الرئيسية / الاسلام والحياة / الطريق إلى الله تعالى للشيخ البحراني36

الطريق إلى الله تعالى للشيخ البحراني36

36

وهو قول النبي (ص) لأبي ذر : أعبد الله كأنك تراه ، فإن لم تكن تراه فإنه يراك . أمالي الطوسي : 2/138..
وفي بعض الأحاديث : فإن كنت ترى أنه يراك ثم عصيته ، فقد جعلته أهون الناظرين إليك.

فإذا داومت على مراقبة الله ، وتركت العلائق التي تشغلك عن التوجّه إلى الله والالتفات إليه ، فلا بدّ حينئذٍ أن تشاهد ألطافه ، وجميع عناياته بك ، ورأفته وصفحه عنك ، وستره عليك ، وتبديله مساويك بالمحاسن ، وسيئاتك بأضعافها من الحسنات ، فعند ذلك يرسخ حبّه في قلبك ، وتنبعث جوارحك لطاعته ، كما تنبعث إلى طاعةِ كلّ محسنٍ ممن هو دونه ، والقلوب مجبولةٌ على حبّ من أحسن إليها ، فكيف بهذا المحسن العظيم الرؤوف الرحيم.

ولذلك تنـزجر نفسك عن السعي فيما يخالف رضاه ، حياءً من مقابلة الإحسان بالإساءة ، أو رهبةً منه عند استيلاء عظمته على قلبك ، أو خوفاً من انقطاع آلائه عنك ، كما يقول القائل شعراً:
اذا كنت في نعمة فارعها —– فان المعاصي تزيل النعم

وكذلك عند التفاتك إليه ينمحي عن نظرك كل فاعل سواه ، فلا ترى النافع الضار إلا الله سبحانه وتعالى ، وكلّ أحدٍ سواه فإنما يتصرّف بإذنه.
فالقلوب لما أعرضت عن الله سبحانه تعلّقت بهذه الأسباب لنسيانها لمسبّب الأسباب ، وإلا فعند ذكرها الله والتفاتها إليه لا ترى للالتفات والتعلق بغيره معنى بالكلية.
وذلك فطري للعقول ، إذ عند التمكن من الاستعانة بالأقوى ، كيف يجوز التشبث بالأضعف ، بل الذي هو لا شيء بالنسبة إلى ذلك ؟!.. خصوصا بعد كون التوجّه إليه مانعاً من إعانة الأقوى لك ، فليس هو إلا كما قال الشاعر:
المستغيث بعمرو عند شدته —– كالمستغيث من النار بالرمضاء

ولهذا لما عرض جبريل (ع) إلى إبراهيم (ع) وهو في المنجنيق ، وقد رُمي إلى النار فقال له: يا أخي يا إبراهيم هل من حاجة؟!..
أجابه إبراهيم (ع) : أما إليك فلا .
فجعل الله عليه النار برداً وسلاماً . [ البحار : 12/33 ] .. وأنزل الله بشأنه { وإبراهيم الذي وفّى } . النجم/37..

فكذا كلّ من حصل له الالتفات إلى الله تعالى في ذلك الحال – بنسبة مقامه – يقطع نظره عن جميع الأسباب ، ويقصر نظره إلى مسبّب الأسباب ، وعلامة صدق ذلك ، استقرار صدق قلبه ، وعدم اضطرابه لفقد الأسباب ، بل يكون وجودها وفقدها على السواء .
حتى سمعت من بعض العارفين – أعلى الله مقامه ، ورفع في الدارين أعلامه – أنه ربما يحصل له اضطراب عند حصول الأسباب واجتماعها ، فإذا فقدت يكمل استقرار قلبه ، ويرتفع عند الاضطراب بالمرة.

وهذا أعلى مقامات التوكّل وأصدقها ، وكأنّ منشأ الاضطراب عند حصول الأسباب هو توجّه الأمر الإلهي بملاحظة الأسباب ، فإنّ ملاحظتها مع عدم الاعتماد عليها مطلوبة ومأمور بها ، فلا جرم يتشعب القلب بقدر تصوره لها وذكره إياها. (2)

(2)إن ما ذكره المؤلف هنا هو نتيجة ما ورد في كتب الأخلاق ، وهو اللب اللباب الذي توصّل إليه الواصلون من أولياء الله تعالى.. فإنّ هذه المراقبة نتيجة للمجاهدة الأولية ، وهي بنفسها مقدمة لمراقبة أخرى شديدة ومستوعبة لكلّ شؤون الحياة.. فالعابد الذي لا مراقبة له ، كالذي يبذر البذرة هنا وهناك ، في كلّ أرضٍ خصبةٍ وسبخة ، ولا يتعهدها بنفسه أو مستعيناً بغيره ، بالسقي والإنبات.. ولو أنه أحاط البذرة بالمراقبة والرعاية ، لاهتزت وربت وأنبتت من كلّ زوج بهيج..( المحقق )

شاهد أيضاً

الطريق إلى الله تعالى للشيخ البحراني33

33 فالعبد لا زال بسوء ظنّه ، وقلّة رضائه بالقضاء ، وشدة انزعاجه من واردات ...