الوقت- لجان المقاومة السودانية هي شبكات حية غير رسمية تتكون من مواطنين سودانيين بدأوا في تنظيم حملات العصيان المدني ضد حكومة عمر البشير في عام 2013 وأصبحت شبكة منظمة رئيسية تلعب دوراً رئيسياً خلال الثورة السودانية.
لمحة تاريخية عن اللجان
في عام 2013، تعاملت قوات الأمن مع العصيان المدني احتجاجًا على خفض دعم الوقود والغاز خلال حكومة عمر البشير، مما أسفر عن مقتل 200 محتج واحتجاز 200 آخرين. ورداً على ذلك، تم إنشاء لجان مقاومة في شكل مجموعات متكونة عادة من ثلاثة إلى خمسة أفراد، لتنظيم أنشطة العصيان المدني على نطاق مصغر. خلال 2013-2016 طورت اللجان شبكة فضفاضة.
في نهاية عام 2016، نظمت اللجان حملة عصيان مدني لمدة 3 أيام أضرب خلالها الأطباء والصيادلة عن التكاليف الطبية و “تدهور البيئة الطبية”. مما حفز لجان المقاومة على تنظيم نفسها وتطوير خطط عملها على المستوى الوطني بشكل أفضل في عام 2017. حيث أجرت حملة للكتابات على الجدران ووزعت 20000 منشور حول قضايا تشمل الوصول إلى المياه ومصادرة الأراضي الحكومية.
الدور الرئيسي للجان في إسقاط البشير
لم يكن تحريك الشارع السوداني إبان الثورة الشعبية التي اندلعت في ديسمبر (كانون الأول) 2018 وأسقطت نظام الرئيس السابق عمر البشير في أبريل (نيسان) الماضي، عفوياً ومحض صدفة، فقد كان للجان المقاومة التي تشكلت داخل أحياء العاصمة الخرطوم ومدن السودان الأخرى دور فاعل في قيادة الجماهير وحشدها صوب الشارع ومن ثم الاعتصام في القيادة العامة حتى تحقق مطلب الشعب بعزل رأس النظام بعد حكم دام 30 سنة، في حين استمرت هذه اللجان بعد إعلان الحكومة الانتقالية في ممارسة دور حراسة الثورة وبناء الوطن من خلال تأهيل المدارس والمستشفيات والشوارع التي نالت التخريب خلال الفترة الماضية.
العسكر يخون لجان المقاومة
وقع المدنيون والعسكريون في أغسطس/ أب 2019، على وثيقة دستورية، بعد نحو 4 أشهر من الإطاحة بنظام الرئيس المعزول عمر البشير.
وأقرت الوثيقة حكماً انتقالياً، مدته 39 شهراً، يتولى خلال النصف الأول منه العسكريون السلطة ثم تنتقل للمدنيين في النصف الثاني، تعقب ذلك انتخابات عامة.
وقبل الموعد المحدد لانتقال السلطة للمدنيين بأيام، نفذ قائد الجيش السوداني عبد الفتاح البرهان، في الخامس والعشرين من أكتوبر/ تشرين الأول الماضي، انقلاباً عسكرياً أطاح عبره بالحكومة الانتقالية. ووضع البرهان، وقتها رئيس الوزراء عبد الله حمدوك في الإقامة الجبرية واعتقل عدداً من أعضاء المجلس السيادي ووزراء الحكومة والقادة السياسيين.
وقع حمدوك إعلاناً سياسياً، عاد بموجبه إلى رئاسة الوزراء دون أعضاء حكومته والمجلس السيادي من قوى الحرية والتغيير ما دفع أحزابا وقوى ثورية لرفض الاتفاق وتنظيم تظاهرات لإسقاطه.
في الأثناء، تستمر جهود لجان المقاومة السودانية في العمل على البناء القاعدي وعمل مسودة لإعلان سياسي قالت إنه سيمثل طموحات الشعب السوداني.
اللجان تهب في وجه الإنقلاب وتدعو لمظاهرات مليونية
منذ الانقلاب الذي نفذه العسكر في السودان في 25 أكتوبر/تشرين الأول الماضي، نشطت لجان المقاومة السودانية في كل الاتجاهات لمواجهة الانقلاب ومقاومة الاختراقات الأمنية والحزبية لها، وأيضاً لسدّ فراغ الخلافات بين تيارات سياسية ومهنية داخل الصف المناهض للانقلاب، ونجحت بحشد الشارع في 3 تظاهرات مليونية أكدت الرفض الشعبي الكبير لما حصل. لكن التطور الذي شهده السودان، بالاتفاق السياسي بين رئيس الحكومة عبد الله حمدوك، وقائد الجيش عبد الفتاح البرهان، لعودة الأول إلى رئاسة الحكومة بعد إقالته في 25 أكتوبر، يطرح تساؤلات حول قدرة هذه اللجان على الاستمرار في الحشد ضد الانقلاب وإقناع السودانيين بمواصلة المواجهة.
على الرغم من قرار السلطات الانقلابية قطع الاتصالات الهاتفية لأيام وخدمة الإنترنت لأسابيع عدة، إلا أن لجان المقاومة في كل المدن السودانية، نجحت في تنظيم 3 تجمّعات مليونية ضد الانقلاب استطاعت هزه. وواجه المشاركون فيها أصنافاً مختلفة من العنف، من القتل بالرصاص الحي مع تسجيل تقارير لجنة الأطباء سقوط 40 قتيلاً منذ الانقلاب، واعتقال العشرات، عدا التعرض لعبوات الغاز المسيل للدموع والضرب والإهانة، واقتحام المستشفيات ومنع وصول المصابين إليها.
استهداف مباشر للجان من قبل العسكر
حول ذلك، يقول القيادي في لجان المقاومة بمنطقة شرق النيل، زهير محمد علي، إن لجان المقاومة استُهدفت بشكل أساسي من قبل الانقلابيين خلال الأيام الأخيرة، لشلّها وتقسيمها وتشتيت جهودها، ففي يوم واحد اعتقلوا 20 من أفرادها في المنطقة. ويشير إلى أنهم كلجان المقاومة، ونتيجة لانقطاع الاتصالات والإنترنت، فشلوا في حصر عدد المعتقلين، منوهاً إلى أن حصول مضايقات أخرى، مثل الاستدعاء وتفتيش الهواتف ومراقبة المنازل، ثم اتخذت المضايقات شكلاً مختلفاً، باتهام اللجان بالفساد خلال تصدّيها في فترة من الفترات لمهمة توزيع الخبز والغاز في الأحياء وإشرافها على توزيع الوقود في المحطات. كما سعى الانقلابيون بكل السبل لشق صفها، مثلما حدث مع لجان مقاومة الحاج يوسف، حين ذهب عدد قليل من منسوبيها للاجتماع مع البرهان، فاضطرت اللجنة إلى إصدار بيان أكدت فيه أن من جلسوا مع قائد الانقلاب لا يمثلون إلا أنفسهم.
ويضيف علي أن “الاختراقات السياسية للجان المقاومة لم تتوقف، ونحن الآن بصدد اتخاذ قرار بعدم السماح للمنتمين سياسياً بتصدر أعمال وفعاليات لجان المقاومة، لضمان عدم حدوث أي استغلال سياسي لها”. ويجزم أن لجان المقاومة في كل السودان هي الأداة الوحيدة القادرة على تحريك الشارع ضد الانقلاب، في ظلّ الخلافات التي ضربت بعض الأجسام المهنية والنقابية، واللجان هي التي تعلن وتخطط وتنفذ التجمعّات المليونية. وهو أمر يتم مع القبضة الأمنية الراهنة بسرية تامة، وباستخدام رموز في بعض الأحيان لأسماء المليونية وأمكنتها، وتنفيذ عمليات تمويهية لتضليل رجال الأمن. ويؤكد أن الهيكل التنظيمي يبدأ بالأحياء والمنطقة والتنسيق مع مناطق أخرى، وأن جسماً أعلى يجري التأسيس له للتنسيق بين كل مناطق الخرطوم بمحلياتها السبع، مشيراً إلى أن واقعة الانقلاب العسكري أزالت كثيرا من الخلافات الجانبية داخل لجان المقاومة “لأننا جميعاً وجدنا أنفسنا أمام عدو واحد“.
ويشدّد على أن “لجان المقاومة، ومن دون انتقاص مما يقوم به الآخرون، ستحقق نصراً جديداً للشعب السوداني بهزيمة الانقلاب الحالي، وهو أمر مفروغ منه ونحن الآن نفكر ونخطط لمرحلة ما بعد البرهان، لنكون جاهزين ولا يحدث فراغ مثل الذي حدث بعد سقوط البشير”. ويبدي قلقه من مشكلة واحدة تواجههم بصورة مستمرة، وهي نظرة جيل ما فوق سنّ الخمسين إليهم، وهي نظرة سلبية ترى في شباب المقاومة مجرد ظاهرة تمرد اجتماعي تحوّل إلى تمرد سياسي بلا هدف أو رسالة. ويقول: “حاولنا مراراً وتكراراً الشرح والتوضيح للأجيال السابقة أننا جيل مختلف، ونريد أن نعيش حياتنا بالطريقة التي نريدها كما عاشت تلك الأجيال الأخرى حياتها كيف تريد، فاتركونا في حالنا”.
منذ سقوط النظام السابق ظهرت مبادرات عديدة منها النبيل والخبيث، لكن ظلت لجان المقاومة تدرك التحديات والواجبات والمهام المنوط تحقيقها من أجل الحفاظ على الثورة، وقد سقطت كل المبادرات المخالفة لأهدافها بوعي شباب وشابات اللجان بالدور المطلوب منهم. واليوم يزداد الأمر صعوبة بعد الانقلاب العسكري وهو يعني عودة الحكم الديكتاتوري للبلاد وهذا ما ترفضه المقاومة الشعبية وتناضل ضده، ولكن يبدو أن المهمة أصبحت أصعب اليوم في إفشال هذا الانقلاب والعودة إلى حياة ودولة ديمقراطية تضمن فيها حقوق الجميع خاصة بعد الاعتقلات والدماء التي سفكت فهل سيهدأ السودان؟ وهل سيكون هناك حل يرضي جميع الأطراف ويتم فيه حقن هذه الدماء؟.