الرئيسية / صوتي ومرئي متنوع / ما لم يدونه التاريخ عن الإمام علي بن أبي طالب

ما لم يدونه التاريخ عن الإمام علي بن أبي طالب

كثيراً من الملامح بل والحقائق قد تستفيدها من تدقيق النظر في الخبر، فتستنطق ما سكت عنه , وقد يكون المستنطق من مجموعة الأخبار أقوى مما صرحت به بعض الأخبار، فهو كالتواتر المعنوي أو قريباً منه، وسأحاول هنا تطبيقه في موضوع الإمام.

بالإجماع أن الإمام علي بن أبي طالب تربى – حقيقة وليس دعوى – على يد النبي صلوات الله عليه، من قبل بدء الوحي بسنين واستمر بعد الإسلام وهذا ما لم يتوفر لغيره من الذكور، حتى زيد بن حارثة مولى النبي إنما أتى إلى النبي شاباً مراهقاً هدية له من زوج النبي خديجة بنت خويلد , إذن فهذه الخصيصة من التربية ولملاصقة للنبي صلوات الله عليه من خصائصه الكبرى التي لا يكاد ينتبه لها أحد، ولها أثرها البالغ على الإمام علي , بل من يوم مولد الإمام علي وهو تحت نظر النبي صلوات الله عليه، لأن النبي كان يكفله أبو طالب، وبقي مع أبي طالب في بيته إلى أن تزوج خديجة.

وكان مولد الإمام علي قبل بدء الوحي بنحو ثلاثة عشر عاماً ( وليس سبع سنوات كما يشهره النواصب) وكان ضم النبي له قبل سبع سنوات من بدء الوحي , ومن الطبيعي أن الست السنوات الأولى التي كان فيها الإمام في بيت أبيه أبي طالب كان تحت نظر النبي وحبه واهتمامه فالعائلة واحدة أصلاً.
وكان موطن العائلتين في شعب بني هاشم ( والشعب يمتد من الصفا والمروة اليوم إلى الخلف جهة الشرق) وهو الشعب الذي حوصر فيها بني هاشم فيما بعد.

كان النبي قد ورث بيت أبيه عبد الله ( عند الصفا حالياً) وبيت أبي طالب في الخلف قليلاً جهة الشرق، والشعب صغير أصلاً، وعائلة أبي طالب عائلته , ولذلك عندما تتصور هذا التلاحم والحب بين النبي صلوات الله عليه وبيت أبي طالب فسيكون كبيراً، لدرجة ذوبان العائلتين في عائلة واحدة.

وأما ما بعد الست سنوات الأولى من عمر الإمام علي، فقد تم انضمام الإمام علي بالكلية إلى بيت النبي قبل البعثة بحوالي سبع سنوات , ومن هنا تأثر الإمام علي تأثراً كبيراً بخلق النبي الكريم العام، وتعبده الخاص، وخاصة في غار حراء، فقد كان يوصل له الطعام هناك ويلبث معه.

ومن هنا فالإمام علي هو الذي ينطبق عليه حقيقة ( تربية النبي صلوات الله عليه) لأنه فعلاً تربيته من قبل الوحي وبعده، فقد كان له بمنزلة الابن وكان في النبي صلوات الله عليه وسلامه جاذبية كبيرة نتيجة للخلق الكريم فلذلك رفض مولاه زيد بن حارثة العودة مع أبيه وعمه تأثراً بهذا السمو.
فإذا كان هذا الأثر قد حصل في زيد بن حارثة فكيف بهذا الشاب الذي كان تحت عين النبي ورعايته وتربيته منذ الصغر؟ لا شك سيكون في الذروة , وكان الإمام علي يتلو النبي ويتأثر به في كل شيء، منذ سبع سنوات على الأقل، قبل بدء الوحي، ولذلك كان يقول ( عبدت الله وصليت قبل الناس بسبع).
فهذا القول للإمام علي – وهو صحيح رواه أحمد وغيره- يحمل على هذه الفترة قبل الوحي وأنه كان يتعبد مع النبي في غار حراء، فقد كان تام الاتباع لنتصور النبي في بيته بعد الزواج من خديجة مباشرة، لم يكن إلا أؤلئك الثلاثة ( محمد – خديجة – علي) بيت صغير ملؤه التأمل والخلق الكريم.
ولنتصور الإمام علي وهو يذهب بالطعام للنبي وهو متعبد في غار حراء، ألم يكن بينهما حديث عن سبب هذا التعبد؟ عن الخالق وملة إبراهيم الخ … لابد أن يكون بينهما الأحاديث الطويلة والتأملات في ملكوت السموات الأرض، وآيات الله، ودين الأنبياء، وضلال قريش وشركها ومساويء أخلاقها.
هؤلاء الثلاثة ( محمد وخديجة وعلي) كانوا بذرة إلهية في شعب بني هاشم، ملأ الله بهم الدنيا نوراً وهداية وخلقاً وعلماً ومعرفة , هذا البيت الصغير ابتلاه الله ليرفع درجته، ابتلاهم بعد الوحي بالتكذيب والحصار والوحدة والوحشة والأذى من قريش الفاحشة الجشعة المشركة.

هؤلاء الثلاثة ما اشتد البلاء على قوم كما اشتد عليهم , فخديجة بعد تجارتها العريضة ماتت فقيرة في أواخر حصار الشعب , والنبي ما أوذي نبي مثله , والإمام علي فقد أباه في آخر حصار الشعب , وفقد أمه في المدينة , ثم فقد ركنه الأعظم وهو النبي , ثم فقد ركنه الأصغر فاطمة الزهراء , ونزل به الدهر .
نعود لسيرة الإمام علي في العهد المكي، ولن أذكر المشهور، وإما استنطق ما لم ينطقه التاريخ، لأن هذا التاريخ لا يحتمل ذكر كل هذا الفضل .

كان الإمام علي بشهادة النبي ( يحب الله ورسوله ويحبه الله ورسوله) وهي شهادة عظيمة تخبر بحقيقة الرجل مهما حاولت قريش التخفيض من منزلته حسدا , هذا الرجل ( الذي يحب الله ورسوله) كان يحب النبي حباً شديداً وعلى هذا فهو يتأذى من كل أذى يصيب النبي وكل سب أو شتم، فشارك النبي في الأجر بمعنى أنه ما من تضييق أو شتم أو تكذيب أو سفاهة يصاب بها النبي من قريش إلا أصيب بها الإمام علي، ويشعر بها يومياً، وهذه من خصائصه الكبرى .

لا نقول هنا بأن بقية بني هاشم وخلص الصحابة وخاصة من المستضعفين لم يكونوا يتأذون بما يحصل بلى لكنه دون شعور الشاب الملاصق المحب المتابع , لأن الإمام علي اجتمع له أكثر من جانب ربما لم تجتمع لهم,
فالصحابة لا يعرفون كل أذى يحصل للنبي بينما علي معه وفي بيته ويصله كل الأذى.

كما أن تأثر الصديق أخف من تأثر الابن ( وكان علي بمنزلة الابن أو الأخ الأصغر المحب) فأثر الأذى الذي يلحق بالنبي قد لحق به، وشاركه الأجر.

وهنا أيضاً لا نقول أن الأجر متساوٍ بين النبي وبينه، ولكن مقدار تأثر الإمام علي بالتكذيب والأذى اليومي الذي كان يحصل للنبي كان الأقوى بعده , وللإنسان أجر بقدر التأثر وقرب الألم، للنفس ثم الأقرب فالأقرب، ولأجل هذا كان النبي يوصي بقرايته لأنهم وجدوا من الأذى ما وجده للنبي تقريباً , ولأن قريش أهل حسد، فقد أنكروا خصائص الإمام علي عصبية، كما أنكروا النبوة نفسها عصبية وهي أعظم، فلا نستغرب ما أوجدوه من حساسية هنا.

ولذلك استطاعت قريش أن تلتف على النبوة وأهل البيت، فافتخرت على العرب بالنبي الذي آذته وأخرجته من مكة وحاربته ثم حكمت الناس باسمه , كما التفّت قريش على أهل البيت (ورأسهم الإمام علي) فزعمت أنهم عشيرة النبي الأقربون وأولى الناس به! فحاربت علياً ولعنته وقتلت أبناءه.
كما استطاعت قريش أن تلتف على (تربية النبي للإمام علي) فزعمت أن (كل الصحابة) تربية محمد حتى من حارب النبي ولعن علياً على المنبر! واستطاعت قريش بقيادة الأفجرين (مخزوم وأمية) أن يعملوا التفافات ثقافية على كل خصائص أهل البيت فيفرقوها في القبائل وينتجوا ثقافة مضادة.

هذه الثقافة القرشية الأموية المضادة لا تجد فضيلة لأهل البيت إلا أشركت الجميع فيها ولا خطيئة لغيرهم إلا أدخلوا أهل البيت فيها.ولذلك لا تكاد قريش تجد فضيلة للإمام علي إلا وقد أوجدوا حولها تشويشاً كثيراً من أحاديث معارضة أو تفريغ الفضيلة من الداخل، فالعصبية شديدة.
ولذلك تجد أعلام هذه الثقافة – كابن تيمية – لا يقر للإمام علي بأي فضيلة ينفرد بها،فلابد أن يُشارك فيها، وكل ذم لآخرين لابد أن يدخل فيه.

وهذه ثقافة العصبية التي توعد الشيطان أن يغوي بها الناس فالعصبية من فروع الكبر والكبر الإبليسي يعترض على الله ولا يرضى بأوامره حسداً وبغيا , بل وصل الأمر بهؤلاء أن قال بعض المعاصرين كسليمان الخراشي ( ما من ذنب ارتكبه معاوية إلا وهو في علي) وأقره الشيخ صالح الفوزان إلى هذا الحد!
والغريب أن الغلاة من القبائل المختلفة يتبعون ( ثقافة قريش) التي أنكرت النبوة نفسها حسداً، وأنكرت خصائص الإمام علي وأهل البيت حسداً أيضاً.

والأغرب أن الإمام علي ليس له أية إساءة لهذه القبائل، لا في قتال مانعي زكاة ولا غيرها، وإنما حربه لقريش في بدر وأحد والخندق وصفين!
فأخذت بعض الغلاة من المنتسبين إلى هذه القبائل، أخذوا ثقافة قريش التي تحدرت إلى بني أمية ثم إلى ابن تيمية وحسدوا الإمام علي أن ينفرد بشيء , بل لم يرتضوا أن ينجوا من أي جريمة فعلها معاوية فزعموا – تبعاً لابن تيمية – تلك الفرية التي سطرها الخراشي وقدم لها الفوزان … هذا نصب بلاشك.

على كل حال فالتضييق على فضل محمد وآل محمد قد بدت بوادره من أيام النبوة نفسها، حت اضطر النبي صلوات الله عليه للدفاع عن أهل بيته وهو حي.
ومن ذلك الحديث الذي صححه الالأباني في السلسلة الصحيحة – (5 / 222) (ما تريدون من علي ؟ إن عليا مني و أنا منه و هو ولي كل مؤمن بعدي ” .
فقوله ( ما تريدون من علي) فيه دليل على كثرة إزعاجهم له بمحاولاتهم تنقص علي وذمه وحرصهم على استخراج أي نقد من النبي له، وهذه عصبية قرشية.
وكأن القصة تكررت وتأذى الإمام علي من ذلك، فطمأنه النبي بقوله ( أنت مني وأنا منك ) كما في (صحيح البخاري – (3 / 1353)…. فالقوم مصرون!
ومن هذا الباب قال النبي صلوات الله عليه ( لا يحب علياً إلا مؤمن ولا يبغضه إلا منافق) رواه مسلم وأحمد وغيرهما والسبب واضح ….. أتعرفون ما هو؟
لأنه ( بمنزلة هارون من موسى إلا النبوة) كما تواتر في الصحيحن وغيرهما فمن زعم أنه يحب موسى عليه السلام لكنه يتقص هارون فقد كذب ونافق.

إذن فالإمام علي في الفترة المكية كان هو الذي وقعت عليه تربية النبي بحق وكان الرجل الثاني الذي يسمع القرآن
وتأذى بكل أذى أصاب النبي …

ومن خصائصه الكبرى في العهد المكي أنه صحب النبي في محنته في حصار الشعب ثلاث سنوات لم يشارك الصحابة الآخرون في المعاناة من هذا الحصار.
وهذه المعاناة رغم أنها استمرت ثلاث سنوات إلا أن قريشاً وثقافتها قد عملت على إهمالها من الوجدان وكأن الصحابة كلهم حوصروا في شعب بني هاشم! .. هذا الحصار وفضل البلاء فيه من الجوع والخوف كان خاصاً بالنبي وبني هاشم ولم يشترك من الصحابة معهم في هذا الحصار إلا أبو سلمة وزوجه أم سلمة … هذه الثلاث سنوات فقط كافية بزيادة صحبة الإمام علي على بقية الصحابة هي صحبة ملازمة في البأساء والضراء ولن يكون النبي ساكتاً طول هذه المدة و طول هذه المدة والقرآن ينزل وحكمة النبي تتدفق لساناً وحالاً، في الصبر وفهم أسرار الله في خلقه وابتلائهم، وعلي يتلقى هذه الثقافة والإيمان.
هذه وحدها كفيلة بتفضيله على من لم يكابد هذا الحصار الطويل ولو من حيث تلقي العلم علماً وعملاً لا سيما وأن القرآن يتكثف نزوله ساعات المحن.
هذا مما سكت عنه التاريخ في العهد المكي ولم أذكر ما ذكره التاريخ من كونه أول من أسلم ونومه في فراش النبي وأدائه الأمانات أيام الهجرة ..
ولم استفرغ كل ما يمكن استنطاقه مما سكت عنه التاريخ من فضائل الإمام علي لأن الواقع يتعبه المنطوق فكيف باستنطاق ما لم ينطق به التاريخ؟
وعلى كل حال من يتتبع سيرة الإمام علي وقربه من النبي صلوات الله عليه فإنه يجد أن الإمام علي هو الأكثر تأهيلاً لفهم الإسلام والتعبير عنه.
ومن هنا أتى الحديث ( لا يؤدي عني إلا علي) من هذا الباب، والمقصود الأداء الكامل الشامل، أما الأداء الجزئي للأحاديث والسنن فله ولغيره.
وهذا ما وجدناه في ثقافة الإمام علي فهي تشبه ثقافة القرآن فيها معرفة الله والتدبر في الكون ومعرفة السنن الإلهية والإيمان العميق الخ … وقلما تجد في الثقافة الحديثية هذه الموضوعات مجتمعة، إذ تجدها فقيرة من التفكر في الكون وفضيلة العقل وسر الابتلاء الخ، وهذا نقص في تأديتهم لأنه يستحيل أن يكون التفكر في الكون كثيفاً في القرآن وفي ثقافة الإمام علي ثم لا نجده في أحاديث النبي، فالنبي أعلم وألصق بالقرآن،فما السر؟
السر هو في القصور في ( التأدية) كان النبي ينضح عن القرآن، فما كثف القرآن الحديث عنه لابد وأن النبي يفعل ذلك، لكن لم يؤد عن النبي إلا علي .
المقصود هذا الأداء الكامل بكل موضوعات الرسالة موضوعات الرسالة تبدأ من معرفة الله وتنزيهه وتشمل الكون والعقل والابتلاء وفهم التاريخ الخ … التأدية التي نقلها غيره من الصحابة لم تكن كاملة ضاع التفكر في الكون
ومدح العقل والتفكر , وضمر العدل , ولم تعرف الشهادة لله الخ …. هذا قصور واضح .
لا يمكن أن يبقى النبي صلوات الله عليه طوال نبوته لا يمدح العقل والتفكر والنظر مطلقاً حتى قال ابن القيم ( لا يصح في مدح العقل حديث) لماذا؟
هذه مسألة كبيرة فانتبهوا لها رجاء لوجه الله , واتركوا العصبية التي تعمي عن الحق , فالتأدية الكاملة للدين لابد أن تشمل هذه الأمور.
طيب …. لماذا نجد هذه الأمور مكثفة في القرآن ولم نجدها في كتب الحديث كالعقل وفضله مثلاً , لماذا؟
هل يعقل أن النبي لم يذكر العقل قط؟ … لا يعقل !!
لماذا لا يعقل؟ كما ذكرا سابقاً بأن النبي كانت ثقافته القرآن
وعلى هذا فلا يعقل أن تخلو أحاديثه من ذكر العقل كما زعم ابن القيم في المنار.
إذن من أين أتى الخلل؟
من القصور
وقد سد الإمام علي هذا القصور في التأدية بتأكيده على موضوعات القرآن ومن هنا جاء ( لا يؤدي عني إلا علي)
ولكن كيف خفيت الأحاديث في موضوعات كبرى حفل بها القرآن الكريم وقد ذكرنا نماذج منها كالعقل والابتلاء والشهادة لله والتفكر في المخلوقات الخ.. ?
هذه لها قصة كبيرة جداً خلاصتها أن لها علاقة بالشيطان نفسه وحرصه على إطفاء أنوار الحيوية لهذه الأمة
ومن أهم تلك الأمور ما ذكرناه , فالتفكر في المخلوقات مثلاً هو دين في القرآن الكريم .. لكنه ضامر إلأى حد العدم في الأحاديث المنقولة … مع أن النبي أتته نبوته متفكراً في الغار
الشيطان عدو لبني آدم كلهم ( ألم أعهد إليكم يا بني آدم ألأا تعبدوا الشيطان)؟ والشيطان يعرف أن التفكر في المخلوقات طريق من طرق معرفة الله وأن التفكر في المخلوقات قد يتيح لنا اكتشافات تريحنا يف الدنيا ونعرف بها سنن الله وقدرته وحكمته بدقة أكثر لذلك لابد من إطفاء هذا النور.
واستطاع الشيطان أن يطفئه في عقولنا ونفوسنا مع وجوده في القرآن وذلك بتضخيم موضوعات العبادات التفصيلية حتى ختلف في كيفية الوضوء والصلاة فخترع لنا اختلافات في تفصيلات الوضوء والصلاة والصوم الخ… فمن حيلة الشيطان وذكائه أنه أوجد خصومات بين المذاهب هنا … وأنساهم الأمور الكبرى .
ولذلك فانظروا الموضوعات الكبرى في ثقافة القرآن والفقيرة إلى عد العدم في ثقافتنا وستجدون فيها سعادة الدارين.
التفكر في الخلق مثلاً فعله الأوروبيون بلا وحي وظفوا عقولهم فوصلوا إلى ما وصلوا إليه واخترعوا المخترعات حتى من التفكر حتى الحشرات لماذا؟
لأن الوحي لا يمنع الناس من أن يتفكروا وإنما يحث عليه لكن الشيطان غطى على ثقافة القرآن بثقاقة روائية ليس فيها هذه الأنوار فكان ماكان …
إذ أقبلنا على هذه الأحاديث وروايتها ورجالها وأسانيدها وجرح رواتها وتعديلهم والاختلاف فيهم …الخ وتركنا القرآن للتلاوة في رمضان , وعلى هذا فمن الطبيعي جداً ألا ندرك أهمية ما ذكره القرآن عن منابع الحيوية لهذه الأمة وتنبه لها الآخرون بالعقل – هذه النعمة الكبرى- فسبقونا .
الإمام علي كان من القلائل الذين نقلوا الثقافة القرآنية نقلاً كاملاً من معرفة الله وأسراره في خلقه إلى التفكر في الكون إلى العقل الخ … لذلك لا يمنع أكثر الناس من الاستفادة من ههذ الثروة إلا ما منع قريشاً من الإيمان بالنبوة
الحسد وفقط! والحسد فرع من فروع الكبر وعد إبليس!
فإبليس وعد بأن الأمر الذي أغواه الله بسببه سيغوي به بني آدم ( قال فبما أغويتني لأغوينهم) … أغواه بكبره
وهو بهذا الكبر سيغوي بني آدم!
فلذلك يفرع كبره فروعاً , كبر قبلي , وكبر مذهبي , وكبر بلداني , وكبر علمي وثقافي وحسد وفخر … وهما من فروع الكبر أيضاً.
والمعرفة – أياً كانت- لأنها عطية الله فلا يتم نيلها إلا بتواضع وهذا التواضع المعرفي عند الغربيين هو الذي أنتج فهمهم لأسرار الكون والإنسان ..
فالقضية معقدة وطويلة ومتشابكة جداً ودعوتي للجميع ألا يمنعهم الكبر من الاستفادة من علوم هذا الإمام وخاصة في دقائق الإيمان وكليات المعرفة.
وبما أن الإمام علي معجزة من معجزات النبي صلوات الله عليه – كما قال الواقدي- فسيحرص الشيطان على تشويه معرفتنا به بأحاديث وروايات وخصومات!
ولا يجوز أن نكون ضيقي الأفق ونتحسس من تفضيله فليكن الأفضل فما الضرر القول بتفضيله مع هذه الفوائد والمعارف أفضل من تأخيره مع الحرمان منها إن التعبد بتفضيل فلان وفلان عليه ليس أولى من التعبد بالثقافة القرآنية التي نقلها قالشيطان يريد حرمانك منه من باب خشيتك من تفضيله!
فالتفضيل أصبح عقيدة راسخة عند البعض ولعلها تزيد على أوامر الله بالتفكر وإخباره بسنن الابتلاء وهذا حرمان كبير يقع فيه المنحرفون عن الإمام.
كما أن الشيطان يدخل على محبيه ويدخلهم في شخصنته، لا في حب عقله وهديه والاهتداء بعلمه في فههم الدين وحسن تأديته للإسلام ونقله له.
الإمام علي أكبر من السنة والشيعة هو قصة كبيرة جداً لم يتم اكتشاف كل جوانبها بعد , وهو – كما قال الواقدي- معجزة النبي صلوات الله عليه.
وقد أشغل الشيطان المتحمسين بتفضيل غيره عليه – وأكرر المتحمسين- ودفهم لوضع أحاديث على لسان النبي وعلى لسانه تؤكد ههذ العقيدة.
ومن ذلك ما نسبوه للإمام علي ( لا يفضلني أحد على أبي بكر وعمر إلا جلدته حد المفتري)! وهذا موضوع على الإمام علي لكنهم يتحمسون جداً لنشره !
فالشيطان يروي لهم على لسان الإمام علي تنقص الإمام وأهل البيت والرفع من أعدائه كتلك الرواية التي تقول ( لا تكرهوا إمارة معاوية)!
فالمشكلة معقدة جداً وعندما أقرأ كتب الغلاة في هذا الموضوع أجد نفسي عاجزاً من أين تأتي هذه الأوهام لكثرة مآتيها وليس لقلتها.
الطيبون من الغلاة لا يعرفون بالعربي الفصيح جهلة بالتاريخ والسير وأحوال الراكنين إلى الظالمين وأما لمتعصبون فلو عرفوا سيكتمون ويستمرون!
لذلك فقد أثار الشيطان غباراً كثيفاً حول كل ما يمكن أن يعيد لدين وللأمة الحيوية هذا غباره حول القرآن نفسه
وحول العقل , وحول الإمام علي أيضا , أغبرة الشيطان كثيفة , وتجد المعاندين يقفون عند كل مرصد , ما أن تفتح لهم نافذة نور حتى يرموك عن قوس واحدة! هم أولياء الشيطان ومثيرو أتربته!
كان النبي ابتلاء لقريش خاصة لما عرف عنها من عصبية، فأنكر معظمهم نبوته عصبية وكان الإمام علي ابتلاء إضافياً لهم بعد إسلامهم فأنكروا فضله!
لماذا لم يبعث الله نبياً حسب رغبة قريش في بعث رجل ( من القريتين عظيم)؟ لأن الله لا يطيع الناس إنما يجب على الناس طاعة الله!
تكبر الناس الذي بثه فيهم إبليس جعلهم يطالبون الله بمشاركته في اختيار النبوة ويأتون بالاقتراحات كبراً وعصبية
كما فعل إبليس من قبل تماماً!
أبليس هو أول من أسس العصبية – كما قال الإمام علي- يعني هو من نار وآدم من طين وهذا الكبر العصبي بثه الله في نفوس قريش … فتكبروا وتعصبوا .
الله يريد من الناس أن تكون القلوب والعقول خالصة للمعرفة ، وإذا خلصت للمعرفة عرفت الله وعبدته وأقبلت على شرعه هم لا يعرفون سر الله.
وكذلك ابتلى بني هاشم يوم الدار ( أيام إنذار العشيرة الأقربين) فتكبر أبو لهب عندما قدم النبي علياً واختاره أخاً ووصياً فتكبر أبو لهب.
وهذا مما سكت عنه التاريخ والقصة طويلة فرقها الشيطان في أحاديث وروايات مشتتة مع أن القرآن واضح ( وأنذر عشيرتك الأقربين) هي دعوة خاصة قبل … ثم تلاها الدعوة العامة لقريش في منتدياتهم وليس من فوق جبل أبي قبيس كما اشتهر في الروايات المشتتة المشكلة أن الناس لا يعرفون أثر قريش.
لو جمع الناس أوصاف قريش في القرآن الكريم لعرفوا أنهم لن يؤمنوا ( لقد حق القول على أكثرهم فهم لا يؤمنون)
هذه الآية في حق قريش , القليل آمن .

شاهد أيضاً

الزهراء الصديقة الكبرى المثل الأعلى للمرأة المعاصرة / سالم الصباغ‎

أتشرف بأن أقدم لكم نص المحاضرة التي تشرفت بإلقائها يوم 13 / 3 في ندوة ...