الرئيسية / الاسلام والحياة / الحسين عليه السلام سماته وسيرته 13

الحسين عليه السلام سماته وسيرته 13

الباب الثاني
سيرة الحسين عليه السلام قبل كربلاء
ثانيا : بعد غياب الرسول صلى الله عليه وآله وسلم
16 – ضياع بعد الرسول
17 – موقف من عمر
18 – مع أبيه في المشاهد
19 – في وداع أخيه
16 – ضياع بعد الرسول صلى الله عليه وآله وسلم
ولئن ذهب قولهم : المرء يحفظ في ولده ، مثلا سائرا فإن لذلك أصلا قرآنيا
أدب الله به عباده المؤمنين ، على لسان عبده الصالح الخضر ، حيث أقام الجدار
الذي كان للغلامين اليتيمين في المدينة ، معللا بأنه ( كان أبوهما صالحا )
الكهف الآية 18 ] فلصلاح أبيهما استحق الغلامان تلك الخدمة من الخضر . لكن كثيرا ممن
ينتسب إلى أمة النبي محمد صلى الله عليه وآله وسلم ، لم يكرموا آل محمد ، من
أجل الرسول ، ولم تمهل الأمة أهل البيت ، أكثر من أن يغمض الرسول عينيه
، ولما يقبر جسده الشريف ، عدوا على آله ، فغصبوا حقهم في خلافته ، ثم انهالوا
عليهم بالهتك والضرب ، حتى أقدموا على إضرام النار في دار الزهراء ابنته ،
سقطوا جنينها ، وأغضبوها ، حتى قضت الأيام القلائل بعد أبيها معصبة الرأس ،
مكسورة الضلع ، يغشى عليها ساعة بعد ساعة ، وماتت بعد شهور فقط من وفاة
أبيها ، وهي لهم قالية
وما كان نصيب الغلامين ، السبطين ، الحسن والحسين ، من الأمة بأفضل من
ذلك
بل تكونت – على أثر ذلك التصرف المشين – فرقة سياسية تستهدف آل النبي
بالعداء والبغضاء ، فدبرت المؤامرة التي اغتالت عليا في محرابه ، وطعنت الحسن
في فسطاطه ، وقتلت الحسين في وضح النهار يوم عاشوراء في كربلائه ، كما
يذبح الكبش جهارا ، أمام أعين الناس ، من دون نكير
ولم يكن هذان الغلامان بأهون من غلامي الخضر ، إذ لم يكن أبوهما أصلح
من رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ، قطعا .
ولقد جابه الحسين عليه السلام بهذه الحقيقة واحدا من كبار زعماء المعادين
لآل محمد ، والمعروف بنافع بن الأزرق ، في الحديث الآتي :
[ 203 ] قال له الحسين : إني سائلك عن مسألة : } وأما
الجدار فكان لغلامين يتيمين في المدينة الكهف الآية 81 ] .
يا بن الأزرق : من حفظ في الغلامين ؟ !
قال ابن الأزرق : أبوهما
قال الحسين : فأبوهما خير ، أم رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ؟ ( 1 ) .
إنها الحقيقة الدامغة ، لكن هل تنفع من أشربوا قلوبهم النفاق ، وغطى عيونهم
الجهل ، والحقد ، والكراهية للحق ؟
لقد كان من نتائج هذا الضياع أنه لم يمض على وفاة الرسول خمسون عاما ،
حتى عدت أمته على وديعته ، وريحانته الحسين ، وقتلته بأبشع صورة
وهل يتصور ضياع أبعد من هذا ؟ !
وكان من نتائج ذلك الضياع المفضوح ، أن التاريخ المشوه ، وأهله العملاء ( 1 )
تغافلوا عن وجود أهل البيت ، طيلة الأعوام التي تلت وفاة النبي صلى الله عليه
وآله وسلم ، حتى خلافة الإمام علي عليه السلام ، فهذا الحسين ، لم نجد له ذكرا
مسجلا على صفحات التاريخ طيلة العهد البكري ، ولا العمري ، ولا العثماني ،
سوى فلتات تحتوي على كثير من أسباب ذلك التغافل
17 – موقف من عمر !
ومن تلك الفلتات ، حديث تضمن موقفا للحسين من عمر : لما جلس على
منبر الخلافة ، والحسين دون العاشرة من عمره . وبفرض وجوده في بيت أبيه
الإمام علي عليه السلام ، وقد امتلأ بكل ما يراه وليد البيت ، أو يسمعه ، من حديث
وأحداث ، مهما كان خفيا أو كانت صغيرة ، ولا يفارق ذهنه ، بل قد يقرأ الصبي
مما حوله أكثر مما يقرأه الكبير من الكلمات المرتسمة على الوجوه ، ويسمع من
النبرات أوضح المداليل التي لا تعبر عنها أفصح الكلمات .
كيف ، والحسين هو الذي أهله جده الرسول صلى الله عليه وآله وسلم لقبول
البيعة منه ، وأهلته أمه الزهراء للشهادة على أن فدكا نحلتها من أبيها عندما
طلب أبو بكر منها الشهود
ويكفي الحسين أن يعرف من خطبة أمه الزهراء في مسجد رسول الله ، ومن
انزواء أبيه في البيت ، طيلة أيام الزهراء ، أن حقا عظيما قد غصب منهم .
مضافا إلى أنه يجد بيتهم الملتصق ببيت الرسول ، ولا يفصله عنه سوى
الحائط ، أما بابه فقد فتحه الله على المسجد ذاته ، لما أحل لأهله من المسجد ما لم
يحل لأحد غيرهم ، بعد أن كان بيت فاطمة في جوف المسجد [ 182 ] [ 158 ] .
إن الحسين يجد هذا البيت العظيم : كئيبا ، مهجورا ، خلوا من الزحام ، ومن
بعض الاحترام الذي كان يفيض به ، أيام جده الرسول قطب رحى الإسلام ، وأبوه
علي يدور في فلكه .
ويجد الحسين أن القوم يأتمرون في مراح ناء ، حيث الوجوه الجدد ، قد
احتلوا كل شئ : الأمر ، والنهي ، والمحراب ، والمنبر
وقد أبرز ما تكدس على قلبه ، لما حضر يوما إلى المسجد ، ورأى عمر على
منبر الإسلام ، فلنسمع الموقف من حديثه :
[ 178 – 180 ] قال عليه السلام : أتيت على عمر بن
الخطاب ، وهو على المنبر ، فصعدت إليه ، فقلت له : انزل
عن منبر أبي ، واذهب إلى منبر أبيك فقال عمر : لم يكن لأبي منبر ،
وأخذني ، وأجلسني معه ، فجعلت أقلب حصى بيدي ،
فلما نزل انطلق بي إلى منزله ، فقال لي : من علمك ؟
قلت : ما علمنيه أحد
( قال : منبر أبيك والله ، منبر أبيك والله وهل أنبت على
رؤوسنا الشعر إلا أنتم ) ( 1 ) قال : يا بني ، لو جعلت تأتينا ، وتغشانا ( 2 )
والحديث إلى هنا فيه أكثر من مدلول :
فصعود الحسين إلى عمر – وهو خليفة – على المنبر ، ملفت للأنظار ، ومذكر
بعهد الرسول صلى الله عليه وآله وسلم حين كان سبطاه الحسنان يتسلقان هذه
الأعواد ، ويزيد الرسول في رفعهما على عاتقه ، أو في حجره
أما بالنسبة إلى الخليفة فلعلها المرة الأولى والأخيرة في ذلك التاريخ ، أن
يصعد طفل إليه ، فضلا عن أن يقول له تلك المقالة ، إذ لم يسجل التاريخ مثيلا
لكل ذلك .
وقوله لعمر : انزل عن منبر أبي ،
فليس النزول ، يعني – في المنظار السياسي – مدلوله اللغوي الظاهر ، وإنما هو
الانسحاب عن موقع الخلافة التي تشطر هو وصاحبه ضرعيها ، في السقيفة ، فقدمها إليه
هناك ، حتى يرخصها له اليوم .
و ( منبر أبي ) فيها الدلالة الواضحة ، إذا أريد بها الحقيقة الظاهرة ، فأبوه علي
عليه السلام هو صاحب المنبر ، لاعتقاد الحسين بخلافة أبيه بلا ريب .
وإن أريد بها الحقيقة الأخرى – الماضية – فأبوه هو النبي صلى الله عليه وآله
وسلم ، فلماذا انتقل المنبر الذي أسسه وبنى بنيانه ، إلى غير أهله ؟
وقوله : ( اذهب إلى منبر أبيك ) فيه الدلالة الفاضحة فالحسين وكل ،
الحاضرين يعلمون أن الخطاب أبا عمر ، لم يكن له منبر ، بل ولا خشبة يصعد
عليها
أما عمر فقد أحرجه الموقف واضطره – وهو على المنبر – أن يعترف : إنه لم
يكن للخطاب منبر ، !
والنتيجة المستلهمة من هذا الاعتراف ، أن المنبر له أهل يملكونه ، وأهله
أحق بالصعود عليه ، وتولي أموره ، فما الذي أدى إلى تجاوزهم واستيلاء غيرهم
عليه ، واستحواذه على أموره دونهم ؟
ولكن عمر ، اصطحب الطفل ، ليجري معه عملية تحقيق ، لسوء ظنه ، بأن
وراء الطفل مؤامرة دبرت هذا الموقف ، واستغلت طفولة الحسين ، فذهب به إلى
منزله ، وقال له : من علمك ؟ )
مع أن الحسين لا يحتاج إلى من يعلمه مثل تلك الحقيقة المكشوفة ، وهو
يعيش في بيت يعرفه كل الحقائق .
وإذا انطلت الأمور على العامة من الناس ، فهناك الكثير ممن يأبى أن يتقنع
بقناع الجهل والعناد والعصبية المقيتة ، أو ينكر النهار المضئ
وبقية الحديث مثيرة أيضا :
فالحسين الذي صارح بالحقيقة ، وقام يؤدي دوره في إعلانها للناس ، أخذ
عمر يطايبه ، فيدعوه إليه بقوله : يا بني ، لو جعلت تأتينا فتغشانا ،
فيأتيه الحسين يوما ، وقد خلا بمعاوية – أميره على الشام – في جلسة خاصة ،
ويمنع الجميع من اقتحام الجلسة المغلقة ، حتى ابن عمر .
فيأتي الحسين ، ويرجع ، فيطالبه عمر ، وهنا يعرفه الحسين بأنه أتاه فوجده
خاليا بمعاوية .
لكن عمر يطلق تصريحا آخر ، صارفا لأنظار العامة ، فيقول للحسين :
أنت أحق بالإذن من ابن عمر ،
وإنما أنبت ما ترى في رؤوسنا الله ، ثم أنتم ، ووضع يده على رأسه .
وهكذا ينتهي هذا الحديث الذي يدل على نباهة الحسين منذ الطفولة ، وأدائه
دوره الهام بشجاعة هي من شأن أهل البيت ، وجرأة ورثها – في ما ورث – من جده
الرسول صلى الله عليه وآله وسلم .
ولكن عمر ، كان أحذق من أن تؤثر فيه أمثال هذه المواقف ، فكان يطوق
المواقف بالتصريحات ، والتصرفات ، فبين الحين والآخر يطلق : لولا علي
لهلك عمر .
ولما دون الديوان ، وفرض العطاء :
[ 182 ] ألحق الحسن والحسين بفريضة أبيهما مع أهل بدر
لقرابتهما برسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ، ففرض لكل
واحد منهما خمسة آلاف ( 1 ) .
وهل يبقى أثر لما ينتقد به أحد إذا كان في هذا المستوى من القول والعمل .
لكن الذين اعتقدوا بخلافة عمر ، واستنوا بسنته ، وجعلوا منها تشريعا في
عرض الكتاب والسنة النبوية ، لم يراعوا في الحسين حتى ما راعاه عمر

شاهد أيضاً

الزهراء الصديقة الكبرى المثل الأعلى للمرأة المعاصرة / سالم الصباغ‎

أتشرف بأن أقدم لكم نص المحاضرة التي تشرفت بإلقائها يوم 13 / 3 في ندوة ...