إليك ملخص الجلسة الثانية من سلسلة محاضرات سماحة الشيخ بناهيان في موضوع «الطريق الوحيد والاستراتيجية الرئيسة في النظام التربوي الديني» حيث ألقاها في ليالي شهر رمضان المبارك عام 1434هـ. في مسجد الإمام الصادق(ع) في مدينة طهران.
غربة مفهوم «الجهاد الأكبر» في معرفة الإنسان/ لا فائدة لمعرفة الإنسان واختياره بدون «الجهاد الأكبر»
في مقام الإجابة عن سؤال «ما الفرق بين الإنسان والحيوان؟» عادة ما تسلّط الأضواء على كون الإنسان يشتمل على العقل والمعرفة والإرادة والاخيار دون الحيوان. أما السؤال الأهم هو أنّ ما الفائدة من هذه الخصائص كالإرادة والاختيار والمعرفة التي تميّز بها الإنسان عن «الحيوان» و «المَلَك» وتفضّل عليهما؟ ولماذا حظينا بالمعرفة والإرادة والاختيار؟
إن «المعرفة» و«الإرادة» من المفاهيم المشهورة جدا في حياة الإنسان. ولكن هناك مفهوم آخر مهمّش وغريب، ولولاه لم تبق فائدة للمعرفة والاختيار وهو «الجهاد الأكبر».
إن الجهاد الأكبر مفهوم غريب وعادة ما يهمّش في معرفة الإنسان وتعريفه. فيا ترى لماذا حظينا بالإرادة والاختيار وما ينبغي أن نختار بها؟ فهل أن موقعنا سواء بالنسبة إلى مختلف الخيارات؟ ولماذا يحظى اختيار الإنسان بقيمة وثمن؟ وهل عملية اختيار الإنسان أمر تابع للصدفة؟
إن قيمة اختيار الإنسان تابعة لاختياره ما يكره، وإلا فلا يفرق حينئذ عن اختيار الحيوان
إن لم تؤخذ نزعات الإنسان بعين الاعتبار، يصبح «حرية اختيار» الإنسان مفهوما مضحكا لا معنى له. فإن نزعات الإنسان ورغباته هي التي تحدد نسبة الإنسان تجاه مختلف خياراته، ولن يكون اختيار الإنسان قيّما إلا إذا اختار ما يكره وما لا يحبّ، وإلا فلا فرق حينئذ بين اختياره وبين اختيار الحيوان.
الإنسان موجود خلق من أجل مجاهدة أهوائه
الإنسان موجود خلق من أجل مجاهدة أهوائه، وإلا فتبقى مواهب الإنسان كاختياره وحريته ومعرفته مواهب بلا فائدة. إن هوية الإنسان وذاته والأساس في تعريفه هو أن يجاهد رغباته وأهواءه. وأنا لا أدري لماذا لا يؤخذ جهاد النفس في مقام تعريف الإنسان وبيان أحد مقوّمات ذات الإنسان.
إنّ مصداقية معرفة الإنسان واختياره لا تكون إلا بعد أن كان الإنسان يميل إلى كلا الطرفين من خياراته
لو لم يكن لدى الإنسان ميل إلى أيّ مفردة من الخيارات الممكنة، لما بقت مصداقية لاختياره وحريّته. فهو عندئذ كالخروف إذا خيّرته بين مفهومي السعادة والشقاء لا يميل إلى أي واحد من خياراته. ولو كان الإنسان يميل إلى أحد أطراف الخيارات، دون الخيار المقابل، لجرى نفس الكلام أيضا في انتفاء الاختيار عن الإنسان. وسوف يكون شأنه كشأن الخروف أيضا فإنك أن خيّرته بين أكل العشب أو أكل الحديد لن يختار الحديد أبدا بل يختار العشب دون أي ترديد. فلا تكون مصداقيّة لمعرفة الإنسان واختياره إلا بعد أن كان الإنسان يميل إلى كلا الطرفين من خياراته. وفي مثل هذا الاختيار تتبلور كرامة الإنسان. ففي الواقع إن الإنسان عادة ما يختار خياره المفضّل من بين مجموعة من الرغائب والمطلوبات.
السؤال الآخر هو أن كيف يجب أن تكون نسبة هذه الأميال والرغائب مع بعض لكي يتحقق الاختيار ويكون ذا قيمة؟ فإذا كانت هذه الرغائب والأميال المختلفة تستهوينا وتجرّنا إلى نفسها بشكل مساوٍ بلا أن يكون أحدهم أقوى جذابية من غيره، تبقى المشكلة على حالها ولم يتحقق الاختيار ويبقى الإنسان بلا فارق يفرقه عن الحيوان. كما إذا كان ميلنا إلى أحد أطراف الرغائب أكثر من غيره، سنختاره دائما بطبيعة الحال وسينتفي الاختيار كذلك.
إن أطروحة الله سبحانه وتعالى لتحقق اختيار الإنسان هو جعل «الرغائب القيّمة الخفيّة» في مقابل «الرغائب غير القيّمة الظّاهرة»
لقد أعدّ الله سبحانه وتعالى نظاما لطيفا جدا لتحقق اختيار الإنسان، وهو أن قد جعل للإنسان نوعين من الرغائب، قسم منها أعمق وأمتن وأقوى وأكثر قيمة ولكنها أخفى، وقسم آخر سطحيّة وأقل قيمة وأخفّ وأقلّ لذة ولكنّها أجلى وأوضح. وهنا يتبلور الاختيار وهو أن تمرّ مرور الكرام من رغباتك الجليّة السطحية وتشتغل برغباتك العميقة والقيّمة الكامنة. وهذه هي نقطة انطلاق الإنسان في حركته الإنسانيّة وهنا تتبلور هويته الإنسانية وأساسا هذه هي فلسفة وجود الإنسان.
يتبع إن شاء الله…