( 6 ) أحمد عاقب كوليبالي
( مالكي / مالي )
ولد الأستاذ أحمد عاقب كوليبالي في مدينة ” موبتي ” عام 1967 م في جمهورية مالي ( 1 ) ، وترعرع في أوساط عائلة متديّنة تتخذ من المذهب المالكي منهجاً لها في الأمور الدينية .
تشرّف باعتناق مذهب أهل البيت ( عليهم السلام ) عام 1990 م .
المكانة الاجتماعية :
يتميز الأستاذ أحمد كوليبالي بشخصية مرموقة في بلاده ، فهو حاصل على شهادة الليسانس بالعلوم الدينية ، كما أنه يشغل جملة من المناصب المهمة في بعض المراكز والمؤسسات الدينية والثقافية والاجتماعية ، فهو نائب إمام المسجد الجامع في منطقة مصر الأولى في العاصمة باماكو ، ومدير مدرسة علوم الدين الإسلامي ، ومدير مدرسة الثقافة الإسلامية ، ويشغل منصب مدير قسم التبليغات في إذاعة باتريوت في العاصمة ، والأمين العام لمذيعي اللغة العربية في إذاعة
باماكو ، ومدير مدرسة ومكتبة فاطمة الزهراء ( عليها السلام ) في العاصمة .
دافع الانطلاق نحو البحث :
يقول الأستاذ أحمد : ” كانت بداية تعرّفي على الشيعة والتشيع ، عندما سمعت بانتصار الثورة الإسلامية في إيران عام 1979 م ، فقال أبي حينئذ : إنّ المهدي قد ظهر في إيران ! وهو – أي المهدي – الذي سيملأ الأرض قسطاً وعدلاً .
فاستغربت من هذا الأمر الذي لم أسمع به من قبل ، فاندفعت لمتابعة حركة الثورة ومجرياتها من خلال وسائل الإعلام ، وأخذت أخبر الناس بها وأبيّن ما سمعته عنها .
واتفق أن تحدثت يوماً عنها بحضور عدد من الوهابية فأنكروا عليَّ ذلك ، وانهالوا على الشيعة بالسبّ والشتم المقذع ، فتعجبت من ذلك وسألتهم عن السبب ، فقالوا : إنّ الشيعة فرقة ضالة ، تقول بتحريف القرآن ! ، وتقدم عليّ بن أبي طالب وتفضله على بقية الصحابة ، وتعتقد أنّه الأحق بالإمامة بعد رسول الله ( صلى الله عليه وآله وسلم ) ، وأنّ الإمامة من بعده في ولده ، وهم اثنى عشر وآخرهم يسمى المهدي ، وأنّهم يدّعون أنّ المهدي غائبٌ وسوف يظهر في آخر الزمان .
ففقدت بذلك حالة الحماس التي كنت أعيشها من قبل ، ولكن بقيت فكرة الإمام المهدي تدور في خاطري ، حتى صادف أن دار حديث بيني وبين زملائي حول هذا الأمر بعد انتقالي إلى العاصمة لمواصلة الدراسة ، فذكرت لهم مقالة الشيعة ، فأخبروني بوجود جمعية لبنانية شيعية في العاصمة التي نحن فيها ، فسررت بذلك وقرّرت أن أذهب إليهم لأعرف المزيد من معتقداتهم وأفكارهم .
وبالفعل توجّهت إليهم فتعرفت على بعض أعضاء الجمعية ، وبدأت أحضر
مجالسهم وأشاركهم في المراسم التي يقيمونها ، لأنني كنت أجد لها نكهة خاصة وأجواء مفعمة بالروحانية والصفاء ، ولهذا ازدادت علاقتي بالشيعة بمرور الزمان ، حتى صادقت الأخ ( يوسف تراوري ) و ( الشيخ محمّد جباته ) والأستاذ ( موسى تراور ) ، فطلبت منهم مجموعة من الكتب الشيعية لأتعرف من خلالها على أفكار ورؤى التشيع فزودوني بها ، فعكفت على قرائتها بدقة ، وكنت أقارن ما فيها من أدلة وبراهين مع ما عندنا في مصادر العامة ، فوجدت أنّ القوم يستندون في معتقداتهم إلى الحجج والبراهين العقلية والنقلية ، وأكثر ما لفت نظري مسألة الإمام المهدي ( عليه السلام ) ” .
الاعتقاد بالمهدي المنتظر ( عليه السلام ) :
إنّ البعض – مع الأسف – يستهزء بهذه العقيدة وينكرها ! ، في حين نجد أغلب المسلمين يؤمنون بها ، على اختلاف في التفاصيل .
وإنّ سبب إنكار هؤلاء لأحاديث المهدي وجحودهم لهذه الفكرة ناشىء من أحد أمرين : إمّا أنّ يكونوا جهلاء بالتاريخ والتراث الإسلامي ، أو معاندين قد جانبوا الموضوعية والعلمية والتجرد في مثل هذه المسائل .
وإلاّ ماذا نقول بحق المصلح العظيم الذي بشر به رسول الله ( صلى الله عليه وآله وسلم ) ، والذي قد أقر العلماء والمؤرخون – القدماء والمعاصرون – بمجيئه وذكروا أخباره ! !
إثبات ولادة المهدي ( عليه السلام ) :
قد ذكر جمع من المؤرخين ولادة إبن الإمام العسكري ( عليه السلام ) وهو الإمام المهدي ( عليه السلام ) بما يتطابق أو يتقارب مع ما جاء في روايات أهل البيت ( عليهم السلام ) ، ومنهم :
ابن الأثير في ” الكامل في التاريخ ” ( 1 ) ، والمسعودي في ” مروج الذهب ” ( 2 ) ، والقرماني في ” تاريخ الدول ” ( 3 ) ، وإبن الوردي في ” تاريخه ” ( 4 ) ، وإبن خلدون في ” تاريخه ” ( 5 ) ، واليافعي في ” مرآة الجنان ” ( 6 ) ، وأبو الفداء في ” تاريخه ” ( 7 ) ، والسويدي في ” سبائك الذهب ” ( 8 ) ، وإبن خلكان في ” وفيات الأعيان ” ( 9 ) ، وإبن الأزرق في ” تاريخه ” ( 10 ) .
يقول الأستاذ أحمد كوليبالي : ” جعلت أفكر في نفسي وأقول ، لو كان أمر الإمام المهدي ( عليه السلام ) خرافة لما أطبق هؤلاء الأساطين عليه ؟ ! ، واستنتجت أنّ البعض يحكّم مزاجه في التاريخ الإسلامي من خلال ما يرتأيه ، علماً أنّ المصدر والمنبع واحد ، فما هو ميزانهم وملاكهم فيما ذهبوا إليه ؟ فتحيّرت من ذلك وأثيرت في ذهني شكوك كثيرة ” .
ولأجل الاستزادة بدأ الأستاذ أحمد بتتبع آراء أعلام العامة حول هذا الأمر ، فوجد أنّ جمعاً منهم يقرّ بولادته في النصف الثاني من القرن الثالث الهجري :
كالحافظ الذهبي في كتاب ” العبر ” ( 1 ) ، والعلامة عبد الوهاب الشعراني في ” اليواقيت والجواهر ” ( 2 ) ، وإبن حجر الهيتمي في ” الصواعق المحرقة ” ( 3 ) ، والعلامة الحمزاوي في ” مشارق الأنوار ” ( 4 ) ، والعلامة الشبراوي الشافعي في ” الإتحاف بحب الأشراف ” ( 5 ) ، والعلامة عباس بن عليّ المكي في ” نزهة الجليس ” ( 6 ) ، والعلامة إبن الخشاب في ” مواليد أهل البيت ( عليهم السلام ) ” ( 7 ) ، والعلامة أبو الفلاح الحنبلي في ” شذرات الذهب ” ( 8 ) ، والعلامة عبد الرحمن البسطامي في ” درّة المعارف ” ( 9 ) ، والعلامة القندوزي الحنفي في ” ينابيع المودة ” ( 10 ) ، والعلامة محمّد خواجة بارسا البخاري في ” فصل الخطاب ” ( 11 ) ، والعلامة الشبلنجي في ” نور الأبصار ” ( 12 ) ، والعلامة الكنجي الشافعي في ” البيان في أخبار صاحب الزمان ” ( 13 ) ، والعلامة إبن طلحة الشافعي في ” مطالب السؤول ” ( 14 ) ، وسبط إبن الجوزي في ” تذكرة الخواص ” ( 15 ) ، والعارف ابن
العربي في ” الفتوحات ” ( 1 ) ، وغيرهم .
ويضيف الأستاذ كوليبالي : ” ومن ذلك الحين بدأت أتتبع أحاديث المهدي في كتب عموم المذاهب الإسلامية ، وبالأخص كتب المالكية – باعتباري مالكي – لأطلع على آراء العلماء والمحدثين في ذلك ، فوجدتهم يقرّون بصحتها – على اختلاف في ألفاظها – بل أنّ بعضهم يكفّر من لا يؤمن بالمهدي وبخروجه في آخر الزمان ! ” .تواتر الأخبار حول المهدي ( عليه السلام ) :
في الحقيقة أنّ مسألة خروج الإمام المهدي ( عليه السلام ) من الأمور المسلّمة عند المسلمين كافة ، فقد تواترت الأخبار في ذلك ، وقد ذكر أصحاب السنن وغيرهم أنّه ( عليه السلام ) سوف يخرج ويملأ الأرض قسطاً وعدلا بعد ما ملئت ظلماً وجوراً ، وأنّ عيسى ( عليه السلام ) يخرج معه ويصلي خلفه .
فأحاديث المهدي رواها العلماء في مسانيدهم – بألفاظ وطرق متعدّدة – كأحمد بن حنبل في مسنده ( 2 ) ، وأبي داود في سننه ( 3 ) ، والترمذي في سننه ( 4 ) ، والحاكم النيسابوري في المستدرك ( 5 ) ، والبيهقي في الاعتقاد والهداية إلى سبيل الرشاد ( 6 ) ، والبغوي في مصابيح السنة ( 7 ) ، وإبن تيمية في منهاج السنة ( 8 ) ، وابن
القيم في المنار المنيف ( 1 ) ، والتفتازاني في شرح المقاصد ( 2 ) ، والهيثمي في مجمع الزوائد ( 3 ) ، والسيوطي في الجامع الصغير ( 4 ) ، والألباني في مقال بعنوان ” حول المهدي ” ( 5 ) ، وغيرهم ( 6 ) .
وأمّا أعلام المالكية الذين ذكروا أخبار المهدي ( عليه السلام ) ، فمنهم :
الحافظ شمس الدين القرطبي ( ت 671 ه ) في كتابه التذكرة ( 7 ) ، وإبن الصباغ المالكي ( ت 855 ه ) في كتابه الفصول المهمة ( 8 ) ، والفقيه المحدّث أبو عبد الله الكتاني الحسني الفاسي المالكي ( ت 1345 ه ) في كتابه نظم متناثر من الحديث المتواتر ( 9 ) .
وتجدر الإشارة إلى إحدى الإحصائيات التي قام بها الشيخ محسن العبّاد أحد مشايخ العربية السعودية حول المهدي ( عليه السلام ) ، وقد نشر بحثه في مجلة الجامعة الإسلامية الصادرة بالمدينة المنورة ، ذكر فيه رواة حديث المهدي ( عليه السلام ) من الصحابة وعددهم ستة وعشرون راوياً ، وذكر أنّ الأئمة الذين خرّجوا الأحاديث والآثار الواردة في المهدي ( عليه السلام ) يبلغ عددهم ثمانية وثلاثين ، كما أورد أسماء عشرة مؤلفين من كبار علماء العامة كتبوا في قضية الإمام المهدي ( عليه السلام ) ، منهم من ألّف كتاباً مستقلاً في هذا المجال ، ومنهم من كتب فصلا أو أكثر .
كما علّق كبير علماء السعودية – في وقته – عبد العزيز بن باز ( ت 1420 ه ) على محاضرة للشيخ العبّاد حول المهدي قائلاً : ” . . . فأمر المهدي أمر معلوم ، والأحاديث فيه مستفيضة ، بل متواترة متعاضدة ، وقد حكى غير واحد من أهل العلم تواترها ، كما حكاه الأستاذ في هذه المحاضرة ، وهي متواترة تواتراً معنوياً لكثرة طرقها واختلاف مخارجها وصحابتها ورواتها وألفاظها ، فهي بحق تدل على أنّ هذا الشخص الموعود به أمره ثابت وخروجه حق ” ( 1 ) .
المهدي من العترة الطاهرة :
وهذا الموعود هو من عترة النبيّ ( صلى الله عليه وآله وسلم ) الطاهرة التي أذهب الله عنها الرجس وطهرها تطهيراً ، وهو من سلالة يصفها العلامة النورسي – من علماء العامة – : ” ليس في الدنيا قاطبة عصبة متساندة نبيلة شريفة ترقى إلى شرف آل البيت ومنزلتهم ، وليس فيها قبيلة متوافقة ترقى إلى اتفاق آل البيت ، وليس فيها مجتمع أو جماعة منوّرة أنور من مجتمع آل البيت وجماعتهم .
نعم ، إنّ آل البيت الذين غذّوا بروح الحقيقة القرآنية ، وارتضعوا من منبعها ، وتنوّروا بنور الإيمان وشرف الإسلام ، فعرجوا إلى الكمالات ، وأنجبوا مئات الأبطال الأفذاذ ، وقدّموا ألوف القوّاد المعنويين لقيادة الأمة ، لا بد أنّهم يظهرون للدنيا العدالة التامة لقائدهم الأعظم المهدي الأكبر ، وحقّانيته بإحياء الشريعة المحمّدية ، والحقيقة الفرقانية ، والسنة الأحمدية ، وتطبيقها وإجراءاتها وهذا الأمر في غاية المعقولية ، فضلا عن أنّه في غاية اللزوم والضرورة ، بل هو مقتضى دساتير الحياة الاجتماعية ” ( 1 ) .
ويقول الأستاذ أحمد كوليبالي : ” فطفقت أتعمق بالبحث والتتبع أكثر فأكثر ، حتى أرشدني الأصدقاء الجدد الذين تعرّفت عليهم في الجمعية اللبنانية الشيعية إلى روايات أهل البيت ( عليهم السلام ) حول المهدي ( عليه السلام ) ، فراجعتها وإذا بي أعثر على كم هائل من الروايات التي تتحدث عنه ( عليه السلام ) وعن الظروف التي يظهر فيها ، بل جرّني البحث في كتب الشيعة إلى مسائل أخرى طالما كنت أبحث عن إجابات مقنعة لها ، كمسألة الإمامة والخلافة ، فأرشدتني تلك الكتب إلى النصوص النبوية المتفق عليها عند الفريقين الدالة على إمامة أمير المؤمنين ( عليه السلام ) وأهل بيته ( عليهم السلام ) ، كما عثرت على ذكره ( صلى الله عليه وآله وسلم ) لأسماءهم وصفاتهم ، وواصلت البحث حتى تبيّن لي أنّ كل ما كان يشنّع ضدّ الشيعة ليس له أساس من الصحة ” .
مرحلة الاستبصار :
ومن هنا أدرك الأستاذ أحمد أنّ الإمامية كانوا غرضاً لسهام التهم والافتراء ، فازداد اندفاعه لطلب الحقائق ، وأخذ يتلمس طريق الهداية الموصل إلى الله تبارك وتعالى ، وكانت جولته الأخيرة في هذا الصراع الفكري العصيب
الذي عاشه ، هو مطالعة كتب المناظرات والكتب العقائدية ، فبدأ بكتاب ” المراجعات ” للسيد شرف الدين ، ثم كتب الأستاذ التيجاني السماوي ” ثم اهتديت ” و ” لأكون مع الصادقين ” و ” اسألوا أهل الذكر ” .
ويضيف الأستاذ أحمد : ” كان لتعمقي في هذه الكتب وإطلاعي على الحوادث التي تناولتها أبلغ الأثر في نفسي ، كما أنني عرفت خلال مطالعاتي أنّ الشيعة أكثر تعلقاً منّا برسول الله ( صلى الله عليه وآله وسلم ) وأشدّ اتباعاً بنهجه وسنته ، لأنّهم سلكوا نهج أهل البيت ( عليهم السلام ) الذين أمر الرسول ( صلى الله عليه وآله وسلم ) أمته في حديث الثقلين باتباعهم وعدم الابتعاد عنهم .
وأدركت أن لا مناص من التحول إلى مذهب أهل البيت ( عليهم السلام ) والركوب في سفينتهم والتمسك بحبلهم ، فأعلنت استبصاري عام 1995 م في العاصمة باماكو ” .
شاهد أيضاً
نهج البلاغة – خطب الإمام علي (عليه السلام)
(باب المختار من حكم أمير المؤمنين عليه السلام) (ومواعظه ويدخل في ذلك المختار من أجوبة مسائله) ...