أمل الآمل
تأليف الشيخ محمد بن الحسن ( الحر العاملي )
المتوفي سنة 1104 ه
تحقيق السيد احمد الحسيني
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين ، والصلاة والسلام على محمد وآله
الطيبين الطاهرين .
كلمة المحقق
في تراثنا القديم ثروات كبيرة جدا من العلوم والمعارف والفنون ،
فان علماء الاسلام لم يدعوا علما من العلوم إلا وبحثوه بحثا عميقا ، ولم يقفوا على جانب من جوانب المعرفة إلا ودرسوه دراسات طويلة ، ولم يكن في زمانهم فن من الفنون إلا وأشبعوه تدقيقا وتمحيصا ، وخلفوا للأجيال
المقبلة أنواعا من العلوم وطوائف من المعرفة وظرائف من الفنون .
وما هذه المعارف التي بأيدينا اليوم – فتية غضة – إلا إشعاعات من تلك
اللمعة الوضاءة التي أناروا بها طريقنا بما بذلوه من جهود جبارة وأتعاب
منهكة ، ولولا تلك المثابرة الطويلة وذلك الجهد المتواصل لما وصلت إلينا هذه
العلوم ولما جنينا منها هذه الثمار المبروكة .
ولكن الذي يؤسف عليه أشد الأسف أن تلك الكنوز الغنية والذخائر
القيمة لم تصل إلينا كاملة غير منقوصة ، وبصورة جلية يمكننا الوقوف عليها
وقوفا يغنينا عن جهد كبير ، والارتواء من مناهلها العذبة الروية ارتواءا
تذهب بغلتنا .
إن الكثير من التراث القديم أبيد بسبب الحروب الطائشة التي أثيرت
في البلاد الاسلامية ، والتي كانت السبب في إفناء هذه الألوف المؤلفة من
الكتب وآثار السلف ، كأن الكتب هي العامل المثير لتلك المنازعات
والمباغضات فيجب أن تكون طعمة للهيب نار الحروب وفداءا رخيصا للدماء
التي أريقت والرؤوس التي حزت والأيدي والأرجل التي قطعت . .
وهناك عامل ثان مهم في إبادة التراث القديم وإفنائه ، وهو الجهل .
الجهل بالكتب وبما فيها . . الجهل بالعلوم التي كانت تلك الكتب
تعالجها . الجهل بالجهود العظيمة التي بذلها كبار العلماء في سبيل تدوين
تلك الكتب . الجهل الذي سبب محاربة الكثيرين لعلوم خاصة كانت لا ترق
لهم فأصبحوا يحاربون بسببها المدونات في تلك العلوم ويسعون جهدهم في
إبادتها ومحوها من الوجود . .
وللجهل هذا مظاهر مختلفة ، ولافناء الكتب بسبب هذا الجهل طرق
شتى لا يعنينا في هذه العجالة التحدث عنا . .
* * *
والبقية الباقية من هذا التراث القيم . أين هي ؟ ؟
إنها مخطوطات موزعة في شتى أنحاء العالم يفتخر أصحاب المكتبات أنهم
يملكونها وهي في حيازتهم . .
ثم ماذا ؟ ؟
ثم الغبار المتراكم على هذه الثروات العظيمة والرطوبة السارية فيها .
وأخيرا هي مضغة شهية للأرضة – قاتلها الله .
هذه مكتبة ( فلان ) جعلوها في الطابق الأسفل من البيت بعد موته ،
وفي غرفة كانت أنزل من ساحة البيت ، ففاضت الغرفة بالأمطار وأصبحت
الكتب المصطفة على أرض الغرفة كأنها قطعة من العجين ، وأدرجت هذه
الثروة الهائلة من التراث الاسلامي في قائمة النفائس المبادة .
وهذه مكتبة ( فلان ) الغنية بالمؤلفات الأثرية الثمينة هي وقف على
الذرية ، فحرصت الذرية ( الطاهرة ! ) على الاحتفاظ بها ، فجعلتها في غرفة
وأوصدت أبوابها على الناس أجمعين ولم تتعهدها تعهدا كافيا ، حتى لم يبق
منها إلا أشلاء مبعثرة هي البقية مما ارتزقت به الأرضة . .
والذي طبع من هذا التراث العلمي الضخم . . . ؟
يغلب عليه الرداءة في الطبع والورق والاخراج ، وخاصة أكثر
الطبعات الحجرية ، فان فيها صحائف لا يمكن فيها تمييز الشعر من النثر والآية
من الرواية وكلام المؤلف من الكلام المنقول عن غيره ، حشرت الكلمات
حشرا متداخلا تحتاج إلى رمل واسطرلاب لفهم مغزاها والوصول إلى
معناها ، كأننا أمام الكتابات الأثرية التي لا يقدر على حل مشكلها إلا المعنيونبهذه الشؤون .
وسببت رداءة الطبع وكثرة الأخطاء وتشويش العبارات ابتعاد الناس
عن الكتب وبغضهم لقراءتها . وبالتالي قيام حاجز بين العلم وكافة
الطبقات من الناس ، إلا شرذمة قليله ممن أعطاهم الله تعالى صبرا وثباتا
لمعالجة المواضيع العلمية في هذه الكتب القيمة . .
ومن حسنات هذا العصر الزاهر أن يتوجه جماعة إلى تصحيح هذه
الكتب – المخطوطة منها والمطبوعة القديمة – وتحقيقها حسب مناهج علمية
خاصة تيسر للمطالع فهمها والاستفادة منها .
وكان من حسن حظي أن أسلك هذا الطريق فيمن سلك – وان كنت لست
من أهله – ويقع اختياري على كتب منها
هذا الكتاب القيم ( أمل الآمل ) الذي
أقدمه اليوم بكل فخر واعتزاز .
القسم الأول
في ذكر ما يحضرني من أسماء علماء جبل عامل ومؤلفاتهم
وأحوالهم ، وهو مرتب على الحروف مقدما للأول فالأول
على النهج المعروف في الأسماء وأسماء الآباء والألقاب والكنى
في الأوائل والثواني وهكذا ، وان استلزم تأخير المقدم زمانه
وتقديم المؤخر ، تسهيلا للتناول وتقريبا للتداول .
باب الهمزة
1 – الشيخ إبراهيم بن إبراهيم بن فخر الدين العاملي البازوري .
كان فاضلا صدوقا صالحا شاعرا أديبا من المعاصرين . قرأ على الشيخ
بهاء الدين وعلى الشيخ محمد بن الشيخ حسن بن الشهيد الثاني وغيرهما ،
توفي في طوس في زماننا ولم أره ، وله ديوان شعر صغير عندي بخطه
من جملة ما اشتريته من كتبه ، وله رسالة سماها رحلة المسافر وغنيته عن
المسامر ، أخبرني بها جماعة منهم السيد محمد بن محمد الحسيني العاملي العيناثي
عنه . ومن شعره قوله من قصيدة يرثي بها الشيخ بهاء الدين محمد بن الحسين
العاملي :
شيخ الأنام بهاء الدين لا برحت * سحائب العفو ينشيها له الباري
مولى به اتضحت سبل الهدى وغدا * لفقده الدين في ثوب من القار
والمجد أقسم لا تبدو نواجذه * حزنا وشق عليه فضل أطمار
والعلم قد درست آياته وعفت * عنه ( 1 ) رسوم أحاديث وأخبار –
[ كم بكر فكر غدت للكفؤ فاقدة * ما دنستها الورى يوما بأنظار –
كم خر لما قضى للعلم طود علا * ما كنت أحسبه يوما بمنهار ]
وكم بكته محاريب المساجد إذ * كانت تضئ دجى منه بأنوار
[ فاق الكرام ولم تبرح سجيته * إطعام ذي سغب مع كسوة العاري
جل الذي اختار في طوس له جدثا * في ظل حام حماها نجل أطهار –
الثامن الضامن الجنات أجمعها * يوم القيامة من جود لزوار ] ( 1 ) –
وقوله من قصيدة يمدح بها الشيخ زين الدين بن محمد بن الحسن بن
الشهيد الثاني :
[ كمولاي زين الدين لا زال راكبا * سوابق مجد في يديه زمامها ]
إذا انقض منكم كوكب لاح كوكب * به ظلمات الجهل يجلي ظلامها
فما نال مجدا نلتم من سواكم ( 2 ) * ولا انفك منكم للبرايا أمامها –
مطايا العلى ما انقدن يوما لغيركم * وموضعكم دون البرايا سنامها
حللتم بفرق الفرقدين وشددتم * رسوم على قد طال منها انهدامها
محط رحال الطالبين جنابكم * وما ضربت إلا لديكم خيامها –
[ إذا تليت في الناس آيات ذكركم * لها سجدت أخيارها وطغامها ] ( 3 ) –
وقوله من قصيدة يمدح بها السيد حسين بن السيد محمد بن أبي الحسن
الموسوي العاملي :
لله آية شمس للعلى طلعت * من أفق سعد بها للحائرين هدى
وأي بدر كمال في الورى طلعت ( 4 ) * أنواره فانجلت سحب العمى أبدا
قد أصبحت كعبة العافين ( 5 ) حضرته * تطوف من حولها آمال من وفدا
لا زلت إنسان عين الدهر ما رشفت * شمس الضحى من ثغور الزهر ريق ندا
والبازورية قرية ينسب إليها ( 1 ) .