الرئيسية / من / الصحة والعافية / الآداب الطبية في الإسلام

الآداب الطبية في الإسلام

قال الأستاذ محمد الخليلي : « لقد امتاز الرئيس ابن سينا على أبقراط وأرسطو وجالينوس بدقته في مناقشة الحالات المرضية ، ومهارته في فن التشخيص ، ومبحث أسباب الأمراض .

فهو أول من وصف الالتهاب السحائي ، أي البرسام الحاد ، وميزه عن سائر الأمراض الحادة المصحوبة بالهذيان . وقد كان ذلك يشتبه على اليونانيين ، وهو أول من أوضح أن التهاب البلورا « ذات الجنب » ، والتهاب الرئة « ذات الرئة » قد تنتج عنهما أعراض سرسامية ، وأن التهاب السحايا في تلك الحالات يعتبر نذيراً بالموت .

وهو أول من أجاد في شرح امراض الجهاز التنفسي ، وأتقن وصف الأمراض العصبية . وله الفضل في ابتكار كثير من طرق العلاج النفساني .
وهو أول من اختص بالقول : بأن الحصبة أكثر ما تكون عدواها في الربيع والخريف ، وأنها أكثر وقوعاً في هذين الفصلين ، وأن الأطفال أكثر إصابة بهما . وهو أول من وصف علاج البواسير بالشق .

وهو أول من اكتشف اندعام عضلات العين ، وأدخل من أنواع العقاقير الطبية في العلاج كثيراً لم يكن مستعملاً من ذي قبل .
وهو أول من اكتشف الطفيلية أي الدودة الموجودة في الإنسان المسماة اليوم في اصطلاح الطب الحديث « انكلستوما » وقد ذكرها في فصل ديدان المعدة ، من كتاب القانون . وقد أعاد اكتشافها « زوييني » الإيطالي في القرن التاسع عشر [ أي القرن الثالث عشر الهجري ] ، أي بعد اكتشاف ابن سينا بتسع قرون ، وقد أخذ جميع مؤلفي الغرب بهذا الرأي في مؤلفاتهم الحديثة سيما في مؤسسة « روكفلر » معترفين لابن سينا بالفضل في سبقه .

وهو أول من اكتشف الآلة المسماة اليوم « الوارنية » وهي الآلة المستعملة لقياس الأطوال بالدقة المتناهية .
وهو أول من شرح قلب الجنين ، وقسمه إلى الأقسام المعروفة عندنا اليوم ، ووصف الثقب الموجود في الجدار الفاصل بين الاذنين ، وقال : إن هذا الثقب يسد حالاً عندما يتنفس المولود لأول مرة ، وبذلك تبتدئ الدورة الدموية الرئوية . . » ( 1 ) .

وما قاله ابن سينا في تشريح العين ، ووصف عضلات الحدقة مطابق تماماً لما توصل إليه الطب في هذه الأيام ، كما أنه قد أدرك أهمية عصب العين ، وهو أول من تنبه لذلك فيما نعلم . .
كما أن ما ذكره ابن سينا عن مرض السل ، ومرض آسم وهو « الربو » هو نفس ما توصل إليه أطباء اليوم ( 2 ) .

ويقول جُرجي زيدان وكذلك هم يقولون : « أما ما أحدثوه من عند أنفسهم رأساً ، فالإحاطة به من الأمور الشاقة التي يعسر تحقيقها ، فنذكر ما ثبت عندنا حدوثه على سبيل المثال :

من ذلك : أنهم أحدثوا في الطب آراء جديدة ، تخالف آراء القدماء في تدبير الأمراض ، وإن لم يصلنا إلا خبر القليل منها ، مثل نقلهم تدبير أكثر الأمراض التي كانت تعالج قديماً بالأدوية الحارة على اصطلاحهم إلى التدبير البارد كالفالج ، واللقوة ، والاسترخاء ، وغيرها . . والعرب ( 1 ) أول من استخدم المرقد « البنج » في الطب . . وهم أول من استخدم الخلال . . وقد وجد محققوا الإفرنج ، العرب ( 2 ) أول من استخدم الكاويات على نحو استخدامها اليوم ، وأنهم أول من وجه الفكر إلى شكل الأظافر في المصدورين ، ووصفوا علاج اليرقان ، والهواء الأصفر . واستعملوا الأفيون بمقادير كبيرة لمعالجة الجنون . ووصفوا صب الماء البارد لقطع النزف ، وعالجوا خلع الكتف بالطريقة المعروفة في الجراحة برد المقاومة الفجائي . ووصفوا إبرة الماء الأزرق ، وهو قدح العين ، وأشاروا إلى عملية تفتيت الحصاة » ( 3 ) .

ويضيف گوستاف لوبون : أن المسلمين كانوا يقومون بعمليات جراحية لإخراج الماء من العين ، ويقومون بإخراج « جليدية » منها . . كما أن الزهراوي قد قدم شرحاً وافياً عن عملية تفتيت الحصاة ، واستعمال الماء البارد لقطع نزف
الدم ، واستعمال المكويات والفتائل للجراح ، والكي بالنار .

وكان المسلمون يعتمدون على قوانين الوقاية الصحية كثيراً ومعرفتهم بها كانت كاملة ، ويستفيدون من الطبيعة أكثر ، ومسألة الحمية التي هي من التعاليم الأكيدة في الطب الحديث كانت أصلاً عندهم ، وكانوا موفقين جداً في ممارساتهم الطبية بالقياس إلى هذا العصر ، بل لم يكن الأطباء المسلمون في القرن العاشر الميلادي يقدمون من الضحايا بقدر ما يقدمه أطباء اليوم ، والأحكام القرآنية ، كالوضوء ، والغسل ، والتيمم ، وتحريم المسكرات ، وترجيح الأغذية النباتية على اللحوم في المناطق الحارة كانت حكيمة ونافعة جداً في الوقاية . كما أن التعاليم الصحية التي جاءت عن نفس النبي ( صلى الله عليه وآله ) قد كانت في غاية الدقة والمتانة ، ولا يمكن الاعتراض عليها ، وقد وردت على شكل كلمات قصار يسهل حفظها على كل أحد ( 1 ) .

الصيدلة :
لقد نبغ المسلمون في الصيدلة ، واهتموا بالنباتات ، ومعرفة خواصها ، وممن نبغ منهم في علم النبات ، ابن الصوري ، وابن البيطار ، وابن أبي أصيبعة ، وغيرهم ، ويقولون أيضاً : إنهم هم الذين اخترعوا فن الصيدلة ، وأنشأوا حدائق نظامية لدراسة علم النبات والأعشاب في بغداد ، وغيرها من المدن ( 2 ) . وقد أدخل المسلمون في المادة الطبية كثيراً من أنواع الأعشاب والمعادن ، مما لم يكن معروفاً لغيرهم ( 3 ) .
وكان رشيد الدين ابن الصوري ، المتوفي سنة 639 ، صاحب كتاب
الأدوية المفردة الذي استقصى فيه ذكر الأدوية المفردة ، وذكر فيه أدوية اطلع على معرفتها ، ومنافعها لم يذكرها المتقدمون ( 1 ) – كان رشيد هذا – يخرج لدرس الحشائش في منابتها ، ويستصحب مصوراً معه الأصباغ والليق على اختلافها ، وتنوعها ، ويتوجه إلى المواضع التي بها النبات في جبل لبنان وغيره من المواضع ؛ فيشاهد النبات ويحققه ، ويريه المصور ؛ فيعتبر لونه ، ومقدار ورقه ، وأغصانه وأصوله ، ويصور بحسبها بالدقة .
ثم إنه سلك في تصوير النبات مسلكاً مفيداً ، وذلك أنه كان يري النبات للمصور في أبان نباته وطراوته فيصوره . ثم يريه إياه أيضاً ، وقت كماله وظهور بزره ، فيصوره تلو ذلك . ثم يريه إياه أيضاً في وقت ذواه ويبسه ، فيصوره فيكون الدواء الواحد شاهده الناظر إليه في الكتاب وهو على أنحاء ما يمكن ان يراه في الأرض ، فيكون تحقيقه له أتم ، ومعرفته له أبين ( 2 ) ، قال زيدان : وذلك غاية ما يفعله الباحثون في هذا العلم اليوم ( 3 ) .
ويقول ابن أبي أصيبعة : « واطلع رشيد الدين ابن الصوري أيضاً على كثير من خواص الأدوية المفردة ، حتى تميز على كثير من أربابها ، وأربى على سائر من حاولها ، واشتغل بها » ( 4 ) .
والظاهر أن ابن الصوري كان من الشيعة ، لأنه من أهل صور في جبل عامل ، الذي كان شيعياً من قديم الأيام .
وعلى كل حال : . . فقد كان للمسلمين : فضل كبير في الصيدلة ، وقد
بذلوا الجهد في استجلاب العقاقير من الهند وغيرها ، منذ أيام يحيى بن خالد البرمكي . وهم واضعو أسس فن الصيدلة ، وهم أول من اشتغل في تحضير الأدوية والعقاقير ، فضلاً عما استنبطوه من الأدوية الجديدة ، وهم أول من ألف الاقرباذين ( 1 ) .
وكانوا يعتمدون أولاً على اقرباذين سابور بن سهل المتوفي سنة 255 ه‍ حتى ظهر أقرباذين أمين الدولة ابن التلميذ ، المتوفي ببغداد سنة 560 ه‍ ( 2 ) .

شاهد أيضاً

الولايات المتحدة تعتزم إرسال جنرالات لوضع خطط للعملية المقترحة في رفح

تعتزم الولايات المتحدة الأمريكية إرسال جنرالات لوضع خطط للعملية المقترحة في مدينة رفح جنوبي قطاع ...