شريحة الرياضيين العراقيين في زمن النظام البائد تعرضت كسائر الشرائح الأخرى إلى هجمة شرسة وشعواء أدت بها إلى قاع الهرم بعد أن كانت تتوسد قمته دوما” وقد تعرض الرياضيين إلى اشد أنواع التنكيل والتعذيب الجسدي والنفسي والتسفير ألقسري بالإضافة إلى الإقصاء والتهميش . تدور رحى الزمن وتسير بنا عجلة الأيام نذرف دموع الفرح تارة ودموع الحزن تارة أخرى وهي كبيرة وكثيرة وتدق نواقيس الزمن الغابر في ذاكرتنا ونحن نستذكر ليالي الظلم والقهر والظلام وأشباحها الظلمة الظلاميون ، و نستذكر قصص شهدائنا الأبطال ونسبر أغوار بطولاتهم وتضحياتهم فتنتشي الروح عند استذكارهم .
وقصة اليوم نستذكر بها بطل من أبطال الرياضة وشجاع يشار إليه بالبنان الذي تقلد أوسمة الرياضة قبل أن يتقلد أوسمة الشهادة فنالهما بكل فخر واعتزاز وهو في ريعان شبابه انه شهيدنا ( محسن كاظم محمد عباس الهاشمي ) والذي ولد في 1/7/1961كان طفلا” مرحا” محبوبا” من جميع أبناء مدينته الشواكة هذه المدينة الجميلة ذات الأزقة الضيقة و التي تغفو على ضفاف نهر دجلة ابن بغداد وساقيها شهيدنا أراد أن يكون منذ نعومة إظفاره رياضيا” مشهورا” فكان يمارس هوايته المحببة لديه السباحة التي يعشقها عشقا” كبيرا” والذي سهل عليه تعلم هذه الرياضة النبيلة هو قرب منزله من نهر دجلة إضافة إلى انه نشا وترعرع وسط عائلة تحب وتعشق الرياضة والأدب فوالده كان رياضيا” وكاتبا” وأديبا” في نفس الوقت وكما يقولون ( الولد على سر أبيه) فقد لعب ضمن تشكيلة نادي الكرخ الرياضي وشارك في عدة بطولات محلية ودولية وحاز على عدة أوسمة وجوائز في لعبتي الملاكمة والسباحة ومن اعز أصدقائه بطل العراق والعرب واسيا والعالم العسكري بالملاكمة إسماعيل خليل .
شارك شهيدنا بعدة بطولات وحاز فيها على عدة أوسمة في المكسيك و قطر والبحرين وغيرها من الدول وكانت للشهيد محسن الهاشمي هواية أخرى هي حب جمع الأحجار الكريمة فاعتمد كليا” على نفسه فافتتح له محلا” تجاريا” وكان يمتلك حجرا” ( الماس ) من الحجم الكبير وفي احد الأيام جاءته مجموعة من الأشخاص بحجة شراء هذه الماسة فعندما أخرجها لهم قبضوا عليه وظهر أن هؤلاء هم من رجال الأمن العامة ( سيئة الصيت ) وسجن على هذا
الأساس في 25/8/1987لمدة ثمانية اشهر ولفقت له تهمة مفبركة وجاهزة وهي التهجم على سياسة النظام البائد فصادروا له المحل ومقتنياته الثمينة الجميلة لاقى شهيدنا خلال فترة اعتقاله هذه اشد أنواع التعذيب وأقساها نفسيا ” وجسديا” وبعد خروجه من أنياب الذئاب ومخالبها والتي لا ترحم ولا تفرق بين طفل وكبير مرت عليه الليالي وكأنها شهورا” وتزوج وأمتلك محلا” لصياغة الذهب حيث انه كان أول خبير في صياغة حجر الماس وغيرها من الأحجار وقد ذاع صيته بين الصاغة في كل محافظات القطر مما حدى بالأجهزة القمعية للنظام البائد بمراقبته وتلفيق التهم له وذات يوم دخلت عليه سيدة في المحل تطلب منه صياغة حجر الماس على شكل خاتم رجالي وعندما أخرجته من حقيبتها ذهل ذهولا” وضرب بأعشار يده على هامة رأسه لأنه الحجر الذي كان يملكه وسجن بسببه وقال لها من أين لكي هذا ؟ انه ثمين جدا” فأجابت انه لجماعة فقال من هم هؤلاء الجماعة ؟فقالت انه لعدي صدام حسين واخذ الخاتم وهو مكرها” على صياغته
وبعد فترة جاءت واستلمت الخاتم منه وذهلت لصياغته الجميلة وأعطته مبلغا” كبيرا” من المال وقد أعجبت بالفن الجميل لدى الصائغ الخبير وقالت له ان الجماعة قد أعجبوا بصياغتك هذه وأرادوا أن تكون الصائغ الخاص بهم فوقع بين أمرين فهو لا يطيق سماع ذكرهم ولا يستطيع أن يرفض أمرا” لمعتوه العراق وطاغيته الصغير عدي صدام فبقي حائرا” متحيرا” فبذؤا بالتردد عليه هم والحاشية فحرم من الذهاب إلى المنزل لمدة طويلة وحتى بيته الثاني النادي الذي ترعرع ونشا فيه لأنه وجب عليه أن ينجز ما أرادوا منه إنجازه من صياغة وتثمين الأحجار الكريمة
كان لا يعجبه هذا الوضع أبدا” فهو دائم السفر إلى لبنان والى إيران والتقى هناك خلسة” بأصدقاء معارضين او هاربين من بطش الطاغية المقبور صدام حسين حتى سنحت له الفرصة في المشاركة في الانتفاضة الشعبانية المباركة عام 1991في مدينة كربلاء المقدسة ،
وتمر الأيام بمراراتها وعذاباتها بين فرح يوم أو ساعة وبين نكد سنة وأصبح للشهيد بنتين بعمري الورود وذات يوم مغبر مظلم وبالتحديد في 19/10/93اعتقل من قبل الأجهزة القمعية للنظام البائد ولم يعلم به احد ويعرف عنه أي شيء وبعد مضي أكثر من ستة اشهر على غيابه وبعد معانات وبحث مستمر ودفعا” للأموال عرفوا انه في سجن الأمن العامة السيء الصيت وسمحوا لزوجته وابنتيه وأهله برؤيته وبعد انتظار طويل ومحاربة نفسية أخرجوه لنا مع اثنين من الجلادين وهو مكتوف الأيدي يسحب برجليه وكأنها خيوط بالية من شدة التعذيب
فذهلت العائلة لما رأت من هول المصيبة التي وقعت على ابنهم حتى إنهم لم يتعرفوا عليه في بداية الأمر لأنه كان عبارة عن هيكل عظمي فبكينا لهول ما شاهدناه لكنه كان صلدا” فرفض بكاؤنا راضيا” بقدر وبحكمة الله فمرت عليه أكثر من سنتين
مع العلم انه لم يخبرنا بقرار الحكم الجائر ضده وهو الإعدام خوفا” علينا وبحسابات كان يتوقعها من هؤلاء المجرمين .
استمر هؤلاء الجلاوزة باستخدام أقذر الأساليب مع عائلة الشهيد من ابتزاز وترهيب وغيرها وفي يوم 15/9/1995كانت عقارب الساعة تشير إلى التاسعة مساء” وإذا بهاتف أهل زوجة الشهيد محسن الهاشمي يرن وكانت زوجته قد سكنت مع أهلها بعد اعتقال زوجها فقالوا أنت فلانة فأجبت بنعم واخبروني بان احضر إلى امن بغداد عند الساعة الثامنة صباحا” لتأخذي زوجك واقفلوا الخط ، ففرحت فرحا” لا يعادله فرحا” آخر وهي كانت متاملة بإطلاق سراحه وذهب معها أخ الشهيد فنادوا باسمها وادخلوها لوحدها ووضعوا إمامها عدة أدوات وقالوا لها وقعي فوق هذه الأوراق والتي لم أرى ما هو مكتوب عليها فأخرجوني وعندما شاهدني اخو زوجي جاء مهرولا” خائفا” علية من هؤلاء
الوحوش أولا” ومن أن يسمع خبرا” لا يسر صديقا ” ولا عدوا” فقلت له بالذي جرى وسألته متى يطلق سراحه فأجاب وكأنه يعلم شيئا” جئنا إلى بيت أهل زوجي ورأيت عمي (والد زوجي) يبكي وقلت لم تبكي ؟ إني وقعت الأوراق وسوف يطلق سراحه لان العفو يشمله فقال لها أي عفو هذا إن مثل هؤلاء لا يعترفوا بالمواثيق ولا الأعراف انك وقعت على هذه الأوراق معترفة” بأنك تعلمين بإعدامه وممنوعة من إقامة مجلس العزاء على روحه وعدم تشييع جنازته ومصادرة أمواله المنقولة ذهلت لهول المصيبة وللخسة والنذالة والانحطاط الذي وصلت إليه حكومة البعث المقبور واز لام النظام البائد .
تصوروا إن الذي يريد أن يستلم جثة احد أفراد عائلته الذي أعدمه النظام البائد فعليه أن يدفع جزية ليستدل على مكان دفن جثته فقط وبعد أن دفعنا هذه الجزية لأحد ضباط الأمن عن طريق جماعة وعرفنا انه مدفون في نهاية مقبرة الكرخ حفرنا القبر ونقلنا جثمان الشهيد الطاهر إلى مكان أخر في المقبرة وقالوا لنا لا تكتبوا على
واجهة قبره سبب الوفاة لأننا سوف نحاسب اشد الحساب من قبل المسئولين . عرفنا بعد مدة وعن طريف دفع الجزية ثانية انه قد تم إصدار حكم الإعدام الجائر ضده من قبل المحكمة الخاصة (السيئة الصيت ) في 6/11/1994وتم تنفيذ الحكم في 8/3/1995وقد وضع مع المئات من الشباب في جملونات لمدة شهرين بلا تغسيل ولا تكفين ووضعوا في معصمه قيد من البلاستيك مكتوب عليه رقما” فقط حتى لا يستدل عليه احد ، رحل الشهيد ( محسن كاظم محمد عباس الهاشمي ) وهو في عنفوان الشباب تاركا” عائلة مكونة من زوجة لا حولة لها ولا قوة وطفلتين عمر الأولى سنتان وثمانية اشهر وعمر الثانية ثمانية اشهر تجرعت بعده المرار وغدر الزمان وبعد الخلان ، هكذا تنتهي قصص الشهداء الأبطال و خواتيمها دائما” هي مسك الشهادة وعنبر البطولة والوفاء للقيم والمبادى الإنسانية وحب الأوطان الذي هو من الإيمان كما قال رسول الله صلى الله عليه واله وسلم .
المصدر: مؤسسة الشهداء
الولاية الاخبارية