الرئيسية / الاسلام والحياة / الطريق إلى الله تعالى للشيخ البحراني 5

الطريق إلى الله تعالى للشيخ البحراني 5

05

الباب الثاني : في رجحان الخوض في علم الأخلاق

.الباب الثاني
في رجحان الخوض في علم الأخلاق وصرف برهة من العمر فيه

اعلم أنه اشتبه الأمر على جملة من الصلحاء الأبرار ، والأخوان الصافين من الأكدار ، من أهل المجاهدة للنفس الأمّارة بالسوء ، فإنهم لما رآهم الشيطان (لعنه االله) في مقام المجاهدة النفس – الذي هو أفضل الجهاد حتى سماه النبي صلى الله عليه وآله (الجهاد الأكبر) – أراد أن يخدعهم عن ذلك ، فألقى في روعهم شبهة عظيمة من شبهه.

وهي: أنّ ملاحظة المواعظ والنصائح والتذاكر بها وطلب العثور عليها والتدبر لها – ما هو قوام علم الأخلاق – أمرٌ لا راجحيّة فيه.
فإن مع ما نرى من أنفسنا من العمل بخلاف ما نعلم ، يكون وبالاً وزيادة في إقامة الحجة على العبد ، فيكون التغافل والتناسي مع هذا الحال أحق وأحرى ، فإنّ ذنب العالم ليس كذنب غير العالم ، وأنه كلما قلّ علم الإنسان واطلاعه على التحذيرات ، وأنواع التهديدات يكون أقلّ امتراء ، وأقرب إلى المعذورية ، وأنه ليس من لا يعلم كمن يعلم.

وإني لمّا سمعت منهم هذا المعنى ، وعلمت أنه من خدع الشيطان الرجيم (لعنه الله) نبّهتهم على رواية رواها الشيخ الحرّ في – الجواهر السنية في الأحاديث القدسية- وفيها قمع هذه الشبهة من أصلها ، وإبطالها من رأسها.

ومعنى الرواية أن الله سبحانه يقول : لا تقولوا : نخاف أن نعلم ولا نعمــل ، ولكن قولوا : نعلم ونرجو أن نعمل ، فإني ما أتيتكم إلا وأنا أريد أن أرحمكم بها. الجواهر السنية – باختلاف

وهذا الخطاب الإلهي أقمع هذه الشبهة ، ولولا مخادعة الشيطان لما كان محلاً للاشتباه حتى يحتاج إلي الإزالة ، ولكن كفى بهذا البيان الإلهي قامعاً .. ونزيدك بياناً تعرف به جلية المسألة في العلم والعمل وثمرة كل منهما ، ويتجلّى لك ما وضع لأجله الباب من رجحان هذا العلم وثمراته فنقول: إنه من المعلوم أنه لا نفع للعلم بدون العمل ، كما لا نفع للعمل بدون علم ، ولكن العبد مأمورٌ بكل منهما ، وكل واحد منهما يؤكد صاحبه ويقوّيه.

فمن اتخذ العلم لا للعمل بل ليفتخر به ، ويستر بمحاسن العلم وشيوع الجمال وبهائه بين الناس ، قبحَ أفعاله وخصاله القبيحة ، فلا شكّ أن هذا قرين إبليس اللعين ، وعلمه وبالٌ عليه ، وعلى غيره ، وإنّ أهل النار يتأذّون به ، وهو من الذين يحملون أثقالهم ، وأثقالاً مع أثقالهم ، وهو شيطان في صورة إنسان – نعوذ بالله منه -.

وكذا من اتخذ العلم عادة اعتادت عليها نفسه (1)…..

 

(1) إشارةً إلى نقطةٍ مهمةٍ لا ينبغي أن يغفل عنها الخواص .. فإنّ العلم ليس إلا انكشافاً للواقع في الذهن في أفضل حالاته .. وإلا فإنّ حالات عدم المطابقة والجهل المركب هو الشائع في كل العلوم .. وعليه فإنّ احتراف تخزين صورة الواقع في الباطن والتلذذ بذلك – كمن يستلذ بجمع الكتب في الظاهر – لا يمكن أن تُعدّ عملية مقدسة توجب بنفسها قرباً للعبد إلى الحق المتعال ، وعليه فإنّ العلم المتراكم بلا عملٍ قد يتحول إلى شغلٍ شاغلٍ تألفه النفس ، فلا يعود العبد يفكّر بعدها للعمل ، شغلاً بما فيه من الإنكشافات الذهنية التي لا قيمة لها في الخارج..( المحقق )

…..ورياء وسمعة بهذه الصورة الممدوحة بين الناس من دون بصيرة ولا معرفة ، فهذا حمار مربوط ملحق بالأول ، وإن كان أقلّ منه ضرراً على العباد.

وأما من كان عاقلاً فهماً ، وطلب ما به صلاح نفسه وسعادته في داريه ، وهو المتوجّه إلى الله الطالب ما عند الله ، وهو المقصود بخطابات هذا الفن لتربيته وترقيه فيما هو طالب له ، فليعلم أنه كلما انفتح له باب من العلم سهل له العمل به ، وزاده نشاطاً ورغبةً فيه ، وكلما عمل بما علّمه الله من العلم أورثه ذلك علم ما لم يعلم ، وزاد في علمه ، كما في أخبار أهل البيت عليهم السلام حيث قالوا : إنه من عمل بما علم أورثه علم ما لم يعلم.

فيكون في الحقيقة عمله نوعاً من العلم ، حيث إنه مورث له ومحصل له ، فيدخل
تحت طلب العلم الذي تواترت الروايات بفضله ومدحه.

كما أنّ علمه وتعلمه وتعليمه من أفضل أفراد العلم ، فعند ذلك تتم للعبد السعادة بالعلم الباعث على العمل ، والعمل المنبعث عن العلم ، والسعادة وإن تمت بالمجموع المركب من العلم والعمل ، إلا أن أفضل الجزءين عند الله إنما هو العلم ، وبه يقع التفاضل بين الأولياء.

قال مولانا أمير المؤمنين (ع): مسحة من المعرفة خير من كثير من العمل ، وما هما إلا كالنيّة والعمل ، والفضل للنيّة .. وكالروح والجسـد ، والفضل للروح.
وفيما ذكرناه كفاية لمن طلب الهداية ، والله ولي التوفيق

شاهد أيضاً

الطريق إلى الله تعالى للشيخ البحراني36

36 وهو قول النبي (ص) لأبي ذر : أعبد الله كأنك تراه ، فإن لم ...