الرئيسية / صوتي ومرئي متنوع / أسرار الصلاة – الجليل الشيخ الجوادي الآملي 28

أسرار الصلاة – الجليل الشيخ الجوادي الآملي 28

وليعلم : أنّه قد تجلَّى في موطنه أنّ كلّ ذكر إلهيّ هو حيّ مسبّح ، وأنّ سرّه العينيّ كان مستقرّا في العرش ، وأنّ تنزّله : عبارة عن تدلَّي الأمر التكوينيّ العالي من الوجود الإلهيّ إلى العقليّ ، ومنه إلى المثاليّ ، ومنه إلى الطبيعيّ المتبلور في نشأة الاعتبار بالوجود اللفظيّ ، فإن قرع سمعك أنّ بعض الآيات حين الهبوط إلى الأرض تعلَّق بالعرش ، وقال : ما سأل الملائكة ممّا يشعر بوجود الخطأ في الأرض وأهلها فذره في بقعة الإمكان ، أي : الاحتمال العقليّ ، ثمّ البرهان النيّر يهدي إلى الإمكان الفلسفيّ المقابل للاحتمال المذكور ؛ لأنّ ذلك بمعنى : ما لم يدلّ دليل على امتناعه ، لا ما قام الدليل القيّم على إمكانه المقابل له وللوجوب ، ثمّ يساعده العرفان
والكشف الصحيح المنصور بالمأثور من الوحي ، وإليك نموذج من ذلك :

روى الكلينيّ – رحمه اللَّه – في جامعه . ، عن يعقوب بن شعيب ، عن أبي عبد اللَّه – عليه السّلام – قال : لمّا أمر اللَّه – عزّ وجلّ – هذه الآيات أن يهبطن إلى الأرض تعلَّقن بالعرض ، وقلن : أي ربّ ، إلى أين تهبطنا ؟ إلى أهل الخطايا والذنوب ؟ فأوحى اللَّه – عزّ وجلّ – إليهنّ : اهبطن ، فو عزّتي وجلالي ، لا يتلوكنّ أحد من آل محمّد – صلَّى اللَّه عليه وآله – وشيعتهم في دبر ما افترضت عليه من المكتوبة في كلّ يوم إلَّا نظرت إليه بعيني المكنونة في كلّ يوم سبعين نظرة ، أقضي له في كلّ نظرة سبعين حاجة ، وقبلته على ما فيه من المعاصي ، وهي : « أمّ الكتاب » ، و * ( « شَهِدَ ا للهُ أَنَّه ُ لا إِله َ إِلَّا هُوَ وَالْمَلائِكَةُ وَأُولُوا الْعِلْمِ » ) * ، و « آية الكرسيّ » و « آية الملك » « 1 » . فمن قرأها وذكرها عقيب مناجاته مع اللَّه لعلَّه يترقّى من وجودها الاعتباريّ إلى الحقيقيّ الطبيعيّ أوّلا ، وإلى المثاليّ ثانيا ، وإلى العقليّ ثالثا ، وفوق ذلك ما لا يناله إلَّا الأوحديّ الفاني في الباقي ، الغافل عمّا عداه ، الساهي عمّا سواه ، فالتعقيب البالغ : هو الذي نال سرّه العقليّ ، فمعه يتعلَّق بالعرش ، كما أنّ سرّ تلك الآيات والأذكار المأثورة كان متعلَّقا به .

وممّا لا ينبغي الذهول عنه هو : أن المؤثّر في النفس والعين لا بدّ وأن يكون موجودا عينيّا فوق الموجود المتأثّر العينيّ ، كما أنّ المتأثّر إنّما يتأثّر من الموجود العينيّ الفائق ، إذ لا أثر للوجود اللفظيّ ، أو المفهوم الذهنيّ ، فالمؤثّر هو : سرّ العلم الدارج في الكتب والأفواه والأذهان ، كما أنّ المتأثّر إنّما هو قلب من تأثّر من سرّ العلم وروحه ، لا مفهومه ، فلذا كان رسول اللَّه – صلَّى اللَّه عليه وآله – يدعو في أثر الصلاة فيقول : « اللَّهمّ إنّي أعوذ بك من علم لا ينفع ، وقلب لا يخشع ، ونفس لا تشبع ، ودعاء لا يسمع ، اللَّهمّ إنّي أعوذ بك من هؤلاء الأربع » « 2 » .
فالمطلوب المرغوب فيه هو : سرّ العلم وروحه ، والمزهود فيه هو : جسد العلم وبدنه الظاهر باللفظ أو الكتابة أو المفهوم الذهنيّ فقط ، ولمّا كان السرّ الغائيّ هو التوحيد ، ووعاؤه الواقي هو العقل الجامع ، والاذن الواعية ، والقلب المعمور بالذكر ، والنفس المسرورة بالطاعة و .

روى معاوية بن وهب البجليّ قال : وجدت في ألواح أبي بخطَّ مولانا موسى ابن جعفر عليهما السّلام : « أنّ من وجوب حقّنا على شيعتنا : أن لا يثنوا أرجلهم من صلاة الفريضة ، أو يقولوا : اللَّهمّ ببرّك القديم ورأفتك ببريّتك اللطيفة ، وشفقتك بصنعتك المحكمة ، وقدرتك بسترك الجميل وعلمك صلّ على محمّد وآل محمّد ، وأحيي قلوبنا بذكرك ، واجعل ذنوبنا مغفورة ، وعيوبنا مستورة ، وفرائضنا مشكورة ، ونوافلنا مبرورة ، وقلوبنا بذكرك معمورة ، ونفوسنا بطاعتك مسرورة ، وعقولنا على توحيدك مجبورة ، وأرواحنا على دينك مفطورة ، وجوارحنا على خدمتك مقهورة ، وأسماءنا في خواصّك مشهورة ، وحوائجنا لديك ميسورة ، وأرزاقنا من خزائنك مدرورة ، أنت اللَّه الذي لا إله إلَّا أنت ، لقد فاز من والاك ، وسعد من ناجاك ، وعزّ من ناداك ، وظفر من رجاك ، وغنم من قصدك ، وربح من تاجرك ، وأنت على كلّ شيء قدير ، اللَّهمّ وصلّ على محمّد وآل محمّد ، واسمع دعائي كما تعلم فقري إليك ، إنّك على كلّ شيء قدير » « 1 » .

وحيث كان الهدف السامي من العبادة هو : لقاء اللَّه كتب مولانا محمّد بن عليّ الرضا – عليهما السّلام – إلى محمّد بن الفرج في الانصراف من صلاة مكتوبة :
« . أسألك الرضا بالقضاء ، وبردّ العيش بعد الموت ، ولذّة النظر إلى وجهك ، وشوقا إلى لقائك من غير ضرّاء مضرّة ولا فتنة مضلَّة . » « 2 » .

وحيث إنّ لقاء اللَّه مع كماله وجماله أجلّ من أن يناله ، عدا الأوحديّ الفارغ عمّا يشغله عن اللقاء ، وهو صعب على من اعتاد بما عدا ، وأنس بما سوى ، أوصى
الصادق – عليه السّلام – إلى رجل سأله : من آنس به في آخر عمره ؟ بقوله عليه السّلام : « فعليك بالدعاء ، وأن تقول عقيب كل صلاة : اللَّهمّ صلّ على محمّد وآل محمّد ، اللَّهمّ إنّ الصادق الأمين – عليه السّلام – قال : إنّك قلت : ما تردّدت في شيء أنا فاعله كتردّدي في قبض روح عبدي المؤمن ، يكره الموت وأكره مساءته ، اللَّهمّ صلّ على محمّد وآل محمّد ، وعجّل لوليّك الفرج والعافية والنصر ، ولا تسؤني في نفسي ولا في أحد من أحبّتي . » « 1 » .

ولمّا كان الحديث ناظرا إلى مقام الفعل لا الوصف الذاتيّ فضلا عن الذات لا ضير في تطرّق التردّد إليه ، مع أنّه قد فسّر له في الحكمة المتعالية عند البحث عن القدرة بما لا يخلو عن الدقّة فراجع .

شاهد أيضاً

الجهاد – طريقة العمل

طريقة العمل                                  * العمل  طبق التكليف والأحكام الشرعية                                * كسب محبة الشعب ...