الوقت– تثقل أزمات عدة منذ عهد الملك سلمان وابنه كاهل المواطنين السعوديين الذين عاشوا لعقود طويلة حياة ترف ورخاء في مملكتهم النفطية إبان عهد ملوك آل سعود السابقين. وأضحى السعوديون خلال السنوات الماضية منشغلون بأزمات عدة كحال أي دولة فقيرة، فالفقر وغلاء الأسعار والضرائب الحكومية وارتفاع نسبة البطالة بين الخريجين وكذلك تهجير المواطنين من منازلهم وهدمها لمصلحة المشاريع الحكومية، وملاحقة المواطنين واعتقالهم، من أبرز سمات حكم ابن سلمان وابنه “المراهق”
وآخر تلك الأزمات تأتي أزمة السكن التي تثير استياءً شعبياً، في بلد لا تزال فيه المساكن -حتى تلك المنخفضة الأسعار- أغلى ثمناً من قدرة كثيرين، ما يمثِّل تحدياً رئيسياً لولي العهد، الذي يعمل على ترميم الاقتصاد المرتهن للنفط.
هل تسبَّبت خطط الأمير في أزمة السكن في السعودية؟
يبدو أن الإصلاحات التي أطلقها الأمير محمد بن سلمان مسؤولة جزئياً عن تفاقم أزمة السكن؟
قدَّمت المملكة التي لم تكن تفرض أي ضرائب على مواطنيها حتى قبل سنوات قليلة ماضية، قروضاً سكنية من دون فائدة طوال عقود.
لكنَّها أصبحت الآن تدفع باتجاه تعزيز الإقراض في تغيير في سياستها، في وقت تنتقل فيه من مرحلة الرفاهية، إلى فترة التعايش مع أسعار النفط المنخفضة.
بالإضافة إلى ذلك تكشف الحقائق والمعطيات تفاقم أزمة التملك السكني في السعودية بفعل سياسات ولي العهد محمد بن سلمان الذي روج طويلا لمشاريع براقة أعلنها ضمن رؤية 2030 المزعومة لتنويع الاقتصاد.
وخصص بن سلمان في رؤيته المزعومة لإنقاذ الاقتصاد السعودية، مطولات للحديث عن حلّ أزمة السكن التي سئم المواطنون من الإعلان عنها مع عدم التماس أي تبدّل في أسعار العقارات.
ولمن يراجع مشاريع 2030 المرسومة بهدف التطبيق، مشاريع سكنية مبهرة في الشكل والعنوان إلا أنها لا تقف على أرضية صلبة في الاقتصاد، حيث لا يبدو هدف التخلي عن النفط كمصدر أساس للواردات في البلد الأغنى بالذهب الأسود قابلة للتحقق عملا بالرؤية السعودية.
وفيما يتعلق بأزمة السكن التي خصّصت الرؤية جزءا مهما لشرحها، قال بن سلمان إنه سيصار إلى تسهيل الحصول على القرض العقاري وتنمية القروض السابقة وادعى أن العمل سوف يكون من أجل رفع نسبة التملك.
إلا أنه وبعد 5 سنوات وعوضا عن التخفيف من الأزمة تفاقمت واتسعت نسبة السكان الذين يحتاجون لتملك سكن في ظل ارتفاع أسعار الإيجارات بشكل لافت منذ عام 2017 بنسبة تقارب 20%.
وفي حين يعاني أكثر من 80% من المواطنين من فقدان حق امتلاك منزل، فإن الرؤية التي صاغتها مجموعة ماكنزي وشركات أخرى حوت قضية السكن فيها أرقاما متضاربة.
إذ أشارت الرؤية أن نسبة التملك الحالية يبلغ 50% وطموحها يستهدف رفع النسبة إلى 60% عام 2020، غير أن صندوق النقد الدولي استبق الرؤية بعامين وأكد أن نسبة تملك السعوديين لا تتجاوز 36%، الأمر الذي يظهر تباينا كبيرا في الأرقام المتبناة من قبل الحكومة السعودية.
يضاف إلى لعبة الأرقام الممارسة، تقوم السلطات بعمليات طرد وتهجير جماعي للمواطنين السعوديين في عدد من المناطق دون تأمين أي بديل سكني لهم.
إخفاق البرامج الاستراتيجية
اعترفت السعودية بإخفاق برامجها الإستراتيجية، وسط غضب سعوديين ممن عاشوا لأعوام طويلة على أمل حل الأزمة.
وكان خادم الحرمين الراحل الملك عبد الله بن عبد العزيز آل سعود، أمر عام 2011، بتأسيس وزارة للإسكان، وخصص لها 250 مليار ريال لبناء 500 ألف وحدة سكنية خلال 5 سنوات لم ينته إنشاء أغلبها حتى الآن.
وأظهر تقرير متخصص في مجلس الشورى، أنه لم يتم تسليم سوى 3090 وحدة سكنية للمستحقين من أصل 500 ألف وحدة، كان من المفترض الانتهاء من إنشائها في عموم مناطق المملكة.
ويُعد إسكان محدودي الدخل، الجانب الأبرز في أزمة الإسكان في السعودية، أكبر مصدر للنفط في العالم وأقوى اقتصاد عربي، ورغم وعود الوزارة بحل الأزمة، بقيت وتيرة تنفيذ برنامج الإسكان الطموح بطيئة الخطى، في ظل صعوبة حصول الوزارة على الأراضي اللازمة لتنفيذ مشروعاتها.
60% من السعوديين يعيشون في مساكن مستأجرة
ووفقًا لتقديرات شركة الاستشارات “سي.بي ريتشارد إيليس”، يعيش نحو 60 % من المواطنين السعوديين الذين يقارب عددهم 21 مليون نسمة، في شقق مستأجرة، في حين تغيب الأرقام الرسمية التي تحدد حجم النقص في المساكن في المملكة.
وفي ظل النقص الشديد في المعروض، والزيادة المستمرة في أسعار الإيجارات، والمضاربة على الأراضي غير المطورة، وطول فترة الحصول على التراخيص، إلى جانب عدم توافر القدرة المادية بين معظم الشرائح التي يتركز فيها الطلب، تستمر معاناة المواطنين السعوديين، وبشكل خاص شريحة الشباب المقبلين على الزواج.
نصف منزل
وبالنسبة إلى كثيرين من أمثال عبدالله (39 عاماً)، الأب لثلاثة أبناء، والذي يسكن مع عائلته في شقّة مستأجرة في الرياض، فقد تسبَّب هذا الأمر في تأخير حلم بناء منزله الخاص عند أطراف المدينة.
وبعد نحو عقد من وضع اسمه على لائحة انتظار للحصول على قرض بلا فائدة من صندوق التنمية العقاري، وهو مؤسسة حكومية، قال عبدالله إنّه تم تحويله إلى مصرف تجاري للحصول على قرض بقيمة 445 ألف ريال (119 ألف دولار).
واستخدم الأموال للمباشرة ببناء منزل فوق قطعة أرض تبلغ قيمتها 350 ألف ريال، وقد حصل على قرض آخر لشرائها. لكنَّه اضطر لأن يوقف البناء بعدما نفد منه المال.
وتأسَّس الصندوق سنة 1974، وهو يتبع وزارة الإسكان. ويقوم الصندوق حالياً بتغطية جزء من الفائدة المفروضة على قرض عبدالله، فيدفع الصندوق ألف ريال شهرياً من أربعة آلاف هي قيمة القسط الشهري.
ويقول عبدالله إنَّ هذا الأمر يجعله يعاني في تسديد القروض من راتبه الشهري البالغ 20 ألف ريال (5300 دولار)، في ظلِّ ارتفاع تكاليف المعيشة.
ويوضّح خارج منزله الذي بنى نصفه فقط، أنَّ نظام القروض “يدمِّر الطبقة الوسطى، ويخنقنا”، داعياً للعودة إلى القروض من دون فائدة.
لكن بحسب إحصاءات رسمية، هناك نحو 500 ألف شخص على لائحة الانتظار للحصول على قرض بلا فائدة.
من جهتها تقول المحلّلة في معهد الجزيرة العربية في لندن، نجاح العتيبي، إنّ “مفتاح معالجة أزمة الإسكان السعودية لا ينحصر في بناء منازل إضافية فقط، لكنه يقوم على تحفيز تمويل من القطاع الخاص، وقطع الاعتماد على الدعم الحكومي” .
وتُتابع “هذا الأمر يحمل بالطبع خطر التسبب باستياء عام” .
وتبرز هذه المسألة التحدي الذي تواجهه السلطة، في سعيها لفصل المواطنين عن السخاء الحكومي، في وقت يُتوقع أن يبلغ عجز الموازنة العامة 35 مليار دولار في 2019، أي 4,2 من الناتج المحلي الإجمالي.
وتقول المحلِّلة في معهد “أميركان إنتربرايز”، كارين يونغ “في السعودية مصدران للتوتر: الأول يكمن في توفير مساكن بأسعار معقولة للأجيال الشابة، التي تشعر بتداعيات تكاليف المعيشة المتزايدة، وبانخفاض الدعم الحكومي لمصادر الطاقة، وتناقص عدد الوظائف” .
وتتابع “يتمثّل (مصدر القلق) الثاني في توسيع الخدمات المالية، بهدف زيادة المنتجات الائتمانية، مع الأمل بأن يؤدي ذلك إلى تحفيز النمو الاستهلاكي” .
وفي السعودية، أكبر مصدِّر للنفط في العالم، تبقى نسبة الرهون العقارية بين الأقل في دول مجموعة العشرين، بحسب صحيفة “آراب نيوز” . والحكومة ترى الحل في القطاع الخاص بعدما وعدت بتوفير المنازل
وتقول الرياض إنَّها تسعى لشراكة مع القطاع الخاص لتوفير مليارات الدولارات لبناء نحو 1,5 مليون منزل بتكلفة منخفضة في السنوات المقبلة.
وتعتبر سياسة زيادة نسبة امتلاك المنازل أحد أركان خطة “رؤية 2030” الاقتصادية الإصلاحية، التي طرحها الأمير محمد بن سلمان. ففي 2017، بلغت نسبة امتلاك المنازل نحو 50% بين السعوديين البالغ عددهم 20,7 مليون شخص، على أمل أن تصل نسبة المواطنين الذين يمتلكون المنازل إلى 70% في 2030.
وتعمل المملكة أيضاً على خفض تكلفة بناء المنزل، لتصبح نحو خمسة أضعاف الدخل السنوي، بعدما كانت تبلغ عشرة أضعاف في 2015. ويبلغ معدل الرواتب حالياً نحو 14820 ريالاً (3950 دولاراً)، بحسب الهيئة العامة للإحصاء.
وتقول وزارة الإسكان، التي أطلقت عدة مشاريع للتخفيف من حدة الأزمة، إنَّها تسعى إلى زيادة مجموع القروض إلى 502 مليار ريال (134 مليار دولار) بحلول 2020، من 290 مليار ريال (77 مليار دولار) في 2017.
نيوم تُغضب السعوديين.. أين الـ250 ملياراً؟
لكن بعض السعوديين يُبدون امتعاضَهم من إنفاق الدولة على مشاريع كبرى مثل منطقة نيوم، في شمال غربي المملكة، التي تبلغ تكلفتها المعلنة نحو 500 مليار دولار، بينما يعجز عدد كبير من المواطنين عن شراء منازل.
وتداول بعض مستخدمي مواقع التواصل الاجتماعي عبارة “أين الـ250 مليار” ريال.
وتشير هذه العبارة إلى 67 مليار دولار كان أعلن عنها العاهل السعودي الراحل الملك عبدالله بن عبدالعزيز في 2011، لصالح وزارة الإسكان، فيما بدا محاولةً للتعامل مع الاستياء الشعبي، بينما كانت التظاهرات تجري في دول أخرى في خضمّ فترة الربيع العربي.
صحيح أن كل الدول تمر بأزمات، لكن حينما يكون القرار رهناً بيد شخص ليس فقيهاً بالاقتصاد، ولا في السياسية، فهذا أمر صعب ولن تستطيع هذه الدولة أن تحل أبسط الأزمات فما بالك بأزمة سكن تضرب المملكة من أقصاها إلى أقصاها وعلى مختلف طبقاتها الاجتماعية وفئاتها السنية.