الرئيسية / صوتي ومرئي متنوع / روح العبادة الآداب المعنوية للعبادات

روح العبادة الآداب المعنوية للعبادات

التمارين

ضع إشارة û أو ü في المكان المناسب:

1 – العبادة نتيجة طبيعية في هذا الوجود تُمليها طبيعة العلاقة بين الإنسان الفقير والخالق الغني، ولكن يمكن للإنسان أن يتحرّر من هذه الطبيعة الحاكمة إذا شاء 

2 – من يجب أن يؤلّه هو الذي بيده مقاليد كلّ شيء وهو يملك الخلق والموت والحياة وهو الله سبحانه وتعالى 

3 – إنّ الخضـوع لإرادة اللـه القاهـرة الهدف منه تحصيل المكاسب الأخروية فقط 

4 – الله تعالى هو القاهر وإرادته هي النافذة، ولكن يمكن للإنسان أن يقاوم سلطانه ومشيئته ولا يخضع لإرادته كما يفعل الكفار والمشركون 

5 – الإنسان في لحظةٍ من اللحظات لم يكن شيئاً مذكوراً: ﴿ هَلۡ أَتَىٰ عَلَى ٱلۡإِنسَٰنِ حِينٞ مِّنَ ٱلدَّهۡرِ لَمۡ يَكُن شَيۡ‍ٔٗا مَّذۡكُورًا ﴾ ثم أُفيضت عليه الحياة والروح ووُهِب من ألوان النعم التي تبهر العقول وسخّر له كل هذا الوجود 

6 – توجد علاقة حتمية بين الشكر والعبودية وبين إفاضة النّعم والخيرات 

7 – تحدّث القرآن الكريم عن الخلق والإيجاد وربط بين مبدأ الخلق والتكوين من جهة، وبين العبادة والخضوع لله من جهة أخرى، كحقيقتين مترابطتين لا تنفكّ إحداهما عن الأخرى 

8 – إنّ الحقيقة التي تجعل من الإنسان عبداً لله دون غيره هي كونه لا يملك شيئاً في هذا الوجود وهو محض الضعف والفقر والعجز 

9 – العبودية التكوينية تعني أنّ الخالق سبحانه وتعالى هو الذي يملك الخلق والموت والحياة بمشاركة أوليائه الكمّل 

10 – يُمثّل الإنسان في العلاقة بين خروج الأمر والتصرّف من يد الإنسان، وانتظام الكون والحياة والحوادث والوقائع طرف الاستجابة والخضوع والعبودية لمشيئة الله وحكمته  

 

المفاهيم الرئيسة

  1. جعل القرآن عبادة الله نتيجةً تتولّد بصورةٍ طبيعيةٍ عن حقيقة أن الخلق لله وأنه تعالى خالق الإنسان وخالق كلّ شيء.

  2. يكشف القرآن الكريم أن الذي يملك الخلق والموت والحياة هو وحده الذي يجب أن يؤلّه، وبالتالي الوحيد الذي يستحقّ العبادة والوحيد الذي يصحّ أن يكون الإنسان عبداً له.

  3. إن الله تعالى هو القاهر وإن إرادته هي النافذة، ولا يستطيع أحدٌ أن يردّها أو يقاوم سلطانه ومشيئته، وليس أمام الإنسان إلاّ أن يخضع لإرادة خالقه ويلتزم بأوامره ونواهيه ويسلّم لحكمه، وهذه الحقيقة توجب عبادته تعالى.

  4. هناك علاقة وثيقة بين خروج الأمر والتصرّف من يد الإنسان، وانتظام الكون والحياة والحوادث والوقائع وفق إرادة الله ومشيئته من جهةٍ وبين عبودية الإنسان اللازمة لله سبحانه وتعالى من جهةٍ أخرى.

  5. ثبّت القرآن الكريم العلاقة الحتمية بين شكر الإنسان وعبوديته لله وبين إفاضة النّعم والخيرات من قبله تعالى، فاعتبر الاعتراف بالفضل والنّعم وأداء الشكر والامتنان والعبادة واجباً يترتّب على الإنعام والتفضّل، وعدّ التنكُّر لفضل الله ونعمه كفراً وتمرّداً على العبودية لله سبحانه.

  6. إن حقيقة الإنسان هي أنه مخلوقٌ ضعيفٌ وعاجزٌ، محتاجٌ وفقير، بل هو عين الفقر والعجز.

  7. إن انحصار الخلق والملك والقهر والأمر والربوبية بالله تعالى من جهة، والفقر والاحتياج والعجز الإنساني من جهة أخرى، هي حقائق ترسم صورة العلاقة بين الإنسان وخالقه وهي عبودية الإنسان لله وحده.

 

للمطالعة

كيفية حصول التفرّغ للعبادة

اعلم أن التفرّغ للعبادة يحصل من تكريس الوقت والقلب لها. وهذا من الأمور المهمة في باب العبادات. فإن حضور القلب من دون تفريغه وتكريس الوقت له غير ميسور، والعبادة مندون حضور القلب، غير مجدية. وما يبعث على حضور القلب، أمران: أحدهما: تفريغ القلب والوقت للعبادة. ثانيهما: إفهام القلب أهمية العبادة. والمقصود من تفريغ الوقت هو أن الإنسان يخصّص في كل يوم وليلة وقتاً للعبادة ويوطّن نفسه على العبادة في ذلك الوقت، رافضاً الانشغال في ذلك الوقت بأي عمل آخر.

وعلى أي حال لا بدّ للإنسان المتعبد، أن يوظّف وقتاً للعبادة. وأن يحافظ على أوقات الصلاة التي هي أهمّ العبادات وأن يؤديها في وقت الفضيلة، ولا يختار لنفسه في تلك الأوقات عملاً آخر. وكما أنه يخصّص وقتاً لكسب المال والجاه والدراسة والبحث، كذلك لا بدّ أيضاً من تخصيص وقت للعبادات، حتى يكون خالياً من أي عمل آخر، ويتيسّر له حضور القلب الذي هو بمثابة اللبّ والجوهر. ولكن إذا فرضنا بأن شخصاً مثلي تكلّف من أداء صلاته، ورأى بأن العبادة من الأمور الزائدة، لأجّل صلاته إلى آخر الوقت، ولأتى بها بكل فتور ونقص، لما يرى حين التهيؤ لأداء الصلاة، من أن هناك أموراً أخرى أهمّ منها في نظره، وأنها تتزاحم مع هذه الأمور الهامة، فيفضّل غير الصلاة عليها. ومن المعلوم أن مثل هذه العبادة لا نورانية لها، بل تكون مثار سخط إلهي، ويكون مستخفاً بالصلاة ومتهاوناً في أمرها. أعوذ بالله من الاستخفاف بالصلاة وعدم الاكتراث به[1].

[1]  الإمام الخميني دام ظله، الأربعون حديثاً، الحديث 27: حضور القلب.

                       العبودية المطلقة لله هي الهدف

 

 

أهداف الدرس

على المتعلّم مع نهاية هذا الدرس أن:

  1. يشرح دور العبادة في تحقّق العبودية.

  2. يبرهن أنّ العبودية المطلقة لله هي الهدف من خلق الإنسان.

  3. يبيّن أنّ كمال الإنسان في العبودية لله.

 

 

تمهيد

ذكرنا في الدرس السابق أثناء استعراض الحقائق الموجبة لعبادة الإنسان لله تعالى، في عدّة موارد لفظة “العبودية” وقلنا، إنّ الذي يملك الخلق والموت والحياة هو وحده الذي يجب أن يؤلّه، وبالتالي الوحيد الذي يستحقّ العبادة والوحيد الذي يصحّ أن يكون الإنسان عبداً له. وبما أن العبودية خضوعٌ مطلقٌ وتسليمٌ تامٌّ للمعبود، فلا يصحّ خضوع المملوك واستسلامه إلاّ لمالكه. فما هي العبودية وما هي علاقتها بالعبادة؟ وهل هي نفس العبادة أم هي شيءٌ آخر؟

 

ما هي العبودية؟

“العبد” هو الإنسان المملوك لمولاه، الذي لا يملك لنفسه شيئاً، والذي تكون إرادته تابعةً لإرادة مالكه، فلا يطلب شيئاً إلّا تبعاً لطلبه ومشيئته، ولا يعصي له أمراً ولا يتمرّد على حكمه.

و“العبوديّة” هي إظهار منتهى الخضوع للمعبود، والتسليم له، وامتثال الطاعة والانقياد له، بلا قيدٍ ولا شرط. والمعبود الوحيد الّذي له حقّ العبادة على الآخرين، هو الّذي بذل منتهى الإنعام والإكرام، وليس ذلك سوى الله سبحانه.

فمعنى أن أكون عبداً، أن لا أقوم بأيّ فعل حتّى أعلم حكم الله فيه فأعمل وفقه، وأن لا تكون لي إرادة في مقابل إرادة الخالق، وأن لا أريد إلّا ما أراده، ولا أرى لنفسي حولاً ولا قوّةً على شي‏ءٍ إلّا بتوفيقه تعالى ومنّه.

رُوي عن مولانا الإمام الصادق عليه السلام لمّا سُئِل عن حقيقة العبوديّة: “ثلاثة أشياء،

 

أن لا يرى العبد لنفسه فيما خوَّلهُ الله مِلْكاً لأنّ العبيد لا يكون لهم مِلْكٌ يرون المال مال الله يضعونه حيث أمرهم الله به، ولا يُدَبِّرُ العبد لنفسه تدبيراً وجُملَة اشتغاله فيما أمره تعالى به ونهاه عنه، فإذا لم ير العبد لنفسه فيما خوَّلَه الله تعالى مِلْكاً هان عليه الإنفاق فيما أمره الله تعالى أن يُنفِق فيه، وإذا فوَّضَ العبد تدبير نفسه على مُدَبِّره هان عليه مصائب الدّنيا، وإذا اشتغل العبد بما أمره الله تعالى ونهاه لا يتفرّغ منهما إلى المِرَاءِ والمباهاة مع الناس، فإذا أكرم الله العبد بهذه الثلاثة هان عليه الدّنيا وإبليس والخلق ولا يطلب الدّنيا تكاثُراً وتفاخُراً ولا يطلب ما عند الناس عزّاً وعلوّاً ولا يدع أيّامه باطلًا، فهذا أوّل درجة التُّقَى، قَالَ اللهُ تَبَارَكَ وَتَعَالَى: ﴿ تِلكَ ٱلدَّارُ ٱلأخِرَةُ نَجعَلُهَا لِلَّذِينَ لَا يُرِيدُونَ عُلُوّا فِي ٱلأَرضِ وَلَا فَسَادا وَٱلعَٰقِبَةُ لِلمُتَّقِينَ ﴾”[1] [2].

يلاحَظفيهذا الحديثالشريف، أنّ العبوديّة الحقّة قد اعتُبرت عين التسليم والطاعة في الأفعال والإرادة والاختيار وسائر الأمور. فالعبودية إذاً صفة تدلّ على فناء إرادة العبد في المعبود وانقياده له في كلّ شيء. فهي الطاعة الكاملة والتسليم المطلق الذي لا يشوبه عصيان أو تمرّد سواء في الظاهر أم في الباطن. وبعبارة أخرى العبودية تعني التعلُّق بالمولى وإرادته، فلا نملك في قباله عزّ وجلّ شيئاً وليس لنا أن نُقصِّر في طاعته.

 

العلاقة بين العبادة والعبودية

ذكرنا في الدرس الأول أن العبادة بالمصطلح الخاص أي الفقهي هي الإتيان بالأعمال العبادية أي العبادات الشرعية من صلاة وصيام وغيرها من العبادات المذكورة في المصادر الشرعية المعتبرة. وهي بمعناها الأعم طاعة الله في جميع شؤون حياة الإنسان، كما ورد في حديث الإمام الصادق عليه السلام في تفسير قوله تعالى ﴿ وَٱتَّخَذُواْ مِن دُونِ ٱللَّهِ ءَالِهَة لِّيَكُونُواْ لَهُم عِزّا ٨١ كَلَّا سَيَكفُرُونَ بِعِبَادَتِهِم وَيَكُونُونَ عَلَيهِم ضِدًّا[3] قال: “ليس العبادة هي السجود

 

ولا الركوع، إنما هي طاعة الرجال، من أطاع المخلوق في معصية الخالق فقد عبده”[4].

إذاً، كما نلاحظ فإن العبادة بمعناها العام تقترب كثيراً من مفهوم العبودية بمعنى الطاعة والخضوع والتسليم. ويمكن القول إن عبادة الله تعالى هي الترجمة العملية لاعتراف الإنسان بهذه العبودية لله عزّ وجلّ، وهي تعبيرٌ عن إذعان الإنسان لحقيقة أنه عجزٌ مطلقٌ مفتقرٌ في تمام وجوده إلى الغني المطلق وهو الله سبحانه وتعالى. كما يمكننا القول بأن عبادة الله بمعناها الخاص هي انخراطٌ طوعيٌّ في العبودية الاختيارية انسجاماً مع إذعان الإنسان واعترافه بالعبودية التكوينية لله عز وجل السارية في كل الكون. وللعبادات الشرعية دورٌ كبيرٌ في ترسيخ العبودية في نفس الإنسان فمن خلال تكرار ودوام الطاعة والعبادة تصبح النفس منقادةً ويرسخ الخضوع للمعبود في باطن الإنسان.

كما أن الاستمرار في العبادة يصلح هذا الباطن نتيجة للابتعاد عن الذنوب والمعاصي، كما في الآية الشريفة حول الصلاة: ﴿ إِنَّ ٱلصَّلَوٰةَ تَنهَىٰ عَنِ ٱلفَحشَاءِ وَٱلمُنكَرِ[5]. وهذا أحد أهداف تكرار العبادات في الإسلام حيث يصبح الإنسان عبداً بحق لله تعالى، ويكفي هذه المرتبة من العبودية وصيرورة الإنسان عبداً لله فخراً، أنها مكرمةٌ نشهد بها لأشرف الخلق وأقربهم إليه تعالى في كل صلاة بقولنا: “وأشهد أن محمداً عبده ورسوله” حيث إن الثناء عليه بصفته العبد يسبق وصفه بالرسول.

وهكذا نستنتج بأن عبادة الله تعالى وحده هي طريق تحقق عبودية الإنسان لله عز وجل ورسوخها في باطنه بحيث يصبح الإنسان عبداً خاضعاً لأمر مولاه، مذعناً له دون أي اعتراضٍ على شيءٍ من إرادته وتدبيره عز وجل.

 

أنواع العبودية

العبودية بالمعنى الذي ذكرناه حقيقة جارية على كل مخلوقات الله. فالكون وما فيه،

 

من عوالم المادة والأحياء وسائر المخلوقات يتّجه بتكوينه وإبداعه اتجاهاً مرتبطاً بإرادة الله ومشيئته، بصورة تنطق بالسجود وبالتسليم والخضوع الكامل والمطلق لله سبحانه. والإنسان بدوره لا يشذّ عن هذه القاعدة. وتنقسم هذه العبودية والخضوع لله سبحانه وتعالى بالنسبة للفرد الإنساني المتّصف بالاختيار، والإرادة، والمتعرّض للجزاء والمسؤولية، إلى قسمين:

 

  1. العبودية التكوينية:

إن من يطّلع على تصوير القرآن لسجود الكون والعوالم والمخلوقات والأشياء، يدرك أن الإنسان بكامل تكوينه جزء من هذا العالم، وهو مرغم على الخضوع والسجود، أو على العبودية بمعناها التكويني، وعدم القدرة على الشذوذ، أو التمرّد على إرادة الله التكوينية التي استوعبت الوجود بأسره.

فهو مرغم على الحياة والموت، والنمو والولادة.. إلخ وهو لا يستطيع أن يخالف قوانين الطبيعة، كقوانين الفيزياء، والكيمياء، والأحياء، التي تجري عليه، وتنظم وجوده، شأنه في ذلك شأن سائر المخلوقات والكائنات التي لا إرادة لها، كما أنه لا يستطيع أن يقوم بخلق نفسه وتكوينها، لذا كان بهذا العجز وبتلك الحاجة إلى خالقه عبداً مملوكاً، وخاضعاً مستسلماً لإرادة الله، استسلاماً تكوينياً جبرياً.

ولكي يعي الإنسان هذه الحقيقة استمر القرآن في تنبيهه والتأكيد له على عبوديته، واستسلامه لخالق الوجود، مثال ذلك قوله تعالى: ﴿ وَلَو بَسَطَ ٱللَّهُ ٱلرِّزقَ لِعِبَادِهِۦ لَبَغَواْ فِي ٱلأَرضِ وَلَٰكِن يُنَزِّلُ بِقَدَر مَّا يَشَاءُ إِنَّهُۥ بِعِبَادِهِۦ خَبِيرُ بَصِير[6]. ﴿ وَيَومَ يَحشُرُهُم وَمَا يَعبُدُونَ مِن دُونِ ٱللَّهِ فَيَقُولُ ءَأَنتُم أَضلَلتُم عِبَادِي هَٰؤُلَاءِ أَم هُم ضَلُّواْ ٱلسَّبِيلَ[7]. ﴿ إِن كلُّ مَن فِي ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَٱلأَرضِ إِلَّا ءَاتِي ٱلرَّحمَٰنِ عَبدا [8].

 

فالقرآن يؤكّد لنا في هذه الآيات أن كل الناس هم عباد الله من حيث علاقتهم التكوينية به، سواء منهم المؤمن المطيع، عن وعي وإرادة واختيار لأوامر الله ونواهيه، أو الكافر المتمرّد الذي يأبى الطاعة والالتزام بأوامر الله ونواهيه. فالإنسان يدور في فلك العبودية مرغماً، لأنه مملوك وتابع لله وخاضع لمشيئته، لذا فالقرآن سمّى الضالين والمنحرفين عباداً كما سمّى كل من في السموات والأرض من ملائكة وناس عباداً، بغضّ النظر عن ممارستهم للعبادة أو رفضهم لها. وهذا اللون من العبودية والاستسلام والخضوع، نسمّيه عبودية تكوينية أو خضوعاً تكوينياً جبرياً.

 

  1. العبودية الاختيارية:

يختلف الإنسان عن غيره من الكائنات والمخلوقات بكونه كائناً عاقلاً مدركاً يملك إرادة وقدرة على الاختيار بما أفاض الله عليه من قوة عقلية عظيمة، ووهبه من حق في اختيار السلوك والأعمال، فهو يستطيع بذلك الاستعداد أن يفعل الخير، أو يختار طريق الشر، وأن يتوجّه إلى الله ويرتبط به كما يستطيع أن يتمرّد على أوامر الله وشريعته، فيختار طريق الانحراف والعصيان.

وهو بعلاقته هذه مع الله يختلف تماماً عن علاقته التكوينية التي تحدّثنا عنها، ففي العلاقة التكوينية كان مجبراً مسيّراً، لا يملك إرادة ولا اختياراً.

أما في العلاقة الثانية فهو كائنٌ مريدٌ، مختار، يستطيع أن يختار الطريق الرباني الموصل إلى مرضاة الله – أي يختار طريق العبودية لله – كما يستطيع أن يختار طريق الضلال الذي هو طريق العبودية والخضوع لغير الله، فيعبد ذاته أو شهواته فيخضع لها، أو يتّخذ طواغيت البشر المستبدّين آلهةً يقدّسهم، ويأتمر بأوامرهم ويلتزم بإرادتهم ويخضع نفسه لهم، ﴿ إِنَّا هَدَينَٰهُ ٱلسَّبِيلَ إِمَّا شَاكِرا وَإِمَّا كَفُورًا[9]، ﴿ وَهَدَينَٰهُ ٱلنَّجدَينِ[10]. وهذه العبودية التي يختارها الإنسان سواء العبودية لله أو لغير الله،

 

هي عبودية اختيارية، اختارها الإنسان بمحض إرادته، لذا كان مسؤولاً عنها ومحاسباً عليها يوم الجزاء.

 

[1]  سورة القصص، الآية 83.

[2]  العلّامة المجلسي، بحار الأنوار، ج1، ص224.

[3]  سورة مريم، الآيتان 81 – 82.

[4]  الحر العاملي، وسائل الشيعة، ج16، ص155، تحقيق ونشر مؤسّسة آل البيت عليهم السلام، لإحياء التراث، 1414هـ، مطبعة مهر – قم، باب كراهة التعرض للذل، ح 12.

[5]  سورة العنكبوت، الآية 45.

[6]  سورة الشورى، الآية 27.

[7]  سورة الفرقان، الآية 17.

[8]  سورة مريم، الآية 93.

[9]  سورة الإنسان، الآية 3.

[10]  سورة البلد، الآية 10.

شاهد أيضاً

الولايات المتحدة تعتزم إرسال جنرالات لوضع خطط للعملية المقترحة في رفح

تعتزم الولايات المتحدة الأمريكية إرسال جنرالات لوضع خطط للعملية المقترحة في مدينة رفح جنوبي قطاع ...