الوقت – إن التفكك والانقسام الذي يعاني منه المجتمع الإسرائيلي يشكّل تحدّياً كبيراً أمام “القومية اليهودية” التي تسعى إليها الدولة العبرية، وذلك مقابل الهوية الفلسطينية المتماسكة والتي تجسّد جذور هذا الشعب المتأصلة في تاريخه العريق.
وتسليطاً للضوء على بذور الانقسام في المجتمع الإسرائيلي، فهناك القوميات المتباينة التي تشكّل شرائح هذا المجتمع بما فيهم اليهود والعرب، وأيضاً النزاعات القائمة بين اليهود الذين تعود أصولهم إلى أوروبا وأمريكا (الاشكناز)، واليهود من أصول شرقية (السفارديم) وأيضاً اليهود الذين ولدوا داخل الأراضي المحتلة.
إن التباين الملحوظ في المجتمع الصهيوني يؤكد أن هذا المجتمع لم يقم على أسس ومعايير اجتماعية سليمة أو على امتداد تاريخي معهود كباقي المجتمعات الإنسانية، وإنما هو مجتمع استيطاني يتكوّن من مهاجرين بثقافاتهم ولغاتهم وأعراقهم المختلفة استُقدموا في إطار مخطط صهيوني من أرجاء المعمورة إلى الأراضي الفلسطينية المحتلة.
إن تنفيذ المخطط الاستعماري الرامي إلى تأسيس الدولة العبرية تمثّل في خطوتين، الأولى بثّ الرعب والخوف وارتكاب المجازر بحق الفلسطينيين لإجبارهم على مغادرة البلد الأم، وبالتزامن مع ذلك نفّذت الخطوة الثانية عبر استقطاب اليهود من شتى بلدان العالم إلى أرض فلسطين المحتلة.
وقد حاول الاستعمار ان يستقدم اليهود بكل الأساليب بما تسبب في تكوين مجتمع يهودي متباين ثقافياً واجتماعياً وسياسياً واقتصادياً داخل الأراضي المحتلة.
وبنظرة عابرة إلى التفكك والانقسام المجتمعي الإسرائيلي في 3 مجالات اجتماعية ومذهبية وسياسية نجد أنّ التفكك السياسي والمذهبي يضطلع بدور أكثر فاعلية في انعدام الاستقرار داخل الكيان الصهيوني.
إلى جانب التفكك المجتمعي يعاني اليهود داخل الكيان الصهيوني من التمييز الطبقي وبما يشمل المعايير السياسية والاجتماعية والاقتصادية حيث إن اليهود من أصول أوروبية يتمتعون بمراكز عليا فيما يصنّف اليهود الأفارقة في شرائح مجتمعية متدنية.
هذه الانقسامات لا تهدد هيكلة المجتمع الإسرائيلي فحسب وإنما تؤثر سلباً على البناء السياسي والاقتصادي كما تؤدي إلى انقسامات في مجالات أخرى داخل هذا المجتمع الاستيطاني.
وتعود بداية الانقسام في المجتمع الإسرائيلي إلى مهاجرة القوميات اليهودية من مختلف الثقافات والأعراق والمبادئ إلى الأراضي المحتلة في فلسطين، حيث بلغ عدد اليهود الذين هاجروا إلى فلسطين خلال الأعوام 1881 – 1883 نحو 34 ألف شخص أي ما يعادل 5 بالمئة من إجمالي العدد السكاني في فلسطين آنذاك، وقد شهد هذا العدد بالتزامن مع تأسيس الدولة المحتلة في 1984 نموّاً كبيراً، حيث بلغ مليون شخص بما يعادل 86 بالمئة من إجمالي السكان في فلسطين، وبعد مرور نحو 68 عاماً أي بحلول العام 2016 وصل عدد اليهود في فلسطين 4.6 ملايين نسمة بما يعادل 75 بالمئة من إجمالي التعداد السكاني في فلسطين.
كما تشير الإحصائيات الصادرة عن “مركز الإحصاء الإسرائيلي” إلى أن عدد اليهود الذين غادروا الأراضي المحتلة خلال الأعوام 2009 لغاية 2015 تجاوز ولأول مرة تعداد اليهود الذين قدموا إلى فلسطين في ذات الفترة، الأمر الذي يجسّد عدم إمكانية تكوين نسيج اجتماعي مصطنع كما يشير إلى انعدام هوية موحدة تجمع هؤلاء المهاجرين في وعاء واحد، ولاسيما في ضوء التمييز القائم على أسس عرقية بينهم (الإشكناز والسفارديم والفلاشا).
هذا النسيج الاجتماعي المتباين في “إسرائيل” والناجم عن شرائحه المختلفة بثقافاتها ولغاتها وتقاليدها فضلاً عن إصرار هذه القوميات على الاحتفاظ بما يميّزها عن بعضها الآخر أدّى إلى تحديات كبيرة على صعيد الهوية القومية، وغيرها من التحديات الأساسية والمجتمعية وزاد من فجوة الانقسام والتفكك في المجتمع اليهودي داخل الأراضي المحتلة دون أن تثمر جهود الكيان الصهيوني الرامية إلى توحيده عن أي نتائج ملحوظة.
وبذلك، يرى المراقبون أن مخاطر التفكك الاجتماعي بالنسبة لمستقبل الكيان الصهيوني، تحوّلت اليوم إلى نار تحت الرماد وتكاد أن تندلع بشرارة واحدة لتودي بحياة هذا الكيان المزيّف.