روح العبادة الآداب المعنوية للعبادات
13 يوليو,2019
صوتي ومرئي متنوع, طرائف الحكم
808 زيارة
الدرس الخامس عشر
آداب الدعاء وشروطه
أهداف الدرس
على المتعلّم مع نهاية هذا الدرس أن:
-
يذكر أهم موانع استجابة الدعاء.
-
يتعرّف إلى أهم الآداب المعنوية للدعاء.
-
يشرح كيفية تحقّق آداب الدعاء المعنوية.
موانع استجابة الدعاء
من العوامل المهمّة التي أشرنا إليها في الدرس السابق والتي يجب أن يراعيها الداعي من أجل استجابة دعائه، إزالة الحجب والموانع التي تحول دون صعود الدعاء، كاقتراف المعاصي وأكل الحرام والظلم وعقوق الوالدين وغيرها من الذنوب التي تحبس الدعاء. وعلّة ذلك أنه مع وجود هذه الموانع لا يتهيأ للداعي الإقبال بقلبه على ربِّه، والإقبال بالقلب هو شرطٌ أساسيٌّ في استجابة الدعاء، يقول أميرالمؤمنين عليه السلام: “خير الدعاء ما صدر عن صدر نقيّ وقلب تقيّ”[1]. وفي ما يلي أهم الموانع التي تحبس الدعاء:
-
اقتراف الذنوب والمعاصي:
عن أبي جعفر عليه السلام قال: “إنّ العبد يسأل الله الحاجة فيكون من شأنه قضاؤها إلى أجل قريب، أو إلى وقت بطيء، فيذنب العبد ذنباً فيقول الله تبارك تعالى للملك: لا تقض حاجته واحرمه إياها، فإنّه تعرّض لسخطي، واستوجب الحرمان مني”[2].
لا يمكن لإنسانٍ يرتكب المعاصي والذنوب أن يقبل على الله تعالى ويسأله بقلبٍ طاهرٍ وخاضع. إن الطريق إلى حريم قدس الذكر الإلهي مغلقٌ أمام القلوب الملوّثة، فلا بدّ لها أن تتطهّر من الدنس، ولو كتب للقلب أن يتعطّر ويتزين بذكر الله، فسوف تتيسر له الاستجابة الإلهية بلا أدنى شك.
-
أكل الحرام:
وهو وإن كان من الذنوب والمعاصي ولكن لفداحة تأثيره على قلب الإنسان فقد ذُكر في الروايات بشكلٍ خاص، فقد ورد في الحديث القدسي: “فمنك الدعاء وعليَّ الإجابة، فلا تُحجب عني دعوة إلاّ دعوة آكل الحرام“[3].
وروي أنّه قال رجل لرسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: يا رسول الله أحبُّ أن يستجاب دعائي، فقال صلى الله عليه وآله وسلم: “طهّر مأكلك، ولا تدخل بطنك الحرام”[4]، وعن الإمام الصادق عليه السلام: “من سرّه أن تستجاب له دعوته، فليطب مكسبه”[5].
-
عقوق الوالدين وقطيعة الرحم:
عن الإمام زين العابدين عليه السلام قال: “…والذنوب التي تردُّ الدعاء وتُظلم الهواء عقوق الوالدين“[6]، وعن الإمام أبي الحسن الرضا عليه السلام، قال: “لا تملّ من الدعاء، فإنّه من الله عزَّ وجلَّ بمكان، وعليك بالصبر وطلب الحلال وصلة الرحم”[7].
-
الدعاء بما يخالف السنن الإلهية:
على الداعي أن لا يطلب في دعائه ما يخالف سنن الله وقوانينه في المجتمع والطبيعة والكون، أو ما يخالف أحكام الله التشريعية. فقد سئل أمير المؤمنين عليه السلام: “أي دعوة أضلّ؟ فقال: “الداعي بما لا يكون“[8].
وعنه عليه السلام قال: “يا صاحب الدعاء، لا تسأل ما لا يكون وما لا يحلّ“[9].
-
عدم اقتران الدعاء بالعمل:
فالدعاء لوحده لا يغني عن العمل، فعن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: “يا أبا ذر، مثل الذي يدعو بغير عمل كمثل الذي يرمي بغير وتر”[10].
وعن الإمام الصادق عليه السلام: “ثلاثة تردّ عليهم دعوتهم:… ورجلٌ جلس في بيته وقال: يا رب ارزقني، فيقال له: ألم أجعل لك سبيلاً إلى طلب الرزق“[11].
الآداب المعنويّة للدعاء
للدعاء كما لكل العبادات آدابٌ ظاهرية وآدابٌ وشروطٌ باطنية، لا بد للعابد من مراعاتها لتحصيل ثمار العبادة وبركاتها. وإذا أهملها الداعي فلا تتحقّق له الاستجابة المرجوّة من الدعاء ولا تحصل له نورانية القلب وتهذيب النفس وسمو الروح المطلوبة في الدعاء.
وأما الآداب الظاهرية للدعاء من قبيل الطهارة والتوجّه إلى القبلة، فيمكن تحصيلها في مواردها الخاصّة. أما بالنسبة إلى آدابه المعنوية فنذكر هنا أهمها، مع التذكير بأن الدعاء هو من العبادات الذِّكرية التي أشرنا إلى آدابها المعنوية العامة سابقاً، من قبيل حضور القلب والخشوع والتفهيم والطمأنينة… والتي يجدر بنا تذكّرها واستحضار معانيها عند كلّ عبادةٍ ذِكريةٍ تنطبق عليها جميع هذه الآداب، والأمر نفسه يصحّ في عبادات قراءة القرآن وتلاوة الزيارة والتوسّل وفي أذكار الحج.
وهنا أهم الآداب المعنوية للدعاء:
-
معرفة الله:
من أهم آداب الدعاء المعنوية وشروط استجابته معرفة الله، والإيمان بسلطانه المطلق وقدرته المطلقة على تحقيق ما يطلبه عبده منه، فعن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: “ولو عرفتم الله حقّ معرفته لزَالت الجبال بدعائكم“[12].
وقد فسّر الإمام الصادق عليه السلام قوله تعالى: ﴿ فَليَستَجِيبُواْ لِي وَليُؤمِنُواْ بِي ﴾[13] فقال: “يعلمون أني أقدر أن أعطيهم ما يسألوني”[14].
وقد قيل للإمام الصادق عليه السلام: ندعو فلا يُستجاب لنا؟ فقال: “لأنّكم تَدعُون مَن لا تَعرفونه”[15].
ومعرفة الله عز وجل أيضاً تعني أن يعرف الداعي أن الله قريبٌ منه بل أقرب إليه من حبل الوريد، يعرف كل خطرات قلبه وحديث نفسه، وليس بينه وبين عبده حائل أو مانع:
قال تعالى: ﴿ وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ أُجِيبُ دَعوَةَ ٱلدَّاعِ إِذَا دَعَانِ فَليَستَجِيبُواْ لِي وَليُؤمِنُواْ بِي لَعَلَّهُم يَرشُدُونَ ﴾[16]، ﴿ وَلَقَد خَلَقنَا ٱلإِنسَٰنَ وَنَعۡلَمُ مَا تُوَسوِسُ بِهِۦ نَفسُهُۥۖ وَنَحنُ أَقرَبُ إِلَيهِ مِن حَبلِ ٱلوَرِيدِ ﴾[17].
-
العمل بما تقتضيه المعرفة:
على الداعي أن يعمل بما تقتضيه المعرفة لخالقه، بأن يفي بعهد الله ويطيع أوامره، وهما من أهم الشروط في استجابة الدعاء.
عن الإمام الصادق عليه السلام: قال له رجل: جعلت فداك، إنّ الله يقول ﴿ ٱدعُونِي أَستَجِب لَكُم ﴾ وإنّا ندعو فلا يستجاب لنا! قال عليه السلام: “لأنكم لا توفون بعهد اللّه، لو وفيتم لوفى الله لكم“[18]. وفي الحديث القدسي أنّ الله أوحى إلى داود عليه السلام: “يا داود، إنّه ليس عبد من عبادي يطيعني فيما آمره إلاّ أعطيته قبل أن يسألني، وأستجيب له“[19].
-
حسن الظن بالله
حسن الظن بالله هو فرع معرفة الله تعالى، والله يعطي عباده بقدر حسن ظنّهم به ويقينهم بسعة رحمته وكرمه. ففي الحديث القدسي: “أنا عند ظنّ عبدي بي، فلا يظنّ بي إلّا خيراً“[20].
وعن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: “ادعوا الله وأنتم موقنون بالإجابة“[21].
وعن الإمام الصادق عليه السلام: “إذا دعوت فأقبل بقلبك وظنّ حاجتك بالباب“[22].
-
الاضطرار إلى الله:
لا بدّ في الدعاء أن يلجأ الإنسان إلى الله تعالى، كما يلجأ المضطّر: ﴿ أَمَّن يُجِيبُ ٱلۡمُضۡطَرَّ إِذَا دَعَاهُ وَيَكۡشِفُ ٱلسُّوٓءَ ﴾[23]. فإذا توزّع رجاء الإنسان بين الله وغيره من عباده، لم ينقطع إلى الله حق الانقطاع ولم تتحقّق في نفسه حالة الاضطرار إلى الله.
في الحديث القدسي: “ادعني دعاء الحزين الغريق الذي ليس له مغيث، يا عيسى سلني ولا تسأل غيري، فيحسن منك الدعاء ومني الإجابة”[24].
-
إقبال القلب على الله تعالى:
وهو من أهم شروط الاستجابة، فلا بد من التوجّه لمعاني الدعاء، فإن الدعاء الحقيقي لا يصدر إلا عن قلبٍ مقبلٍ على الله، فإذا كان القلب منشغلاً بغيره تعالى حين الدعاء فقد جافى حقيقة الدعاء، وما له فيه وفي الإجابة من نصيب. وهذه الحقيقة ترتبط بما ذكرنا سابقاً من أن القلب هو محلّ العبادة ومركزها، وأن من آداب العبادة الباطنية حضور القلب فيها.
رُوي عن الإمام الصادق عليه السلام: “إنّ الله عزَ وجلّ لا يستجيب دعاء بظهر قلب ساه فإذا دعوت فأقبل بقلبك ثمّ استيقن بالإجابة”[25].
-
خضوع القلب ورقّته:
لأسلوب السؤال والدعاء تأثير في استجابة الدعاء، وقد ورد في النصوص الشريفة الحثّ على التذلل والخضوع عند الطلب والدعاء. وقد كانت هذه سيرة النبيصلى الله عليه وآله وسلم وأهل البيت عليهم السلام في أدعيتهم. فقد ورد أن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم كان إذا ابتهل ودعا كان كما يستطعم المسكين. وعنه صلى الله عليه وآله وسلم أنه قال: “اغتنموا الدعاء عند الرقّة فإنها رحمة”[26].
وعن الإمام الصادق عليه السلام: “إذا رقّ أحدكم فليدع، فإن القلب لا يرقّ حتى يخلص“[27]. وأيضاً عنه عليه السلام: “إذا اقشعرّ جلدك ودمعت عيناك، فدونك دونك فقد قصد قصدك”[28].
فلحظات الخضوع ورقة القلب تهيئ صاحبها للإقبال على الله تعالى واستقبال رحمته، وكلما رقّ القلب واستكان كانت الاستجابة أقرب الى الداعي.
-
البكاء والتباكي:
ذلك لأنّ الدمعة لسان المذنب الذي يفصح عن توبته وخشوعه وانقطاعه إلى بارئه، والدمعة ترافق رقّة القلب التي تواكب الإخلاص والقرب من رحاب الله تعالى. فقد ورد عن الإمام أمير المؤمنين عليه السلام أنه قال: “بكاء العيون وخشية القلوب من رحمة الله تعالى ذكره، فإذا وجدتموها فاغتنموا الدعاء، ولو أنّ عبداً بكى في أُمة لرحم الله تعالى ذكره تلك الأمّة لبكاء ذلك العبد”[29]. وقال الإمام الصادق عليه السلام لأبي بصير: “إن خفت أمراً يكون أو حاجة تريدها، فابدأ باللّه ومجّده وأثنِ عليه كما هو أهله، وصلِّ على النبي صلى الله عليه وآله وسلم وسل حاجتك، وتباك ولو مثل رأس الذباب، إنّ أبي كان يقول: إنّ أقرب ما يكون العبد من الرب عزَّ وجل وهو ساجد باكٍ“[30].
-
التضرُّع مع مدّ اليدين:
ومن آداب الدعاء إظهار التضرّع والخشوع، قال تعالى: ﴿ وَٱذكُر رَّبَّكَ فِي نَفسِكَ تَضَرُّعا وَخِيفَة ﴾[31]. وقد ذمّ الله تعالى الذين لا يتضرّعون إليه فقال: ﴿ وَلَقَد أَخَذنَٰهُم بِٱلعَذَابِ فَمَا ٱستَكَانُواْ لِرَبِّهِم وَمَا يَتَضَرَّعُونَ ﴾[32].
عن محمّد بن مسلم قال: سألت أبا جعفر عليه السلام عن قول الله عزَ وجلّ: ﴿ فَمَا ٱستَكَانُواْ لِرَبِّهِم وَمَا يَتَضَرَّعُونَ ﴾ فقال: “الاستكانة هو الخضوع والتّضرّع هو رفع اليدين والتّضرّع بهِما“[33].
والتضرُّع من أسباب استجابة الدعاء، قال رسول اللهصلى الله عليه وآله وسلم: “إنّ الله يستحي من العبد أن يرفع إليه يديه فيردّهما خائبتين“[34]. والعلّة في رفع اليدين هي إظهار الاستكانة والفاقة بين يديه تبارك وتعالى. وقد سُئل الإمام الرضا عليه السلام: ما بالكم إذا دعوتم رفعتم أيديكم إلى السماء؟ فقال عليه السلام: “إنّ الله استعبد خلقه بضروب من العبادة إلى أن قال واستعبد خلقه عند الدعاء والطلب والتضرُّع ببسط الأيدي ورفعهما إلى السماء، لحال الاستكانة وعلامة العبودية والتذلل له“[35].
-
طرح المسألة وبثّ الحاجات بين يدي الله:
الله تعالى يعلم ما نريد وما نحتاج وما نطلب ويغنيه علمه عن سؤالنا، ولكنه تعالى يحب أن نبثّه حاجاتنا. فإن الإنسان عندما يبثّ حاجاته بين يديه تعالى، يتقرّب منه، ويتعلّق به، ويأنس إليه، ويحسّ بفقره وحاجته إليه، وكل ذلك يحبه الله عز وجل. وهو يحب أن نسهب في الدعاء في كل شؤوننا، ونفصّل فيه، ولا نوجز ولا نختزل في الكلام.
عن أبي عبدالله الصادق عليه السلام: “إن الله تعالى يعلم ما يريد العبد إذا دعاه، ولكن يحب أن يبثّ إليه الحوائج، فإذا دعوت فسمّ حاجاتك“[36].
وينبغي للداعي أن يذكر ما يريد من خير الدنيا والآخرة، وأن لا يستكثر مطلوبه، لأنّه يطلب من ربِّ السموات والأرض الذي لا يعجزه شيء، ولا تنفد خزائن رحمته التي وسعت كل شيء. وعليه أيضاً أن لا يستصغر صغيرة لصغرها، لما رُوي عن الإمام الصادق عليه السلام أنّه قال: “عليكم بالدّعاء فإنّكم لا تَقَرَّبُونَ بمثله ولا تتركوا صغيرة لصغرها أن تدعوا بها إنّ صاحب الصِّغارِ هو صاحب الْكِبَارِ“[37]. وروي عن رسول اللهصلى الله عليه وآله وسلم أنّه قال: “لا تَعْجِزُوا عن الدّعاء فإنّه لم يَهلِك مع الدّعاء أحدٌ وليسأل أحدكم ربّه حتّى يسأله شِسْعَ نَعْلِهِ إذا انقطع واسألوا الله من فضله فإنّه يحبّ أن يُسْأل“[38].
-
الإقرار بالذنوب:
وعلى الداعي أن يعترف بذنوبه مقرّاً مذعناً تائباً عمّا اقترفه من خطايا وما ارتكبه من ذنوب، قال الإمام الصادق عليه السلام: “إنّما هي المدحة، ثم الثناء، ثم الإقرار بالذنب، ثم المسألة، إنّه والله ما خرج عبد من ذنب إلاّ بالإقرار”[39].
-
تهيئة النفس بالثناء والاستغفار والصلاة:
إن المطلوب هو تهيئة القلب ونفس الإنسان للدعاء، فالدعاء إقبالٌ على الله تعالى ولا بد من تحضير النفس للإقبال. والثناء على الله سبحانه هو اعتراف بالوحدانية، وينبغي للداعي إذا أراد أن يسأل ربّه شيئاً من حوائج الدنيا والآخرة، أن يحمد الله ويثني عليه ويشكر ألطافه ونعمه قبل أن يشرع في الدعاء. يقول أمير المؤمنين عليه السلام: “الحمدُ لله الذي جعل الحمد مفتاحاً لذكره، وسبباً للمزيد من فضله..”[40]. وقال الإمام
الصادق عليه السلام: “إذا طلب أحدكم الحاجة فليثن على ربِّه وليمدحه”[41].
وقد ورد الحمد والثناء والشكر والاستغفار والصلاة على النبي وأهل بيته صلى الله عليه وآله وسلم في مقدمة معظم الأدعية، كما تتخلّل كثيراً منها.
عن أبي عبد الله الصادق عليه السلام: “إيّاكم إذا أراد أحدكم أن يسأل من ربه شيئاً من حوائج الدنيا والآخرة حتى يبدأ بالثناء على الله عزّ وجلّ والمدح له والصلاة على النبي صلى الله عليه وآله وسلم ثمّ يسأل الله حوائجه“[42].
-
مداومة الدعاء في الشدّة والرخاء:
فقد روي عن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: “تعرّف إلى الله في الرخاء يعرفك في الشدّة“43[43].
وعن الإمام الصادق عليه السلام: “من تقدَم في الدّعاء استُجيب له إذا نزل به البلاء، وقالت الملائكة: صوت معروف، ولم يُحجب عن السّماء، ومن لم يتقدّم في الدّعاء، لم يُستَجَب له إذا نزل به البلاء، وقَالت الملائكة: إنّ ذا الصّوت لا نعرفه”44[44].
والسرّ في ذلك أنه نتيجة مداومة العبد على الدعاء في أوقات رخائه يصبح القلب أكثر إقبالاً على الدعاء وسريع الحضور فيه، ولذلك يحضر أيضاً ودون تكلّف حين نزول البلاء فيه، لأن حالة الدعاء معهودة عنده ومستأنسة لديه.
-
الإلحاح في الدعاء:
لأن الإلحاح في الدعاء يكشف عن عمق ثقة العبد ورجائه في الله تعالى وعمق تعلّقه به بل ويلعب دوراً في تعميق هذه الثقة وتثبيتها. وكلّما كانت ثقة الإنسان بالله أكثر، كان إلحاحه في الدعاء أكثر. والعكس صحيح فإذا كانت ثقته بالله ضعيفة فإنّه ينقطع عن الدعاء وييأس إذا لم يرى استجابةً لدعائه.
وعن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: “إن الله يحب الملحّين في الدعاء“[45]. وعنه صلى الله عليه وآله وسلم: “إن الله يحب السائل اللحوح”[46].
وعن أمير المؤمنين عليه السلام: “الدعاء ترس المؤمن، ومتى تكثر قرع الباب يفتح لك”[47].
وعن الإمام الباقر عليه السلام: “إن الله كره إلحاح الناس بعضهم على بعض في المسألة، وأحبّ ذلك لنفسه إنّ الله عزَ وجلّ يحبّ أن يُسأل ويُطلب ما عنده“[48].
-
عدم القنوط:
ينبغي للدَّاعي أن لا يقنط ويستبطئ الإجابة فيترك الدُّعاء، عن الإمام الصادق عليه السلام أنَّه قال: “لا يزال المؤمن بخير ورجاء رحمة من الله عزَّ وجل ما لم يستعجل فيقنط ويترك الدُّعاء، فقلتُ: كيف يستعجل؟ قال: يقول قد دعوت منذ كذا وكذا وما أرى الإجابة“[49].
وعليه، يجب على الدَّاعي أن يفوِّض أمره إلى الله، واثقاً بربه، راضياً بقضائه سبحانه، وأن يحمل تأخّر الإجابة على المصلحة والخيرة التي حباه إياها مولاه، وأن يبسط يد الرجاء معاوداً الدُّعاء لما فيه من الأجر الكريم والثواب الجزيل.
التمارين
ضع إشارة û أو ü في المكان المناسب:
1 – من العوامل المهمّة في استجابة الدعاء إزالة الحجب والموانع التي تحول دون ارتقاء الدعاء إلى الخالق عزّ وجلّ
2 – لا تُشكّل الذنوب والمعاصي عاملاً سلبياً في استجابة الدعاء فيمكن للداعي أن يتخطّى ذلك فيستجاب دعاؤه
3 – تتحقّق ثمار العبادة والدعاء من خلال الالتزام بالآداب الظاهرية والباطنية
4 – من آداب الدعاء معرفة الله والإيمان بسلطانه وقدرته المطلقة على تحقيق ما يطلبه عبده منه
5 – حسن الظن بالله هو أن يفي الداعي بعهد اللّه ويطيع أوامره ونواهيه
6 – إذا توزّع رجاء الإنسان بين الله وغيره من عباده انقطع إلى الله حقّ الانقطاع وتتحقّق في نفسه حالة الاضطرار إلى الله
7 – إقبال القلب على الله تعالى هو كون القلب منشغلاً بالله تعالى حين الدعاء
8 – إذا رافق الدعاء الدمعة والبكاء أدّى ذلك إلى رقّة القلب التي تواكب الإخلاص والقرب من اللّه تعالى
9 – الإلحاح في الدعاء يكشف عن حالة اليأس من روح الله عند الداعي
10 – الغاية في رفع اليدين عند الدعاء هي إظهار الاستكانة والفاقة بين يدي الله تبارك وتعالى
المفاهيم الرئيسة
-
من العوامل المهمّة التي يجب أن يراعيها الداعي من أجل استجابة دعائه، إزالة الحجب والموانع التي تحول دون صعود الدعاء، وأهمها: الذنوب والمعاصي، أكل الحرام، عقوق الوالدين وقطيعة الرحم، الدعاء بما يخالف السنن الإلهية، عدم اقتران الدعاء بالعمل.
-
للدعاء كما لكل العبادات آدابٌ ظاهرية وآدابٌ وشروطٌ باطنية، لا بد للعابد من مراعاتها لتحصيل ثمار العبادة وبركاتها.
-
أهم الآداب المعنوية للدعاء:
أ. معرفة الله: والإيمان بسلطانه وقدرته المطلقة على تحقيق ما يطلبه عبده منه، ومعرفة أن الله قريبٌ وليس بينه وبين عبده حائل أو مانع.
ب. حسن الظن بالله: فالله يعطي عباده بقدر حسن ظنّهم به ويقينهم بسعة رحمته وكرمه.
ت. إقبال القلب على الله تعالى: فإذا كان القلب منشغلاً بغيره تعالى حين الدعاء فقد جافى حقيقة الدعاء وما له فيه وفي الإجابة من نصيب.
ث. طرح المسألة وبثّ الحاجات بين يدي الله: فإن الإنسان عندما يبثّ حاجاته بين يديه تعالى، يتقرّب منه، ويتعلّق به، ويأنس إليه، ويحسّ بفقره وحاجته إليه.
ج. الإقرار بالذنوب: على الداعي أن يعترف بذنوبه مقرّاً مذعناً تائباً عمّا اقترفه من خطايا وما ارتكبه من ذنوب.
ح. مداومة الدعاء في الشدّة والرخاء: ذلك أنه نتيجة مداومة العبد على الدعاء في أوقات رخائه يصبح القلب أكثر إقبالاً على الدعاء وسريع الحضور فيه.
خ. الإلحاح في الدعاء: لأنه يكشف عن عمق ثقة العبد ورجائه في الله تعالى وعمق تعلّقه به بل ويلعب دوراً في عميق هذه الثقة وتثبيتها.
د. عدم القنوط: ينبغي للدَّاعي أن لا يقنط ويستبطئ الإجابة فيترك الدُّعاء، وعليه أن يفوِّض أمره إلى الله، واثقاً بربه، راضياً بقضائه سبحانه.
للمطالعة
لذّة الدعاء
لذّة الدعاء يعرفها من تذوّقها، وكثيراً ما تذوّق المجاهدون حلاوة ولذّة الدعاء في سنيّ المقاومة والدفاع، ويبقى الأمل أن لا تفسد حلاوة الدنيا ولذّتها وغفلتها هذه اللذّةَ وتُضعِفَها.
“إذا عبدتم الله، ودعوتم بخشوع، وأقمتم الصلاة بقلب حاضر، وأنفقتم المال للمستحقّ، ستعرفون ما هي اللذّة التي ستحصلون عليها. وهذه ليست كاللذّة التي يحصل عليها المرء بالأكل. إنّ الإنسان الذي تذوّق طعم العبوديّة لله ـ وهي حالات يشعر بها كلّ إنسانٍ مؤمنٍ في حياته قليلاً أو كثيراً ـ في لحظة الإقبال على الله تلك، عبادة الله، المناجاة، البكاء للّه وأمام الله، يشعر بلذّةٍ معنويةٍ يصبح معها على استعدادٍ للتضحية. ولكنّ الماديّات تخرج الإنسان من هذه الحالة التي تحصل من وقت لآخر.
إنّ أولئك الذين لم يتعرّفوا على الله، ولا قِبل لهم بالأهداف المعنويّة، لا يذوقون طعم هذه اللذّة. وكم هناك من البشر الذين عاشوا في ظلّ الأنظمة الماديّة المسلوبة البركة، لم يشعروا للحظة واحدة بحالة من الإقبال على الله وبتلك اللذّة المعنويّة، فهؤلاء لا يدركون ما نقول.
يريد الإسلام أن يرفعنا نحن البشر، وينوّر قلوبنا، وينتزع السيّئات من صدورنا ويرمي بها بعيداً، كي نشعر بهذه الحالة من اللذّة المعنويّة في كلّ لحظات حياتنا، وليس فقط في محراب العبادة، بل حتّى في مكان العمل، في الدراسة، في ساحة الحرب، في التعليم والتعلّم، وفي البناء. وهذا هو المقصود من القول “هنيئاً لأولئك الذين هم في حالةٍ دائمة من الصلاة”، عندما يعملون ويتاجرون فهم مع الله، عندما يأكلون ويشربون فهم ذاكرون لله. هذا هو النوع من البشر الذين يبعثون النّور حيثما يعيشون، وفي العالم أيضاً. إذا استطاع العالم تربية هذا النوع من البشر فستُقتلع جذور هذه الحروب والمظالم، وانعدام المساواة والخبائث والأرجاس، هذه هي الحياة الطيّبة”[50].
[1] الشيخ الكليني، الكافي، ج 2، ص 340.
[2] م. ن، ص 208.
[3] العلّامة المجلسي، بحار الأنوار، ج 93، ص 373.
[4] ابن فهد الحلي، أحمد بن محمد، عدة الداعي ونجاح الساعي، ص 139 ، تحقيق وتصحيح أحمد موحدي القمي، نشر دار الكتب الإسلامي، 1407 هـ.، ط 1.
[5] الشيخ الكليني، الكافي، ج 2، ص 353.
[6] الشيخ الصدوق، معاني الأخبار، ص 270.
[7] الشيخ الكليني، الكافي، ج 2، ص 354.
[8] العلّامة المجلسي، بحار الأنوار، ج90، ص324.
[10] الحر العاملي، وسائل الشيعة، ج7، ص84.
[11] الشيخ الكليني، الكافي، ج2، ص511.
[12] الميرزا النوري، مستدرك، ج17، ص301.
[13] سورة البقرة، الآية 186.
[14] العلّامة المجلسي، بحارالأنوار، ج90، ص 323.
[15] م. ن، ص368.
[16] سورة البقرة، الآية 186.
[17] سورة ق، الآية 16.
[18] العلّامة المجلسي، بحارالأنوار، ج90،ص368.
[19] م. ن، ص376.
[20] العلّامة المجلسي، بحارالأنوار، ج90،ص305.
[21] الحر العاملي، وسائل الشيعة، ج7، ص53.
[22] الشيخ الكليني، الكافي، ج2، ص473.
[23] سورة النمل، الآية 62.
[24] الحر العاملي، وسائل الشيعة، ج7، ص143.
[25] م.ن، ج7، ص53.
[26] العلّامة المجلسي، بحار الأنوار، ج90، ص313.
[27] الشيخ الكليني، الكافي، ج2، ص477.
[28] م. ن، ص478.
[29] الميرزا النوري، مستدرك الوسائل، ج5،ص 205.
[30] الشيخ الكليني، الكافي، ج2، ص483.
[31] سورة الأعراف، الآية 205.
[32] سورة المؤمنون، الآية 76.
[33] الشيخ الكليني، الكافي، ج2، ص480.
[34] العلّامة المجلسي، بحار الأنوار، ج90، ص365.
[35] الحر العاملي، وسائل الشيعة، ج7، ص47.
[36] الشيخ الكليني، الكافي، ج2، ص476.
[38] العلّامة المجلسي، بحار الأنوار، ج90، ص300.
[39] الشيخ الكليني، الكافي، ج2، ص484.
[40] نهج البلاغة، خطبة 157.
[41] الشيخ الكليني، الكافي، ج2، ص485.
[42] م.ن، ج2، ص485.
[43] الحر العاملي، وسائل الشيعة، ج7، ص42.
[44] الشيخ الكليني، الكافي، ج2، ص472.
[45] العلّامة المجلسي، بحار الأنوار، ج90، ص300.
[46] الحر العاملي، وسائل الشيعة، ج7، ص60.
[47] الشيخ الكليني، الكافي، ج2، ص468.
[48] م.ن، ج2، ص475.
[49] م.ن، ج2، ص490.
[50] حديث ولايت، ج 7، ص 63.
2019-07-13