هوية التشيع / الصفحات: ١٠١ – ١٢٠
ب ـ ياقوت الحموي في معجمه:
مادة شهرستان قال: ولولا تخبطه أي الشهرستاني في الإِعتقاد وميله إلى هذا الإِلحاد لكان الإِمام، وكثيراً ما كنا نتعجب من فور فضله وكمال عقله كيف مال إلى شيءٍ لا أصل له واختار أمراً لا دليل عليه لا معقولاً ولا منقولاً ونعمذ بالله من الخذلان والحرمان من نور الإِيمان وليس ذلك إلا لإِعراضه عن نور الشريعة واشتغاله بظلمات الفلسفة وقد حضرت عدة مجالس من وعظه فلم يكن فيها قال الله ولا قال رسول الله ولا جواب من المسائل الشرعية والله أعلم بحاله(١).
وبعد تقييم الشهرستاني من قبل قومه أذكر لك شيئاً مما كتبه عن الشيعة لتعرف مدى صدقه ووثاقته يقول عن الإِمامية إنّهم لم يَثبتوا في تعيين الأئمة بعد الحسن والحسين وعليّ بن الحسين على رأي واحد بل اختلافاتهم أكثر من اختلافات الفرق كلها إلى أن قال: إنّ الإِمام الصادق برئ من خصائص مذاهب الرافضة وحماقاتهم من القول بالغيبة، والرجعة، والبداء، والتناسخ، والحلول، والتشببيه، لكنّ الشيعة بعده أي بعد الصادق عليه السلام افترقوا وانتحل كل واحد منهم مذهباً(٢).
إنّ كل من له إلمام بتاريخ الإِمامية من الشيعة يعلم أنّهم لم يختلفوا في تسلسل الأئمة ابتداءً من الإِمام عليٍّ عليه السلام حتى الإِمام الثاني عشر محمد بن الحسن عليه السلام والإِمامية على ذلك منذ وجدوا، أما ماذكره من أنّ الإِمام الصادق عليه السلام تبرأ من حماقات الشيعة فهو محض افتراء ولم يحدث قط فإنّ أهل البيت أدرى بما فيه، ولو كان هنالك شيء من هذا القبيل لذكره غير الشهرستاني أما ما تفضل به على
وأما السنة فمثل مارواه البخاري في الصحيح عن النبي صلى الله عليه وآله وسلّم أنّ ثلاثة من بني إسرائيل أبرص وأعمى وأقرع بدا لله أن يبتليهم فبعث إليهم ملكاً الخ(١).
وكما روى الصدوق في كتابه إكمال الدين وإتمام النعمة باسناده عن الإِمام الصادق عليه السلام: من زعم أنّ الله عزّ وجل يبدو له في شيءٍ يعلمه أمس فابرؤا منه(٢). والبداء عند الشيعة بمعنى الإِظهار لا بعني أنّ الله يعلم بعد جهل تعالى الله عن ذلك علواً كبيراً، أي أنّ علم الله تعالى تعلق بوقوع أمر في الخارج ولكن بشروط موقوفيته على عدم تعلق مشيئة الله تعالى بخلافه. وهذا هو مورد البداء ومحل البداء من أقسام القضاء الإِلهي.
ونظراً لأهمية موضوع البداء وما ثار حوله من نزاع بين المسلمين فإنّي اُحيل
وقوله تعالى: (وحشرناهم فلم نغادر منهم أحداً) الكهف/٤٧.
فقد ورد في كثير من التفاسير عند الجمع بين الآيتين ما يفيد أنّ هناك حشراً قبل الحشر الأكبر وفيه روايات عن أهل البيت، وقد عقد الشيخ الصدوق في كتابه الإِعتقادات فصلاً عن الرجعة ذكر فيه دلالة الآيات والأحاديث على ذلك وقال في آخره مستدلاً بقوله تعالى:
(وأقسموا بالله جهد أيمانهم لا يبعث الله من يموت بلى وعداً عليه حقاً ولكنّ أكثر الناس لا يعلمون) النحل/٣٨، ثم يقول بعد هذه الآية مباشرة:
ليبين لهم الذي يختلفون فيه، والتبيين إنّما يكون في الدنيا لا في الآخرة فالآية واردة في الرجعة كمافهم منها الصدوق، إلى أن يقول الصدوق منبهاً إلى أنّ البعض قد يفهم من عقيدة الشيعة القول بالتناسخ فيقول في ذلك والقول بالتناسخ باطل ومن دان بالتناسخ فهو كافر لأنّ في التناسخ: إبطال الجنة والنار، إنتهى كلامه(٢).
فالمسألة في الرجعة إذاً لاتعدو فهماً من كتاب الله تعالى بإمكان وقوع رجعة في فترة معينة وكل ذلك لا يستوجب هذه الجلبة والضوضاء في كتب السنة، وكم
٢ ـ ابن حزم الأندلسي:
هذا النموذج الثاني الذي اُقدمه وهو من الذين سلطوا لسانهم على المسلمين إنّه عليّ بن أحمد بن حزم الأندلسي الفارسي وهو من موالي يزيد بن معاوية وحسبه بذلك شرفاً وأول من دخل الأندلس من أجداده جده خلف. وكان ابن حزم في أول أمره شافعياً ثم انتقل إلى الظاهرية، وله كتب كثيرة منها الفصل في الملل والنحل والمحلى وغيرهما، ولهذا الرجل قدرة عجيبة على الإِفتعال والإِختلاق وله جرأة في التهجم على الناس تكشف عن عدم ورع وعدم التزام بالصدق وسأذكر قبل ذكر أقواله آراء قومه فيه وتقييمهم له:
فقد قال فيه أبو العباس بن العريف: إنّ لسان ابن حزم وسيف الحجاج شقيقان. وقال مؤرخ الأندلس أبو مروان بن حيان فيما كتبه عنه في فصل طويل منه قوله: ومما يزيد في بغض الناس له حبه لبني اُمية ماضيهم وباقيهم واعتقاده بصحة إمامتهم حتى نسب إلى النصب.
وقال ابن العماد الحنبلي كان ابن حزم كثير الوقوع في العلماء والمتقدمين لا
وبعد شهادة هؤلاء الأعلام التي هي في الواقع رمز لمحصلة الآراء عن ابن حزم عند العلماء فإنّي لا أستكثر عليه أن يقول في آخر الفصل الذي كتبه عن الشيعة: والقوم يعني الشيعة بالجملة ذووا أديان فاسدة وعقول مدخولة وعديموا حياء نعوذ بالله من الضلال(٢).
فإذا كان هذا وأمثاله كالشهرستاني هم الذين يكتبون عن عقائد وفقه وسلوك الفرق الإِسلامية فهل يمكن للأجيال أن تثق بتاريخها وسيرة أسلافهم والأنكى من ذلك أنّ الذين ينتقدون الشهرستاني وابن حزم وأمثالهما فإنّهم إنما يحملون عليهم إذا وخزوهم أو شتموهم، أما إذا شتم الشهرستاني وابن حزم غيرهم كالشيعة مثلاً فهو صادق وتؤخذ أقواله ولا تثير حساسية.
مثال ثالث
وسترد علينا أمثلة لذلك، ولكنّي أستعجل لك مثلاً واحداً منها يعيش في القرن العشرين في عصر الذرة وتحت أروقة جامعة حديثة وهو محمد حسن هيتو محقق كتاب المنخول للغزالي فإنّ هذا الرجل عندما يمر ببعض المواقف الحدية للغزالي من بعض المذاهب الإِسلامية كالإِمام مالك والإِمام أحمد بن حنبل والإِمام أبي حنيفة فيذكر بعض آرائهم ناقداً لها حيناً ومستهجناً حيناً آخر، مثلاً يذكر الغزالي عن ابي حنيفة رأيه في أقل الصلاة وهي: وضوء بالنبيذ في أولها وحدث في آخرها للخروج منها وبين ذلك نقر كنقر الغراب واكتفاء من القراءة بكلمة مدهامتاه باللغة الفارسية إلى آخر ما ذكره عن أقل الصلاة في رأي أبي حنيفة، وكما ذكر رأي مالك ببجواز قتل ثلث الناس إذا كان ذلك يؤدي إلى صلاح الثلثين الباقيين، وهكذا آراء بعض الأئمة التي ذكرها.
إننا في مثل هذا نرى محمد حسن هيتو يقع في ورطة فلا يدري أينفي ذلك وفيه تكذيب للغزالي، أم يثبت ذلك وفيه طعن على أئمة المذاهب، فتراه مرة يقول انّ هذه الأقوال نتيجة لمرحلة مربها الغزالي، وتخلص منها بعد ذلك، ومرة يقول إنّ الغزالي فرد من مدرسة تؤيد أهل الحديث وتطعن في أهل الرأي وإنّ ذلك تعصب أقلع عنه الغزالي بعد ذلك كما هو واضح في مؤلفاته التي صدرت بعد ذلك كالمستصفى المتأخر عن المنخول، وعلى أنّ هذا الإِعتذار لا يحل المشكلة التي هي كون الغزالي إما صادقاً وإما كاذباً. إنّ الذي يعنينا هنا أنّ هيتو إذا مرّ الغزالي بالرافضة وشتمهم لا نجده يعلل ذلك الشتم بعصبية أو غيرها كأنّ الشيعة يستأهلون الشتم بدون نزاع وكأنّ الحرص على وحدة المسلمين ليس من موارده هذا المورد هذا إذا كان الشيعة مسلمين في نظر هؤلاء وإلا فالمسألة سالبة بانتفاء الموضوع كما يقول علماء المنطق، وعلى كل اُلفت نظر إلى ما كتبه هيتو عن الغزالي(١). والله المستعان على ما يصفون.
الفصل السادس
أسباب رمي التشيُّع بالفارسية
١ ـ للإِجابة على هذا السؤال نقول:
إنّه لا خصوصية لهذه التهمة بالفارسية، وإنما هي صورة من صور رمي التشيع بكل ما هو مكروه، ولما كانت العلاقات بين الفرس والعرب قد ساءت بعد أن امتد نفوذ الفرس في دولة الإِسلام كما أشرنا إليه سابقاً شاء أعداء الشيعة أن يرموهم بالفارسية ليضيفوا إلى قوائم التهريج قائمة اُخرى هذا من جانب ومن جانب آخر لما كان الشيعة منذ فترة تكوينهم من المعارضين للحكم لأنّهم يرون أنّ الخلافة بالنص وليست بالشورى وأنّها لعليٍّ عليه السلام وولده وإنما تنازل عنها وسكت حرصاً على مصحلة المسلمين وتضحية بالمهم في سبيل الأهم وقد حفظ ذلك بيضة الإِسلام، وأنّ عقيدتهم هذه جرّت عليهم الملاحقة خصوصاً أيام معاوية وما تلاها إلى العصور المتأخرة، وللإِمعان بالتنكيل بهم وإبعادهم عن الساحة حشدت لهم السلطات كل ما تملك من وسائل التحطيم المادي منها والمعنوي فاعتبرتهم خوارج عن جسم الاُمة، ونسبت إليهم من الآراء ما هو بيعد عن روح الإِسلام وصوّرتهم بأنّهم دعاة فوضى ولاحقتهم بكل صنوف الملاحقة وكان من ذلك أنّها استغلت الشعور الملتهب ضد الفرس منذ أيام الإِحتكاك بين العرب والفرس فرمتهم بأنّهم ورثة الفرس وحملة عقائدهم فأضافتها إلى قائمة التهم التي أصبحت لا تعد ولا تحصى وأخذ كل خلف يضيف إلى القائمة التي وضعها السلف بدون تحرج ولا رادع من مسؤولية أو ضمير وأين المسؤولية والسيف
٢ ـ السبب الثاني في رمي التشيع بالفارسية:
هو ما ألمحت إليه سابقاً من أنّ الفارسية ما كانت سبة يوم كان الفرس سنة وإنّما عادت سبة يوم تشيع قسم من الفرس ودليل ذلك أنّك ترى الطبقة الأولى والثانية من الذين تهجموا على الشيعة وكالوا لهم التهم لم يضعوا في قائمتهم تهمة الفارسية وبوسعك الرجوع إلى ما كتبه ابن عبد ربه الأندلسي في العقد الفريد بالفصل الخاص بالشيعة وارتجل لهم المثالب والمطاعن فيه فإنّك لا تجد هذه التهمة ضمن التهم(١). وكذلك لو راجعت ما كتبه الشهرستاني في ملله ونحله وما ذكره عن الشيعة فسوف لا تجد تهمة الفارسية من التهم التي ساقها(٢).
وأما شيخ أهل السباب وصاحب اللسان الذي ما عرف الورع فإنّه برغم ما صال به وجال وبرغم ما أملاه عليه الهوى فإنّه لم يذكر للشيعة هذه التهمة(٣).
نعم ذكر ابن حزم أنّ هناك أفراداً من الفرس شيعة في بعض استطراداته حتى جاء المقريزي في القرن التاسع فرام أن يصوِّر أنّ التشيع فارسي فالمسألة جاءت متأخرة(٤) وهكذا المتأخرون عن هذه الطبقة لم ترد في قوائمهم هذه التهمة وإنّما جاءت من بعد القرن التاسع وبدء القرن العاشر، والغريب أن يكون بعض فرسان هذه الحملة من الفرس أنفسهم أرادوا أن يظهروا أنفسهم بأنّهم أحرص
(٣) الفصل في الملل والنحل ٤/١٧٩.
(٤) دراسات في الفرق والعقائد ص٢٥.
ولا أستبعد أنّ له هدفاً خبيثاً من وراء ذلك وبذلك كانوا أساتذة للمستشرقين كما سيأتي:
٣ ـ السبب الثالث في رمي الشيعة بالفارسية:
يكمن في قوة استدلال الشيعة بأنّ الخلافة بالنص وليست بالشورى، لأنّ القائلين بالشورى يستدلون بقوله تعالى: (وأمرهم شورى بينهم) الشورى/٣٨، وبقوله تعالى: (وشاورهم في الأمر) آل عمران/١٥٩، مع أنّ الآيتين أجنبيتان عن الموضوع لأنّ قوله تعالى (وأمرهم شورى بينهم) مدح للأنصار الذي كانوا قبل الإِسلام إذا أرادوا عمل شيءٍ تشاوروا فيما بينهم ولم يستبدوا بآرائهم، وأما قوله تعالى «وشاورهم» الخ فإنّه أراد تطييب قلوبهم وإشعارهم بأنّهم أهل للمشاورة ليرفع من معنوياتهم فكان النبي صلى الله عليه وآله وسلّم يشاورهم في اُمور الحرب وبعض الاُمور الدنيوية وبوسع القارئ الرجوع إلى التفاسير المحترمة مثل تفاسير الفخر الرازي والكشاف للزمخشري، ومجمع البيان للطبرسي وغيرهم فإنّ كل هؤلاء نصوا على ماذكرته وقالوا: إنّ مشاورة النبي صلى الله عليه وآله وسلّم للمسلمين فيما لم يرد فيه نص وذلك عند تفسيرهم للآيتين المذكورتين.
فالآيتان لم ينزلا في تشريع منهج لاختيار الإِمام عن طريق الشورى وإنما أراد بعض الباحثين أن يستفيد من الآيتين ما يلي:
بما أنّ الخلافة سكت عنها النبي ولم ينص على أحد وبما أنّ القرآن يمدح الشورى بالاُمور المهمة فنرجع فيه إلى منهج الشورى(١) أما الشيعة فقد رفضوا هذا وذهبوا إلى:
أولاً:
أنّ النبي كان إذا أراد الذهاب في سفر لا يترك المدينة بدون خليفة
وثانياً:
من الثابت أنّ الشريعة الإِسلامية تفرض الوصية على المسلم حتى بعض الميراث البسيط وفي تلك يقول القرآن الكريم في سورة البقرة ـ الآية/١٨٠: (كتب عليكم إذا حضر أحدكم الموت إن ترك خيراً الوصية للوالدين والأقربين بالمعروف حقاً على المتقين) فكيف يترك هذا الأمر المهم بدون أن يوصي به والحال أنّ استقرار الاُمة متوقف على ذلك وبدون ذلك يؤول الأمر إلى التنازع.
ثالثاً:
تظافرت الأدلة من الكتاب والسنة على أنّ الإِمامة بجعل من الله ومن ذلك قوله تعالى: (وجعلناهم أئمة يهدون بأمرنا) سورة الأنبياء/٧٣.
وقوله تعالى: (ونريد أن نمنّ على الذين استضعفوا في الأرض ونجعلهم أئمة) القصص/٥.
وقوله تعالى: (وجعلناهم أئمة يهدون بأمرنا لما صبروا) السجدة/٢٤.
هذه بعض الآيات التي يستدل منها على أنّ الإِمامة بجعل من الله تعالى.
بالإِضافة إلى نصوص النبي على الإِمام من بعده ومن ذلك موقفه يوم الغدير عندما نزل عليه قوله تعالى: (يا أيها الرسول بلغ من اُنزل إليك من ربّك) المائدة/٧٠، فجمع النبي الناس وخطب خطبته المعروفة وقال في آخر خطبته: «ألست أولى بكم من أنفسكم؟ قالوا: بلى، قال: اللهم فاشهد وأنت يا جبرئيل فاشهد وكررها ثلاثاً، ثم أخذ بيد علىِّ بن أبي طالب ورفعه حتى بان بياض إبطيهما للناس وقال: من كنت مولاه فهذا عليٌّ مولاه اللهم وال من والاه وعاد من عاداه وانصر من نصره واخذل من خذله والعن من نصب له العداوة والبغضاء» إلى آخر الواقعة.
وقد روى هذا الموضوع مائة وعشرون صحابياً وأربعة وثمانون تابعياً وكان عدد طبقات رواته من أئمة الحديث يتجاوز ثلثمائة وستين راوياً وقد ألف في هذا
ولقد صورت البيعة خير تصوير صادق كلمة الخليفة الثاني إنّ خلافة أبي
ثم يرد تسأول آخر هو هل أنّ الخليفة الثاني جاء إلى الحكم عن طريق الشورى أم عن طريق تعيين الخليفة الأول له كما هو واقع الحال(٢) ؟ ويتساءلون ثالثاً هل أنّ الخليفة الثالث جاء الحكم عن طريق الشورى أم عن طريق خمسة عينهم الخليفة الثاني لو يؤيده منهم إلا ثلاثة(٣) إنّ كل باحث موضوعي لا يمكن أن يستند إلى صدور نظرية الشورى عن الشريعة الإِسلامية لا نظرياً ولا تطبيقياً.
والآن لنرجع للأمر الثالث فنقول إنّ نظرية الشورى لما كانت غير ناهضة بينما نظرية التعيين تقف على أرض صلبة أراد البعض أن يبعد هذه النظرية عن إطارها الإِسلامي فافترض أنّها نظرية كان يذهب إليها الفرس ويرون أنّ ملوكهم حكموا بالحق الإِلهي وحيث أنّ الحسين صاهر الفرس فتزوج بنت يزدجرد انتقل إليه هذا الحق الإِلهي وقد سبق استعراض هذا المعنى في أول الكتاب.
فالهدف إذاً دفع نظرية النص والوصاية عن كونها من الإِسلام وجعلها من مورثات الفرس التي نقلوها معهم لما دخلوا إلى التشيع، فإذا قلت لهؤلاء إنّ الوصاية ثبتت بنصوص قبل دخول الفرس للإِسلام قيل لك إنّ هذه الروايات دسها الشيعة في كتب السنة فإذا ذكرت لهم عدة طرق للرواية قيل لك إنّ الوصية
(٣) الطبري ٥/٣٥.
إذا حاولنا مسح الأبعاد التاريخية البيئية للفرس نجد أنّ من تشيع منهم يقسَّمون أقساماً:
١ ـ القسم الأول:
وهو القسم الذي تشيع بعملية انتقاء واختيار عن طريق الصاحبة الذين رافقوا عمليات الفتح ونقلوا معهم عقائدهم وفكرهم الشيعي وقد ساعد على
٢ ـ القسم الثاني:
هم الذين تشيعوا تعاطفاً مع الشيعة الذين نالهم الإِضطهاد بعد ذلك وهذا القسم جمعه الإِضطهاد معهم لأنّه كان مضطهداً ومن هؤلاء الموالي في قسم كبير منهم ممن كان داخل بلدان الخلافة أو الذين لحقهم الإِضطهاد داخل إيران وقد بدأت تصل إليهم أفواج من المهجرين المضطهدين لأجل تشيعهم والذين دفع منهم زياد بن أبيه خمسين ألفاً إلى خراسان حتى يخلّص الكوفة من العناصر الشيعية الصلبة(١) والإِضطهاد قرابة أيحاناً، وكان بعد ذلك أن تمازجت أفكارهم بعد التقاء مشاعرهم وصار الفكر متبادلاً بينهم وساعد على ذلك استمرار الإِضطهاد فترات امتدت طويلاً والعقائد كثيراً ما يرسخها الإِضطهاد.
٣ ـ القسم الثالث:
الذين تشيعوا عن طريق اللقاء الثقافي المعمق لأنّ الشيعة اضطروا إلى تعميق ثقافتهم وولوج مختلف ميادين المعرفة للدفاع عن وجودهم والذود عن عقائدهم بالنظر إلى تعرضهم إلى وضعيات شرسة خصوصاً وأنّ الحكم ووسائل القوة ليست بأيديهم، وكان أن استهوت ثقافتهم قطاعاً كبيراً من الفرس نظراً لخلفيتهم الحضارية ونهوض الحجة في نظرهم لكثير من معتقدات الشيعة التي لم يدعمها سيف لا بريق مال ولا طمع في حكم بل لمجرد الإِقتناع بصحة أدلتهم.
٤ ـ القسم الرابع:
هم الذين دخلوا التشيع مع التيار الذي صنعه الحكام وأعلنوا ضرورة
قبل الولوج في صلب الموضوع لابد من الإِشارة إلى نقاط يتعين البدء بها تجنباً عن الخلط الذي يقع فيه كثير من الباحثين لسبب أو آخر وينتهي الأمر إلى التجنّي على الحقائق وإلى الخلط وإلى أقوال هي بالهزل أشبه منها بالجد.والمؤسف أنّ مثل هذه الأقوال الهزيلة بقيت مع تاريخ كأنّها حقائق مقدسة وكأنّها مسلّمات لا تقبل النقاش يأخذها المتأخرون من المتقدمين بدون الرجوع إلى تمحيص أو إلى مقاييس، فما أعظم مسؤولية هؤلاء الذين رحلوا وخلفوا هذه التركة الموبوءة وهذا الزاد المسموم الذي ابتلي به المسلمون والله المستعان على الخلاص منه وهاهنا نقاط سنجعلها توطئة لهذا العنوان حتى إذا دخلناه فعلى بصيرة.
١ ـ النقطة الاُولى:
إنّ الشيعة الذين أكتب عنهم هنا وأذكر آراءهم أو أدافع عما ينسب لهم هم الإِمامية الإِثنا عشرية الذين يؤلفون الجمهور الشيعي اليوم والذين تملأ كتبهم مكتبات العالم وإن شئت فقل الذين تعيش أفكارهم فعلاً وتتجسد في سلوك حيّ، وتدوّن اراؤهم فعلاً في الفقه والعقائد والتاريخ، ولست أتكلم عمن يسمى شيعياً لغة لأنّه ذهب إلى تفضيل عليٍّ عليه السلام على غيره فعرف بالتشيع من أجل ذلك وما عدى ذلك فليس له مضمون عقائدي أو فقهي في أبعاد التشيع، فهناك