الرئيسية / شخصيات أسلامية / أنساب الأشراف 15

أنساب الأشراف 15

125 – حدثني محمد بن سعد [ 1 ] ، عن الواقدي في إسناده ، وعباس بن هشام عن أبيه ، عن جده وغيره ، قالوا :
كان هاشم بن عبد مناف يختلف إلى الشأم في التجارة . فإذا مرّ بيثرب ، نزل على عمرو بن زيد بن لبيد ، وكان صديقا لأبيه وله . فنزل به في سفرة من سفراته وقد انصرف من متجره ، فرأى ابنته سلمى بنت عمرو ، فأعجبته . وكانت قبل عند أحيحة بن الجلاح بن الحريش بن جحجبا الأوسي ، فمات عنها وقد ولدت ولدين ، هلكا ، وهما عمرو ومعبد ابنا أحيحة .
فخطبها . فأنكحه إياها ، واشترط عليه أن لا تلد إلا في أهلها . فنقلها هاشم معه إلى مكة . فلما حملت ، ودنا ولادها ، أتى بها منزل أبيها بيثرب ، فخلفها ، ومضى إلى الشام في تجارته . فمات بغزّة من فلسطين .
وولدت سلمى شيبة الحمد . وسمته بذلك لشيبة كانت في رأسه . ويقال لشيبات كنّ حول ذؤابته . وقيل له عبد المطلب ، لأنه لما ترعرع بالمدينة ، وأتت له سبع أو ثماني سنين ، بلغ عمه المطلب بن عبد مناف خبره في لبسه ونظافته وشبهه بهاشم أبيه ، فاشتاق إليه ، وركب حتى أتى المدينة ، فوافاه وهو يرمى مع الصبيان . فلما أصاب ، قال : أنا ابن هاشم ، أنا ابن سيد
البطحاء . فقال : له من أنت يا غلام ؟ قال : أنا شيبة بن عبد مناف : قال :
وأنا عمك ، المطلب بن عبد مناف ، وقد جئت لحملك إلى بلدك وقومك ومنزل أبيك وجوار بيت الله إن طاوعتني . وجعل يشوقه إلى مكة . فقال : يا عم ، أنا معك . وقال له رجل من بنى النجار : قد علمنا أنك عمه ، فإن أحببت
فاحمله الساعة قبل أن تعلم أمه ، فتدعونا إلى منعك منه فنمنعك . فانطلق به معه ، حتى أدخله مكة وهو ردف له . فكان لا يمرّ بمجلس من مجالس قريش إلا قالوا له : من هذا الغلام معك يا أبا الحارث ؟ فيقول : عبد لي ابتعته . ثم أدخله منزله ، فكساه . وأخذته امرأته خديجة بنت سعيد بن سعد بن سهم ، فنظفته وطيبته وألبسته كسوة عمه . وأخرج إلى النديّ . فجعل أهل مكة يقولون :
هذا عبد المطلب . فغلب ذلك على اسمه . وقال المطلب بن عبد مناف [ 1 ] :
وافيت شيبة والنجّار قد جعلت * أبناءها عنده بالنبل تنتضل
وقالت سلمى أمه [ 2 ] :
كنا ولاة حمة ورمّه * حتى إذا قام على أتمه
انتزعوه غيلة من أمه * وغلب الأخوال حقّ عمه
وقال المطلب :
يا سلم يا أخت بنى النجّار * ما ابن أخي بالهين المعار
فاقني حياء ودعى التمارى * إني وربّ البيت ذي الأستار
لو قد شددت العيس بالأكوار * قد راح وسط النفر السفار
حتى يرى أبيات عبد الدار *
وكان عبد المطلب يكثر زيارة أخواله ويبرّهم .
126 – حدثني عباس ، عن أبيه ، عن جده قال :
كان عبد المطلب أول من خضب بالوسمة / 29 / لأن الشيب أسرع إليه .
فدخل على بعض ملوك اليمن ، فأشار عليه بالخضاب . فغير شعره بالحناء ، ثم علاه بالوسمة . فلما انصرف وصار بقرب مكة ، جدّد خضابه . وكان قد
تزوّد من الوسمة شيئا كثيرا . فدخل منزله وشعره مثل حنك [ 1 ] الغراب . فقالت امرأته نتيلة ، وهي أم العباس ، يا شيب ، ما أحسن هذا الصبغ [ 2 ] لو دام فعله . فقال عبد المطلب [ 3 ] :
لو دام لي هذا السواد حمدته * فكان بديلا من شباب قد انصرم
تمتعت منه والحياة قصيرة * ولا بدّ من موت نتيلة أو هرم
وما ذا الذي يجدي على المرء خفضه * ونعمته يوما إذا عرشه انهدم
ثم إنّ أهل مكة خضبوا بعده .
127 – وقال الكلبي : حجّ قوم من جذام ، ففقدوا رجلا منهم اغتيل بمكة ، ولقيهم حذافة بن غانم العدوي فربطوه . وقدم عبد المطلب من الطائف ، وقد كفّ بصره ، وأبو لهب يقود به . فهتف به حذافة . فأتاهم . فقال : قد عرفتم تجارتي وكثرة مالي ، وأنا أحلف لكم لأعطينكم عشرين أوقية ذهبا ، أو عشرا من الإبل ، وغير ذلك مما يرضيكم ، وهذا ردائي رهن بذلك . فقبلوا منه ، وأطلقوا حذافة . فأردفه ، حتى أدخله مكة ، ووفى لهم عبد المطلب بما جعل لهم .
فقال :
أخارج [ 4 ] إما أهلكن فلا تزل * لشيبة منكم شاكرا آخر الدهر
وأولاده بيض الوجوه وجوههم * تضيء ظلام الليل كالقمر البدر
لهو لهم خير الكهول ونسلهم * كنسل الملوك لاقصار ولا خدر
لساقي الحجيج ثم للشيخ هاشم * وعبد مناف ذلك السيد الفهري
أبوكم قصيّ كان يدعى مجمعا * به جمع الله القبائل من فهر
أبو عتبة الملقى إليّ حباله * أغرّ هجان اللون من نفر غرّ
ويروى « أبو الحارث » ، وهو أصح .
قصة الفيل :
128 – قالوا [ 1 ] : وكان أبرهة الأشرم أبو يكسوم قتل حبشيا كان غلب على اليمن ، وصار مكانه . فرأى العرب باليمن يتأهبون في وقت الحجّ . فسأل عن أمرهم . فقيل إنهم يريدون بلدا يقال له مكة ، وبه بيت للَّه يتقربون إليه بزيارته .
فبنى بيتا بصنعاء كثير الذهب والجوهر ، وحمل من قبله من العرب على أن يحجوه ويصنعوا عنده كصنيعهم عند الكعبة . فاحتال بعض العرب لسدنته ، حتى أسكرهم ، ثم أتى بجيف ومحائض فألقاها فيها ، ولطخ قبلته ، وكانت على المشرق ، بعذرة . فغضب أبرهة أشد غضب ، وقال : والمسيح ! لأغزونّ بيت العرب الذي يحجون إليه . فبعث إلى النجاشي : إني عبدك ، وكل ما حويته من هذا البلد فهو لك ، ومن مملكتك . وأهدى إليه هدايا ، وسأله أن يبعث إليه بفيل له عظيم كان يلقى به عدوه إذا احتشد . فبعث إليه بذلك الفيل وبجيش . ثم إنّ الأشرم نهض نحو البيت ، والفيل في مقدّمته ، ودليله النفيل ابن حبيب الخثعمي . فلما انتهى إلى قرب الحرم ، برك الفيل بالمغمّس ، فلم يحرك . ونخس بالرماح ، فلم ينهض . ثم بعث الله على الجيش طيرا ، مع كل طير ثلاثة أحجار . فألقتها عليهم ، فلم ينج منهم شفر [ 2 ] .
129 – وقد كان الحبشي لما قرب مكة ، بثّ قوما ممن معه للغارة ، منهم رجل
يقال له الأسود بن مقصود . فاطردوا إبلا لعبد المطلب . فأتى عبد المطلب الحبشي وهو في قبة له بالمغمس [ 3 ] . وكان قائد الفيل صديقا له ، فأدخله إليه وأخبره لشرفه . وكان عبد المطلب رجلا جميلا طويلا ، له غديرتان ،
أهدب الأشفار ، دقيق العرنين أشمه ، رقيق البشرة ، سهل الحدّين . فأكرمه الحبشي وأجلَّه ، وسأله عن حاجته . فقال : إبلي . فأمر بردّها ، وقال :
ما ظننتك جئتني إلا في أمر البيت . فقال عبد المطلب : إن للبيت ربّا سيمنعه ويحميه . وكان عبد المطلب وعمرو بن عائذ بن عمران بن مخزوم ( . . . ؟ ) [ 1 ] الناس بمكة كل يوم ، والحبشي مطلَّهم ، وقد هرب جلّ أهل مكة خوفا وإشفاقا . قال عبد الله بن عمر بن مخزوم ، أبو « عابد » [ 2 ] :
/ 30 / أنت حبست الفيل بالمغمّس * من بعد ما كان بغير مجلس
أنت الجليل ربّنا لم تدنس
وقال عابد بن عبد الله بن عمر بن مخزوم ، ويقال بل قالها أبو عكرمة عامر بن هاشم بن عبد مناف بن عبد الدار ، ويقال عكرمة وذلك غلط [ 3 ] :
لاهمّ أخز الأسود بن مقصود * الآخذ الهجمة ذات التقليد
بين حراء فثبير فالبيد * أخفر به ربّ وأنت محمود
وقال عبد المطلب [ 4 ] :
يا ربّ إنّ المرء يمنع * ( م ) رحله فامنع حلالك
لا يغلبنّ صليبهم * ومحالهم غدوا محالك
فلئن فعلت فربما * أولى فأمر ما بدا لك
ولئن فعلت فإنه * أمر تتمّ به فعالك
وكان قدوم الفيل وحبس الله إياه للنصف من المحرم ، وذلك قبل مولد رسول
الله صلى الله عليه وسلم بشهرين إلا أياما . وقال عبد المطلب في غير هذا المعنى :
لا تحسبي شيم الفتيان واحدة * بكل رحل لعمري ترحل الناقة
إني إذا المرء شانته خليقته * ألفيتني جلدتي بيضاء برّاقه
وحينما يفعل الفتيان أفعله * وإنما يتبع الإنسان أعراقه
وقال عبد المطلب :
قلت والأشرم تردى خيله * إنّ ذا الأشرم غرّ بالحرم
رامه تبع فيمن جمعت * حمير والحي من آل قدم
فانثنى عنه وفي أوداجه * جارح أمسك منه بالكظم
فخزاك الله في بلدته * لم يزل ذاك على عهد ابرهم

شاهد أيضاً

إيران مستعدة ومتعطشة للحرب وإسرائيل دمرت فماذا حققت الأخيرة من هذه العملية

حيدري نظر سؤال يحمل بعدًا مهمًا يتعلق بتقييم نتائج أي صراع عسكري، خصوصًا في منطقة ...