( 10 ) أكرم يونس البرزنجي
( شافعي / العراق )
ولد عام 1954 م بمدينة ” السليمانية ” في العراق ( 1 ) ، وترعّرع في أحضان أُسرة كرديّة تنتمي للمذهب الشافعي ، وتدرّج في الدراسة حتى حصل على شهادة البكالوريوس في الإدارة والاقتصاد ، ثمّ شغل منصب معاون مدير مديرية الإحصاء العامة في السليمانيّة .
كان تشرّفه باعتناق مذهب أهل البيت ( عليهم السلام ) عام 1997 م في مسقط رأسه ، بعد أن اطّلع على كتاب مفاتيح الجنان للشيخ عباس القمي ( 2 ) .
في رحاب كتاب مفاتيح الجنان :
يقول الأخ أكرم : ” شاءت الأقدار الإلهية أن ألتقي بأحّد الإيرانيين ،
فأهداني كتاب ( مفاتيح الجنان ) ، وما أن عدت إلى المنزل حتى دفعني حبّ الاستطلاع والرغبة لمعرفة محتواه ، فتصفحته وطالعت بعض فقراته ، وإذا بي أجده كتاباً رائعاً فيه أدعية نالت إعجابي ، بحيث أنني أحسست من خلال قراءتها والتمعن في مضامينها أثر النقاء والصفاء والخشوع في نفسي .
ولاح لبصري من خلال قراءتي لتلك الأدعية نوراً منحني الرؤية الواضحة لمشاهدة الحقائق ، لأنّ الأدعية الواردة عن أهل البيت ( عليهم السلام ) تترجم عمق الصلة بين العبد وربّه وتعبّر عن حالة الافتقار المتأصّلة في ذات الإنسان إلى الله عزّ وجلّ ، ومثل هذه الأدعية تمثل السبيل لوصول العبد إلى ربّه و ( اللهُ نُورُ السَّماواتِ وَاْلأَرْضِ ) ( 1 ) ، والقرب إليه يعني الخروج من الظلمات إلى النور ( يَهْدِي اللهُ لِنُورِهِ مَنْ يَشاءُ ) ( 2 ) ، وبذلك النور يهتدي الباحث إلى الطريق الذي يرتضيه الله عزّ وجلّ ، لأنّه يمثل الفرقان الذي به يميّز بين الحقّ والباطل .
كما وجدت أنّ هذه الأدعية تحتوي على ثروة كبيرة من المعارف والمفاهيم المرتبطة بالشؤون الفردية والاجتماعية ، فهي مدرسة تربوية وتثقيفية تمنح القارئ رؤية واسعة لمعرفة نفسه ، وإدراك الحقيقة التي من أجلها خلق ومن أجلها يحيا ومن أجلها يعيش ” .
ويضيف الأخ أكرم : ” كان بودي أن أجد مثل هذه الأدعية والأعمال المستحبة في كتبنا أبناء العامة ، ولكنني لم أجد مثلها من حيث القوّة والتأثير .
فأدركت أنّ كلام أهل البيت ( عليهم السلام ) نور وأمرهم رشد ، لأنّه ينطلق بتسديد إلهي وعناية ربانية من نفوس أذهب الله عنها الرجس وطهرها تطهيراً ” .
ويسترسل الأخ أكرم في كلامه عن قصة استبصاره : ” بعد تعرّفي على هذا الكنز كنت دوماً التجىء إليه في الأزمات والمشاكل التي تعتريني ، فكان هذا الكتاب بمثابة الدواء لتسكين آلامي والتئام جراحي النفسيّة ، التي كنت أُعاني منها نتيجة افتقادي للركائز الروحيّة التي يمكنني أن أعتمد عليها في مواجهة الصعاب التي تعترض مسيرتي في الحياة .
فأصبح دأبي هو قراءة تلك الأدعية والقيام بتلك الأعمال المستحبة ، وكنت أتأمل في مضامينها ، وأغوص في بلاغتها وفي معانيها ، وأشفي بها غليلي وعطشي الكامن في أعماق نفسي .
وقد يكون الإنسان غافلا عن معرفة نفسه وفاقداً للبصيرة ، ولكن بفضل ما يعثر عليه من الأدعية والزيارات يجد السبيل للعودة إلى الذات والاتصال بالله ، وصياغة أفكاره من جديد على أساس تقوى الله ورضوانه ، فيخاطب ربّه سبحانه وتعالى : ” إلهي ألبستني الخطايا ثوب مذلّتي ، وجلّلني التباعد منك لباس مسكنتي ، وأمات قلبي عظيم جنايتي ، فأحيه بتوبة منك يا أملي . . . ” ( 1 ) .
فكنت أخلو كثيراً مع نفسي وأذرف الدموع على حالي باكياً ومناجياً ربي : ” إلهي أعنّي بالبكاء على نفسي ، فقد أفنيت بالتسويف والآمال عمري ، وقد نزلت منزلة الآيسين من حياتي ” ( 2 ) .
” ومالي لا أبكي ، ولا أدري إلى ما يكون مصيري ، وأرى نفسي تخادعني ، وأيامي تخاتلني ” ( 3 ) .
ومن ذلك الحين بدأت أتدرّج في صياغة معارفي فعرفت الله بالله : ” إلهي بك عرفتك ، وأنت دللتني عليك ، ودعوتني إليك ، ولولا أنت لم أدر ما أنت ” ( 1 ) ، ثمّ إلتجأت بعدها إلى الله : ” اللهم عرّفني نفسك ، فإنّك إن لم تعرّفني نفسك لم أعرف رسولك ، اللهم عرفني رسولك فإنّك إن لم تعرّفني رسولك لم أعرف حجتك ، اللهم عرفني حجتك فإنّك إن لم تعرفني حجتك ضللت عن ديني ” ( 2 ) .
وطالعت دعاء الندبة من ذلك الكتاب ، فتجلّت لي حقائق كثيرة وعرفت من خلاله ضرورة وجود الأئمة في المجتمع ، وأنّهم السبيل إلى الله والمسلك إلى رضوانه وأنّهم هداة الأُمة ، وأنّ رسول الله ( صلى الله عليه وآله وسلم ) كان منذراً ولكلّ قوم هاد ” .
في رحاب دعاء الندبة :
الجدير ذكره أنّ هذا الدعاء يلفت الانتباه إلى حقائق تاريخيّة قد يكن البعض غافلا عنها أو غير مطّلع عليها ، وذلك من خلال بعض النصوص الواردة فيه ، التي تبيّن ما حلّ بعترة رسول الله ( صلى الله عليه وآله وسلم ) من مظالم بعد وفاة الرسول ( صلى الله عليه وآله وسلم ) ، وما لاقوا من اضطهاد ومعاناة .
وكذلك يبيّن هذا الدعاء أنّ الأرض لا تخلو من العترة الهادية ، وأنّ في كلّ زمان يوجد من أهل بيت الرسول ( عليهم السلام ) من يمثّل السبب المتصل بين الأرض والسماء .
وفي الحقيقة أنّ دعاء الندبة دعاء يندب به المؤمنون إمام زمانهم ، ويعبّرون عبر ذلك عن مشاعرهم نتيجة افتقادهم لإمامهم المنتظر ، فهم يستخدمون هذا الدعاء كأداة ووسيلة لإدانة الظلم والظالمين ، فإنّ هذا الدعاء ينشئ محفز في
نفس الإنسان لئلا تعتريه الغفلة عن بعض الحقائق ، وليبقى دوماً على أهبة الاستعداد في انتظار إمام زمانه ، وإعداد نفسه والمجتمع للقيام بالمسؤوليات الكبيرة ، التي سوف تلقى على عاتقه وعاتقهم عند ظهوره ( عج ) ، وهذا ما يتطلّب منه أن يصوغ شخصيته وفق ما ترتضيه الشريعة ، فيزكّي نفسه أوّلا ، ويسعى لرفع المستوى الديني في المجتمع ثانياً ، ليمهّد الأرضيّة لظهور صاحب الأمر صلوات الله وسلامه عليه .
مع زيارة الجامعة :
أمّا زيارة الجامعة الواردة عن الإمام الهادي ( عليه السلام ) المذكورة في هذا الكتاب ، فلها دوراً كبيراً في ابراز جلالة شأن أهل البيت ( عليهم السلام ) والتعريف بمكانتهم ، إذ بها يتعرّف المؤمن على أنّهم : موضع الرسالة ، ومختلف الملائكة ، ومهبط الوحي ، ومعدن الرحمة ، وخزّان العلم ، الذين اصطفاهم الله بعلمه ، وارتضاهم لغيبه ، واختارهم لسره ، واجتباهم بقدرته ، وخصّهم ببرهانه ، وأيّدهم بروحه ، ورضيهم خلفاء في أرضه ، وحججاً على بريته ، وأنصاراً لدينه ، ومستودعاً لحكمته ، وتراجمة لوحيه ، وأعلاماً لعباده ، ومناراً في بلاده ، وأدلاء على صراطه بعد أن أذهب عنهم الرجس وطهرهم تطهيراً .
وهم الذين ينبغي أن يتضرّع العبد بهم إلى الله ليدخله في جملة العارفين لهم ولحقّهم ، إذ هم السبيل والذريعة إليه ، والوسيلة إلى رضوانه ، وبهم يعرف المؤمن ما ارتضاه الله لعباده .
فعن طريق أهل البيت ( عليهم السلام ) تتجلى للمؤمن حقائق الأمور ، ويرتفع الإنسان عبر تلك المعارف إلى المستويات السامية حتى تتلقى القلوب النورَ والهداية وتتصل ببارئها ، ثمّ تتفاعل مع هذا النور وتلين له ، ثمّ تذوب في مضامين هذهالأدعية فتقتبس من معارفها ومفاهيمها ما ينعكس في حركة الإنسان وسلوكه ومنطقه ومواقفه ودوافعه ، وعند ذلك يتحرّك بنور الله وهداه .
الاستجابة لنداء الفطرة :
ويستطرد الأخ أكرم قائلا : ” وبعد تعرّفي على جملة من المعارف الدينيّة عبر أدعية هذا الكتاب ، ازداد اندفاعي وشوقي نحو البحث عن التشيع ، فانطلقت للاستفسار ممّن يحيطني حول هذا المذهب ، ولكنني لم أصل إلى أي نتيجة لقلّة إلمام ومعرفة من يحيطني بالتشيع .
حتى توّفرت لي الأرضيّة في يوم من الأيام ، إذ سافرت إلى مدينة ” بغداد ” لزيارة أحد أقاربي ، فالتقيت هناك في أحد المساجد الشيعية بعالم شيعي ، فكان لذلك اللقاء المختصر أثراً بالغاً في نفسي ، ومن حينها بدأت تتبلور في ذهني صورة التشيع بصورة كاملة .
كما تعرّفت بعد ذلك على بعض الشيعة ، وخضت معهم نقاشات عديدة ، ومستفسراً منهم عن بعض الأمور التي كانت مبهمة بالنسبة لي ، وطالعت بعض الكتب الشيعية ككتاب ( المراجعات ) للسيّد شرف الدين العاملي ، وكتاب ( ثمّ اهتديت ) للتيجاني السماوي فتأثرت بها ، لكنني مع ذلك كنت أعيش صراعاً نفسياً مدمراً ، فكنت أدعو الله أن يهديني إلى سواء السبيل ، واستجاب الله دعائي فاستبصرت عام 1997 م على يد أحد الأخوة الشيعة ، فبدأت أتلقّى على يده فروع الدين النقية التي وردت عن طريق أهل البيت ( عليهم السلام ) ” .
شاهد أيضاً
الزهراء الصديقة الكبرى المثل الأعلى للمرأة المعاصرة / سالم الصباغ
أتشرف بأن أقدم لكم نص المحاضرة التي تشرفت بإلقائها يوم 13 / 3 في ندوة ...