آلاء الرحمن في تفسير القرآن 11
20 يناير,2019
القرآن الكريم, صوتي ومرئي متنوع
912 زيارة
الفصل الثاني في جمعه في مصحف واحد
لم يزل القرآن الكريم بحسب حكمة الوحي والتشريع والمصالح والمقتضيات المتجددة آنا فآنا يتدرج في نزوله نجوما « 1 » الآية والآيتان والأكثر والسورة .
وكلما نزل شيء هفت اليه قلوب المسلمين وانشرحت له صدورهم وهبوا الى حفظه بأحسن الرغبة والشوق وأكمل الإقبال وأشد الارتياح . فتلقونه بالابتهاج وتلقوه بالاغتنام من تلاوة الرسول العظيم الصادع بأمر اللَّه والمسارع إلى التبليغ والدعوة إلى اللَّه وقرآنه . وتناوله حفظهم بما امتازت به العرب وعرفوا به من قوة الحافظة الفطرية وأثبتوه في قلوبهم كالنقش في الحجر . وكان شعار الإسلام وسمة المسلم حينئذ هو التجمل والتكمل بحفظ ما ينزل من القرآن الكريم .
لكي يتبصر بحججه ويتنور بمعارفه وشرائعه وأخلاقه الفاضلة وتاريخه المجيد وحكمته الباهرة وأدبه العربي الفائق المعجز . فاتخذ المسلمون تلاوته لهم حجة الدعوة . ومعجز البلاغة .
ولسان العبادة للَّه . ولهجة ذكره . وترجمان مناجاته . وأنيس الخلوة . وترويح النفس . ودرسا للكمال . وتمرينا في التهذيب . وسلما للترقي .
وتدربا في التمدّن . وآية الموعظة . وشعار الإسلام . ووسام الإيمان والتقدّم في الفضيلة . واستمرّ المسلمون على ذلك حتى صاروا في زمان الرّسول يعدون بالألوف وعشراتها ومئاتها .
وكلهم من حملة القرآن وحفاظه « 2 » وإن تفاوتوا في ذلك بحسب
السابقة والفضيلة . .
هذا ولما كان وحيه لا ينقطع في حياة رسول اللَّه ( ص ) لم يكن كله مجموعا في مصحف واحد وإن كان ما أوحي منه مجموعا في قلوب المسلمين وكتاباتهم له . .
ولما اختار اللَّه لرسوله دار الكرامة وانقطع الوحي بذلك فلا يرجى للقرآن نزول تتمة رأى المسلمون ان يسجلوه في مصحف جامع فجمعوا مادته على حين اشراف الألوف من حفاظه ورقابة مكتوباته الموجودة عند الرسول وكتاب الوحي وسائر المسلمين جملة وابعاضا وسورا
« 1 » نعم لم يترتب على ترتيب نزوله ولم يقدم منسوخه على ناسخه
« 2 » فاستمرّ القرآن الكريم على هذا الاحتفال العظيم بين المسلمين جيلا بعد جيل ترى له في كل آن الوفا مؤلفة من المصاحف والوفا من الحفاظ ولا تزال المصاحف ينسخ بعضها على بعض والمسلمون يقرأ بعضهم على بعض ويسمع بعضهم من بعض .
تكون ألوف المصاحف رقيبة على الحفاظ ، وألوف الحفاظ رقباء على المصاحف وتكون الألوف من كلا القسمين رقيبة على المتجدد منهما ، نقول الألوف ولكنها مئات الألوف وألوف الألوف . فلم يتفق لأمر تاريخي من التواتر وبداهة البقاء مثل ما اتفق للقرآن الكريم كما وعد اللَّه جلت آلاؤه
بقوله في سورة الحجر إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وإِنَّا لَه لَحافِظُونَ وقوله في سورة القيامة إِنَّ عَلَيْنا جَمْعَه وقُرْآنَه ولئن سمعت في الروايات الشاذة شيئا في تحريف القرآن وضياع بعضه فلا تقم لتلك الروايات وزنا .
وقل ما يشاء العلم في اضطرابها ووهنها وضعف رواتها ومخالفتها للمسلمين وفيما جاءت به في مروياتها الواهية
من الوهن . وما الصقته بكرامة القرآن مما ليس له شبه به واستمع من ذلك لأمور
2019-01-20