الرئيسية / القرآن الكريم / دروس منهجية في علوم القرآن

دروس منهجية في علوم القرآن

الدرس السادس عشر (الوحي)

الوحي من الأمور التي دار حولها الجدل بين الباحثين، والبحث فيه متعدد الجوانب فيبحث مرةً في حقيقة الوحي وواقعه، وأخرى في أصل وجوده والأدلة على ذلك. وثالثة في أقسامه… الى غير ذلك..

وسوف نتناول الموضوع ضمن نقاط:

1 – الوحي في اللغة

اختلف علماء اللغة بين من اعتبر فيه الخفاء والسرعة، ومنهم من اعتبر واحداً منهما فحسب.

قال الراغب: (أصل الوحي الإشارة السريعة، ولتضمّن السرعة، قيل: أمر وحيّ أي سريع، وذلك يكون بالكلام على سبيل الرمز والتعريض، وقد يكون بصوت مجرد عن التركيب وبإشارة بعض الجوارح وبالكتابة)(1).

وقال أبو اسحاق: (أصل الوحي في اللغة كلها، إعلام في خفاء، ولذلك سمي الإلهام وحياً)(2).

2 – الوحي في القرآن

عند مراجعة القرآن الكريم نلاحظ انّ الوحي قد استخدم في موارد عديدة، منها..

1 – إيجاد الداعي في نفس الموحى إليه من دون أن ينتبه الشخص لمصدر الوحي، سواء كان من الله تعالى مثل قوله عزَّ وجلّ: ﴿وَأَوْحَيْنَا إِلَى أُمِّ مُوسَى أَنْ أَرْضِعِيهِ فَإِذَا خِفْتِ عَلَيْهِ فَأَلْقِيهِ فِي الْيَمِّ﴾(3. أم من الشياطين كما في قوله تعالى: ﴿وَإِنَّ الشَّيَاطِينَ لَيُوحُونَ إِلَى أَوْلِيَآئِهِمْ لِيُجَادِلُوكُمْ﴾(4.

2 – الإلهام الغريزي، فيكون أثره فِعْل ما تمليه الغريزة قال تعالى: ﴿وأوحى ربّك إلى النحل أن اتخذي من الجبال بيوتاً ومن الشجر ومما يعرشون﴾(5.

ويمكن إدراج هذين المعنيين تحت عنوان واحد هو الشعور الباطني، والفرق الوحيد بينهما انّ الشعور الثاني من مقتضيات الفطرة الغريزية التي خُلق عليها الشخص بخلاف الشعور في المورد الأول.

3 – الخَلْق، قاله بعضهم في تفسير قوله تعالى: ﴿فَقَضَاهُنَّ سَبْعَ سَمَاوَاتٍ فِي يَوْمَيْنِ وَأَوْحَى فِي كُلِّ سَمَاء أَمْرَهَا﴾(6.

بينما فسّره بعضهم بالوحي الى أهل السماء أي الملائكة.

4 – الإسرار، حكي في لسان العرب عن الأنباري في تفسير قوله تعالى: (يوحي بعضهم الى بعض زخرف القول غروراً). “معناه يُسّر بعضهم الى بعض، فهذا أصل الحرف ثمُ قُصِر الوحي للإلهام”(7).

5 – الإيماء، وقد فسّرت به الآية الكريمة المتحدّثة عن زكريّا ﴿فَخَرَجَ عَلَى قَوْمِهِ مِنَ الْمِحْرَابِ فَأَوْحَى إِلَيْهِمْ أَن سَبِّحُوا بُكْرَةً وَعَشِيًّا﴾(8. حيث أ نّ زكريّا (عليه السلام) لم ينطق ولم يتحدّث معهم، بل أشار إليهم وأومأ إليهم فعرفوا ما يريد.

6 – الإلهام مع شعور الشخص الملهَم بذلك سواء كان مصدر الإلهام هو الله تعالى، كما يلهِم سبحانه رسله مباشرةً بتعاليمه وإرشاداته وأحكامه أحياناً، قال تعالى: ﴿وَمَا كَانَ لِبَشَرٍ أَن يُكَلِّمَهُ اللَّهُ إِلَّا وَحْيًا أَوْ مِن وَرَاء حِجَابٍ أَوْ يُرْسِلَ رَسُولاً﴾(9، أم غيره مثل جبرئيل كما في قوله تعالى: ﴿أَوْ يُرْسِلَ رَسُولًا فَيُوحِيَ بِإِذْنِهِ مَا يَشَاء إِنَّهُ عَلِيٌّ حَكِيمٌ﴾(10 فإنّ مصدر الوحي في قوله (فيوحي) هو الرسول مثل ما يوحي جبرئيل للنبي.

ويمكن أن يندرج تحت هذا النحو من الوحي كل الموارد التي استخدم فيها الوحي منسوباً للقرآن الكريم مثل﴿نَحْنُ نَقُصُّ عَلَيْكَ أَحْسَنَ الْقَصَصِ بِمَا أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ هَذَا الْقُرْآنَ﴾(11 فقد كان وحي القرآن عن طريق جبرئيل (عليه السلام) كما تدلّ عليه الآية الكريمة ﴿نَزَلَ بِهِ الرُّوحُ الْأَمِينُ * عَلَى قَلْبِكَ لِتَكُونَ مِنَ الْمُنذِرِينَ﴾(12. حيث فُسّر الرّوح الأمين بجبرئيل (عليه السلام). والله العالم.

7 – مطلق التبليغ من الله تعالى للأنبياء ونحوهم الشامل للوحي بكل الأنحاء المختلفة، وذلك كما في الآيات التي تتحدّث عن الوحي للرّسل بشكل مطلق، مثل قوله تعالى: ﴿وَمَا أَرْسَلْنَا مِن قَبْلِكَ إِلاَّ رِجَالاً نُّوحِي إِلَيْهِم﴾(13.

حيث لا تتحدث الآية الكريمة عن أسلوب معيّن من الوحي بل الوحي فيها بمعنى عام ينطبق عليها كلّها.

1– المفردات: 515. وقد ذكر بعض اللغويين معاني اخرى للوحي لا يهمنا البحث فيها.

2– لسان العرب: 15 381.

3– سورة القصص: 7.

4– سورة الأنعام: 121.

5– سورة النحل: 68.

6– سورة فصلت: 12.

7– لسان العرب: 5 380، مادة وحي.

8– سورة مريم: 11.

9– سورة الشورى: 51.

10– سورة الشورى: 51.

11– سورة يوسف: 3.

12– سورة الشعراء: 193 – 194.

13– سورة النحل: 43.

شاهد أيضاً

ألف سؤال وإشكال (المجلد الأول) / الصفحات: ٢٢١ – ٢٤٠

ألف سؤال وإشكال (المجلد الأول) / الصفحات: ٢٢١ – ٢٤٠ *  *  * ٢٢١ الأسئلة ...