ويعلم ما في الأرحام يقول الله تبارك وتعالى في سورة لقمان: (إن الله عنده علم الساعة وينزل الغيث ويعلم ما في الأرحام وما تدرى نفس ماذا تكسب غدا وما تدرى نفس بأي أرض تموت إن الله عليم خبير) [34] حصل جدال كبير حول تفسير: (ويعلم ما في الأرحام) وظن كثير من الناس أن توصل الطب لمعرفة جنس الجنين في المراحل الأولى للحمل، يناقض هذه الآية، لان معرفة ما في الأرحام هو من الغيبيات الخمسة التي وردت في الآية السابقة والتي لا يعلمها إلا الله. فلنحاول توضيح هذه النقطة: إن الأعضاء التناسلية الظاهرة للجنين لا تأخذ شكلا مميزا حتى نهاية الشهر الثالث، ومع أن جنس الجنين قد تحدد منذ الالقاح تبعا لنوع النطفة التي لقحت البيضة فإن الجنين يبقى حتى الأسبوع السابع غير معروف الجنس، ولا يمكن تمييز الذكر عن الأنثى بمحاولة التعرف على البدايات التناسلية الخارجية أو الداخلية، ولا تعرف أهي خصيات أم مبايض.
لقد حاول بعض العلماء المشتغلين في هذا الميدان بزل السائل الامينوسي المحيط بالجنين منذ تشكله والحصول منه على بعض خلايا الجنين، ودراسة صبغيات الخلايا للتعرف على جنس الجنين، فإذا كانت الصبغيات الجنسية في الخلايا هي (yx) كان الجنين ذكرا، أما إذا كانت من النوع (xx) كان الجنين أنثى، ولقد نجحوا بدراساتهم ووفقوا بمعرفة جنس الجنين في المراحل الأولى من الحمل، لكن هذا لا يناقض الآية الكريمة، فقد ورد في تفسير ابن كثير حول هذه الآية قوله: ” هذه مفاتيح الغيب التي استأثر الله بعلمها فلا يعلمها أحد إلا بعد إعلامه تعالى بها، فعلم وقت الساعة لا يعلمه نبي مرسل، ولا ملك مقرب: (لا يجليها لوقتها إلا هو) وكذلك إنزال الغيب لا يعلمه إلا الله ولكن إذا أمر، علمته الملائكة الموكلون بذلك من شاء من خلقه، وكذلك لا يعلم ما في الأرحام مما يريد أن يخلقه تعالى سواه، ولكن إذا أمر بكونه ذكرا أو أنثى أو شقيا أو
لقد حاول بعض العلماء المشتغلين في هذا الميدان بزل السائل الامينوسي المحيط بالجنين منذ تشكله والحصول منه على بعض خلايا الجنين، ودراسة صبغيات الخلايا للتعرف على جنس الجنين، فإذا كانت الصبغيات الجنسية في الخلايا هي (yx) كان الجنين ذكرا، أما إذا كانت من النوع (xx) كان الجنين أنثى، ولقد نجحوا بدراساتهم ووفقوا بمعرفة جنس الجنين في المراحل الأولى من الحمل، لكن هذا لا يناقض الآية الكريمة، فقد ورد في تفسير ابن كثير حول هذه الآية قوله: ” هذه مفاتيح الغيب التي استأثر الله بعلمها فلا يعلمها أحد إلا بعد إعلامه تعالى بها، فعلم وقت الساعة لا يعلمه نبي مرسل، ولا ملك مقرب: (لا يجليها لوقتها إلا هو) وكذلك إنزال الغيب لا يعلمه إلا الله ولكن إذا أمر، علمته الملائكة الموكلون بذلك من شاء من خلقه، وكذلك لا يعلم ما في الأرحام مما يريد أن يخلقه تعالى سواه، ولكن إذا أمر بكونه ذكرا أو أنثى أو شقيا أو
(٤٩)
سعيدا علمه الملائكة الموكلون بذلك، ومن شاء الله من خلقه..) أ. ه.
– من المقطوع به أنه لا يعلم الغيب إلا الله ولكنه يعلم من خلقه ما شاء لمن يشاء (عالم الغيب فلا يظهر على غيبه أحدا، إلا من ارتضى من رسول) فلا تناقض بين اختصاصه تعالى بعلم الغيب وبين تعليمه بعض خلقه ما يشاء من علم الغيب كما لو أظهر أحدا من خلقه على ما في الأرحام، ومن المعلوم أن الله سبحانه وتعالى وصف ذاته بأنه عالم الغيب والشهادة والمخلوق يدرك شيئا من عالم الشهادة بحسه وعقله، فلا غرابة ولا تناقض إذا علم المخلوق شيئا من علم الأرحام المتصل بعالم الشهادة، وإنما وصف الباري نفسه بذلك ليدل على إحاطة علمه بكل شئ لا ليسلب المخلوق كل شئ من عالم الشهادة. والآن يمكننا أن نقارن بين علم الخالق وعلم المخلوق حول قوله تعالى: ويعلم (ما في الأرحام) لنرى الفرق الكبير وندفع الوهم والالتباس.
1 – إن الله سبحانه وتعالى يعلم جنس الجنين منذ الالقاح، بل قبل خلقه، بينما تبدأ محاولة المخلوق بعد ذلك بفترة معينة.
2 – إن علم الله عز وجل بما في الأرحام كعلمه بكل شئ لا يحتاج إلى واسطة وسبب، بينما يطرق المخلوق باب الأسباب والوسائط عبر تجارب طويلة، لكي يصل إلى بعض ما يريد مثلما توصل إليه اليوم من بزل السائل الامنيوسي أو غيره. فهل مثل هذا التعرف المبني على الوسائط الحسية يقارن بعلم الخالق عز وجل بالغيبيات، بل نقول إن طرق هذه الوسائل الحسية هو انتقال من علم الغيب إلى عالم الشهادة.
3 – إن علم الخالق تبارك وتعالى لا يتعرض للخطأ أو السهو بينما يتعرض علم المخلوق للخطأ والسهو وسوء التقدير. فإن بزل السائل الامنيوسي أو غيره من المحاولات، لا يأتي حتما بخلايا الجنين فقد يأتي بخلايا الام وتكون النتيجة خطأ وقد يذهل الفاحص ويسهو وقد يلتبس عليه الامر في التدقيق بالصبغيات الجنسية فيخطئ وهذا ما يحدث فعلا في المخابر أثناء تلك المحاولات. فإن وقع المخلوق من ذلك على شئ من الصواب، فبتعليم الله تعالى له كما قال تعالى:
– من المقطوع به أنه لا يعلم الغيب إلا الله ولكنه يعلم من خلقه ما شاء لمن يشاء (عالم الغيب فلا يظهر على غيبه أحدا، إلا من ارتضى من رسول) فلا تناقض بين اختصاصه تعالى بعلم الغيب وبين تعليمه بعض خلقه ما يشاء من علم الغيب كما لو أظهر أحدا من خلقه على ما في الأرحام، ومن المعلوم أن الله سبحانه وتعالى وصف ذاته بأنه عالم الغيب والشهادة والمخلوق يدرك شيئا من عالم الشهادة بحسه وعقله، فلا غرابة ولا تناقض إذا علم المخلوق شيئا من علم الأرحام المتصل بعالم الشهادة، وإنما وصف الباري نفسه بذلك ليدل على إحاطة علمه بكل شئ لا ليسلب المخلوق كل شئ من عالم الشهادة. والآن يمكننا أن نقارن بين علم الخالق وعلم المخلوق حول قوله تعالى: ويعلم (ما في الأرحام) لنرى الفرق الكبير وندفع الوهم والالتباس.
1 – إن الله سبحانه وتعالى يعلم جنس الجنين منذ الالقاح، بل قبل خلقه، بينما تبدأ محاولة المخلوق بعد ذلك بفترة معينة.
2 – إن علم الله عز وجل بما في الأرحام كعلمه بكل شئ لا يحتاج إلى واسطة وسبب، بينما يطرق المخلوق باب الأسباب والوسائط عبر تجارب طويلة، لكي يصل إلى بعض ما يريد مثلما توصل إليه اليوم من بزل السائل الامنيوسي أو غيره. فهل مثل هذا التعرف المبني على الوسائط الحسية يقارن بعلم الخالق عز وجل بالغيبيات، بل نقول إن طرق هذه الوسائل الحسية هو انتقال من علم الغيب إلى عالم الشهادة.
3 – إن علم الخالق تبارك وتعالى لا يتعرض للخطأ أو السهو بينما يتعرض علم المخلوق للخطأ والسهو وسوء التقدير. فإن بزل السائل الامنيوسي أو غيره من المحاولات، لا يأتي حتما بخلايا الجنين فقد يأتي بخلايا الام وتكون النتيجة خطأ وقد يذهل الفاحص ويسهو وقد يلتبس عليه الامر في التدقيق بالصبغيات الجنسية فيخطئ وهذا ما يحدث فعلا في المخابر أثناء تلك المحاولات. فإن وقع المخلوق من ذلك على شئ من الصواب، فبتعليم الله تعالى له كما قال تعالى:
(٥٠)
(أقرأ وربك الأكرم (3) الذي علم بالقلم (4) علم الانسان ما لم يعلم) [العلق: 1 – 4].
4 – والنقطة الهامة التي يجب توضيحها أن علم البارئ جل شأنه بما في الأرحام علم كامل شامل لكل ما يتصل بهذا الامر. وليس مقصورا على الذكورة والأنوثة، فهو سبحانه يعلم جنسه وطوله وشكل حواسه وعمره وسعادته وشقائه ورزقه وأجله ولحظة تخلقه ولحظة ولادته. (وما تحمل من أنثى ولا تضع إلا بعلمه) [فاطر: 11] إلى آخر ما هنالك من تفصيل بينما ينحصر علم المخلوق في جزء من هذه الاجزاء مع تعرضه للخطأ (1)
4 – والنقطة الهامة التي يجب توضيحها أن علم البارئ جل شأنه بما في الأرحام علم كامل شامل لكل ما يتصل بهذا الامر. وليس مقصورا على الذكورة والأنوثة، فهو سبحانه يعلم جنسه وطوله وشكل حواسه وعمره وسعادته وشقائه ورزقه وأجله ولحظة تخلقه ولحظة ولادته. (وما تحمل من أنثى ولا تضع إلا بعلمه) [فاطر: 11] إلى آخر ما هنالك من تفصيل بينما ينحصر علم المخلوق في جزء من هذه الاجزاء مع تعرضه للخطأ (1)
(1) أخذ هذا المقال من بحث للدكتور حسن هويدي – حضارة الاسلام – السنة 19 – العدد 9.
(٥١)