الرئيسية / الاسلام والحياة / أفلا تذكّرون حوارات في الدين والعقيدة

أفلا تذكّرون حوارات في الدين والعقيدة

السؤال المثير
من العاملي إلى المالكي
بسم الله الرحمن الرحيم
الأخوة الكرام في « صفحة الميزان » . .
وفقكم الله لما فيه خير هذا الدين ، وكتبكم من المدافعين عنه ، والهادين إليه .
سماحة الشيخ حسن فرحان المالكي حفظكم الله .
أسأل الله أن ينفعنا وإياكم بهذا اللقاء المبارك إن شاء الله ، وأن يهدينا سواء السبيل . شيخنا العزيز السلام عليكم ورحمة الله وبركاته . .
السؤال :
من كان إمام الزهراء ( عليها السلام ) ، مع أنها لم تمت ميتة جاهلية بلا شك ، وقد ماتت وهي مهاجرة لأبي بكر ، فهو لم يكن إمامها فعلاً .
والسلام عليكم ورحمة الله .
الفصل الأول
الإجابة الأولى . .
والرد . .
1 – الإجابة الأولى
قال المالكي :
الأخ هادي العاملي :
وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته .
سبق الجواب على سؤالك فيما مضى . . فقد سبق أن ذكرت أن مسألة أحاديث الوعيد من الأمور المتعلقة ب‍ « الأسماء والأحكام » التي خاض المسلمون بطوائفهم حروباً كلامية كثيرة ، ليس كل من خرج على الإمام مات ميتة جاهلية بالمعنى الحرفي للحديث ، وقد ذكر له العلماء تأويلات كثيرة لتعارض ظاهره مع أدلة أخرى ، فنحن ينبغي أن ننظر في مجمل الأدلة كلها ، لا أن نتمسك بأحاديث الوعيد ، أو أحاديث الرجاء . .
وأنا لا أقول ببطلان إمامة أبي بكر ، ولا بموت الزهراء ميتة جاهلية ، لكن من رأى بطلان إمامة أبي بكر أو موت الزهراء ميتة جاهلية يبقى مسلماً ، وإن ارتكب في هذا الرأي خطأ عظيماً . .
فالخوارج كفروا علياً ، وهو كالزهراء في الفضل ، ولم يكفرهم علي بذلك . .
أيضاً إغضاب الزهراء بتأويل ، أو لغضب عارض ، أو نحوه ، يختلف عن إغضابها بغضاً ومعاداة ، بل حتى إغضاب النبي ( ص ) بحسن نية واجتهاد ليس كفراً ، أما إغضابه تعمداً وعناداً فهو من علامات النفاق والكفر . .
الأمور تحتاج أن نبحثها بهدوء ، بعيداً عن ضيق المذهبيات . .
حسن بن فرحان المالكي
2 – الرد . .
هذا هو الرد :
بسم الله الرحمن الرحيم
حضرة الشيخ فرحان المالكي ، السلام عليكم ورحمة الله وبركاته .
بالنسبة لإجابتكم على سؤالنا عن الذي كانت الزهراء تعتقد إمامته ، وهل أنها حين لم تر إمامة أبي بكر ماتت ميتة جاهلية أم لا . .
نقول :
إن لنا على إجابتكم عدة ملاحظات نأمل أن يتسع لها صدركم . وهي التالية :
1 – إنه ليس لجنابكم أو لأحد غيركم أن يدعي : أن هذا الشخص ، أو تلك الفئة تنطلق في مواقفها أو في فهمها للأمور من ضيق المذهبية ، الذي لوّحتم بالاتهام به في نهاية إجابتكم ، وهي الصفة الطاغية على كثير
من أجوبتكم ، التي قرأناها في هذه المحاورة .
ومعرفة كون الداعي هو الضيق المذهبي أو غيره يحتاج إلى علم الغيب .
لذا فإن على هذا الشخص أن ينظر في أدلة هؤلاء وأولئك ليناقشها ، فإما أن يقبلها ، أو أن يردها بالدليل والبرهان . . وإلا فإن الآخرين أيضاً قد يجيزون لأنفسهم أن يقولوا عنه : إنه هو الآخر يتظاهر بالاعتدال ، ليخدع الناس بالكلمات المعسولة ، وليمرر ما يمكنه تمريره على حين غفلة من الناس البسطاء والسذج . . إنه يتهم الآخرين بالضيق المذهبي على سبيل الإسقاط على الطرف الآخر . . أي أنه هو الذي يعاني من هذا الأمر الذي يسقطه على الآخرين بالتذاكي عليهم ، وإظهار خلاف الواقع لهم . .
إننا نحب أن نبتعد في البحث معك عن هذه الأجواء ، لنعيش أجواء البحث العلمي الموضوعي والمنصف . .
2 – من أين عرفت أن الإغضاب بتأويل ، أو لغضب عارض « على حد تعبيرك « يختلف عن الإغضاب بغضاً ومعاداة ، من حيث إن هذا يوجب إغضاب الله ورسوله دون ذاك .
فإن قول رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) : يرضيها ما يرضيني ، و يغضبها ما يغضبني ، أو يرضى الله لرضاها ويغضب لغضبها ، قد ورد مطلقاً غير مقيد بشيء مما ذكرتم .
فهل هذا الذي ذكرتموه إلا تخرص ورجم بالغيب ، واقتراح وتبرع يخالف ظاهر كلام الرسول ، الدال على أن كل إغضاب لها هو إغضاب له ، بل هو إغضاب لله تعالى ؟ ! . .
3 – إننا لم نسأل عن حكم من يقول :
إن الزهراء ( عليها السلام ) ماتت ميتة جاهلية ، وهل هو مسلم أو لا ؟
ولم نسأل عن حكم من يرى بطلان إمامة أبي بكر ، هل هو مسلم أم لا ؟
لتقول لنا : إن من رأى بطلان إمامة أبي بكر أو موت الزهراء ميتة جاهلية يبقى مسلماً . .
4 – قد ذكرت في إجابتك : أنك لا تقول : ببطلان إمامة أبي بكر ، ولا بموت الزهراء ميتة جاهلية . .
مع أن سؤالنا هو عن إمام الزهراء من هو ؟
فإنها لم ترض بإمامة أبي بكر قطعاً ، فإما أن تكون قد ماتت بلا إمام ، فتكون مصداقاً لقول الرسول ( صلى الله عليه وآله ) في ذلك . وتكون قد ماتت ميتة جاهلية . أو أن إمامها كان غير أبي بكر ، وليس هو إلا علي ( عليه السلام ) ، وقد سلَّمَت له بذلك ، ووافَقَت على إمامته ، وأصابها ما أصابها في هذا السبيل .
فإن كانت إمامة أبي بكر قد انعقدت قبل ذلك وجب عليكم الحكم بوجوب قتل علي والزهراء ، وإن لم تكن قد انعقدت فمتى تم انعقادها يا ترى ؟
وهل غضب الزهراء ( عليها السلام ) على بيعة أبي بكر وسخطها لها ، ومحاربتها لها يسقطها عن الشرعية ، لأنها تصير بيعة ، وإمامة مغضبة لله وللرسول ؟ ! ، لأنها أغضبت من يغضب الله ورسوله لغضبها . .
ولقد أوردنا لك هذا التوضيح لسؤالنا ، لأننا أدركنا : أن الأمر يحتاج إلى ذلك ونعود فنقول :
لقد ماتت الزهراء ( عليها السلام ) مهاجرة لأبي بكر ، وأوصت أن تدفن ليلاً حتى لا يحضر هو ولا عمر جنازتها .
وهي إنما غضبت في سياق الاعتراض على تصديه لأمر الإمامة ، من جهة ، ولاغتصاب فدك من جهة أخرى .
وقد أوضحت أنها تتهمه في أمر فدك بأحد أمرين :
أولهما : أنه لم يعرف معاني القرآن ، وأنه قد خالف آياته . .
ثانيهما : أنه يتعمد ذلك .
وكلا الأمرين مضر جداً في أهليته للإمامة باعتقادها . فكيف يمكن حل هذه المعضلة ؟ ! . . لنخرج بنتيجة : أن الزهراء لم تمت ميتة جاهلية من جهة ، وأن أبا بكر قد انعقدت إمامته بطريقة سليمة وقويمة من جهة أخرى . .
وأحب أن يكون الجواب دقيقاً ، وفي صلب الموضوع مورد البحث .
5 – قد ذكرت في إجابتك :
أن إغضاب النبي ( ص ) باجتهاد ليس كفراً . .
وهو أمر عجيب وغريب ، أفلا يدخل الإغضاب في الأذى الذي هو مدلول قوله تعالى : * ( إِنَّ الَّذِينَ يُؤْذُونَ اللهَ وَرَسُولَهُ لَعَنَهُمُ اللهُ فِي الدُّنْيَا وَالآخِرَةِ وَأَعَدَّ لَهُمْ عَذَاباً مُهِيناً ) * ( 1 ) .
إن هذه الآية ظاهرة الدلالة على أن أذى النبي يوجب اللعنة في الدنيا والآخرة ، والعذاب المهين . وإغضاب النبي أليس أذى له ؟ ! . .
وهذه الآية لم تفرق بين الأذى عن اجتهاد وتأويل وحسن نية ، وبين الأذى عن غير اجتهاد .
وهل الاجتهاد والتأويل سائغ فيما يغضب الله ورسوله ؟ ! .
وحين يشعر المؤذي بغضب الله ورسوله ، ألا يفترض فيه أن يتراجع ، وينقاد ويستسلم . . لما يريده الله ورسوله منه ، لتزول اللعنة عنه ؟ ! أم يبقى مصراً على اجتهاده وتأويله ؟ ! . .
فهل تراجع أبو بكر عن اجتهاده ، لكي لا يؤذي الله ورسوله بأذى فاطمة ؟ أم بقي مصراً عليه ؟ ! . . واستمر هذا الغضب وهذا الأذى إلى حين الموت ، حتى أوصت أن تدفن ليلاً ولا يحضر من آذاها جنازتها ؟ ! .
وهل هذا التفريق بين أنواع الأذى إلا من قبيل التبرع ، والاقتراح ، والاجتهاد ، في مقابل ظهور النص وإطلاقه وعمومه ؟ ! .
وإذا لم يكن تبرعاً واقتراحاً ، فنحن نطالب بالشاهد الدلالي عليه . .
6 – لقد قلت في إجابتك : إن الخوارج كفروا علياً ، ولم يكفروا بذلك . .
وهذا أعجب وأغرب ، لأنه يستبطن الرد على الرسول ( صلى الله عليه وآله ) ، الذي حكم على الخوارج بأنهم يمرقون من الدين مروق السهم من الرمية ، وأنهم يقرؤون القرآن لا يجاوز تراقيهم .
وهو حديث لا ينكره مسلم . ولا مجال للتأويل فيه ، إلا إذا كانت تأويلات باردة ، وتوجيهات سقيمة وفاسدة ، ليس لها شاهد ، ولا يقوم بها برهان .
هذا بالإضافة إلى ما ورد من أن من كفّر مسلماً فإنه يكفر هو بذلك . وعلي ( عليه السلام ) كان صفوة الإسلام .
وقد طهره الله تعالى بنص كتابه الكريم .
وقد ثبت عن رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) : أن سباب المسلم فسوق وقتاله كفر . فما بالك بقتال علي ؟ ! وما ظنك بمن يخرج على إمام زمانه ويقاتله ، كما هو حال الخوارج ؟ ! . .

7 – وإذا قيل : إن الخوارج قد قاتلوا بتأويل واجتهاد ، فهم معذورون في ذلك ، وإن أخطأوا في اجتهادهم . .
فإنه يقال :
أولاً : من أين ثبت لكم اجتهاد هؤلاء القوم الذين وصفهم رسول
الله ( صلى الله عليه وآله ) بما ذكرناه آنفاً ؟ !
فإن قوله ( صلى الله عليه وآله ) فيهم يدل على أنهم ليس لهم أي قدم في هذا الدين ، فكيف يدعى الاجتهاد لهم ؟ !
وما هي شروط الاجتهاد المفروض ؟ !
وهل هذه الشروط متوفرة فيهم ؟ !
وكيف ثبت لكم توفر تلك الشروط فيهم ، وبلوغهم مرتبة الاجتهاد ؟ !
ثانياً : إذا كانت دعوى التأويل والاجتهاد تبرِّئ من ادعيت له ، فإن ذلك سيجر إلى تبرئة عبد الرحمن بن ملجم في قتله علياً ، وتبرئة يزيد ، بل تبرئة عمر بن سعد ، والشمر ، وحرملة في قتلهم الحسين ( عليه السلام ) وأطفاله . . وتبرئة قتلة عثمان من الصحابة والتابعين ، وتبرئة قاتل عمار بن ياسر . . بل تبرئة أبي لؤلؤة قاتل عمر أيضاً . . حيث إن دعوى مجوسيته ليس لها شاهد ، ولا تثبت بدليل قاطع .
ثالثاً : إن فتح باب التأويل . وإعذار المتأولين يفتح الباب أمام مقولات لا يمكن الالتزام بها ، إذ ما الفرق بين دعوى التأويل في قتل الإمام أو في تكفيره ، وبين ادعاء التأويل في آيات القرآن ، بحيث يفسح بذلك المجال لادعاء نبوة بعد نبينا ( صلى الله عليه وآله ) . . كقول بعض أهل الضلال : إن آية : * ( وَخَاتَمَ النَّبِيِّينَ ) * يقصد بها إحاطة النبي ( صلى الله عليه وآله ) بالأنبياء ، وعلومهم ، كإحاطة الخاتم بالإصبع . وبذلك أمكنهم أن يضللوا الناس بادعاء النبوة لهذا ولذاك ، كما نشاهده عبر التاريخ . .
وإذا ارتكب بعضهم جريمة قتل الوصي والإمام بناء على التأويل والاجتهاد ، أو ادعى النبوة بناء على ذلك ، فاللازم أن لا يقتل ، لأنه مجتهد مأجور ، قد حرم من أجر واحد ، ونال أجراً على اجتهاده ذاك الذي انتهى بضلال الناس ، أو بقتل مؤمن ، أو طفل في كربلاء ، أو إمام كالإمام علي في مسجد الكوفة .
بل لماذا لا تعم هذه العصا السحرية حتى الاجتهاد في الألوهية ، وما يؤدي إلى الزندقة والإلحاد ؟ ! !
8 – قد ذكرتم في إجابتكم أن من قال : إن الزهراء ماتت ميتة جاهلية يبقى مسلماً .
ونقول :
كيف يبقى من يقول ذلك مسلماً ، وهو يكذب بذلك نص القرآن الكريم في آية التطهير ؟ ! .
إلا أن يقال : إن الميتة الجاهلية ليست رجساً ! ! ولا نظن أن مسلماً يجرؤ على هذا القول .
كما أن من يقول بذلك يكذب قول الرسول حول أن إغضابها و إيذاءها أذى لله ولرسوله . . فإن الذي يموت ميتة جاهلية لا يمكن أن يكون إغضابه بهذه المثابة . . بل لا بد من إغضابه ، إذا كان إرجاعه إلى الصواب وإلى حظيرة الإسلام يحتاج إلى ذلك . .
9 – لقد ظهر من جوابكم على السؤال : أنكم تحاولون التشبث ببعض التعميمات ، والإحالة على مبهمات ، فقلتم : إنه ليس كل من خرج على الإمام مات ميتة جاهلية . على أساس أن قول النبي مقيد ، وليس بمطلق . ولم تستطيعوا أن تفصحوا عن هذا الذي أوجب التقييد ، إلا بإطلاق القول على سبيل الفتوى والاجتهاد . .
ثم قلتم : إن للعلماء تأويلات عديدة لقول النبي ( ص ) هذا ، وأما ظاهره فيتعارض مع أدلة أخرى .
ونقول لكم :
لا بد من طرح هذه التأويلات على بساط البحث لنرى مدى صحتها .
ولا بد أيضاً من عرض الأدلة ، للنظر في صحة دعوى التعارض . .
فإن مجرد دعوى التأويل لا تكفي ، خصوصاً إذا كانت على سبيل التبرع والاقتراح ، فإن ذلك لا يوجب تقييد النص . .
ومجرد دعوى التعارض لا تقبل . . ولا يلتفت إلى إطلاق عبارات عامة و رنانة ، إذ ما هو الربط بين أحاديث الوعيد وأحاديث الرجاء ، وبين حديث الميتة الجاهلية ؟ .
10 – نأمل أن يتسع صدركم لملاحظاتنا هذه . . فإنها إذا ظهر فيها بعض القسوة فإنما هي قسوة الصراحة في القول . . والإخلاص للحق . .
نقول هذا رغم أن في أجوبتكم الكثيرة التي رأيناها « على صفحة
الميزان » الكثير من الهنات ، وعليها العديد من المؤاخذات التي نرغب في مناقشتها معكم ، لكن ذلك يتوقف على مدى تجاوبكم معنا في هذا الحوار الذي بدأناه معكم حول الزهراء ( عليها السلام ) . . وذلك من حيث سلامة التعاطي ، والتزام الصراحة ، واعتماد الطريقة العلمية الدقيقة والعميقة في الاستدلال ، والابتعاد عن التعميمات الغائمة ، والتأويلات البعيدة . على أننا نكبر فيكم هذه الروح المنفتحة ، والأمر راجع إليكم ومتوقف عليكم .
والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته .

شاهد أيضاً

الزهراء الصديقة الكبرى المثل الأعلى للمرأة المعاصرة / سالم الصباغ‎

أتشرف بأن أقدم لكم نص المحاضرة التي تشرفت بإلقائها يوم 13 / 3 في ندوة ...