الرئيسية / تقاريـــر / أسرار وسيناريوهات المرحلة المقبلة

أسرار وسيناريوهات المرحلة المقبلة

لا أجواء كانت تدلّ على أن سعد الحريري سيُقدّم استقالته من رئاسة الحكومة اللبنانية، وبين ساعة وأخرى طلّ الحريري من “مكان ما” في السعودية تاليًا بيان الاستقالة بلهجة أميرية سعودية ركيكة.

وكالة تسنيم الدولية للأنباء: سُرعان ما انتشرت نيران استقالة الحكومة في الأوساط التحليلية كما تسري النيران في الهشيم وبدأت سيل التحليلات حول مستقبل لبنان السياسي والاقتصادي والاجتماعي.

ما يُسجّل لاستقالة الحريري هي أنّها أتت مفاجئة حتى على مستوى تيار المستقبل الّذي سمعها كسائر اللبنانيّين من وسائل إعلام سعودية. وفيما قالت رئاسة الجمهورية اللبنانية إنها تنتظر عودة الحريري الى لبنان لوضعها في ملابسات الاستقالة، لا يبدو أن الحريري عازم على العودة الى لبنان قريبا أو الأحرى “لن يُسمح” له بترك السعودية وأقصى مجال أُتيح له هو مكالمة هاتفية أبلغ فيها الرئاسة اللبنانية الأولى قراره المُفاجئ.

غياب الحريري عن السّاحة السياسيّة اللبنانيّة في المرحلة المقبلة قد تسبب هزات كبيرة في لبنان، أو ربّما تكون هزّة ارتدادية لفشل المشروع السّعودي الأمريكي عبر هزيمة مشاريع الإرهاب والتقسيم في العراق وسوريا. وفي كلا الحالتين سيُبنى على الشيء مقتضاه فيما خص المرحلة المُقبلة من مستقبل لبنان والمنطقة، وهُنا لا بدّ من تسجيل النقاط التالية:

النقطة الأولى، من الواضح أن القرارات السعودية تسير بشكل منسجم مع قرارات إدارة ترامب وذلك من أجل احتواء هزيمة مشاريعهم في المنطقة. وبطبيعة الحال تبدو قرارات ابن سلمان كقرارات ترامب تحتوي على مستوى عال من الجنون قد يتيح باستقرار ما تبقى من دول في المنطقة استطاعت الحفاظ على نسبة من الاستقرار طوال فترة عبث الإرهاب بمقدراتها. وعلى هذا الأساس لا يُمكن اعتبار قرار سعد الحريري في الاستقالة هو قرار سياديّ للبنان ولا هو قرار حزبي داخل تيار المستقبل بل لا يخفي على أنصار الحريري في بيروت على المستويين الشعبي والسياسي بأن القرار سعودي وبيان الاستقالة سعودي لكن القارئ كان رئيس الحكومة اللبنانية.

النقطة الثانية، من المرجّح أن السعودية تُلقي بآخر أوراق لعبتها في المنطقة بعد فشلها في العراق وسوريا واليمن، وهي لا تُبالي إن كان هذا على حساب الاستقرار في لبنان الذي استطاع أن يُجنّب داخله من النار الإقليمية المستعرة وبقيت وجهات النظر الإقليمية للأطراف اللبنانية خارج حدود هذا البلد، لكنها كانت مجتمعة حول الطاولة في الداخل اللبناني لإدارة لقمة عيش المواطن اللبناني الّذي امل خيرا منذ تولّي الرئيس عون لرئاسة الجمهورية اللبنانية.

الاستقرار في لبنان، الّذي يشكل أهمية لحزب الله والجمهورية الإسلامية الإيرانية كما سائر الطراف اللبنانية، يفهمه الحريري جيّدا وسمعه بالصيغة التأكيدية من قبل مستشار قائد الثورة الإسلامية للشؤون الدولية علي أكبر ولايتي يوم أمس الجمعة لكن السعودية عازمة على مواجهة حزب الله على حساب استقرار لبنان السياسي والاجتماعي.

النقطة الثالثة، لم يعد من المستغرب التصرفات السعودية الإقليمية التي يتبناها محمد بن سلمان والقائمة على سرعة اتخاذ القرارات، كحربه على اليمن وقطعه للعلاقات مع قطر مرورا بالعديد من الحوادث ولن تكون انتهاء بإجبار الحريري على تقديم استقالته من رئاسة الحكومة اللبنانية. كما أنّه ليس معلوما متى يرضخ بن سلمان للتسويات على الرغم من الخسائر والهزائم والنكسات التي يلقاها على كل صعيد.

بناء على ما تقدم، يُمكن رسم عدد من السيناريوهات التي لن يطول الأمر حتى يُكشف عنها وذلك بسبب التسرع في اتخاذ القرارات في البلاط السعودي، وتتلخص هذه السيناريوهات بالتالي:

السيناريو الأول، أن تكون استقالة الحريري تسعى الى تحقيق مكاسب انتخابية في عدّة اتجاهات: مكاسب انتخابية شخصية عبر كسب الصوت السّني كاملا خصوصا بعد ظهور شخصيات لبنانية متطرفة استطاعت ان تهزمه بلديًّا في أكثر من مكان كان يُعتقد بأنّه معقل لآل الحريري، أما الاتجاه الثاني فهو صوت السياسة الإقليمي حيث تشير الإحصاءات الى انخفاض مستوى التأييد الشعبي لقوى ما يسمى سابقا ب “14 آذار” الداعمة للموقف الأمريكي والسعودي، وربّما يسعى الحريري عبر كيل الاتهامات لحزب الله أن يحصّل صوتا على حساب السياسة الإقليمية لصالحه. في النتائج، ربّما لن يُفلح الحريري في مسعاه هذا بسبب القانون الانتخابي اللبناني الجديد بانتظار نتائج هذه الانتخابات المرتقبة في الربيع المقبل.

السيناريو الثاني، ممارسة الضغوط الاقتصادية على لبنان كبلد وليس فقط على حزب الله كحزب وفريق لبناني معارض للسعودية وللسياسة الأمريكية في المنطقة، وبالتالي محاولة إيجاد فرقة بين مختلف أبناء الشعب اللبناني خصوصا بين الشريحة اللبنانية الداعمة لحزب الله ومنطق المقاومة وبين الشريحة اللبنانية المؤيدة للسياسات السعودية.

هذا السيناريو قد يكون صعبا من حيث التنفيذ لوجود خطوط حمر دولية تتمثل بمؤسسة الجيش اللبناني، وفي ظل وجود رئيس لبناني قوي في سدّة الحكم وهو العماد ميشال عون الذي سيحبط أي محاولة للضغط على الشعب اللبناني.

السيناريو الثالث، والّذي قد يكون الأقرب لجنون بن سلمان فهو ضربة عسكرية قد يشنها على حزب الله في سوريا، أو عبر تمهيد الأرضية لحرب إسرائيلية ضد لبنان والمقاومة.

ورغم أن هذا الخيار يرفضه العقل إلّا أنّه قد يوافق جنون بن سلمان والحماقة الإسرائيلية. وهنا يجب الالتفات الى ما يلي: أي ضربة عسكرية لتحالف ما ضد قوى المقاومة في سوريا لن تستهدف حزب الله فحسب بل ستستهدف إيران بشكل مباشر كما ستستهدف سوريا وقوى مقاومة أخرى، وهذا ما سيتوجب ردّا من الجميع ضد هذه الضربة.

وفيما خص الحرب الإسرائيلية وتوفير السعودية لمقدماتها يبدو الأمر أكثر تعقيدا إلّا إذا سيطرت الحماقة على القرار الإسرائيلي حيث لن يكون حزب الله فقط في مواجهتها بل كامل محور المقاومة بمختلف الإمكانات المتوفرة التي لن تضمن أي انتصار للكيان الصهيوني في الحرب بل قد يعرض هذا الكيان خسارة جسيمة في العتاد والأفراد والأرض.

كنتيجة نهائية لاعتبارات وسيناريوهات السعودية والحريري فيما خص تقديم استقالة الأخير يبدو أن هذه الخطوة كانت متسرعة جدا ولن تؤدي الى وضع لبنان تحت عباءة “مملكة الرمال” بأي شكل من الأشكال لأن هذا البلد الصغير (أي لبنان) الكامن على بوابة البحر المتوسط محكوم عليه بالتّعايش المشترك بين أبناءه بكل توجهاتهم السياسية والاجتماعية وهذا ما يجب أن تفهمه السعودية عاجلا وليس آجلا.

شاهد أيضاً

الزهراء الصديقة الكبرى المثل الأعلى للمرأة المعاصرة / سالم الصباغ‎

أتشرف بأن أقدم لكم نص المحاضرة التي تشرفت بإلقائها يوم 13 / 3 في ندوة ...