الطب في القرن الأول الهجري :
قد أشرنا فيما سبق إلى أنه قد كان في زمن النبي ( صلى الله عليه وآله ) بعض المعاريف من الأطباء آنئذ ، وإلى بعض معارفهم ، ونزيد هنا :
أن قوماً من الأنصار قالوا : يا رسول الله . إن لنا جاراً يشتكي بطنه ، أفتأذن لنا أن نداويه ؟ قال ( صلى الله عليه وآله ) : بماذا تداوونه ، قالوا : يهودي ههنا يعالج من هذه العلة ، قال : بماذا ؟ قالوا : بشق بطنه ، فيستخرج منه شيئاً ، فكره ذلك رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) ولم يجبهم فعاودوه . مرتين أو ثلاثاً ، فقال : افعلوا ما شئتم ، فدعوا اليهودي فشق بطنه ، ونزع منه رجراجاً كثيراً ، ثم غسل بطنه ، ثم خاطه وداواه فصح . . وأخبروا النبي بذلك ، فقال : إن الذي خلق الأدواء جعل لها الدواء . . الخ ( 1 ) .
وعن ابن سنان عن أبي عبد الله ( عليه السلام ) قال : سألته عن الرجل ينفصم سنه : أيصلح له أن يشدها بذهب ؟ وإن سقطت ، أيصلح أن يجعل مكانها سن شاة ؟
قال : نعم ، إن شاء ، ليشدها بعد ان تكون ذكية . . وعن الحلبي ، عنه ( عليه السلام ) مثله ( 1 ) . وعن زرارة ، عن أبي عبد الله ( عليه السلام ) ، قال : سأله أبي وأنا حاضر ، عن الرجل يسقط سنه ، فيأخذ من أسنان ميت فيجعله مكانه ، قال : لا بأس ( 2 ) .
وعن عبد الله بن عبد الله بن أبي : أنه أصيبت سنته يوم أحد ، فأمره رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) أن يتخذ ثنيةً من ذهب ( 3 ) .
وحكم ابن حيان ، على هذا الحديث بأنه مكذوب ، وقال : « وكيف يأمر المصطفى باتخاذ الثنية من ذهب ، وقد قال : إن الذهب والحرير محرمان على ذكور أمتي وحل لإناثهم الخ » ( 4 ) .
ونقول : لقد غلط ابن حيان هنا ؛ فإن الذهب والحرير ، إنما يحرمان لو كان لأجل التزين بهما ، لا لأجل ضرورة العلاج كما هو ظاهر .
وقد تقدم حين الكلام على الطب الجاهلي : أنه ( صلى الله عليه وآله ) قد أمر الضحاك الذي تقدم الاختلاف في اسمه بأن يتخذ أنفاً من ذهب . . وتقدم : أن الحارث بن كلدة – وقد اختلف في إسلامه – قد ألف كتاباً في الطب .
وفيما عدا ذلك ، فإننا لا نجد في القرن الأول الهجري ، بل . . وحتى مطلع الدولة العباسية أي نشاط طبي عند المسلمين – إلا ما يذكر عن النبي ( صلى الله عليه وآله ) ، والأئمة المعصومين ( عليهم السلام ) – وإلا أسماء بعض أطباء عاشوا في الجاهلية ، وصدر الإسلام مثل : ابن أبي رمثة ، والحارث بن كلدة ، والنضر بن الحارث ، وغيرهم ممن قدمنا ويذكر أيضاً : أنه لما ضرب أمير المؤمنين
علي ( عليه السلام ) جمع له الأطباء ، وكان أبصرهم بالطب ابن عمريا ، أثير بن عمرو السكوني . وكان صاحب كرسي يتطبب ( 1 ) كما أن الذي جيء به لعلاج عمر حينما طعن كان من الأنصار من بني معاوية ( 2 ) .
أما في عهد بني أمية ، فنجد أن الحكام كانوا يعتمدون على بعض الأطباء من أهل الملل الأخرى ، كابن أثال النصراني ، وأبي الحكم النصراني ، وثياذوق ، وابن أبجر المسيحي ( 3 ) طبيب عمر بن عبد العزيز ، وإن كان البعض يحاول أن يدعي : أن خالد بن يزيد كان ماهراً في الطب أيضاً ( 4 ) ، ولكن ذلك لا يمكن الاعتماد عليه ، نعم يمكن أن يكون قد شجع على ترجمة بعض الكتب الطبية كما سيأتي وإذا كان حقاً له بصر بهذا العلم فإنه ولا شك لم يتعد المجال النظري ، فلم يمارسه في يوم من الأيام .
والمشتهر عنه هو ميله إلى صناعة الكيمياء ، أما اتقانه لعلم الطب فلم نجده إلا عند ابن خلكان .
ونجد أيضاً في جملة من يعد ممن له معرفة بالطب ، بعض النساء اللواتي عشن في زمنه ( صلى الله عليه وآله ) ، مثل : رفيدة ، التي كان لها خيمة في مسجد الرسول لمداواة المرضى والجرحى ، وامرأة من عذرة ، وليلى الغفارية ، وأم سليم وأم عطية ، وربيع بنت معوذ ، وغيرهن . . ممن سنذكرهن مع المصادر في الفصل الخامس من القسم الثاني من هذا الكتاب ، حين الكلام على معالجة وتمريض المرأة للرجل . . فإلى هناك .
وكانت أم جميلة تعالج من الكلف ، وقد سألت عائشة عن ذلك ، فأمرتها بالاستمرار على ذلك ( 1 ) .
وفي عهد بني أمية ، كانت زينب الأودية تتطبب ، وتعالج العين والجراح ( 2 ) وأخيراً . . فإننا لا نجد في تتبع الحركة الطبية في هذه الفترة كبير فائدة ، لأنها كانت ضعيفة جداً ، بل تكاد تكون معدومة .
استدراك : ويذكر في الأطباء في القرن الأول : مرة بن شراحيل الطبيب كما عند البلاذري في أنساب الأشراف ج 2 ص 357 ، كما أن رواية ابن سنان الآنفة تدخل في نشاط القرن الثاني ، اما رواية زرارة فيحتمل فيها ذلك .