السيناريو الأقرب لبدء الحرب على غزّة؟
24 يوليو,2018
تقاريـــر
895 زيارة
الوقت- لا شكّ أن الهدنة الهشّة في قطاع غزّة لا تطمئن أيّ طرف من الأطراف، جميع الأطراف تحبس أنفاسها حول ساعة صفر الجولة المقبلة التي قد تكون محدودة كما حصل قبل أيّام، أو قد تمتد إلى حرب واسعة على شاكلة حروب 2009، 2012 و2014، أغلب التحليلات تصبّ في اعتبار مسيرات العودة أو الطائرات الورقية شرارة للحرب، ولكن لماذا يبدو هذا السيناريو مستبعداً؟
العودة إلى دورس حروب غزّة السابقة تشير إلى وجود سيناريوهات ثلاثة، السيناريو الأوّل كما حصل في العام 2008، عندما شنّت “إسرائيل” حرباً على قطاع غزة أسمتها “الرصاص المصبوب”، (أطلقت عليها حركة حماس اسم “حرب الفرقان”) قبل يوم واحد من انتهاء مدّة وقف إطلاق النار بين الجانبين لتستمر لمدّة “21” يوماً دون تحقيق أهدافها.
في العام 2012 تكرّرت الحرب ولكن بسيناريو مختلف، حيث شنّ الكيان الإسرائيلي حرباً ثانية على قطاع غزة “عامود السحاب”، فيما أسمتها حركة حماس “حجارة السجيل”، واستمرت لمدة 8 أيام، شرارة الحرب تمثّلت باغتيال سلاح الجور الإسرائيلي “أحمد الجعبري” قائد كتائب عز الدين القسام تنفيذاً لقرار اللجنة الوزارية المصغّرة للشؤون الأمنية الإسرائيلية (كابينت)، لم يصمد الهدوء على جبهة غزّة سوى عامين، ففي السابع من يوليو/تموز 2014 شنّ الكيان الإسرائيلي حربه الثالثة على قطاع غزة “الجرف الصامد”، فيما أطلقت عليها حماس اسم “العصف المأكول”. اختلف السيناريو الثالث عن السيناريوهين السابقين، فقد اتهمت الحكومة الإسرائيلية حركة حماس صراحة بخطف ثلاثة شبان من المستوطنين اليهود في الضفة الغربية المحتلة دون تقديم أيّ دليل، حماس رفضت الرواية الإسرائيلية لكن الحرب بدأت بجو دولي يحمّل حماس مسؤولية الحرب الجديدة على الصعيدين الداخلي والخارجي، الصعيد العربي الرسمي لم يختلف كثيراً حيث برزت بعض الأصوات الرسمية المعادية لحماس وحمّلتها مسؤولية ما حصل ليتحطّم العدوان على صخرة حي الشجاعية والأحياء المجاورة.
السيناريوهات الثلاث؟
اليوم، وفي ظل تطبيق المقاومة الفلسطينية نظرية “النار مقابل النار” على الأرض في مواجهة الاحتلال الإسرائيلي، واستمرار مسيرات العودة التي بدأت من 30 أذار/مارس الماضي وأدّت إلى استشهاد ما لا يقل عن 149 فلسطينياً وجرح آلاف الشهداء تبدو الحرب قريبة جدّاً، ولاسيّما مع تجدّد النار والنار مقابل النار، لا نعتقد خروج أي حرب مقبلة عن السيناريوهات التي شهدتها الحروب الإسرائيلية السابقة على قطاع غزة، وهنا السؤال الجوهري: كيف ستنطلق الحرب على غزة؟ هل يتكرّر سيناريو الحرب الأولى أم الثانية؟ أم هل سنكون أمام سيناريو الحرب الثالثة؟
رغم أنّ كل الأنظار تتجه إلى بدء الحرب من مسيرات العودة والطائرات الورقيّة إلا أن الكيان الإسرائيلي الذي عوّدنا على المفاجآت قد يكرّرها هذه المرّة عبر افتعال سيناريو مشابه لما حصل عام 2012 عبر تنفيذ تهديداته التي أطلقها مؤخراً باغتيال قائد حركة حماس في غزة يحيى السنوار أو ربّما تكرار سيناريو 2014 باتهام حماس بارتكاب عملية عسكرية ضد مستوطنين لتكون الذريعة المباشرة للحرب، ولاسيّما في ظل الهجمات المتتالية التي يكرّرها المستوطنون على المسجد الأقصى وسياسيات التهويد المتّبعة من قبل الكيان المحتل.
هناك أسباب عدّة تدفع الإسرائيلي لرفع شعارات مغايرة لتلك التي يطرحها اليوم حول المسيرات والطائرات الورقية لبدء الحرب على غزّة عبر سيناريو جديد يحمّل حماس المسؤولية لا الشعب الفلسطيني الذي يتوجه كل يوم جمعة إلى حدود القطاع.
أولاً: إن بدأ الحرب من مسيرات العودة أو الطائرات الورقية سيظهر للعالم حقيقة الحرب القائمة أي إنها مع الشعب الفلسطيني وليس مع فصائل فلسطينية محدّدة، ولن تعيد هذه الحرب تحت هذه الذريعة القضيّة إلى مربعها الحقيقي على الصعيد الفلسطيني فحسب، بل ستنعكس بشكل إيجابي كبير على وضع القضية الفلسطينية على الصعيد العربي ولاسيّما في ظل حملات التسقيط التي تقودها بعض الدول العربية تجاه القضيّة تحت ذرائع عدّة.
ثانياً: يكبّل شعار العدوان على غزة بسبب مسيرات العودة أي تحرّكات عربية في إطار صفقة القرن، أو حتى تحميل حماس المسؤولية في الشارع العربي كما فعلت بعض الدول العربية مع المقاومة اللبنانية عام 2006 عندما اتهمتهم بالمغامرين، ولاحقاً فعلت الأمر ذاته في العدوان الإسرائيلي على غزة عام 2014، أي إن الكيان الإسرائيلي من خلال هذه الخطوة سيسحب هامش المناورة من الدول العربية التي قطعت شوطاً كبيراً في العلاقات سرّاً، وتجاهر اليوم في إعلامها الرسمي بضرورة التطبيع علناً.
ثالثاً: سيتسبب هذا الأمر بضغط دولي أكبر على الكيان الإسرائيلي ولاسيّما بعد نقل السفارة ولاحقاً قانون القومية الأخير الذي أثار امتعاضاً كبيراً في العديد من العواصم العربية والعالميّة.
في الحقيقة، رغم امتلاك العديد من الدول الغربية مواقف سلبية تجاه “اسرائيل” أكبر من السابق في ظل نجاح حملات المقاطعة، إلا أن هذه الدول لا تتوانى عن الوقوف بشكل كامل إلى جانب الكيان في حال كان عنوان المعركة ضدّ “حماس الإرهابي” كما يصفونها، ولكن عندما يكون الشعار شعبياً يختلف الأمر كثيراً، وهذا ما تدركه القيادة الإسرائيلية قبل أي طرف آخر.
سيناريوهات الحروب الثلاث السابقة مرجّحة للتكرار، وإن كنا نرى أن سيناريو الحرب الأخيرة هو الأقرب إلى الواقع دون استبعاد إقدام إسرائيلي على اغتيال قيادات من حماس كالسنوار الأمر الذي سينعكس بطبيعة الحال ردّاً فلسطينياً سيصل إلى تل أبيب كما العام 2014 لتقدّم “إسرائيل” نفسها كمستهدفة.
إذاً، تتّجه الأمور نحو التصعيد على حدود غزّة، الإشارات كلها تؤكد أن الحرب باتت قريبة أكثر من أي وقت مضى دون تحديد ساعة صفرها، ولاسيّما مع استقرار نسبي للجبهة على الحدود مع سوريا وفي الجولان السوري المحتل بالعودة إلى ما قبل العام 2011، لا شكّ أن مسيرات العودة هي أحد أبرز الأسباب لأي حرب مقبلة إلا أنها السبب الخفي، فما سيعلنه الكابينت سبباً آخر، فهل سنكون أمام سيناريو 2012 باغتيال السنوار كما تم اغتيال الجعبري؟ أم سنكون أمام سيناريو 2014 باتهام حماس بأي عملية دهس أو استهداف مواطنين في الضفّة؟.
2018-07-24