الفرضية السابعة : الشيعة والصفويون
والكلام عن هذه الأسرة هو عين الكلام عن البويهيين .
إن الصفويين هم أسرة الشيخ صفي الدين العارف المشهور في أردبيل المتوفى
عام ( 735 ه ) . فعندما انقرضت دولة المغول ، انقسمت البلاد التي كانت تحت
نفوذهم إلى دويلات صغيرة شيعية وغير شيعية ، إلى أن قام أحد أحفاد صفي
الدين ، الشاه إسماعيل عام ( 905 ه ) بتسلم مقاليد الحكم والسيطرة على بلاد
فارس وإقامة حكومة خاصة به استطاع أن يمد نفوذها ويبسط سلطتها ، واستمر
في الحكم إلى عام ( 930 ه ) ، ثم ورثه أولاده إلى أن أقصوا عن الحكم بسيطرة
الأفاغنة على إيران عام ( 1135 ه ) فكان الصفويون خير الملوك ، لقلة شرورهم
وكثرة بركاتهم ، وقد راج العلم والأدب والفنون المعمارية أثناء حكمهم ، ولهم آثار
خالدة إلى الآن في إيران والعراق ، ومن وقف على أحوالهم ووقف على تاريخ الشيعة
يقف على أن عصرهم كان عصر ازدهار التشيع لا تكونه ، وهو أمر لا مراء فيه ،
ولا يقتنع به إلا السذج والجهلاء .
نعم إن هذه الآراء الساقطة في تحليل تاريخ الشيعة ومبدأ تكونهم ، كلها كانت
أمورا افتراضية بنوها على أساس خاطئ وهو أن الشيعة ظاهرة طارئة على
المجتمع الإسلامي بعد عهد النبي ، سامح الله الذين لم يتعمدوا التزييف وغفر الله لنا
ولهم .
زلة لا تستقال :
إن الدكتور عبد الله فياض زعم أن التشيع بمعني الموالاة لعلي ( عليه السلام ) نضج في
مراحل ثلاث :
1 – التشيع الروحي ، يقول : إن التشيع لعلي بمعناه الروحي زرعت بذرته في
عهد النبي وتمت قبل توليه الخلافة . ثم ساق الأدلة على ذلك وجاء بأحاديث يوم
الدار أو بدء الدعوة وأحاديث الغدير وما قال النبي في حق علي من التسليم على
علي بإمرة المؤمنين .
2 – التشيع السياسي ، ويريد من التشيع السياسي : كون علي أحق بالإمامة
لا لأجل النص بل لأجل مناقبه وفضائله ، ويقول : إن التشيع السياسي ظهرت
بوادره – دون الالتزام بقضية الاعتراف بإمامته الدينية ( يريد النص ) – في سقيفة
بني ساعدة ، حين أسند حق علي بالخلافة عدد من المسلمين أمثال الزبير والعباس
وغيرهما ، وبلغ التشيع السياسي أقصى مداه حين بويع علي بالخلافة بعد مقتل
عثمان .
3 – ظهوره بصورة فرقة ، فإنما كان ذلك بعد فاجعة كربلاء سنة ( 61 ه )
ولم يظهر التشيع قبل ذلك بصورة فرقة دينية تعرف بالشيعة . ثم استشهد
بكلام المقدسي حيث قال : إن أصل مذاهب المسلمين كلها منشعبة من أربع :
الشيعة ، والخوارج ، والمرجئة ، والمعتزلة . وأصل افتراقهم قتل عثمان ، ثم
تشعبوا ( 1 ) .
وأيد نظريته بما ذكره المستشرق ” فلهوزن ” من قوله : تمكن الشيعة أولا في
العراق ولم يكونوا في الأصل فرقة دينية ، بل تعبيرا عن الرأي السياسي في هذا
الإقليم كله ، فكان جميع سكان العراق خصوصا أهل الكوفة شيعة علي على
تفاوت بينهم ( 1 ) .
وهذا التصور المذكور يمكن تثبيت جملة من الملاحظات عليه :
أولا : إن التفكيك بين المرحلتين الأوليين ، وإن الأولى منهما كانت في عصر
النبي ، وظهرت بوادر المرحلة الثانية بعد رحلة النبي ، قد نقضه نفس الكاتب في
كلامه حيث قال : كان رواد التشيع الروحي يلتزمون بآراء علي الفقهية إلى جانب
الالتزام بإسناده سياسيا ( 2 ) .
وثانيا : إن ما ذكره من النصوص في مجال التشيع الروحي كما يدل على أن عليا
هو القائد الروحي ، فإنه يدل بوضوح على أنه القائد السياسي ، وقد نقل الكاتب جل
النصوص الواردة في هذا المبنى ، فمعنى التفكيك بينهما هو أن الصحابة الواعين أخذوا
ببعض مضامينها وتركوا بعضها ، ولو صح إسناد ذلك إلى بعض الصحابة فلا يصح
إسناده إلى سلمان ، وأبي ذر ، وعمار ، الذين لا يتركون الحق وإن بلغ الأمر ما بلغ .
وبما أن النبي كان هو القائد المحنك للمسلمين ، فإنه لم تكن هناك حاجة لظهور
التشيع السياسي في حياته ، بل كان المجال واسعا لظهور التشيع الروحي ورجوع
الناس إلى علي في القضايا والأحكام الفقهية ، وهذا لا يعني عدم كونه قائدا سياسيا
وإن وصايا النبي لم تكن هادفة إلى ذلك الجانب .
وثالثا : إن التشيع السياسي ظهر في أيام السقيفة في ظل الاعتراف بإمامته
الروحية ، فإن الطبري وغيره وإن لم يذكروا مصدر رجوع الزبير والعباس إلى علي ،
ولكن هناك نصوص عن طرق الشيعة وردت في احتجاج جماعة من الصحابة على
أبي بكر مستندين إلى النصوص الدينية .
فقد روى الصدوق عن زيد بن وهب أنه قال : كان الذين أنكروا على أبي بكر
تقدمه على علي بن أبي طالب اثني عشر رجلا من المهاجرين والأنصار ، فمن
المهاجرين : خالد بن سعيد بن العاص ، والمقداد بن الأسود ، وأبي بن كعب ،
وعمار بن ياسر ، وأبو ذر الغفاري ، وسلمان الفارسي ، وعبد الله بن مسعود ،
وبريدة الأسلمي .
ومن الأنصار : زيد بن ثابت ، وذو الشهادتين ، وابن حنيف ، وأبو أيوب
الأنصاري ، وأبو الهيثم بن التيهان .
وبعدما صعد أبو بكر على المنبر قال خالد بن سعيد : يا أبا بكر اتق الله . . . ثم
استدل على تقدم علي بما ذكره النبي فقال : ” معاشر المهاجرين والأنصار ، أوصيكم
بوصية فاحفظوها ، وإني مؤد إليكم أمرا فاقبلوه : ألا إن عليا أميركم من بعدي
وخليفتي فيكم ” – إلى آخر ما ذكره – ثم قام أبو ذر وقال : يا معاشر المهاجرين
والأنصار . . . طرحتم قول نبيكم وتناسيتم ما أوعز إليكم . ثم ذكر مناشدة كل منهم
مستندين في احتجاجهم على أبي بكر بالأحاديث التي سمعوها من النبي الأكرم ( 1 ) .
وهذا يعرب عن أن التشيع السياسي – الذي كان ظرف ظهوره حسب طبع الحال
بعد الرحلة – كان مستفادا من نصوص النبي ( صلى الله عليه وآله ) .
رابعا : ماذا يريد من الفرقة وأن الشيعة تكونت بصورة فرقة بعد مقتل الإمام
الحسين ؟ فهل يريد الفرقة الكلامية التي تبتني على آراء في العقائد تخالف فيها
الفرق الأخرى ؟ فهذا الأمر لم يعلم له أي وجود يذكر إلى أواسط العقد الثالث من
الهجرة ، ولم تكن يومذاك أية مسألة كلامية مطروحة حتى تأخذ شيعة علي بجانب
والآخرون بجانب آخر ، بل كان المسلمون متسالمين في العقائد والأحكام حسب ما
بلغ إليهم من الرسول ، ولم يكن آنذاك أي اختلاف عقائدي إلا في مسألة القيادة ،
فالفرقة بهذا المعنى لم تكن موجودة في أوساط المسلمين .
وإن أراد من الفرقة الجماعة المتبنية ولاية علي روحيا وسياسيا وأنه أحق
بالقيادة على جميع الموازين ، فإنها كانت موجودة في يوم السقيفة وبعدها .
نعم إن توسع الرقعة الجغرافية للدولة الإسلامية وما رافق ذلك من احتكاك
مباشر بكثير من الفرق والجماعات صاحبة الأفكار العقائدية المختلفة ، وتأثر
بعض الفرق الإسلامية ومفكريها بجملة من تلك الآراء والتصورات ، ساعد
بشكل كبير في إيجاد مدارس كلامية متعددة في كيان المجتمع الإسلامي ، ولما كان
الشيعة أشد تمسكا بحديث الثقلين المشهور ، فقد رجعوا إلى أئمة أهل البيت فصاروا
فرقة كلامية متشعبة الأفنان ، ضاربة جذورها في الكتاب والسنة والعقل .
وهكذا فلا مرية من القول بخطأ كل الافتراضات السابقة وعدم حجيتها في
محاولة تثبيت كون التشيع ظاهرة طارئة على الإسلام ، وإنما هو نفس الإسلام في
إطار ثبوت القيادة لعلي بعد رحلة النبي بتنصيصه ، وتبناه منذ بعثة النبي الأكرم
جملة من الصحابة والتابعين وامتد ذلك حسب الأجيال والقرون ، بل وظهر بفضل
التمسك بالثقلين علماء مجاهدون ، وشعراء مجاهرون ، وعباقرة في الحديث ، والفقه ،
والتفسير ، والفلسفة ، والكلام ، واللغة ، والأدب ، وشاركوا جميع المسلمين في بناء
الحضارة الإسلامية بجوانبها المختلفة ، يتفقون مع جميع الفرق في أكثر الأصول
والفروع وإن اختلفوا معهم في بعضها كاختلاف بعض الفرق مع بعضها الآخر .
وسيوافيك تفصيل عقائدهم في مبحث خاص بإذن الله .
كما يظهر لك أيضا وهن ما ذهب إليه الدكتور عبد العزيز الدوري من أن
التشيع باعتباره عقيدة روحية ظهر في عصر النبي وباعتباره حزبا سياسيا قد
حدث بعد قتل علي ( 1 ) .
شاهد أيضاً
الزهراء الصديقة الكبرى المثل الأعلى للمرأة المعاصرة / سالم الصباغ
أتشرف بأن أقدم لكم نص المحاضرة التي تشرفت بإلقائها يوم 13 / 3 في ندوة ...