الرئيسية / من / الصحة والعافية / الآداب الطبية في الإسلام

الآداب الطبية في الإسلام

7 – الطب عند العرب قبل الإسلام :
وقبل البدء في الحديث عن طب العرب في الجاهلية . . نشير إلى أننا قد تعمدنا بعض التفصيل في هذا المجال ، من أجل إظهار حقيقة الوضع الذي كان سائداً في المنطقة التي ظهر فيها الإسلام ، الذي بعث أعظم ثورة ثقافية وإنسانية عرفها التاريخ . . والذي شهد عالم الطب في ظله تطوراً هائلاً وأسطورياً ، كما سنرى ، ولأجل ذلك نقول :
أما الطب عند العرب ، فيقول وجدي : إنه كان مقتبساً عن اليوناني ، والهندي ، ولم يزد العرب عليه شيئاً إلا فيما يتعلق بالمادة الطبية ( 4 ) .
فإذا كان وجدي يقصد بذلك : الطب في فترة ما قبل الإسلام ؛ فيمكن أن يكون له وجه . . وإن كنا نرجح : أنه ليس إلا نتيجة لتجارب شخصية
محدودة ، أو مأخذوة من أطباء جند يشابور ، أو من أي من البلاد التي تحيط بهم .
وأما إذا كان يقصد بطب ما بعد ظهور الإسلام ، فلا ريب في عدم صحة هذا الكلام ، كما سنرى فيما يأتي . . ويؤيد أنه يقصد هذا الثاني : قوله : إنه كان قبل الإسلام منقولاً إليهم من السوريين ( 1 ) .
فالظاهر : أنه قد تأثر بمزخرفات المستشرقين الذين يحاولون تعظيم وتضخيم دور أي من الأمم التي سبقت الإسلام بهدف التخفيف من عظمة البعث الإسلامي ، في مختلف المجالات ، وذلك لأهداف حقيرة لا تخفى . .
وعلى كل حال . . فإن مطالعة معالم النهضة الإسلامية الطبية لخير دليل على كذب هذا الادعاء ، ولسوف يأتي بعض ما يشير إلى ذلك كما قلنا .
أما الدكتور فيليب حتى فيقول : « أنشأ الطب العربي العلمي عن الطب السوري الفارسي ، الذي كان يقوم بدوره على أسس من الطب الإغريقي . وقد أشرنا سابقاً إلى ان الطب الإغريقي ذاته قد استقى كثيراً من الطب الشعبي القديم الذي كان معروفاً في الشرق الأدنى ، ولا سيما الطب المصري » ( 2 ) .
ولكن ما ذكرناه نحن آنفاً هو الأكثر دقة في هذا المجال . . فإن الطب قد كان عند جميع الأمم ولكن بمستويات مختلفة ومتفاوتة ، وقد استطاعت جند يشابور أن تحتوي معظم نتاج الأمم السابقة ، ثم تصدر ما حصلت عليه إلى سائر الشعوب التي كانت بحاجة إلى مادة كهذه ومنها العرب ، وإن كان العرب
قد اقتبسوا أيضاً من آخرين ممن حولهم ، كالسوريين ، أو غيرهم . . وأضافوه إلى ما كان عندهم عن الكلدان وغيرهم ، ومما حصلوا عليه من تجاربهم ، وإن كانت محدودة جداً .
أما جامعة جند يشابور نفسها ؛ فقد انتقل الطب إليها على يد الرومان ، الذين تلقوا معارفهم عن اليونانيين ، الذين قدموا إليهم من مدرسة الإسكندرية .
الطب الجاهلي :
ويقولون : إن المعالجات في الجاهلية كانت تعتمد على بعض النباتات ، وبالعسل وحده ، أو مع مواد أخرى : شرباً تارة ، وعجائن ولصقات أخرى . وبالحجامة ، والفصد ، والكي ، وبتر الأعضاء بالشفرة المحماة بالنار . . هذا بالإضافة إلى معالجاتهم بالرقى والعزائم ، والأذكار التي تطرد الجن والأرواح الشريرة .
ويقول البعض : إنهم كانوا يعالجون الجراح المتعفنة والدماميل بمواد ضد العفونة ، ويعالجون الأمراض المسرية بالحجر الصحي ، ويعالجون الجراح بالفتائل والتضميد ( 1 ) .
ويقول الدكتور جواد علي ( 2 ) : « وقد عرف الجاهليون أيضاً طريقة تغطية بعض العيوب ، أو الإصابات التي تلحق بأعضاء الجسم بالوسائل الصناعية ، فشدوا الأسنان ، وقووها بالذهب ، وذلك بصنع أسلاك منه تربط الإنسان ، أو
بوضع لوح منه في محل الأسنان الساقطة ( 1 ) واتخذوا أنوفاً من ذهب لتغطية الأنف المقطوع ، كالذي روي عن عرفجة بن أسعد ( 2 ) من أنه اتخذ أنفاً من ذهب ( 3 ) . وكان قد أصيب أنفه يوم الطلاب في الجاهلية » انتهى . ولعل هذه القضية من الأمور المسلمة تاريخياً كما يعلم من مراجعة كتب الحديث والتاريخ ( 4 ) . . وإن كان البعض يرى : أن ذلك لا يرتبط بالطب ، وإنما بفن الصياغة . . ولكنه على أي حال يعبر عن تطور ما في توجهات الناس آنئذ حتى ليفكرون بتغطية بعض العيوب بطرق ، ووسائل كهذه . .
وقد عرف الجاهليون الطب البيطري أيضاً ، فكانوا يعالجون الحيوان بالكي بالنار ، وجب سنام الإبل ، إذا أصيب بالدبرة ، وقد كان العاص بن وائل بيطاراً كما يقولون ( 5 ) .
وكانوا ينقون رحم الفرس أو الناقة من النطف ، ويخرجون الولد من بطن الفرس ، أو الناقة ، ويعبَّر عن ذلك بلفظ « مسي » ( 6 ) .
وأما عن الأمراض التي كانوا يعرفونها ، والنباتات التي كانوا يستعملونها ،
فهي كثيرة ، ولسنا في صدد استقصائها . وقد ذكر أسعد علي في كتابه : « المفصل في تاريخ العرب قبل الإسلام » نبذة عن تلك الأمراض ومعالجاتها ، فليراجعها من أراد . . ( 1 ) .
ثم إن هذا الذي ذكرناه إنما هو بالنسبة للطب عند الحضريين ، أما طب البادية فقد كان تقليدياً موروثاً عن مشايخ الحي وعجائزه . .
منزلة الطب في الجاهلية :
وقد ذكر أبو حاتم : أنه قد كان في زهير بن جناب عشر خصال لم يجتمعن في غيره ، من أهل زمانه : كان سيد قومه ، وشريفهم ، وخطيبهم ، وشاعرهم ، ووافدهم إلى الملوك ، وطبيبهم – والطب عندهم شرف – وحازي قومه – والحزاة الكهان – وكان فارس قومه ، وله البيت فيهم ، والعدد منهم . . ( 2 ) .
أطباء العرب في الجاهلية :
لم يكن في العرب قبل ظهور الإسلام توجه أو اندفاع نحو الطب ، ولذلك ، فإنه لم يكن لهم حضارة طبية ذات قيمة تذكر ، نعم قد ظهر فيهم عدد محصور من الأطباء لم يكن لهم نبوغ مميز ، ولا اشتهر عنهم ابداعات أو منجزات تذكر في هذا المجال . .

شاهد أيضاً

آداب الأسرة في الإسلام

رابعاً : حقوق الأبناء : للأبناء حقوق علىٰ الوالدين ، وقد لخّصها الإمام علي بن ...