مفرزات لقاء أردوغان ولابيد في نيويورك على الشعب الفلسطينيّ؟
الوقت_ على هامش اجتماعات الدورة الـ77 للجمعية العامة للأمم المتحدة، التقى الرئيس التركي رجب طيب أردوغان، مؤخراً، رئيس وزراء حكومة الاحتلال الإسرائيلي يائير لابيد في نيويورك، في الوقت الذي تناسى فيه الرئيس أردوغان معارضته الشديدة –الظاهريّة- لسياسة الكيان الغاصب بحق الفلسطينيين، وغضّ الطرف عن الجنايات المروعة للاحتلال وسياسة الاستيطان والقتل المروعين بما يخالف القوانين الدوليّة والإنسانيّة، وانتهاج “إسرائيل” سياسة تمييز عنصريّ واضطهاد في معاملة أبناء فلسطين والتي ترقى إلى حد الجرائم ضد الإنسانيّة وفق المنظمات الدوليّة، حيث أشار مكتب رئيس الوزراء الإسرائيلي في بيان أن لابيد أثار قضية إسرائيليين مفقودين أو أسرى وضرورة إعادتهم، وهم 4 إسرائيليين لدى حركة المقاومة الإسلامية (حماس)، بينهم جنديان تقول تل أبيب أنهما قُتلا خلال الحرب على غزة في 2014 لكن الحركة الفلسطينية لم تكشف أي تفاصيل عن مصيرهما.
تقارب غير محدود بين الكيان وتركيا
يأتي الاجتماع التركيّ – الإسرائيليّ، عقب تقارب كبير منذ أشهر بين تل أبيب وأنقرة، وتوقيع اتفاقيات تعاون مختلفة بين الجانبين، حيث أعاد الرئيس التركي تفعيل العلاقات الكاملة مع الكيان مع عودة تبادل السفراء للمرة الأولى منذ أربع سنوات ناهيك عن زيارات من رأس الهرم الصهيونيّ للأراضي التركيّة، ويعد هذا اللقاء أول اجتماع على هذا المستوى بين أردوغان ورئيس وزراء إسرائيلي منذ 14 عاماً.
وخلال الاجتماع الذي جرى بشكل مغلق في “البيت التركي” المقابل لمبنى الأمم المتحدة، بعد شهر من عودة العلاقات الدبلوماسية بين تركيا وكيان الاحتلال عقب قطيعة استمرت سنوات، أعرب كذلك عن مخاوفه بشأن إيران و”شكر للرئيس أردوغان تعاونه الاستخباراتي”، بحسب البيان الإسرائيلي، على الرغم من أنّ الرئيس التركيّ انتقد مراراً وبشكل لاذع السياسات الإسرائيليّة وكان يُعتبر في فترة من الفترات من أبرز المدافعين عن القضية الفلسطينية، ومن أشدّ المناوئين ولو بالظاهر للسياسات الإسرائيلية الإجراميّة تجاه الفلسطينيين، وسبق أن وصف كيان الاحتلال “إسرائيل” بأنها “دولة إرهابية”، لكنّه أجرى بالمقابل قبل مدّة محادثات مع رئيس الكيان الإسرائيليّ في عاصمة بلاده وبحث الملف الأهم في العالم وهو “إمداد أوروبا بالغاز الفلسطينيّ المسلوب عبر تركيا”، ليلبي طموحات الإسرائيليين أكثر من مسؤولي الحكومة الإسرائيليّة نفسها.
وبعد عدّة سنوات أظهرت فيها تركيا وداً إعلاميّاً تجاه فلسطين وعلى وجه الخصوص “حماس”، يبدو أنّ الحال تغير كثيراً، حيث يأتي ذلك اللقاء ليؤكّد انحياز القيادة التركيّة للكيان الذي يفرض استعماراً عسكريّاً على فلسطين، فيما يتعامى عن المنهج العنصريّ الذي يتبعه العدو الإسرائيليّ بحق أصحاب الأرض، ناهيك عن ممارسة الفصل العنصريّ والاضطهاد، وقد فتح أردوغان أبواب بلاده على مصراعيها مؤخراً لأشدّ أعداء الأمّة الإسلاميّة التي يتشدق الرئيس التركيّ بانتمائه لها، فشدّد الضغوط على الفلسطينيين تحت مبرر أن لتركيا مصالح اقتصادية، وزعم أنّ استئناف العلاقات مع الكيان الغاصب هو أمر سياسيّ، لكن الفلسطينيين على يقين بأنّ للصهاينة تأثير واضح في تركيا في المسائل الأمنية والزيارات بينهما لا تنقطع وعلى أكثر من منحى.
وقبل هذا اللقاء الإسرائيليّ مع رأس النظام التركيّ، يتغنى الطرف الصهيونيّ منذ أسابيع بأنّ استئناف العلاقات مع الأتراك يشكل ذخراً مهما بالنسبة للاستقرار الإقليمي وبشرى اقصادية مهمة جدا بالنسبة للمهاجرين اليهود الذين جلبتهم الحركة الصهيونيّة لسلب وطن الفلسطينيين من أصقاع الدنيا، فبعد أن فشل أردوغان خلال العقد الأخير في إظهار نفسه على أنّه قائد إسلاميّ بارز، لم ينجح في الهروب من موقفه الداعم للصهاينة والواضح كعين الشمس، وإنّ الرئيس الإخوانيّ وعلى ما يبدو هو مجرد خادم للعصابات الصهيونيّة ومساند لها بمختلف الأساليب كما يقول البعض، وما خفي أعظم وفقاً لما يقوله الفلسطينيون والأتراك على حد سواء.
والدليل على أنّ الخطوات التركيّة لا يمكن أن تنفع فلسطين وشعبها بل العكس، هو تصريح تل أبيب سابقاً بأنّ العمل جارٍ على تعزيز مكانة الكيان في العالم، أيّ أنّ العلاقة مع تركيا ستجعل بد الصهاينة أوراق ضغوط أكبر على الشعب الفلسطينيّ، حيث إنّ حجم المصلحة السياسيّة لتركيا من التقارب مع العدو ينعكس سلباً بلا شك على هذا الشعب الذي يتعرض لإبادة جماعيّة واضحة وضوح الشمس، حيث يؤكّد محللون أنّ تركيا تسعى تدريجيا وصل الجسور مع دول المنطقة المضطربة والكيان الإسرائيليّ العنصريّ لإبرام اتفاقيات جديدة وجذب الاستثمارات لمساعدة اقتصادها على التعافي من أزمة هي الأسوأ التي تواجه البلاد منذ أكثر من عقدين، وقد ترافق التقارب مع كيان العدو مع مساع لاستئناف الرحلات المباشرة بين تركيا والأراضي الفلسطينيّة المسلوبة من العصابات الصهيونيّة، ما من شأنه أن يجذب مزيدا من السياح إلى المنتجعات التركية، كما تسعى أنقرة إلى إحياء مشروع لبناء خط أنابيب للغاز في شرق المتوسط.
سياسة تركيّة خبيثة
وفقاً لكثيرين، لم يأبه الرئيس التركيّ سوى بمصالحه الضيقة مع الكيان الغاشم، على الرغم من الشهادة التركية والدولية على نضال ومعاناة الشعب الفلسطينيّ الرازح تحت الاحتلال العسكريّ الصهيونيّ وسياساته الاستعماريّة والقمعيّة، حيث إنّ تركيا تعلم أنّها الخيار الأنسب لنقل الغاز من منطقة شرقي البحر المتوسط إلى أوروبا خاصة عقب الحرب الروسية على أوكرانيا والعقوبات المفروضة على روسيا، ولهذا لا شيء أهم من ذلك والتاريخ علمنا جيداً كيف تتعامل تركيا باستماتة مع مصالحها مهما كلف الأمر من تعاسة على غيرها والحسكة السوريّة العطشى أكبر شاهد.
واليوم، يواصل الرئيس أردوغان لقاءاته الدبلوماسية على هامش مشاركته في أعمال اجتماعات الجمعية العامة للأمم المتحدة، وقد أجرى سلسلة لقاءات مع نظرائه ومسؤولين في منظمات دولية عدة، وفي خطابه السياسي أمام الجمعية العامة للأمم المتحدة، جدّد الرئيس الإخوانيّ المطالبة بإقامة دولة فلسطينية عاصمتها القدس الشرقية، معرباً عن رغبته في “الاستمرار في تطوير العلاقة مع الكيان الإسرائيلي من أجل المستقبل والسلام والاستقرار ليس للمنطقة فحسب بل أيضا للعدو وللشعب الفلسطيني وللأتراك.
وقد أصدعت رؤوسنا، عبارة “أهمية تطوير العلاقات بين أنقرة وتل أبيب من أجل المنطقة ككل”، جملة تصيب العارفين ببدائيات السياسة بنوبة هستيريّة من الضحك، والمثير للسخرية أكثر هو الحديث عن أنّ تحسن العلاقات التركيّة – الإسرائيليّة مهم جداً لنشر “الاستقرار والسلام” في المنطقة التي يتقاسمان فيها التخريب كل من جانبه حيث إنّ الحكومة الإخوانيّة المتشدّدة في أنقرة تحتل لوان إسكندرون السوريّ منذ سنوات طويلة وهي اليوم تتمادى بشكل صارخ في الأراضي السوريّة والعراقية المحاذية لها وتدعم الجماعات المتطرفة وما تُسميها “الحكومة السورية المؤقتة” المعادية لدمشق وامتدت يدها العدوانيّة لتصل إلى ليبيا واليمن والسودان بالتعاون مع سرطانات تنظيم الإخوان، فيما يقوم الصهاينة بالشيء ذاته بل أقبح من ذلك بحق الفلسطينيين وغيرهم من دول الجوار وأبعد من ذلك.
وفي الوقت الذي أعلنت فيه خارجية الاحتلال الإسرائيلي تسمية إيريت ليليان سفيرة لدى أنقرة، من الضروريّ التذكير بأنّ تركيا لم تأبه لأرواح مواطنيها حتى تهتم بأرواح الفلسطينيين، وكلنا نتذكر كيف غضّت الطرف عن أرواح 10 ناشطين أتراك قتلتهم “إسرائيل” بعملية إنزال على متن السفينة التركية “مافي مرمرة” في مايو/أيار من العام 2010، عندما انطلقت من الأراضي التركية باتجاه قطاع غزة، ضمن أسطول الحرية الذي كان يهدف لكسر الحصار المفروض على قطاع غزة، فبعد أن فشل أردوغان خلال العقد الأخير في إظهار نفسه على أنّه قائد إسلاميّ بارز، لم ينجح في الهروب من موقفه الداعم للصهاينة والواضح كعين الشمس، وإنّ الرئيس الإخوانيّ وعلى ما يبدو هو مجرد خادم للعصابات الصهيونيّة ومساند لها بمختلف الأساليب، وماخفي أعظم.
ملف الأسرى ومماطلة الكيان
كلنا نعلم، أنّ التعنت الإسرائيلي في ربط قضية إعادة إعمار قطاع غزة الذي دمرته آلته العسكرية الهمجية بتسوية قضية أسرى الجنود الصهاينة الأربعة لدى “حماس” التي أكّدت أن الأسرى الإسرائيليين لن يروا النور إلا بعدما يرى الأسرى الفلسطينيين الحرية، هو ما يُعطل حل هذه القضية الشائكة، وقد شاهدنا مؤخراً أسلوب الخداع الإسرائيليّ من خلال استمرار الحكومة الإسرائيليّة برفض إعادة إعمار ما ألحقته من دمار في غزة، من دون استعادة جنودها وأسراها لدى حركة حماس، وهو ما رفضته الأخيرة، ولم تمانع المقاومة الفلسطينية منذ الأساس في السير ضمن خطين متوازيين، خط تثبيت التهدئة مع الكيان الصهيوني وانتزاع مطالب الفلسطينيين وإعمار ما دمره الاحتلال، والخط الآخر ما يتعلق بالصفقة والإفراج عن الأسرى، ويعلم الجميع حجم المعاناة التي يعيشها الأسرى الفلسطينيون داخل سجون العدو الغاشم، بدءاً من ظروف الاعتقال الصعبة والحياة المقيتة داخل الزنازين المكتظة بالأسرى، بالإضافة إلى الانتهاكات الجسيمة بحق الأسرى خاصة في الفترة الأخيرة.
وفي ظل تمسك حركة حماس منذ فترة طويلة برفض ربط القضايا ببعضها، لمنع فرض الإرادة الصهيونية الخبيثة على هذا الملف الهام والحساس بعد عرقلة إسرائيلية طويلة لهذا الملف ومساومات فاشلة في الغذاء وإعادة الإعمار، ومنذ سنوات حذرت الحركة من أن تأجيل صفقة تبادل الأسرى وفصلها عن إجراء التسوية مع حماس سيؤدي إلى تضيع فرصة إطلاق سراح الجنود الإسرائيليين لمزيد من السنوات وهذا بالفعل ما حصل.
وفي هذا الحصوص، كشفت وثائق إسرائيليّة نُشرت قبل مدّة عن عدم الجدية الإسرائيليّة في التعاطي مع هذه القضايا الحساسة وعدم اهتمامها بجنودها ورفات قتلاها، والآخر هو حجم المعاناة التي يعيشها الكيان المتخبط والذي يولي مسؤولوه اهتماماً كبيراً لمصالحهم الحزبية على مصلحة كيانهم المتهالك والمقصود بالتحديد رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو (2009- 2021) الذي منع اتخاذ قرار كهذا خوفاً على مصالحه الشخصيّة والحزبية، ليرمي المهمة إلى حكومة بينيت التي لا تقل خُبثاً عن سابقتها، ورمت ذلك الثقل لحكومة لابيد.
وعلى هذا الأساس، تشدّد فصائل المقاومة على أنّ تل أبيب وضعت العصي في دواليب تلك المفاوضات، إضافة إلى عقبات وشروط طويلة ومعقدة شلت إتمام الصفقة أو حتى التوصل لأرضيّة مشتركة تبنى عليها مفاوضات جادة وحقيقيّة، باعتبار أنّ حصول صفقة لتبادل الأسرى سيؤدي إلى حلحلة في باقي الملفات، حيث إنّ حكومة العدو العنصريّ قررت تجميد ملف الأسرى كي لا تدفع ثمن تنازلاتها أمام مطالب حماس وفصائل المقاومة، فيما وعدت القاهرة –الوسيط بين المقاومين والعدو- أكثر من مرة بتحريك هذا الملف عبر إجراء اتصالات ولقاءات من أجل معرفة الشروط الفلسطينيّة ووضعها على طاولة النقاش، لكنّ شيئاً لم يحدث.
وما ينبغي ذكره، أنّ السياسة الإسرائيليّة كانت ولا تزال تدور حول شرط الرضوخ للإملاءات وهذا ما ترفضه حماس بشكل قاطع، ما يعني أنّ الكرة بالفعل في ملعب العدو الصهيونيّ المستبد لأنّ حماس تدرك جيداً أنّ العدو لم يكن في يوم من الأيام واضحاً في نواياه، وخاصة فيما يتعلق بملف الأسرى الذي يعتبر بالنسبة للشعب الفلسطينيّ أهم بكثير من الغذاء وإعادة الإعمار، والصهاينة يريدون وضع الفلسطينيين في مأزق كبير وحرمانهم من أبسط حقوقهم، رغم أنّهم ببساطة يستطيعون حل تلك المسألة من خلال الإفراج عن مئات من الأسرى الفلسطينيين الأبرياء، حيث تعج سجون العدو بآلاف الأسرى الفلسطينيين بينهم عشرات الأسيرات ومئات القاصرات والمعتقلين الإداريين الذين يعيشون أسوأ وضع إنسانيّ.
بالمقابل، أكّدت حركة المقاومة الإسلاميّة حماس مراراً أن إبرام صفقة تبادل للأسرى بين الجانبين، لا بد أن يؤدي إلى رفع الحصار بشكل كامل عن غزة وربطها بأوضاع القدس والضفة، والسماح بعملية إعادة الإعمار، والإفراج عن الأسرى الفلسطينيين المطروحة أسماؤهم، لكن خداع تل أبيب في تعهداتها ووضعها العقبات تلو الأخرى، يجعل من غير المتوقع أن تتم الصفقة في بشكل قريب، حيث إن السياسة الإسرائيلية كانت وما تزال تدور حول شرط واحد “إما الرضوخ لمطالبنا أو عيشوا تحت أنقاض الأبنية التي دمرناها والحصار الذي فرضناه”.
بالاستناد إلى كل ما ذُكر، يسعى الإسرائيليون لدفع الاتراك للضغط على “حماس” للتنازل في تلك القضية الهامة والحساسة، وأكبر برهان على ذلك، هو الضغوط التي مارستها تل أبيب على الأتراك لإبعاد النشطاء التابعين لحماس عن الأراضي التركية، ومنع عودتهم إليها، ما أثلج صدور القيادات الأمنية والعسكرية الإسرائيلية، بعد أن سلّم الكيان الصهيونيّ قائمة بأسماء نشطاء من حركة حماس للسلطات التركية، ومعلومات عن دورهم في عمليات ضد الكيان الإسرائيلي، فيما أبلغ الأتراك حركة حماس بأنها قد تعهدت بعدم العمل من داخل تركيا، و”الآن عليكم مغادرة البلاد”، وذلك بعد أن أجرى الرئيس التركيّ محادثات مع رئيس الكيان الإسرائيليّ في أنقرة.