وفي حروب علي ( ع ) يقول :
علي إنما قاتل الناس على طاعته ، لا على طاعة الله ! !
ويضيف قائلا : فمن قدح في معاوية بأنه كان باغيا قال له
النواصب : وعلي أيضا كان باغيا ظالما . . قاتل الناس على
إمارته وصال عليهم . . فمن قتل النفوس على طاعته كان
مريدا للعلو في الأرض والفساد ، وهذا حال فرعون ، والله
تعالى يقول : * ( تلك الدار الآخرة نجعلها للذين لا يريدون علوا في
الأرض ولا فسادا والعاقبة للمتقين ) * ، فمن أراد العلو في
الأرض والفساد لم يكن من أهل السعادة في الآخرة ! ! ( راجع
منهاج السنة 2 : 202 – 205 ، 232 – 234 )
وعلى هذا النحو مضى في صفحات عديدة من كتابه
منهاج السنة هذا الكتاب الذي شحن بالبدعة من أوله إلى
آخره كما هو واضح من كل ما نقلناه عنه في هذا المقتضب ،
هذا مع أن الذي جاء في الحديث الصحيح في حروب علي
صريح في شرعية حروبه ووجوب نصرته فيها . ومن ذلك :
– قوله ( ص ) : ” إن منكم من يقاتل على تأويل القرآن كما
قاتلت على تنزيله ” فاستشرف له القوم وفيهم أبو بكر
وعمر ، فقال أبو بكر : أنا هو ؟ قال ( ص ) : ” لا ” .
قال عمر : أنا هو ؟ قال ( ص ) : ” لا ، ولكن خاصف
النعل ” وكان علي يخصف نعل رسول الله ( ص ) . قال
أبو سعيد الخدري : فأتينا فبشرنا ، فلم يرفع به رأسه كأنه قد
سمعه من رسول الله ( ص ) . ( وهذا حديث صحيح أخرجه أحمد في
المسند 3 : 82 ، وابن حيان في صحيحه ح / 6898 ، والحاكم في المستدرك
3 : 123 ووافقه الذهبي فقال : صحيح على شرط الشيخين ، والخطيب في
تاريخ بغداد 8 : 423 ، وابن كثير في البداية والنهاية 7 : 375 )
– وقوله ( ص ) لعلي وفاطمة والحسين ( ع ) : ” أنا
حرب لمن حاربتم ، وسلم لمن سالمتم ” . ( سنن الترمذي
ح / 3870 ، سنن ابن ماجة ح / 145 ، مسند أحمد 2 : 442 ، مصابيح السنة
للبغوي 4 : 190 )
لكن ابن تيمية يكذب بهذا الحديث ، وكعادته بلا أي
دليل من نقل صحيح أو تحقيق علمي مقبول ، وإنما يجادل
فيه جدال امرئ عشق المراء حتى مع الكلام الله وكلام
رسوله ( ص ) ! ( أنظر منهاج السنة 2 : 234 )
وفي علم علي يتكلم ابن تيمية كلاما يجل عنه أدنى
طلبة العلوم قدرا . . فيقول : ليس في الأئمة الأربعة ولا
غيرهم من أئمة الفقهاء من يرجع إلى علي في فقهه . .
فمالك أخذ علمه عن أهل المدينة ، وأهل المدينة لا
يكادون يأخذون عن علي ! . . وأبو حنيفة الشافعي وأحمد
تنتهي طرقهم إلى ابن عباس ، وابن عباس مجتهد مستقل ،
ولا يقول بقول علي ! ! ( منهاج السنة 4 : 142 – 143 )
هكذا يفعل الهوى بصاحبه ، فما زال الهوى يحمله على
قول بعد قول حتى غاص في لجج العناد ، فهو لا يدري ما
يقول . . حتى يضع نفسه موضع سخرية العلماء . بل
والسالكين طريق التعلم . . اللهم إلا مقلديه الذين تمسكوا
بأقواله أشد من تمسكهم بكتاب الله وسنة رسوله ( ص ) ! !
لقد صنف الإمام الشافعي كتابا مفردا أثبت فيه انتهاء
علم أهل المدينة إلى علي وابن عباس . . ونقل ابن قدامة
في ( المغني ) عن ابن عباس أنه كان يقول : ” إذا ثبت لنا عن
علي قول لم نعده إلى غيره ” ، وعن ابن عباس أيضا :
” أعطي علي تسعة أعشار العلم ، وإنه لأعلمهم بالعشر
الباقي ” . ( طبقات الفقهاء : 42 )
وفي الحسين السبط الشهيد له كلام لا تجد له نظيرا
حتى عند وعاظ يزيد الذين كانوا يتزلفون له في حياته . .
– فيقول مرة في خروج الحسين على يزيد : ” هذا رأي
فاسد ، فإن مفسدته أعظم من مصلحته ، وقل خرج على
إمام ذي سلطان إلا كان ما تولد على فعله من الشر أعظم
مما تولد من الخير ” ! ! ( منهاج السنة 2 : 241 )
إذن يا طلاب الحرية وعشاق الاستقلال ما أنتم إلا
مفسدون . . وما عليكم إلا أن تذلوا للسلطان ، وتمدوا
ظهوركم لجلاديه وأعناقكم لسيافيه ، فإن الشيخ ابن تيمية
يقول : إن مطالبتكم بالحرية عمل فاسد ، مفسدته أعظم من
مصلحته ! !
عجبا للباحث الكبير مالك بن بني كيف غفل عن هذه
المقولة في نظريته التي أسماها ” القابلية للاستعمار ” !
لكن العقاد أجاد في تفسير هذه المقولة وأمثالها ، فقال :
” إن القول بصواب الحسين معناه القول ببطلان تلك
الدولة . . والتماس العذر للحسين معناه إلقاء الذنب على
يزيد ، وليس بخاف كيف ينسى الحياء وتبتذل القرائح
أحيانا في تنزيه السلطان القائم وتأثيم السلطان الذاهب ” !
( عباس محمود العقاد : أبو الشهداء : 106 )
– ويقول مرة أخرى معتذرا ليزيد : ” ويزيد ليس بأعظم
جرما من بني إسرائيل ، كان بنو إسرائيل يقتلون الأنبياء ،
وقتل الحسين ليس بأعظم من قتل الأنبياء ” ! ! ( منهاج السنة
2 : 247 )
أرأيت عذرا أقبح من فعل كهذا ؟ ! !
نكتفي بهذا القدر خشية أن نكون قد أطلنا في هذا
الباب ، لنقف على جوانب أخرى من مواقف ابن تيمية
وعقيدته .