الرئيسية / القرآن الكريم / تفسير تقريب القرآن إلى الأذهان سورة المائدة

تفسير تقريب القرآن إلى الأذهان سورة المائدة

تفسير تقريب القرآن إلى الأذهان

سورة المائدة

50

((أَفَحُكْمَ الْجَاهِلِيَّةِ يَبْغُونَ )) إستفهام إنكاري، أي هل يبغى هؤلاء اليهود حُكم الجاهلية والمراد بها جاهلية البشر التي لا يرجع حكمهم فيها إلى قانون ثابت بل تحكم الأهواء والقبليات والعصبيات وما أشبه فكل من يبتغي حكماً غير حكم الله فإنه يبتغي حكم الجاهلية حتى إذا كان الحاكم أكثرية برلمانية ((وَمَنْ أَحْسَنُ مِنَ اللّهِ حُكْمًا ))، أي ليس هناك حُكم أحسن من حكم الله ((لِّقَوْمٍ يُوقِنُونَ)) بالله واليوم الآخر، فإنهم يعلمون أنّ حُكم الله أحسن الأحكام لأنه خالٍ عن جميع الإنحرافات التي تصيب حُكم البشر .

تفسير تقريب القرآن إلى الأذهان

سورة المائدة

51

وبعدما بيّن سبحانه إنحراف اليهود وضلالهم ذَكَرَ سبحانه هنا عدم جواز إتخاذهم أو النصارى أولياء في سبب النزول أنه لما كانت وقعة أُحُد إشتدّ الأمر على طائفة من الناس فقال رجل من المسلمين : أنا ألحق أنا ألحق بفلان اليهودي وآخذ منه أماناً، وقال آخر : أنا ألحق بفلان النصراني فآخذ منه أماناً فنزلت الآية ((يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ لاَ تَتَّخِذُواْ الْيَهُودَ وَالنَّصَارَى أَوْلِيَاء)) فلا تصادقوهم مصادقة الولي لوليّه والحميم لحميمه ((بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاء بَعْضٍ )) فإنّ بعضهم ينصر بعضاً ويعينه عليكم ، وقد ظهر إنطباق كلامه سبحانه على الخارج طيلة أربعة عشر قرناً فإنّ اليهود والنصارى لم يزالا ينصر أحدهما الآخر على المسلمين على ما بينهما من العداء والبغضاء ((وَمَن يَتَوَلَّهُم مِّنكُمْ ))، أي يصادقهم وينتصر بهم ويجعلهم أولياء له من المسلمين ((فَإِنَّهُ مِنْهُمْ )) كافر عملاً، من أهل النار، خطر على المسلمين ، وقد شاهدنا ذلك في هذا القرن الأخير حيث أنّ المسلمين الذين تولّوا الكفار كانوا من أخطر الناس على الملسمين، وكانوا في زمرة الكفار ينصرونهم وينتصرون بهم ((إِنَّ اللّهَ لاَ يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ)) الذين يظلمون أنفسهم بعدما علموا وعرفوا فإنه سبحانه لا يلطف بهم ألطافه الخفيّة .

تفسير تقريب القرآن إلى الأذهان

سورة المائدة

52

وبعد هذا القرار الجازم الذي دلّ عليه منطق التاريخ السابق على الإسلام حيث أنّ كل موالٍ لابد وأن يكون هواه مع موالاته لا مع مجتمعه والذي نُهي عنه صريحاً ((فَتَرَى )) يارسول الله ((الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِم مَّرَضٌ ))، أي شك ونفاق، وقد قال إبن عناس : أنّ المراد بذلك عبد الله إبن أُبَيْ ، أنّ عبادة بن الصامت الخزرجي أتى إلى رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلّم) فقال : يارسول الله إنّ لي أولياء من اليهود كثيراً عددهم قوية أنفسهم شديدة شوكتهم وأنا أبرء إلى الله ورسوله من ولايتهم ولا مولى لي إلا الله ورسوله، فقال عبد الله بن أُبَيْ : لكن لا أبرء من ولاية اليهود لأني أخاف الدوائر ولابد لي منهم، ثم أنه شبّه النفاق بالمرض لأنّ كليهما موجب لانحراف الإنسان، فالمرض يوجب إنحراف مزاجه، والنفاق يوجب إنحراف سلوكه المبعوث من إنحراف روحه ((يُسَارِعُونَ فِيهِمْ ))، أي في تولّي أهل الكتاب واتخاذهم أولياء، ولعلّ الإتيان بلفظة (يسارعون) لإفادة أنهم يتولونهم بغير ما ظهر من علائم الإحتياج فإنهم يحتاطون باتخاذهم أولياء لئلا يأتي يوم يحتاجون إليهم وذلك أسوأ حالاً ممن يواليهم إذا ظهرت علامة هزيمة في المسلمين ((يَقُولُونَ ))، أي قائلين لتبرير موقفهم ((نَخْشَى أَن تُصِيبَنَا دَآئِرَةٌ ))، أي دوران الفلك الموجب لتعلية الكفار على المسلمين فإنّا نتّخذهم من الآن أولياء لنكون في أمان إذا دارت الدائرة ((فَعَسَى اللّهُ ))، أي لعلّ الله ((أَن يَأْتِيَ بِالْفَتْحِ )) للمسلمين بأن يفتحوا بلاد الكفار ويكون الغلب لهم على الكفار ((أَوْ أَمْرٍ مِّنْ عِندِهِ )) غير الفتح من إعزاز المسلمين وتكثير عددهم وجلاء الكفار ((فَيُصْبِحُواْ ))، أي يصبح هؤلاء المنافقون الذين والوا الكفار خوف عزّة الكفار ودوران الدائرة على المسلمين ((عَلَى مَا أَسَرُّواْ فِي أَنْفُسِهِمْ )) من موالاة اليهود تمنّي الغلبة لهم، ولعلّ ذِكر (أسرّوا) مع أنهم أعلنوا من ولائهم خوف الدائرة لإفادة أنهم كانوا أسرّوا أشياء كثيرة في أنفسهم كما هو شأن النفاق والمنافق ((نَادِمِينَ)) وليس ندمهم من جهة الحق بل من جهة أنهم خسروا الطرفين المسلمين لأنهم عرفوا نفاقهم والكفار لأنهم هُزموا ورُدّوا .

تفسير تقريب القرآن إلى الأذهان

سورة المائدة

53

((وَ)) إذ قسم الله الفتح للمؤمنين أو أتاهم بأمر من عنده ((يَقُولُ الَّذِينَ آمَنُواْ )) إيماناً صادقاً يقولون متعجبين عن نفاق المنافقين واجترائهم على الله بالأيمان الكاذبة ((أَهَؤُلاء الَّذِينَ أَقْسَمُواْ بِاللّهِ ))، أي هل هؤلاء المنافقون الذين إنكشفت حقائقهم هم الذين حلفوا بالله ((جَهْدَ أَيْمَانِهِمْ ))، أي جهدوا جهد أيمانهم، بمعنى حلفوا بأغلظ الأيمان ((إِنَّهُمْ لَمَعَكُمْ ))، أي مع المؤمنين في صدق الإيمان والمناصرة، كيف حلفوا بتلك الأيمان المغلظة، وقد ظهر نفاقهم خلال المعركة الحاسمة الموجبة لترجيح كفة المسلمين، فإنّ النفاق لا يظهر جيداً إلا في المعارك والمجازف، وهناك حيث عرف المسلمون حقيقتهم تعجّبوا من إيمانهم المزيّف وأيمانهم الغليظة الكاذبة التي بها أرادوا دعم أيمانهم وإدخال أنفسهم في زمرة المؤمنين ((حَبِطَتْ أَعْمَالُهُمْ )) جملة مستأنفة، أي إنّ المنافقين ضاعت أعمالهم الإيمانية بسبب النفاق أو أنهم ضاعت مساعيهم في مصانعة الطرفين بسبب إنهزام الكفار فلا ظهر لهم وكشف باطنهم على المسلمين فيتجنّبون عنهم ((فَأَصْبَحُواْ خَاسِرِينَ)) دنيا وآخرة .

تفسير تقريب القرآن إلى الأذهان

سورة المائدة

54

ثم بعدما بيّن مضرّة النفاق توجّه السياق إلى المؤمنين مبيّناً لهم أنهم إن إرتدّوا فلا يظنوا أنّ ذلك يضر دين الله سبحانه فقد وكّل الله بدينه -في كل دور- أناساً يقومون بشرائط الإيمان، فالمرتد إنما يضر نفسه لا أنه يضر دين الله تعالى ((يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ مَن يَرْتَدَّ مِنكُمْ عَن دِينِهِ)) إرتداداً إلى الكفر أو إلى النفاق، فإنّ إنقلاب الباطن عن الإسلام هو نوع من الإرتداد أيضاً ((فَسَوْفَ يَأْتِي اللّهُ بِقَوْمٍ يُحِبُّهُمْ وَيُحِبُّونَهُ )) فهو ذو صلة بهم وهم ذووا صلة به سبحانه، ولعلّ الإتيان بكلمة (سوف) لئلا يظنون أنّ في تأخير الأمر إنقطاعاً وإنفصاماً للإيمان، بل قد يتأخر مجيء الصلحاء بعد إرتداد قسم من الناس عن الإيمان ((أَذِلَّةٍ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ )) أذلّة من الذِل بكسر الذال ضد الصعوبة، وقد يكون من الذُل بضم الذال ضد العزّة ((أَعِزَّةٍ عَلَى الْكَافِرِينَ))، أي يكونون ليّنين على المؤمنين غلاظ شداد على الكافرين، وإنما كان ذلك مدحاً لأنّ اللين مع الكافر موجب لبقاء الكفر، بخلاف إظهار الشدة الذي يوجب جمع الكفر على نفسه وإنكماشه وعدم تعدّيه إلى المؤمنين الضعاف كما قال سبحانه في آية أخرى (أشداء على الكفار رُحماء بينهم) ((يُجَاهِدُونَ فِي سَبِيلِ اللّهِ )) لإعلاء كلمته ((وَلاَ يَخَافُونَ لَوْمَةَ لآئِمٍ )) فإنّ الجهاد يلازم لوم اللائمين من المؤمنين ومن الكافرين، أما الثاني فواضح وأما الأول فلأنّ الآراء غالباً تختلف وذلك بسبب لوم بعضهم لبعض كما هو المشاهد المحسوس، وكثير من الناس يمنعهم عن الجهاد والإقدام لوم اللائمين لا صعوبة الجهاد، وقد نزلت هذه الآية في علي أمير المؤمنين (عليه السلام) وأصحابه الأكرمين وإن كانت عامة وإن كانت عامة بحسب اللفظ كما هو شأن آيات القرآن غالباً، ولعلّ وجه قوله (يأتي) مع أنّ الإمام (عليه السلام) كان حاضراً وقت النزول إعتبار الوصف، أي قوله (يجاهدون)، تقول : سوف آتي بشخص يفعل كذا، تريدان الفعل (سوف) لا أنّ الشخص (سوف) ((ذَلِكَ )) المذكور في أوصاف القوم من محبة الله لهم ومحبتهم لله ولينهم للمؤمنين وصعوبتهم على الكافرين وجهادهم بدون خوف اللوم ((فَضْلُ اللّهِ )) حيث تفضّل عليهم بهذه الصفات وهداهم إلى الحق ((يُؤْتِيهِ ))، أي يُعطي هذا الفضل ((مَن يَشَاء )) ممن كان قابلاً وأهلاً ((وَاللّهُ وَاسِعٌ )) فضله فلا يخاف نفاده إن أعطى أحداً ((عَلِيمٌ)) بموضع فضله وجوده .

شاهد أيضاً

الولايات المتحدة تعتزم إرسال جنرالات لوضع خطط للعملية المقترحة في رفح

تعتزم الولايات المتحدة الأمريكية إرسال جنرالات لوضع خطط للعملية المقترحة في مدينة رفح جنوبي قطاع ...