب ويفتّش ويثير التراب ليدفن الغراب الآخر الذي قتله إذ جاء غرابان فاقتتلا فقتل أحدهما الآخر فدفنه ((لِيُرِيَهُ ))، أي يُري الغراب قابيل ((كَيْفَ يُوَارِي ))، أي يستر ((سَوْءةَ ))، أي جثة ((أَخِيهِ )) وإنما سمي البدن “سوئة” لأنه سائه بدنه المقتول ((قَالَ )) قابيل لما رأى فعل الغراب ((يَا وَيْلَتَا ))، أي ياويلي، والويل بمعنى الهلاك، أي ياهلاكي احضر فهذا أوانك، نحو ياعجباً ((أَعَجَزْتُ أَنْ أَكُونَ مِثْلَ هَذَا الْغُرَابِ )) في العلم بكيفية الخلاص من جثة أخي ((فَأُوَارِيَ ))، أي أستر بالتراب ((سَوْءةَ أَخِي )) ثم دفنه ((فَأَصْبَحَ مِنَ النَّادِمِينَ)) على قتله، ولم يكن ندم توبة وإنما ندم فعل فلا يُقال : كيف يعاقَب وقد تاب ؟ ، قال إبن عباس : لما قتل قابيل هابيل أشاكَ الشجر وتغيّرت الأطعمة وحمضت الفواكه وأمّر الماء واغبرّت الأرض فقال آدم : قد حدث في الأرض حدث فأتى الهند فإذا قابيل قد قتل هابيل فأنشأ يقول :

تغيّرت البلاد ومن عليها فوجه الأرض مغبرّ قبيح

تغيّر كلّ ذي لون وطعم وقلّ بشاشة الوجه الصبيح
تفسير تقريب القرآن إلى الأذهان

سورة المائدة

32

ولما حكى سبحانه قصة إبني آدم وأظهر بشاعة الجريمة ذكر جملة من الحدود على الجرائم وإبتدء بالقتل للتناسب فقال تعالى ((مِنْ أَجْلِ ذَلِكَ )) أجل في اللغة بمعنى الجناية، يُقال : أجَلَ عليهم شراً أي جنى، أي من إبتداء تلك الجناية فـ (من) إبتدائية وذلك إشارة إلى قتل قابيل هابيل، أي من وقت تلك الجناية قررنا الحكم الآتي وهو : إنّ (مَن قَتَلَ نفساً) الآية، وبعض المفسرين يفسر (أجَل) بالمعنى المتعارف فالمعنى : من أجل الإعتداء الذي لا موجب له ولا مبرر على المسلمين الوارعين الذين لا يريدون شراً ولا مدافعة ((كَتَبْنَا ))، أي فرضنا ((عَلَى بَنِي إِسْرَائِيلَ )) وليس الحكم خاصاً بهم وإنما أتى بذكرهم لأنهم مورد البحث والكلام وأنهم الذين عاكسوا أحكام الله وقتلوا أنبيائه ((أَنَّهُ مَن قَتَلَ نَفْسًا ))، أي إنساناً قتلاً ظلماً ((بِغَيْرِ نَفْسٍ ))، أي لا بمقابل نفص حتى يخرج قتل القاتل فرداً من الموضوع للحكم ((أَوْ فَسَادٍ فِي الأَرْضِ))، أي لم يكن المقتول مُفسِداً حتى يستحق بذلك أن يُقتل ((فَكَأَنَّمَا قَتَلَ النَّاسَ جَمِيعًا )) إنه باعتدائه على حياة بلا مبرر كان كمن إعتدى على الحياة كلها ((وَمَنْ أَحْيَاهَا )) لا إحياءاً من العدم بل إحياءاً بمعنى التحفظ على حياتها وإنجائها من الهلاك ((فَكَأَنَّمَا أَحْيَا النَّاسَ جَمِيعًا)) حيث إنّ تحفّظه على حياة يكون كتحفّظ على الحياة كلها إنّ الحياة كلّ سارٍ في كلّ حي، فالتعدّي على فرد تعدّي على الكل كما إنّ التحفظ على فرد تحفّظ على الكل ((وَلَقَدْ جَاءتْهُمْ))، أي أتت إلى بني إسرائيل -الذين يدور الكلام حولهم- ((رُسُلُنَا )) أنبيائهم ((بِالبَيِّنَاتِ ))، أي الأدلة الواضحة الدالة على صدق نبوّتهم ((ثُمَّ إِنَّ كَثِيرًا مِّنْهُم ))، أي من بني إسرائيل ((بَعْدَ ذَلِكَ ))، أي بعد مجيء الرُسُل إليهم ((فِي الأَرْضِ لَمُسْرِفُونَ))، اي يجاوزون الحد فقد كانوا يستحلّون المحارم ويسفكون الدماء .

تفسير تقريب القرآن إلى الأذهان

سورة المائدة

33

وبمناسبة قتل النفس بغير حق ذَكَرَ سبحانه حُكم من يسعى في الأرض فساداً، وقد ورد في شأن نزول هذه الآية أنّ قوماً من بني ضبّة قَدِموا على رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلّم) مرضى فبعثهم إلى إبل الصدقة يشربون من أبوالها ويأكلون من ألبانها فلما برئوا واشتدوا قتلوا ثلاثة من كان في الإبل وساقوا الإبل، فبعث إليهم علياً (عليه السلام) فأسرهم فنزلت هذه الآية فاختار رسول الله القطع فقطع أرجلهم وأيديهم من خلاف، وفي بعض الروايات أنها نزلت في قُطّاع الطرق ولا منافات بين الأمرين ((إِنَّمَا جَزَاء الَّذِينَ يُحَارِبُونَ اللّهَ ))، أي يحاربون أوليائه فإن! محاربة المتعلّقين بشخص هو محاربة ذلك الشخص كقوله تعالى (يؤذون الله ورسوله) ((وَرَسُولَهُ ))، أي يحاربون رسوله وهذا أيضاً كذلك فإنّ محاربة أولياء الرسول محاربة للرسول ((وَيَسْعَوْنَ فِي الأَرْضِ فَسَادًا )) بالإفساد وشهر السلاح للإخافة، ولا يخفى أنه لو لم نقل بعموم الآية لكلّ من صدق عليه هذا الموضوع كان اللازم أن يحمل على قُطّاع الطرق لما ورد به الروايات وكأنه إعتبر محاربة الناس وإخافتهم محاربة لله والرسول ((أَن يُقَتَّلُواْ )) تقتيلا وإنما عدّى بالتفعيل لأنّ المراد منه قتل كلهم وباب التفعيل بدل على التكثير كما قال تعالى (وغلّقت الأبواب)، أي غلّقت كل باب ((أَوْ يُصَلَّبُواْ )) بالمشنقة و(أو) هنا للتخيير كما ورد عن الصادق (عليه السلام) والإختيار إلى الإمام في ذلك ((أَوْ تُقَطَّعَ أَيْدِيهِمْ وَأَرْجُلُهُم مِّنْ خِلافٍ )) فتُقطع اليد اليمنى والرجل اليسرى فيكون قطع كل واحدة خلاف الجهة التي يقع فيها قطع الواحدة الأخرى ((أَوْ يُنفَوْاْ مِنَ الأَرْضِ ))، أي من بلد إلى بلد حتى يتوب ويرجع وقوله سبحانه (إنما) معناه أنّ جزائه ذلك فحسب لا جزاء له سواه ((ذَلِكَ )) الذي ذُكر أنه يفعل بهم ((لَهُمْ خِزْيٌ فِي الدُّنْيَا ))، أي عقوبة وفضيحة ((وَلَهُمْ فِي الآخِرَةِ عَذَابٌ عَظِيمٌ)) في النار .

شاهد أيضاً

    إقرأ المزيد .. الإمام الخامنئي: الشعوب المسلمة تتوقع من حكوماتها قطع العلاقات مع ...