الوقت- رغم أن البحرين ليست بلدا يحظى باهتمام دولي كبير، فإن أوضاع حقوق الإنسان المتردية في هذه المملكة باتت محل متابعة متزايدة. ويعزى هذا إلى الجهود الحثيثة التي يبذلها نشطاء حقوق الإنسان على الميدان وفي خارج البلاد. ويعتبر سجل النظام البحريني حافلاً بانتهاكات حقوق الانسان و قمع حرية الرأي و التعبير و تعزيز الطائفية.
ويستخدم النظام البحريني القضاء كأداة لكمّ الأفواه الشعبية المُطالبة بالديمقراطية، وفي حين تنتزع الاعترافات بالتعذيب تتراوح أحكام القضاء التي تستهدف المعارضين ما بين الإعدام و السجن لعدة أعوام وإسقاط الجنسية.
القمع السياسي في البحرين منذ الثورة الشعبية
انطلقت انتفاضة الربيع العربي في البحرين في فبراير/ شباط 2011 وكان الكثيرين يأملون أن تكون نتيجتها عهداً جديداً من الديمقراطية في البلاد. لكن، تم مقابلتها بقمع الحكومة العنيف للاحتجاجات، ولم تتحقق أي من الإصلاحات الموعودة. ولا يزال قادة الحركة الاحتجاجية، وبعضهم من كبار السن، في السجن حتى الآن.
و منذ عام 2017، حظرت السلطات البحرينية جميع وسائل الإعلام المستقلة وألغت جميع أحزاب المعارضة السياسية. وسجنت العديد من قادتهم ومن بين أبرز السجناء حالياً قادة معارضون سياسيون بارزون، ونشطاء، ومدونون، ومدافعون عن حقوق الإنسان ، حكم عليهم بالسجن مدى الحياة لدورهم في انتفاضة عام 2011 المؤيدة للديمقراطية. ومن هؤلاء نذكر: حسن مشيمع، وعبد الجليل السنكيس، وعبد الهادي الخواجة، والشيخ محمد حبيب المقداد، وعبد الوهاب حسين.
في العام 2018، تم الحكم على رئيس أكبر كتلة معارضة في البحرين، الشيخ علي سلمان، بالسجن مدى الحياة بعد محاكمات بتهم تتعلق بالتعبير واتهامات ملفقة بالتجسس.
وعلى مدى السنوات الماضية، تحمل النشطاء والقادة السياسيون القسم الأكبر من القمع السياسي في البحرين، حيث واجهوا الاعتقال التعسفي والسجن لفترات طويلة، وفي بعض الحالات التعذيب، لمعارضتهم الحكومة. كما تم تجريد المئات منهم من الجنسية تعسفاً، بينما يتعرض النشطاء والصحفيون الذين يواصلون عملهم من المنفى لخطر الانتقام من أفراد عائلاتهم الذين بقوا داخل البحرين.
الدول الغربية، حتى في مجلس حقوق الإنسان التابع للأمم المتحدة ، بصفته الهيئة الدولية الأكثر رسمية لرصد أوضاع حقوق الإنسان في الدول الأخرى ، لم يتحركوا أبداً تجاه قضية قمع المعارضين والنشطاء السياسيين والدينيين من قبل حكومة المنامة، كما أنهم لم يتخذوا أي إجراء حتى الآن لتعيين مبعوث خاص لحقوق الإنسان في البحرين ويبدو أن صمت هذه الدول تجاه انتهاكات حقوق الإنسان في البحرين له عدة أسباب اقتصادية ، ويمكن الاستنتاج أن الدول الغربية تواصل تفضيل البحرين كسوق لتصريف أسلحتهم ومعداتهم العسكرية بالإضافة إلى استضافتها لقواتهم في قواعد عسكرية على أراضي البحرين ، بدلاً من انتقادها لانتهاكات حقوق الإنسان.
السنكيس والإضراب المفتوح
احتجاجات شعبية ومطالبات برلمانية
تواصلت الاحتجاجات في البحرين للمطالبة بالإفراج الفوري عن المعتقلين السياسيين، أبرزهم الدكتور عبد الجليل السنكيس المضرب عن الطعام منذ 144 يوماً.
على هذا الصعيد، قالت مسؤولة الرصد والتوثيق في «منظمة سلام للديمقراطية»، ابتسام الصايغ، في حديث تلفزيوني، إنّ «حالة السنكيس خطرة جداً» في المستشفى العسكري الذي نُقل إليه، لافتة إلى أن السلطات في المنامة ما زالت غير متعاونة في هذا الملف».
وأضافت الصايغ، في حديثها أن عائلة السنكيس أفادت بقطع الاتصال مع ابنها المعتقل الذي يعاني من حالة صحية خطرة، مشدّدة على وجود تحركات مستمرة من جانب السجناء في البحرين من أجل الحصول على حقوق بسيطة.
يذكر أنّ عبد الجليل السنكيس هو أكاديمي بحريني، عمل في مجال حقوق الإنسان، قبل أن يتمّ اعتقاله بسبب مشاركته في احتجاجات العام 2011.
أما على المستوى البرلماني داخل البحرين فقد طالب عدد من النواب الحكومة خلال جلسة الثلاثاء 30 نوفمبر 2021، بالإفراج عن أعداد أكبر من السجناء والمعتقلين، وأن تشمل الافراجات المحكومين بالسجن المؤبد.
فقد دعا النائب ممدوح الصالح بأن “تشهد البحرين في الأعياد الوطنية المقبل إفراجات أكبر ضمن برنامج العقوبات البديلة”.
وقال: “بقلب صادق ندعو كل مسئول أن تكون هناك أعداد كبيرة للمستفيدين من برنامج العقوبات البديلة”، مؤكداً أن الشعب ينتظر الافراجات لتعم الفرحة في بيوت قرى ومناطق البحرين.
كما طالب النائب أحمد الدمستاني بأن “تشمل العقوبات البديلة المحكومين بالسجن 25 عاماً، خصوصاً إن كانوا من صغار السن، وأن يتم التوسع في الإفراجات لتعم الفرحة مختلف أسر البحرين”.
وعبر النائب يوسف زينل، عن تأييده لهذه المطالبات، أما النائب عمار آل عباس، فرأى أنّ “هذا المرسوم (العقوبات البديلة) هو فرج كبير لعدد كبير من الناس الذين نلمس معاناتهم ونرى حاجتهم لوجودهم بين أهاليهم وعوائلهم”.
وعبر تشجيعه “على الإسراع في تنفيذه وتطبيقه بشكل أوسع، ويشمل أكبر عدد ممكن من المواطنين، نريد رؤية فرحة الناس بالإفراجات، وأن نرى الفرحة على وجوه الأمهات حينما يعود أولادهنّ”.
أين وصلت مطالبات البرلمان البريطاني؟
في أوائل شهر سبتامبر من عام 2021 قدم عضو مجلس العموم ومجلس اللوردات البريطاني واين ديفيد طلباً رسمياُ للحكومة البريطانية بحثها فيه على التدخل الفوري من أجل إطلاق سراح كل المعارضين السياسيين في البحرين وعلى رأسهم السجين الأقدم والناشط الحقوقي عبد الجليل السنكيس، دون قيد أو شرط، وتمنى النائب ديفيد أن يحصل على رد قريب وعاجل من الحكومة البريطانية على مطالبه هذه.
هذه المطالبة كانت بمناسبة مرور 50 يوماً من الإضراب المفتوح عن الطعام الذي يخوضه السنكيس، احتجاجاً على المعاملة السيئة التي يتعرض لها في سجن جو الشهير.
دعوة ديفيد بلاده بضرورة التحرك، جاءت بحسب رسالة وجهها استناداً لمطالبات المقرر الخاص للأمم المتحدة المعني بحالة المدافعين عن حقوق الإنسان والبرلماني الأوروبي، والتي طالب فيها بالإفراج الفوري عن السنكيس.
وأشار النائب حينها إلى عمق العلاقة التي تربط حكومة المملكة المتحدة بالبحرين، والتي من المفترض أن تؤهلها للضغط على الحكومة البحرينية للنظر في قضايا المعتقلين السياسيين المدافعين عن الديمقراطية في بلادهم، بما في ذلك عبد الجليل السنكيس.
وقال: “نكتب إليكم لحث وزارة الخارجية والكومنولث والتنمية على تقديم احتجاجات عاجلة بشأن قضايا المعارضين السياسيين مع حكومة البحرين”، مذكراً بأن السنكيس هو أكاديمي ومدافع عن حقوق الإنسان، وكان واحدا من بين 13 آخرين من نشطاء المعارضة الذين تم اعتقالهم عام 2011 لدورهم في انتفاضة البحرين المؤيدة للديمقراطية.
كما أعلن أن مطالبته بالإفراج الفوري عنهم تستند كذلك على نتائج التحقيقات التي أجرتها منظمات بحرينية مستقلة من العام ذاته، والتي أكدت على ضرورة الإفراج عنهم، لعدم ارتكابهم جرائم تستحق العقاب.
وأضاف بأن السلطات البحرينية وضعت السنكيس في السجن الانفرادي لمدة شهرين وعرضته لشتى أنواع التعذيب الجسدي والنفسي، بما في ذلك الضرب المتكرر والتحرش الجنسي، فيما لا يزال يقبع في سجن جو بعد الحكم عليه بالسجن المؤبد في يونيو/حزيران 2011.
وأشار إلى ما أعرب عنه وزير الشرق الأوسط وشمال أفريقيا في الحكومة البريطانية السابق أليستير بيرت، في أعقاب تأييد محكمة النقض البحرينية إدانه السنكيس وغيره من النشطاء المؤيدين للديمقراطية.
وقال بيرت في حينه متحدثاً نيابة عن حكومة المملكة المتحدة، إنه “في الوقت الذي تم فيه الحكم على هؤلاء الأفراد، أشارت التقارير التي أقرتها لجنة التحقيق البحرينية المستقلة إلى أن بعضهم قد تعرض للإساءة أثناء الاحتجاز، وحُرم من الاتصال بمستشار قانوني، وتم إجباره على في غضون ذلك على الاعتراف بتهم لم يقترفوها “.
ومنذ 8 يوليو/تموز الماضي، بدأ السنكيس إضراباً مفتوحاً عن الطعام احتجاجاً على المعاملة “السيئة” التي تلقاها في سجن جو، وللمطالبة بإعادة عدد ٍ من الأبحاث والكتب التي عمل على تأليفها منذ أربع سنوات، والتي صادرتها السلطان البحرينية في ال 9أبريل/نيسان.
ووفقاً لعضو البرلمان البريطاني فإن تدهو الحالة الصحية للمعارض البحريني، أدت إلى إدخاله إلى المستشفى خلال الـ 40 يوماً الماضية، إذ تبين أنه في 18 أغسطس/ آب الجاري، فقد ما يقرب من 18 كيلوغراماً من وزنه، كما اضطر الأطباء لإزالة أنبوب التغذية الوريدية بعدما تسبب له بآلام مُبرحة، وهو ما يعرض حياته للخطر.
واليوم بعد مرور حوالي 150 يوم على الإضراب أين أصبحت كل هذه المطالبات؟؟
للإجابة على هذا التساؤل يجب الإشارة إلى أن كل هذه المطالبات كانت تصدر من برلمانات وجهات ومنظمات حقوقية وشعبية أما الجهات الرسمية والحكومية في الدول الغربية، حتى في مجلس حقوق الإنسان التابع للأمم المتحدة ، بصفته الهيئة الدولية الأكثر رسمية لرصد أوضاع حقوق الإنسان في الدول الأخرى ، لم يتحركوا أبداً تجاه قضية قمع المعارضين والنشطاء السياسيين والدينيين من قبل حكومة المنامة، كما أنهم لم يتخذوا أي إجراء حتى الآن لتعيين مبعوث خاص لحقوق الإنسان في البحرين ويبدو أن صمت هذه الدول تجاه انتهاكات حقوق الإنسان في البحرين له عدة أسباب اقتصادية ، ويمكن الاستنتاج أن الدول الغربية تواصل تفضيل البحرين كسوق لتصريف أسلحتهم ومعداتهم العسكرية بالإضافة إلى استضافتها لقواتهم في قواعد عسكرية على أراضي البحرين ، بدلاً من انتقادها لانتهاكات حقوق الإنسان.