الوقت- أصبح الصراع مفتوحاً على مصراعيه على ضفاف المتوسط الليبي بين مختلف القوى الاقليمية التي يبدو أنها ستحول ليبيا إلى سوريا جديدة يتفجر فيها صراع يكون شاهداً على ولادة تحالفات اقليمية جديدة ترسمها الحرب الليبية التي بدأت تأخذ منحى اوسع من مفهوم الحرب الأهلية، بعد تدخل قوى اقليمية ودولية في هذا البلد النفطي الذي دمرته الحرب على مدى عشر سنوات ولايزال القادم مجهولاً، وما يزيد الطين بلة هو كثرة القوى الاقليمية المتحاربة في ليبيا والتي أضيف اليها السعودية التي أرسلت أو أمرت بإرسال مئات الجنود السودانيين إلى ليبيا للمشاركة في القتال هناك للحرب ضد حكومة الوفاق الليبية التي تدعمها ترکیا و قطر ومن جهه اخری تحاول ترکیا من خلال القضاء على قوات حفتر قلب دفة الصراع لمصلحتها.
ومؤخراً كشفت صحيفة “الغارديان” البريطانية أن موجة جديدة من المرتزقة السودانيين يقاتلون في ليبيا، مما يعمق المخاوف من أن الصراع في الدولة الواقعة في شمال إفريقيا قد تحول إلى حرب دولية مستعصية يمكن أن تزعزع استقرار الكثير من المنطقة.
وأخبر قادة مجموعتين مختلفتين من المقاتلين السودانيين العاملين في ليبيا صحيفة الغارديان أنهم استقبلوا مئات المجندين الجدد في الأشهر الأخيرة. كانت المجموعتان تقاتلان مع “الجيش الوطني الليبي” بقيادة اللواء خليفة حفتر ضد الحكومة المعترف بها دولياً في طرابلس.
وقال أحد القادة المتمركزون في جنوب ليبيا: “يأتي الكثير من الشباب … حتى أننا لا نملك القدرة على استيعاب هذه الأعداد الكبيرة”، وقال القادة إن هناك ما لا يقل عن 3000 مرتزقة سوداني يقاتلون الآن في ليبيا، أي أكثر بكثير من معظم التقديرات السابقة.
وفي وقت سابق من هذا الشهر، قالت الأمم المتحدة إن تدخل المقاتلين من السودان في ليبيا كان تهديداً مباشراً لأمن البلد الذي مزقته الحرب. وقالت لجنة خبراء تابعة للأمم المتحدة في تقرير من 376 صفحة إلى مجلس الأمن إن وجود السودانيين أصبح أكثر وضوحاً في عام 2019 وقد يؤدي إلى مزيد من عدم الاستقرار.
وشن حفتر هجوماً عسكرياً مفاجئاً في نيسان / أبريل الماضي بهدف الاستيلاء على طرابلس، لكن الهجوم توقف تاركاً الجانبين يحفران ويقصفان أحدهما الآخر على طول المناطق الجنوبية للمدينة بأسلحة متطورة بشكل متزايد. وفي وقت سابق من هذا الشهر، قال حفتر (76 عاماً) إن قواته تستعد لـ معركة حاسمة للسيطرة الكاملة على المدينة.
وبينما يتمتع “الجيش الوطني الليبي” بقيادة حفتر والحكومة الشرقية بدعم من فرنسا وروسيا والأردن والإمارات ودول عربية رئيسة أخرى، فإن الحكومة التي تتخذ من طرابلس مقراً لها مدعومة من إيطاليا وتركيا وقطر.
دخول السعودية على خط الأزمة سيعمق الخلاف اكثر في ليبيا على وجه الخصوص وفي المنطقة على وجه العموم، ويبدو أن السعودية تريد من خلال هذا التدخل الجديد ان تبعد الأنظار عن الحرب اليمنية التي استنزفت فيها السعودية كامل قدراتها ولم تستطيع الوصول إلى اي نتيجة مرجوة من هذه الحرب، وكذلك خسرت أوراقها في سوريا، لذلك تريد نقل الصراع بعيدا نحو ليبيا لاسيما وان هناك حساب تعمل على تصفيته فيما يخص العلاقة مع تركيا، خاصة بعد الاصرار التركي على ادانة السعودية في مقتل خاشقجي وغضب حكام السعودية من هذه التصرفات التركية.
تركيا تريد ان توسع نطاق حربها مع السعودية في ليبيا ولن تتراجع أمام هذه المسألة لأن ليبيا بحد ذاتها تعني لتركيا الكثير، مفهناك دولفع سياسية وعسكرية وايديولوجية واقتصادية لتركيا في ليبيا، إلى الدّوافع العسكريّة الاستراتيجيّة، اذ تُشكِّل ليبيا فرصة اقتصاديّة وتجاريّة ضخمة للشّركات التركيّة، فليبيا دولة فاشِلة، بُناها التحتيّة مُدمّرة بالكامل، من جرّاء الحرب المُستمرّة مُنذ عشر سنوات، وتحتاج إلى ورشة إعادة إعمار شامِلة في مُختلف القِطاعات الكهربائيّة، والمياه، والتقنية، والإسكان، والصحّة، مُضافًا إلى ذلك يُمكن أن تكون سُوقًا خصبةً لمبيعات الصّناعة العسكريّة التركيّة المُتقدّمة في مجالاتٍ عديدة، ولا يُمكن استِبعاد الجانب الأيديولوجي أيضًا، فحُكومة الوفاق يغلب عليها الطّابع الإسلاميّ “الإخواني”، والرئيس أردوغان المعروف بدعمه للإخوان المسلمين لا يُريد أن يخسر حُكومتهم في ليبيا بعد أن خَسِر نظيرتها في مِصر.
فإعلان كل من تركيا وليبيا، في 27 نوفمبر الماضي، عن توقيع مذكرتي تفاهم، الأولى حول التعاون الأمني والعسكري، والثانية بشأن تحديد مناطق النفوذ البحرية، فُهِمَ الإعلان كونه خطوة حرّكت المياه الإقليمية والدولية الراكدة، بل أبعد من ذلك ثمّة من يذهب إلى فرضيّة تحوّل البلد الغني بالنفط إلى ما يُشبه النّسخة السورية للمغرب العربي في ظلّ مسلسل السلام المتعثر.
الجارة مصر دخلت على خطّ الأزمة الليبية بكل ثقلها السياسي والديبلوماسي وحتى العسكري بعد اعتراف رئيسها عبد الفتاح السيسي بدعم قوات الجيش الوطني الليبي تحت قيادة خليفة حفتر _الذي أطلق ما أسماه “المعركة الحاسمة” للسيطرة على طرابلس_ مؤكدا أنّ بلده لن يرضى بإقامة دولة في ليبيا تحكمها من وصفهم بالمليشيات والجماعات المسلّحة والإرهابية والمتطرفة.
ويرى محلّلون أن تصريحات السيسي كانت منتظرة في ظل استقواء حكومة الوفاق بالدول الصديقة على غرار الولايات المتحدة الأميركية والمملكة المتحدة وإيطاليا والجزائر وبدرجة أولى الحليفة تركيا وهي التي فعّلت معها طلب الدعم الفني واللوجستي، في الوقت الذي أكملت فيه أنقرة دراسة إنشاء قاعدة عسكرية في العاصمة الليبية طرابلس وفق ما كشفت عنه تقارير صحافية تركية.
مخطط تركي وصفه خبراء عسكريّون بالإستباقي من شأنه مساعدة حكومة الوفاق وتزويدها بأنظمة الدّفاع الجوي، التي ستساعدها في صدّ الهجمات الجوية وآخرها الغارات على أهداف في مدينتي مصراتة وسرت.
لكن هناك من يعتقد أنّ الأمر لن يكون سهلا كما يعتقد البعض، فحفتر “امير الحرب” كما يُوصَفُ مايزال يحصل على الدعم العسكري والتقني اللاّمحدود من حلفائه الإقليميين والدوليين وفي مقدّمتهم روسيا الطّامحة لاستنساخ التجربة السّورية والأوكرانية في ليبيا عبر إرسال أكثر من 100 مرتزق من مجموعة فاغنر -التي يرأسها يفغيني بريغوزين المقرب من الرئيس فلاديمير بوتين- للتمركز في الخطوط الأمامية لدعم حفتر، وتقديم الخبرة له في مجال المدفعية والقتال البري.
وبقدر ما تتناقض وجهات النظر والتصريحات بين اللاّعبين الأساسيين في ليبيا فإن لغة المصالح لها من الأسباب والعوامل الكافية ما يجعلها متناغمة فيما بينهم.
فبخلاف موقف الأمم المتحدة الذي يغرد دائما خارج السرب والداعي إلى دعم جهود الشعب الليبي وجهود المبعوث الأممي الخاص إلى ليبيا غسان سلامة لإيجاد حل سلمي وسياسي لإنهاء الصراع ومعالجة أسبابه، فإن وتيرة الاتصالات الدّبلوماسية تحاول جميعها تشكيل مستقبل هذه الدولة النفطية واقتسام الغنيمة وفق ما يُحاك سرّا وعلانية.
فالكلّ يبدو أنه اختار التنسيق مباشرة مع الكرملين عبر الاتصال هاتفيا بالرئيس الروسي فلاديمير بوتين، بدءا من نظيره التركي رجب طيب أردوغان ، مرورا بالمستشارة الألمانية أنجيلا ميركل ثم الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون، في حين لم تُخفض الولايات المتحدة جناح الحوار مع موسكو واختارت توجيه سهام الانتقاد عبر سفيرها لدى ليبيا ريتشارد نورلاند صوب التصعيد الروسي والدعم المتزايد للهجوم الذي تشنه قوات حفتر للسيطرة على العاصمة الليبية، معتبرا أن هذا الدعم أدّى إلى زيادة الخسائر في صفوف المدنيين.
أما الجارة الأوروبية إيطاليا التي فقدت الكثير من ثقلها في ليبيا تخطط بدورها لاستعادة دورها الطبيعي عبر تكليف وزير خارجيتها لويجي دي مايو بمهمة حسّاسة وذلك بمعاينة الوضع عن قرب والجلوس مع الفرقاء السياسيين ما بين طرابلس وبنغازي وطبرق.
مشهد ليبي مخيف فرض على كلّ الفاعلين وضع وتطوير مبادرات ملموسة وجدية على أرض الواقع توقف في مرحلة أولى نزيف الإقتتال الداخلي والفوضى السائدة بين طرفي صراع يبدو أنّه لا يمكنُهما قيادة “ليبيا موحّدة” بعد إعلان الحرب وانتصار لغة العداء.
https://chat.whatsapp.com/Fava5Ifru8330dDMfhs0gn