الوقت- بعد أن أثبت الحشد الشعبي في العراق قدرته الفائقة على تحقيق انتصارات باهرة على الجماعات الإرهابية لاسيّما “داعش” وتحرير معظم المدن والنواحي التي كانت تحت سيطرة هذا التنظيم منذ منتصف عام 2014، بات من الضروري الاستفادة من إمكانات الحشد لتحقيق أهداف أخرى تتعلق بمستقبل العراق على كافة المستويات الاجتماعية والاقتصادية والثقافية.
ويمكن إجمال هذه الأهداف بما يلي:
حفظ الوحدة الوطنية
بما أن الحشد الشعبي يتشكل من فصائل تمثل كافة أطياف الشعب العراقي الدينية والقومية والمناطقية، فمن الطبيعي أن يقوم الحشد بدور متميز وأساسي في حفظ وحدة وانسجام العراق في إطار الدستور باعتباره مؤسسة قانونية حصلت على تأييد البرلمان ووضعت له كافة السياقات الصحيحة لأداء دوره الوطني على أحسن وجه.
وتجدر الإشارة هنا إلى أن الحشد يتمتع بميزة مهمة وهي اندفاعه نحو أداء مسؤولياته بروح معنوية عالية تنم عن استعداده لبذل الغالي والنفيس من أجل حفظ وحدة وسيادة العراق.
كما ينبغي التذكير بأن الحشد الشعبي لا يتعارض من الناحية القانونية مع المؤسسات الدستورية الأخرى في العراق، وهذا ما يجعله طرفاً مهماً وفاعلاً في رسم مستقبل البلد في مختلف المجالات.
كما لابد من التطرق إلى أن الحشد يتمتع بمحبوبية كبيرة لدى مختلف شرائح المجتمع العراقي، وهذا الأمر يؤهله أيضاً لأداء مسؤولياته بشكل أفضل.
إعادة بناء البلد
بعد الدمار الكبير الذي ألحقته الجماعات الإرهابية بالبنى التحتية للعراق في شتى الميادين الاقتصادية والعمرانية والخدمية، بات من الضروري الاستفادة من قدرات الحشد الشعبي لإعادة بناء البلد باعتباره يضم أعداد كبيرة من المتطوعين الشباب القادرين على أداء هذا الدور وفي كافة الاختصاصات، خصوصاً وأن العديد من القياديين في الحشد كانوا يشغلون حقائب وزارية تنفيذية بينهم رئيس منظمة بدر “هادي العامري” الذي شغل منصب وزير النقل في حكومة رئيس الوزراء السابق نوري المالكي.
محاربة الفساد
يعاني العراق من انتشار الفساد الإداري والمالي في مختلف مفاصل الدولة نتيجة انشغال الحكومة بمحاربة الإرهاب من جهة ومحاولة ضعاف النفوس لاستغلال الثغرات القانونية لتحقيق أهداف شخصية وفئوية من جهة أخرى. وهذا الأمر يتطلب القيام بسلسلة من الإصلاحات الإدارية والقانونية وعلى كافة المستويات. ويعتقد المراقبون بأن الحشد الشعبي قادر على لعب هذا الدور باعتباره يضم نخبة من المثقفين والأكاديميين المعروفين بالصلاح والأمانة والحرص على مؤسسات وممتلكات الدولة.
ومن الضروري الإشارة هنا إلى أهمية بسط العدل في توزيع ثروات الدولة بين كافة شرائحها وتجاوز الأخطاء السابقة التي تسببت ببروز ظواهر اجتماعية غير لائقة في مقدمتها الفقر والبطالة. والحشد الشعبي يحظى بالأولوية للاضطلاع بهذا الدور لامتلاكه قيادات صالحة شريطة أن تناط بهم المسؤوليات ذات العلاقة في هذا المجال.
ومن المهم جداً الاستفادة من توجيهات ونصائح المرجعية الدينية المتمثلة بسماحة آية الله العظمي السيد علي السيستاني للنهوض بالبلد في كافة المجالات من خلال استثمار طاقات الحشد الشعبي في تحقيق هذا الهدف.
إعادة وإسكان النازحين
يعاني العراق من وجود أعداد كبيرة من النازحين في داخل أراضيه بسبب العمليات الإرهابية، وهذا الأمر يتطلب تكاتف كافة الجهود لإعادة هؤلاء النازحين إلى مناطق سكناهم وتوفير كافة ما يحتاجونه من إمكانات اقتصادية وخدمية وعمرانية. ومما لاشك فيه أن الحشد الشعبي قادر على لعب دور أساسي في هذا المجال شريطة أن تتاح له الفرصة للاضطلاع بهذا الدور.
الرعاية الصحية والطبية
يعاني العراق أيضاً من قلة الإمكانات الصحية والطبية بسبب انشغاله بمواجهة الإرهاب من ناحية وسوء التخطيط من ناحية أخرى. ولمعالجة هذا الخلل لابد من الاستفادة من طاقات الحشد الشعبي من خلال إتاحة المجال لعناصره في الانخراط في مختلف المؤسسات الصحية والطبية في كافة أنحاء البلاد.
التعليم
لاشك أن التعليم في كافة مفاصله يمثل ركيزة أساسية لبناء وتقدم البلد، وهذا الأمر يتطلب الاستفادة من قدرات الحشد الشعبي باعتباره يضم الكثير من العناصر المتعلمة وأصحاب الشهادات الأكاديمية قي شتى الاختصاصات. وهذا الأمر في حال تحققه يعالج قضيتين أساسيتين يعاني منها العراق؛ الأولى تتمثل بحرمان الكثير من سكانه من فرص التعليم الكافي، والثانية تتمثل بالقضاء على البطالة لاسيّما في أوساط الشباب وتحديداً بين حملة الشهادات الأكاديمية وذلك من خلال منحهم فرص كافية للتوظيف في قطاعات التربية والتعليم في مختلف أنحاء البلاد.
ولاننسى أن نشير هنا إلى أهمية بناء مدارس ومراكز تعليمية كافية في العراق لمواجهة خطر الأمية وإتاحة الفرصة للجميع من أجل التعلم والحصول على مهنة تمكنهم من التغلب على ظروف الحياة الصعبة التي يمر بها البلد في مختلف المجالات.
خلاصة القول أن الاستفادة من إمكانات الحشد الشعبي بالشكل الصحيح كفيلة بحفظ وحدة العراق والنهوض بالبلد في كافة الميادين الاقتصادية والاجتماعية والثقافية والعمرانية، وهذا يتطلب التعاون والتنسيق الوثيق بين كافة مؤسسات الدولة، وتوزيع المهام بشكل عادل ومدروس بين مختلف شرائح المجتمع بغض النظر عن انتماءاتهم المذهبية والقومية لتحقيق التقدم والازدهار في شتى الميادين.