وافلت منهماعادل عبد المهدي
ربما كان توقيت الدعوة الى التظاهرات في يوم 1/ 10/ 2019 مدعاة لتساؤلات الكثيرين، فلماذا هذا اليوم؟ وهو بطبيعته لا يعد يوماً صالحاً لتثوير الشارع في العراق، فلو كانت الدعوة قبل ذلك بشهرين او شهرين ونصف ربما عدّ الامر في حكم المتوقع للعادة التي جرت في كل سنة ان يتم استغلال فصل الحر القائظ في العراق من قبل جهات سياسية متعددة لتهييج الشارع وفي العادة يكون موضوع الكهرباء والماء هي الحديث الذي يشمل الغالبية العظمى من الشارع،
وما يلاحظ ان موضوع الكهرباء والماء في هذا العام قد شهدا تغييرات مريحة ومشهودة في الأعم الأغلب من محافظات العراق، ولذلك لم تلاقي دعوات بعض الجهات حماساً عند الجمهور المعتاد لهذه القضية، وقد فشلت لذلك مليونية الحكمة المزعومة في 19/ 7 فشلاً مريعاً، حتى غدت مضرب مثل يتندر بها مناكفوهم عليها، ولربما كان الأسوء في هذا التوقيت ان 1/ 10 يكون في مستهل هجرة عشاق الحسين ع من المحافظات الجنوبية الى كربلاء وفي العادة ينهمك الناس في اجواء الزيارة بين ماش للحسين وبين خادم لمن يمشي وبين الداعم للاثنين.
ولذلك أستطيع القول ان الذي نظم التظاهرة كان يجهل ألف باء الساحة والمجتمع، وليس ذلك فحسب وإنما كان مستعجلاً ايما استعجال في ترتيب أي امر من شانه أن ينال من الحكومة، بحيث ان استعداداته جاءت سيئة للغاية لم تراع المشهد الاجتماعي العراقي بكل بساطة، ولهذا لا يستغرب من الأرقام المتواضعة التي شاركت في هذه التظاهرات التي أريد لها أن تكون مليونية، فكانت مثلها مثل نظيرتها الخاصة بالحكمة، مع العلم انهما يشتركان في غاية معلنة واحدة هي إسقاط حكومة الدكتور عادل عبد المهدي.
عوداً للوقائع الميدانية فانه يلاحظ ان الجهات السياسية المعتادة للتظاهرات اختفت تماماً، ولم يلحظ اي جهة اللهم الا الجهات المرتبطة بالسفارة الأمريكية وحزب البعث، فلقد كان للجيوش الألكترونية المرتبطة بالسفارة الأمريكية وكذا الجهات المدعومة من السفارة ومثلها الجهات التي تتلقى توجيهاً او تنسق مع السفارة هي التي اشتركت بعملية تهييج الشارع العراقي لأغراض الخروج في التظاهرات،
وكان لحزب البعث وصفحاته ومواقعه جهداً لافتاً على هذا الصعيد، فيما تطوعت قنوات دجلة والشرقية والبغدادية والتغيير والرافدين وال NRT وعشرات القنوات والمواقع الخبرية وانضم إليهم بعض الإعلام الخليجي كسكاي نيوز، وقد اصطفت قناة الفرات!! تحت يافطة المعارضة لأغراض التهييج والتهويل بالرغم من انك حينما تراها لا تفرق بينها وبين القنوات المعادية، إن لم تجد أنها تزايد عليهم، وليس من الصعب جعل هؤلاء تحت يافطة واحدة هي الرغبة الى حد الانتقام من حكومة الدكتور عادل، فيما عهد بالمسؤولية التنفيذية لحزب البعث، وكذا للمجاميع المرتبطة بما يعرف بالجيش الأحمر الذي تقوده جهة يهودية أمريكية مقرها في شمال العراق وأعني بذلك مجاميع اليماني الكذاب وغيث التميمي وما يعرف عنه بمجاميع الخوة النظيفة والصرخية وكذا مجاميع المولوية، ومعهم مراجع ومعممي ما يعرف عنهم بال 56، وهم منضوين تحت تصنيف الجيش الأحمر!!
وقد تم استغلال قصة عبد الوهاب الساعدي بكل وسيلة كانت لإضافة جمهور جديد الى مساحة المتظاهرين، وقد رأينا حالة البكاء والتباكي على حالة الرجل مع ان هذه الحالة تمت بالكثير من الحماقة بل والدناءة في التعامل مع الرجل، وهي دناءة كادت تؤدي به إلى أن يقتاد إلى المحاكم العسكرية لانها كانت تدفع به إلى التمرد بالرغم من أن ما جرى عليه سبق أن جرى على الآلاف من الضباط خلال هذه الفترة، وهو امر معتاد في كل الدول، مع ملاحظة اننا لم نجدهم يبكون على أي بطل من أبطال الحشد، ولا استنكروا أي حادثة فيها ألم عراقي، فضلا عن إدانتها.
والسؤال لماذا هذا الإصرار على معارضة حكومة الدكتور عادل عبد المهدي أو معارضتها بكل هذه الشراسة التي تعدت كل الحدود؟
ولماذا هذا الاستعجال؟
آخر ما يمكن أن يصدقه الإنسان في هذه التظاهرات أن تكون حاملة لأمور مطلبية، وهو أمر يلاحظه الإنسان ببساطة من خلال طبيعة تعامل أفرادها مع القوى الأمنية والأماكن العامة، فلا يوجد اي مطلب وانما المطلب الأساسي هو إسقاط الحكومة واحداث انقلاب عسكري وقد بلغ بهؤلاء السذج الحد أنهم صدقوا ذلك فتطوّع البعثي أحمد الحلو ليقرأ البيان رقم واحد ويعين حكومة الانقلاب العتيدة!!
إذن ما الخبر؟
من يرجع الى الوثائق التاريخية لا يعدم ان يجد نفسه سريعا أمام نموذجين من الانقلابات في كليهما كان بطل الانقلاب المباشر حزب البعث، فالانقلاب الذي تم ضد عبد الكريم قاسم عام 1963 سببه موقفه من الشركات النفطية وكان الثمن انه قتل بالطريقة المفجعة المعروفة، والانقلاب الذي حصل ضد عبد الرحمن عارف الجميلي سببه العقد الذي ابرمه مع فرنسا في شأن طائرات الميراج، فكان اسقاطه على يد البعثيين عام 1968 ولا زال حبر البيان الأول مرسوما وهو يتحدث عن أسباب الانقلاب واحدها التراجع عن الصفقة مع فرنسا، وأي انقلاب يحصل تحت يافطة الوطنية والثورية يتضمن بيانه الأول التراجع عن صفقة تسلح؟ وفي كلا حركة الانقلابات هذه كان القطار أمريكياً؟!
ولهذا إذا كانت أمريكا قد تحكّمت بأهم انقلابين في تاريخ العراق لأسباب تتعلق بلعبة النفوذ الاقتصادي، فماذا ستفعل مع حكومة تجاوزت في الحسابات الأمريكية ووفق منطقها كل الخطوط الحمر التي لا يسمح لأحد أن يلعب قريباً منها، فما بالك لو تجاوزها وزاد على ذلك بما يعد عرقلة لجهود سيطرتها على مناطق دولية استراتيجية عظمى؟!
تعالوا لنقدم جردة حساب سريعة لما فعلته حكومة عادل عبد المهدي التي رفعت شعار العراق أولا وهذه الجردة التي نقدمها لا نقدمها حسب الأهمية ولا حسب التراتب الزمني:
أ: الصفقة الصينية وما أدراك ما الصفقة الصينية؟ وهي التي في تصوري أثارت الغضب الأمريكي بكل طاقاته فجعلت الأمريكان يقطعون شعرة معاوية أو ما يعبّر عنه بكسر العظم.
ب: إعلان الدكتور عادل شخصيا اتهامه الرسمي لإسرائيل بانها هي وراء استهداف المقرات العسكرية للحشد الشعبي، وما ينطوي ذلك على مضامين تتعلق بأمن إسرائيل مباشرة.
ج: موقف الدكتور عادل عبد المهدي من منع أي ضابط في أي مؤسسة تابعة للحكومة العراقية بالاتصال بأي سفارة أجنبية، ومما يعرف ان الأمريكان كانوا يستدعون أي ضابط ويلتقون بمن يريدون ويزورون أي مكان عسكري أو امني، في مقابل ذلك كان الكثير من الضباط متسامحين جداً في شان الزيارات وحضور الاجتماعات وتقديم المعلومات لمن يريد من الأمريكان، ومع أن توجيه الدكتور كان يشمل كل سفارة أجنبية إلا أن ذلك يعتبره الأمريكيون موجها اليهم على وجه الخصوص وهم اكثر المتضررين من ذلك.
د: عزل وإحالة إلى التقاعد العديد من الضباط التي تعدهم أمريكا في خانة أصدقائها وتعوّل عليهم، وبعضهم ممن أنفقت امريكا أموالاً طائلة من أجل رفع أسهمهم الشعبية في عالم البطولات الإعلامية، والقائمة لا زالت في طور الازدياد، بالرغم من أن مثل هذا الأمر قد لا يكون متعمداً من الدكتور، فبعض هؤلاء شمله استحقاق العمر وطبيعة الأداء الوظيفي السيء لا الإعلامي المزعوم.
ه: ولا يمكن اعتبار رغبة الدكتور عادل بتغيير رئيس البنك المركزي العراقي بعيداً عن هذه الأمور، ففي المعطيات سبق للأمريكان أن أبرزوا خطوطاً حمراء على بعض من الشخصيات التي يجب أن لا يطالها التغيير وكان علي العلاق في أوائل الأسماء التي طالب الأمريكيون عدم المساس بها بمعية أسماء أخرى ولعل هذا هو السبب الذي جعل البرلمان لا يصوّت على تغييره بالرغم من مطالبة الدكتور عادل بإبداله بالدكتور علي علاوي.
و: كما لا يمكن إخراج سعي الحكومة وإصرارها على تقوية الدفاعات الجوية العراقية والقوة الجوية العراقية وبحثها عن مصادر تسليح بعيدا عن امريكا مع ان الأخيرة عرضت ان تقوم بذلك فرفضتها اللجان العراقية المختصة من دائرة الخطوات التي لم تلهب الغيظ الأمريكي من الدكتور عادل وحكومته.
ز: الخطوات التي تتعلق برفض حكومة الدكتور عادل في أن تكون طرفاً في قصة الضغوط الأمريكية ضد الجمهورية الإسلامية في إيران، ورفض حكومة الدكتور عادل المطلق لمطالب موفد ترامب الخاص في وقتها والذي طالب بسلوك عراقي يشابه سلوك السعودية مع الأمريكيين.
ح: موقف حكومة الدكتور عادل عبد المهدي الرافض لصفقة القرن مع الكيان الصهيوني.
ك: انفتاحه الاقتصادي والسياسي على ألمانيا وفرنسا اكثرمن انفتاحه على امريكا والدولتان في المضمار الأوربي تعدان من رقباء امريكا ومنافسيها اللدودتين.
ولربما بالإمكان إضافة العديد من الفقرات إلى هذه القائمة، وهي كما ترى حافلة بكل ما يجعل القول بأن حكومة الدكتور عادل تجاوزت الخطوط الحمر ولم تبال بها.
ومهما قيل في مجال هذه القائمة تبقى قصة الصين بمثابة القشة التي قصمت ظهر البعير، والقصة يجب النظر اليها من زوايا كثيرة أهمها انها جاءت في ذروة الصراع الصيني الأمريكي وتعني فيما تعني تفريغ محتوى العقوبات الامريكية ضد الصين، وفي ذروة الحديث عن تشكل تحالف اسيوي هائل يجمع الصين مع روسيا والباكستان وإيران وهو تحالف قد يغري الهند أيضا بالانضمام اليه، مما قد يسبب بأكبر هزيمة في النفوذ الأمريكي تمنى بها بعد الحرب العالمية الثانية، أما الحديث عن سوق تجاري يمتد لخمسمائة مليار دولار بين العراق والصين، فهذا يعني بداهة تلاشي امال أمريكية كبيرة من سوق العراق، بل وقوة الخصم في مكان كانت ولا زالت تعتبره ملكا لها، وهو الأمر الذي يؤكد عقيدتها به حال الرجوع إلى خطابات ترامب عن أموال العراق وهو عين خطابه عن أموال السعودية والخليج.
وكل هذه ذنوب كبرى ارتكبتها حكومة الدكتور عادل من وجهة النظر الأمريكية أو الإسرائيلية فلماذا لا يتم التأليب عليه والسعي لإسقاطه؟
ولماذا لا تحاول امريكا أن تمهد لانقلاب ضد حكومته؟
ولماذالا تعمل على التحشيد ضده؟
امريكا لا زالت هي هي في طغيانها وغطرستها، وتحاول جاهدة أن تعيد نفسها الى المشهد العراقي بعد ان فقدت منه الكثير، فهل ستنجح في مسعاها الذي لن يبالي بالدماءوالحقوق؟ وهل ستنجح وطنية البعث، ووطنية المعارضة من ان تعيد للعلم الأزرق هيبته التي تمزقت بفضل إرادة احرار هذا البلد الكريم، ليس لها خيار الا الانقلاب العسكري؟ ولكن هل لها القدرة على ذلك واسود الحشد والمقاومة وابرار هذا الوطن العزيز في قواه الأمنية المختلفة لا زالوا بالمرصاد؟، من المؤكد ان امريكا تعي ان قدرات الامس ما عادت لديها اليوم، ولكن هل يعي عملائها وحلفائها ما وعته امريكا؟!
.