الرئيسية / القرآن الكريم / بيّنات في معرفة القرآن الكريم

بيّنات في معرفة القرآن الكريم

نظرة تفسيريّة موضوعيّة في خصائص القرآن الكريم

الدرس الأوّل: البيّنة الأولى “معنى القرآن وحقيقته”

 

 

 

أهداف الدرس

على المتعلّم مع نهاية هذا الدرس أن:

1- يعرف معنى لفظ القرآن في اللغة والاصطلاح.

2- يفرِّق بين نزول القرآن وتنزيله.

3- يعرف فلسفة تعدّد نزول القرآن وتنزيله.

1- المعنى اللغويّ للفظ “القرآن”:

أورد اللغويّون والمفسّرون في بحوثهم اللغويّة مقاربات عدّة لاسم “القرآن“، يمكن إيجازها في سبعة أقوال بارزة[1]، بلحاظ الاختلاف في أصل اشتقاق هذا الاسم و عدمه، وفي منشأ الاشتقاق، وفق التقسيم الآتي:

أ- القول الأوّل: اسم “القرآن” هو اسم جامد غير مشتقّ، خاصّ بكلام الله تعالى النازل على رسوله الأكرم صلى الله عليه وآله وسلم، بالوحي ضمن آيات وسور يجمعها ويؤلّفها هذا الاسم: ﴿وَأُوحِيَ إِلَيَّ هَذَا الْقُرْآنُ لأُنذِرَكُم بِهِ وَمَن بَلَغَ[2], مثل التوراة الخاصّة بالكلام الموحى به إلى النبيّ موسى عليه السلام: ﴿إِنَّا أَنزَلْنَا التَّوْرَاةَ فِيهَا هُدًى وَنُورٌ يَحْكُمُ بِهَا النَّبِيُّونَ الَّذِينَ أَسْلَمُواْ لِلَّذِينَ هَادُواْ وَالرَّبَّانِيُّونَ وَالأَحْبَارُ بِمَا اسْتُحْفِظُواْ مِن كِتَابِ اللّهِ وَكَانُواْ عَلَيْهِ شُهَدَاء[3], والإنجيل الخاصّ بالكلام الموحى به إلى النبيّ عيسى عليه السلام: ﴿وَقَفَّيْنَا عَلَى آثَارِهِم بِعَيسَى ابْنِ مَرْيَمَ مُصَدِّقًا لِّمَا بَيْنَ يَدَيْهِ مِنَ التَّوْرَاةِ وَآتَيْنَاهُ الإِنجِيلَ فِيهِ هُدًى وَنُورٌ وَمُصَدِّقًا لِّمَا بَيْنَ يَدَيْهِ مِنَ التَّوْرَاةِ وَهُدًى وَمَوْعِظَةً لِّلْمُتَّقِينَ﴾[4].

ب- اسم “القرآن” اسم مشتقّ. وقد اختلفوا في أصل اشتقاقه على وجوه، بلحاظ كونه مشتقّاً من أصل مهموز أو من أصل غير مهموز، وفق الآتي:

– اسم القرآن مشتقّ من أصل غير مهموز. وقد اختُلِفَ في أصل الاشتقاق على أقوال، أبرزها:

* القول الثاني: أنّه مشتقّ من “قَرَنَ“، بمعنى ضمّ الشيء إلى الشيء. وسُمّي به القرآن لأنّه يضمّ السُوَر والآيات والحروف بعضها إلى بعضها الآخر.

* القول الثالث: أنّه مشتقّ من “القرائن“، وهي جمع قرينة، لأنّ آيات القرآن يصدّق بعضها بعضها الآخر، فهي بمثابة قرائن في فهمها وتفسيرها: ﴿اللَّهُ نَزَّلَ أَحْسَنَ الْحَدِيثِ كِتَابًا مُّتَشَابِهًا مَّثَانِيَ[5].

* القول الرابع: أنّه مشتقّ من “القِرن“، بمعنى القرين، لأنّ القرآن لفظ فصيح قرين بالمعنى البديع.

– اسم “القرآن” مشتقّ من أصل مهموز. وقد اختُلِفَ في أصل الاشتقاق على أقوال، أبرزها:

* القول الخامس: أنّه مشتقّ من “القُرْء“، بمعنى الجمع، لأنّه يجمع في طيّاته ثمرات الكتب السماويّة السابقة: ﴿إِنَّا أَنزَلْنَا التَّوْرَاةَ فِيهَا هُدًى وَنُورٌ يَحْكُمُ بِهَا النَّبِيُّونَ الَّذِينَ أَسْلَمُواْ لِلَّذِينَ هَادُواْ * … * وَقَفَّيْنَا عَلَى آثَارِهِم بِعَيسَى ابْنِ مَرْيَمَ مُصَدِّقًا لِّمَا بَيْنَ يَدَيْهِ مِنَ التَّوْرَاةِ وَآتَيْنَاهُ الإِنجِيلَ …* …*  وَأَنزَلْنَا إِلَيْكَ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ مُصَدِّقًا لِّمَا بَيْنَ يَدَيْهِ مِنَ الْكِتَابِ وَمُهَيْمِنًا عَلَيْهِ …﴾[6], أو لأنّه يجمع السور والآيات بعضها إلى بعضها الآخر، فيؤلّف بينها.

* القول السادس: أنّه مشتقّ من “القَري“، بمعنى الضيافة، لأنّ القرآن مأدبة الله للمؤمنين.

 

* القول السابع: أنّه مصدر قرأ، بمعنى التلاوة، كالرجحان والغفران، سُمّي به الكتاب المقروء من باب تسمية المفعول بالمصدر، أي المقروء أو ما يُقرأ. واستخدم القرآن بمعنى القراءة، كالكتاب الذي يُطلق على المكتوب، بمعنى الكتابة.

وبالتأمّل في ما تقدّم من أقوال يمكن ملاحظة الآتي:

القول الأوّل، وهو أنّ القرآن اسم غير مشتقّ، هو دعوى من دون دليل، وهي خلاف المشهور والمتداول بين اللغويّين، من أنّ هذا الاسم من الأسماء المشتقّة.

– أغلب الأقوال المتقدّمة (الثاني والثالث والرابع والخامس والسادس)، خلاف التبادر اللغويّ، وهي تحتاج إلى مؤنة زائدة في إخطار معانيها من ألفاظها وانطباقها على القرآن.

– بعض الأقوال (الثالث والرابع والسادس)، استحسانيّة، فيها تكلّف لغويّ زائد، وإنْ كان القرآن مشتملاً على مؤدّاها واقعاً.

– بعض الأقوال (الثاني والخامس)، وإنْ كان لها وجه لغويّ في لسان العرب، ولكنّ سياق بعض الآيات القرآنيّة لا يساعد عليها، كما في قوله تعالى: ﴿إِنَّ عَلَيْنَا جَمْعَهُ


وَقُرْآنَهُ * فَإِذَا قَرَأْنَاهُ فَاتَّبِعْ قُرْآنَهُ﴾[7]. فإرادة معنى الجمع أو الضمّ من مفردة “قرآنه”، يؤدّي إلى أن يكون مؤدّى الكلام ﴿إِنَّ عَلَيْنَا جَمْعَهُ وَقُرْآنَهُ﴾!، وهذا يتنافى مع فصاحة القرآن الكريم.

– القول السابع والأخير هو أقوى الأقوال المتقدّمة وأوجهها، لأنّه الأوفق بقواعد الاشتقاق وموارد اللغة[8].

 

فالقِرَاءَةُ في اللغة هي: “ضمّ الحروف والكلمات بعضها إلى بعضها الآخر في الترتيل… لا يُقال: قرأت القوم: إذا جمعتهم. ويدلّ على ذلك أنّه لا يُقال للحرف الواحد إذا تُفُوِّه به قراءة. والْقُرْآنُ في الأصل مصدر، نحو: كفران ورجحان. قال تعالى: ﴿إِنَّ عَلَيْنَا جَمْعَهُ وَقُرْآنَهُ * فَإِذَا قَرَأْنَاهُ فَاتَّبِعْ قُرْآنَهُ[9][10], أي لا تعجل به، إذ علينا أن نجمع ما نوحيه إليك بضمّ بعض أجزائه إلى بعضها الآخر، وقراءته عليك، فلا يفوتنا شيء منه ﴿وَلَا تَعْجَلْ بِالْقُرْآنِ مِن قَبْلِ أَن يُقْضَى إِلَيْكَ وَحْيُهُ﴾”[11], فإذا أتممنا قراءته عليك وحياً، فاتّبع قراءتنا له، واقرأ بعد تمامها[12].

 

2- المعنى الاصطلاحيّ للقرآن:

ذُكِرَت فيه تحديدات مختلفة، وردت عليها إشكالات عدّة، ولعلّ أقلّها مورداً للإشكال ما اشتهر على لسان الأصوليّين والفقهاء واللغويّين، ويوافقهم عليه المتكلّمون: “كلام الله المُنزَل على النبيّ محمّد صلى الله عليه وآله وسلم، المنقول عنه بالتواتر، المتعبّد بتلاوته”[13]، ويحوي هذا التعريف ستّة قيود احترازيّة، هي:

-القيد الأوّل: “كلام“، وهو جنس في التعريف يشمل المفرد والمركّب، ولا شكّ في أنّ الاستدلال على الأحكام يكون بالمركّبات كما يكون بالمفردات، كالعامّ والخاصّ، والمطلق والمقيّد.

-القيد الثاني: “كلام الله“، فإضافة الكلام إلى الله تعالى يخرج بها كلام غيره من المخلوقات، كالملائكة والإنس والجنّ.

– القيد الثالث: “المنزل“، بحيث يخرج به كلامه تعالى الذي استأثر به لنفسه في علم الغيب: ﴿قُل لَّوْ كَانَ الْبَحْرُ مِدَادًا لِّكَلِمَاتِ رَبِّي لَنَفِدَ الْبَحْرُ قَبْلَ أَن تَنفَدَ كَلِمَاتُ رَبِّي وَلَوْ جِئْنَا بِمِثْلِهِ مَدَدًا﴾[14]، ﴿وَلَوْ أَنَّمَا فِي الْأَرْضِ مِن شَجَرَةٍ أَقْلَامٌ وَالْبَحْرُ يَمُدُّهُ مِن بَعْدِهِ سَبْعَةُ أَبْحُرٍ مَّا نَفِدَتْ كَلِمَاتُ اللَّهِ﴾[15].


– القيد الرابع: “على النبيّ محمّد صلى الله عليه وآله وسلم”، خرج به ما نزل على غير النبيّ صلى الله عليه وآله وسلم، كالتوراة والإنجيل.

 

– القيد الخامس: “المنقول تواتراً”، خرج به جميع ما سوى القرآن مثل القراءات، سواء أكانت من القراءات المشهورة أم الشاذّة.

 

– القيد السادس: “المتعبّد بتلاوته”، خرجت به الأحاديث القدسيّة إذا تواترت، لأنّنا لم نُتَعبّد بتلاوتها في العبادات، كالصلاة، كما تُعُبّدنا بتلاوة القرآن الكريم. ولا يعادل ثواب تلاوة القرآن تلاوة غيره من كلامه تعالى.

 

3- حقيقة القرآن:

إنّ للقرآن الكريم حقيقة أسمى من أن تدركها العقول، وأوسع من أن تحيطها قوالب الألفاظ، لأنّ الألفاظ موضوعة بإزاء معانٍ مجعولة ومُدرَكَة من قِبَل البشر، في حين أنّ القرآن بما هو كلام اللّه تعالى له حقيقة غيبيّة تنطوي على أعمق المعارف المعنويّة. وقد قضى الله تعالى أن يُلبِسَ هذه الحقيقة لباس الألفاظ وتنزيلها إلى مرتبة عالم الدنيا، ليتسنّى للناس فهمها. ولإيضاح هذه المسألة ينبغي الرجوع إلى القرآن نفسه لاستنطاقه فيها.

[1] انظر: الأصفهانيّ، الراغب: مفردات ألفاظ القرآن، تحقيق صفوان داوودي، ط2، قمّ المقدّسة، نشر طليعة النور، مطبعة سليمان زاده، 1427هـ.ق، مادّة “قرأ”، ص668-669، الإفريقيّ، محمّد بن مكرم ابن منظور-: لسان العرب، لا.ط، قمّ المقدّسة، نشر: أدب الحوزة، 1405هـ.ق/‍ 1363هـ.ش، ج1، حرف الهمزة، فصل القاف، مادّة “قرأ”، ص128-129.

[2] سورة الأنعام، الآية 19.

[3] سورة المائدة، الآية 44.

[4] سورة المائدة، الآية 46.

[5] سورة الزمر، الآية 23.

[6] سورة المائدة، الآيات 44-48.

[7] سورة القيامة، الآيتان 17-18.

[8] لمزيد من التفصيل: انظر: الزركشيّ، بدر الدين: البرهان في علوم القرآن، تحقيق محمّد أبو الفضل إبراهيم، ط1، لام، دار إحياء الكتب العربيّة، عيسى البابيّ الحلبيّ وشركاؤه، 1376هـ.ق/ 1957م، ج1، ص273-276، السيوطيّ، جلال الدين: الإتقان في علوم القرآن، تحقيق سعيد المندوب، ط1، بيروت، دار الفكر، 1416هـ.ق/ 1996م، ج1، ص144، الزرقانيّ، عبد العظيم: مناهل العرفان في علوم القرآن، تحقيق فوّاز أحمد زمَرلي، ط1، بيروت، دار الكتاب العربيّ، 1415هـ.ق/1995م، ج1، ص15-17.

[9] سورة القيامة، الآيتان 17- 18.

[10] الأصفهانيّ، مفردات ألفاظ القرآن، م.س، مادّة “قرأ”، ص668.

[11] سورة طه، الآية 114.

[12] الطباطبائيّ، محمّد حسين: الميزان في تفسير القرآن، لا ط، قمّ المقدّسة، مؤسّسة النشر الإسلاميّ التابعة لجماعة المدرّسين، لا ت، ج20، ص109-110. بتصرّف.

[13] لمزيد من التفصيل في التحديدات الاصطلاحيّة، انظر: الزرقانيّ، مناهل العرفان، م.س، ج1، ص17-22.

[14] سورة الكهف، الآية 110.

[15] سورة لقمان، الآية 27.

شاهد أيضاً

الولايات المتحدة تعتزم إرسال جنرالات لوضع خطط للعملية المقترحة في رفح

تعتزم الولايات المتحدة الأمريكية إرسال جنرالات لوضع خطط للعملية المقترحة في مدينة رفح جنوبي قطاع ...