بسم الله الرحمان الرحيم
المقدمة
الحمد لله رب العالمين وصلى الله على سيدنا محمد وآله الطيبين الطاهرين.
إن لموضوع العقائد أهمية كبرى في حياة الإنسان المسلم وفي صقل شخصيته الإيمانية الرسالية، لما لها من أثر على صعيد حياته الأخروية ومسلكيته الدنيوية.
لذلك نضع بين أيديكم هذا الكتاب “عقائد قرآنية” الذي أطللنا فيه على أهمات العقائد الإسلامية على ضوء القرآن الكريم، حيث استنطقنا آياته وبحثنا في محتوياته حتى خرج هذا الكتاب إلى القارئ العزيز مسترشداً بأدلة وجدانية وعقلية من أنوار القرآن الكريم، مع ما فيه من مطالعات مفيدة وذكر لمجموعة من الكتب العقائدية التي يمكن أن يرجع إليه القارئ.
نسأل الله تعالى أن يفيد به القارئ ليزيد المجتمع متانة وقوة ووضوح فكر وطريق. والحمد لله رب العالمين.
جمعية المعارف الإسلامية الثقافية
الدرس الأول
الإيمان بالله تعالى
مقدمة
عن أمير المؤمنين عليه السلام في نهج البلاغة: “أول الدين معرفته “اللَّه” وكمال معرفته التصديق به وكمال التصديق به توحيده وكمال توحيده الإخلاص له”.
إن الطرق إلى معرفة اللَّه تعالى كثيرة، كما قيل إن السبل إلى اللَّه بعدد الخلائق بل إن الطرق إلى اللَّه بعدد أنفاس الخلائق حيث يقول الشاعر:
وفي كل شيء له آية تدل على أنه واحد
ونحن هنا نذكر بعض الأدلة القرآنية لأصول العقائد الإسلامية ونضيء على بعض الأدلة التي لها ارتباط بالآيات القرآنية.
الإيمان بوجود اللَّه تعالى بديهي لا يحتاج إلى دليل:
لئن ذكرنا بعض الأدلة على وجود اللَّه تعالى، من خلال عرض بعض الآيات القرآنية الكريمة، إلا أن القرآن الكريم يؤكد حقيقة: أن وجود اللَّه أمر بديهي لا شك فيه، ومن ذلك قوله تعالى: ﴿أَفِي اللّهِ شَكٌّ فَاطِرِ
السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ﴾1.
ولقد اعتبر بعض العرفاء “وجود اللَّه” في العالم أمراً بديهياً، وقالوا إن استنباط هذه الحقيقة من آيات القرآن والوقوف عليها لا يحتاج إلى الاستدلال عليه والتفكير مطلقاً.
كما ويمكن استفادة إشارات واضحة إلى هذا الأمر من دعاء الإمام الحسين عليه السلام يوم عرفة يقول: “كيف يستدل عليك بما هو في وجوده مفتقر إليك؟! أيكون لغيرك من الظهور ما ليس لك حتى يكون هو المظهر لك؟! متى غبت حتى تحتاج إلى دليل يدل عليك؟!
ومتى بعدت حتى تكون الآثار هي التي توصل إليك؟!
عميت عين لا تراك عليها رقيباً”.
ويقول عليه السلام في ختام دعائه: “يا من تجلّى بكمال بهائه، كيف تخفى وأنت الظاهر؟! أم كيف تغيب وأنت الرقيب الحاضر”2.
الفطرة دليل على وجود اللَّه تعالى:
يذهب أكثر المفسرين إلى أن فطرية الإيمان باللَّه تعالى أمر يمكن استفادته من الآيات القرآنية، أي أنها تصرِّح أن الاعتقاد بوجود اللَّه تعالى فطري لدى الإنسان أي أن الإيمان به سبحانه وتعالى عند الإنسان كسائر الغرائز المتأصلة في النفس فكما يحب الإنسان الخير فطرياً أو يكره الشر كذلك، يحب أن يبحث عن اللَّه ويؤمن به فطرياً.
يقول تعالى: ﴿فَأَقِمْ وَجْهَكَ لِلدِّينِ حَنِيفًا فِطْرَةَ اللَّهِ الَّتِي فَطَرَ النَّاسَ عَلَيْهَا لَا تَبْدِيلَ لِخَلْقِ اللَّهِ ذَلِكَ الدِّينُ الْقَيِّمُ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَعْلَمُونَ﴾3.
ففي هذه الآية لم يجعل مسألة معرفة اللَّه والإيمان به، فقط أمراً فطرياً بل وصف الدين بكونه فطرياً.
1- إبراهيم: 10.
2- إقبال الأعمال، ص350.
3- الروم: 30.
نعم ليس معنى فطرية الإيمان باللَّه تعالى أن يكون الإنسان بالضرورة متوجهاً إلى اللَّه دائماً ملتفتاً إليه في جميع حالاته، إذ ربّ عوامل تتسبب في إخفاء هذا الإحساس في خبايا النفس، وتمنع وتحجب الفطرة عن اكتشاف وجود الخالق تعالى، وعندما يرتفع ذلك الحجاب، فإذا به يسمع نداء الفطرة.
عندما تقع للإنسان حوادث خطيرة كهجوم الأمواج العاتية على سفينة يركبها في عرض البحر أو حصول عطل فني في الطائرة يهدِّدها بالسقوط أو ما إلى ذلك، فعندما يواجه الإنسان المخاطر نراه يتوجه من فوره وبصورة تلقائية فطرية إلى اللَّه تعالى، بلا حاجة إلى إعطائه دروساً استدلالية على وجود اللَّه تعالى يقول تعالى: ﴿هُوَ الَّذِي يُسَيِّرُكُمْ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ حَتَّى إِذَا كُنتُمْ فِي الْفُلْكِ وَجَرَيْنَ بِهِم بِرِيحٍ طَيِّبَةٍ وَفَرِحُواْ بِهَا جَاءتْهَا رِيحٌ عَاصِفٌ وَجَاءهُمُ الْمَوْجُ مِن كُلِّ مَكَانٍ وَظَنُّواْ أَنَّهُمْ أُحِيطَ بِهِمْ دَعَوُاْ اللّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ لَئِنْ أَنجَيْتَنَا مِنْ هَذِهِ لَنَكُونَن مِنَ الشَّاكِرِينَ ء فَلَمَّا أَنجَاهُمْ إِذَا هُمْ يَبْغُونَ فِي الأَرْضِ بِغَيْرِ الْحَقِّ﴾4.
ويقول تعالى: ﴿فَإِذَا رَكِبُوا فِي الْفُلْكِ دَعَوُا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ فَلَمَّا نَجَّاهُمْ إِلَى الْبَرِّ إِذَا هُمْ يُشْرِكُونَ﴾5.
وكذلك قوله تعالى: ﴿وَإِذَا مَسَّ الإِنسَانَ الضُّرُّ دَعَانَا لِجَنبِهِ أَوْ قَاعِدًا أَوْ قَائِمًا فَلَمَّا كَشَفْنَا عَنْهُ ضُرَّهُ مَرَّ كَأَن لَّمْ يَدْعُنَا إِلَى ضُرٍّ مَّسَّهُ كَذَلِكَ زُيِّنَ لِلْمُسْرِفِينَ مَا كَانُواْ يَعْمَلُونَ﴾6، إلى غير ذلك من الآيات التي تتحدَّث عن هذا المعنى.
4- يونس: 22 – 23.
5- العنكبوت: 65.
6- يونس: 12.
أدلة وجود اللَّه تعالى:
برهان الفقر:
﴿يَا أَيُّهَا النَّاسُ أَنتُمُ الْفُقَرَاء إِلَى اللَّهِ وَاللَّهُ هُوَ الْغَنِيُّ الْحَمِيدُ ء إِن يَشَأْ يُذْهِبْكُمْ وَيَأْتِ بِخَلْقٍ جَدِيد﴾7.
لا ريب أن فقر الشيء دليل قاطع على احتياجه إلى “غني قوي” يزيل حاجته، من هنا لا بد أن يكون لهذا الكون بأسره من أفاض عليه الوجود.
إن الظواهر الكونية من الذرة إلى المجرة أي السماوات والأرض وما فيهما هي جمادات فقيرة في ذاتها، كانت لا شيء ثم وُجدت فهي مسبوقة بالعدم، فلكي توجد لا بد من موجد لها لأنها لا يمكن أن توجد نفسها بنفسها، وهذا الموجد لها لا بد وأن يكون غنياً عنده القدرة على إيجادها ويخرجها من العدم إلى الوجود. وكذلك الإنسان يدخل ضمن هذه القاعدة، فإنه في ذاته فقير ليس غنياً أي لا يقدر أن يوجد نفسه بنفسه بل يحتاج إلى قوة أكبر منه توجده، لذلك يقول تعالى: ﴿يَا أَيُّهَا النَّاسُ أَنتُمُ الْفُقَرَاء إِلَى اللَّهِ وَاللَّهُ هُوَ الْغَنِيُّ الْحَمِيدُ﴾8 وقد ركَّز القرآن الكريم في مواضع متعددة على صفة “الغني” في الذات الإلهية المقدسة بحيث يمكن اعتبار ذلك إشارة ضمنية أو صريحة إلى هذا البرهان، أي برهان الفقر، ومن هذه الآيات: ﴿وَاللَّهُ الْغَنِيُّ وأَنتُمُ الْفُقَرَاء﴾9 إلى غير ذلك من الآيات الكثيرة.
استحالة وجود المعلول بلا علّة:
يقول تعالى: ﴿أَمْ خُلِقُوا مِنْ غَيْرِ شَيْءٍ أَمْ هُمُ الْخَالِقُونَ * أَمْ خَلَقُوا
7- فاطر: 15-17.
8- فاطر: 15.
9- محمد: 38.
السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ بَل لَّا يُوقِنُونَ﴾10 ﴿أَمْ لَهُمْ إِلَهٌ غَيْرُ اللَّهِ سُبْحَانَ اللَّهِ عَمَّا يُشْرِكُون﴾11 هذه الآيات وما بعدها تطرح تساؤلات واحتمالات حول مبدأ الإنسان وعلة وجود العالم:
أ- أن تكون الكائنات البشرية قد وجدت بلا علة بمعنى أن تكون قد وجدت صدفة، ومن تلقاء نفسها.
وقد طرح هذا السؤال في قوله تعالى: ﴿أَمْ خُلِقُوا مِنْ غَيْرِ شَيْء﴾.
ب- أن تكون هي الخالقة لنفسها وهي الصانعة لذاتها أي أوجدت نفسها بنفسها وإلى هذا الاحتمال أشارت جملة ﴿أَمْ هُمُ الْخَالِقُون﴾.
ج- أن يكونوا علةً لغيرهم من المخلوقات كالسماوات والأرض! ﴿أَمْ خَلَقُوا السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْض﴾.
د- أن يكون الذي خلقهم وأوجدهم إله غير اللَّه تعالى!
﴿أَمْ لَهُمْ إِلَهٌ غَيْرُ اللَّه﴾.
هذه هي الاحتمالات وهي واضحة البطلان:
أما بطلان الاحتمال الأول: لبداهة أن لكل ظاهرة وحادث ومعلول موجداً ومحدثاً وعلة، هذا ما يقول به العقل السليم، ولو ادعى أحد وقوع معلول بلا علة لسخر منه العقلاء.
أما بطلان الاحتمال الثاني: فهو كذلك بديهي البطلان.
لأن معنى قولك (خلق الشيء نفسه) هو أن يكون الشيء موجوداً قبل ذلك ليتسنى له خلق نفسه. ومعنى هذا: توقف الشيء وتقدمه على نفسه أي كان موجوداً قبل أن يوجد وهو أمر مستحيل.
أما الاحتمال الثالث: فهو واضح البطلان لأن الإنسان العاجز عن خلق نفسه الضعيفة، كيف له أن يخلق السماوات والأرض وهي أعظم خلقاً من خلق الإنسان.
10- الطور:35-36.
11- الطور: 43.
أما الاحتمال الرابع: فيلزم منه وجود شريك للباري وهو أمر مستحيل كما سنثبت في الدرس اللاحق.
الكون آية تدل على الخالق:
يقول اللَّه تعالى: ﴿إِنَّ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ وَاخْتِلاَفِ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ وَالْفُلْكِ الَّتِي تَجْرِي فِي الْبَحْرِ بِمَا يَنفَعُ النَّاسَ وَمَا أَنزَلَ اللّهُ مِنَ السَّمَاء مِن مَّاء فَأَحْيَا بِهِ الأرْضَ بَعْدَ مَوْتِهَا وَبَثَّ فِيهَا مِن كُلِّ دَابَّةٍ وَتَصْرِيفِ الرِّيَاحِ وَالسَّحَابِ الْمُسَخَّرِ بَيْنَ السَّمَاء وَالأَرْضِ لايَاتٍ لِّقَوْمٍ يَعْقِلُون﴾12 في هذه الآية الكريمة وفي غيرها الكثير من الآيات، يلفت القرآن الكريم نظرنا إلى ظاهرة الحياة وعشرات (بل مئات وآلاف) العوامل الخفية والبارزة التي ساعدت على وجود ظاهرة الحياة على هذا الكوكب، وكأنها تقول: هل يمكن اجتماع كل هذه العوامل والشرائط بمحض المصادفة، ودون وجود خالق هو الذي أوجدها ورتّبها ونظّمها.
وهنا نورد لكم بعض الأمثلة على دقّة النظام الكوني:
لقد خلقت الأرض بجاذبية خاصة وعلى قطر خاص بحيث تجذب بها المياه والهواء نحو مركزها وتحافظ عليها.
فلو أن قطر الأرض كان ربع قطرها الفعلي لعجزت جاذبيتها عن الاحتفاظ بالماء والهواء على سطحها ولارتفعت درجة الحرارة إلى حدِّ الموت.
ولو أن الأرض بعدت عن الشمس بمقدار ضعف ما هي عليه الآن لانخفضت درجة حرارتها (الأرض) إلى ربع حرارتها الحالية، ولتضاعف طول مدّة الشتاء فيها، ولتجمدت كل الأحياء فيها.
ولو نقصت المسافة بين الأرض والشمس إلى نصف ما هي عليه الآن لبلغت
12- البقرة: 164.
الحرارة التي تتلقاها الأرض أربعة أمثال، ولآلت الفصول إلى نصف طولها الحالي ولصارت الحياة على سطح الأرض غير ممكنة.
تدور الأرض حول نفسها في كل 24 ساعة دورة واحدة، وهي في دورتها هذه تسير بسرعة ألف ميل في الساعة. فلو تناقص ذلك (أي بلغ مقدار سرعتها مائة ميل في الساعة مثلاً) لتضاعف طول الليالي والأيام إلى عشرة أضعاف ما هي عليه الآن، ولأحرقت شمس الصيف بحرارتها الملتهبة كل النباتات في الأيام الطويلة، ولجمّدت برودة الليالي الطويلة من جانب آخر كل البراعم والنباتات الصغيرة ولو أن شعاع الشمس الواصل إلى الأرض تناقص إلى درجة النصف مما هو عليه الآن لهلكت جميع أحياء الأرض من فرط البرد. ولو تضاعف هذا المقدار لمات كل نبت بل لماتت نطفة الحياة وهي في بطن الأرض، من شدّة الحرارة.
إلى غير ذلك من الأمثلة الكثيرة جدّاً، التي تدل على ضرورة وجود الإله العليم الحكيم المدبِّر المنظّم، وتنفي وجود الكون مصادفة13.
خلاصة الدرس
الإيمان بوجود اللَّه تعالى بديهي لا يحتاج إلى دليل وهذا ما أكده القرآن الكريم ﴿أَفِي اللهِ شَكٌّ فَاطِرِ السَّمَوَاتِ وَالأرْضِ﴾.
الفطرة دليل على وجود اللَّه تعالى وأن الإيمان به كسائر الغرائز المتأصلة في النفس كحب الخير وكره الشرّ.
13- انظر: نفحات القرآن، ناصر مكارم الشيرازي، ج2، ص184 وما بعدها.
الفقر هو دليل قاطع على الحاجة إلى غني قوي يزيل هذه الحاجة بإفاضة الوجود عليها وما تحتاجها.
الكون آية تدل على الخالق يقول تعالى: ﴿إِنَّ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ وَاخْتِلاَفِ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ وَالْفُلْكِ الَّتِي تَجْرِي فِي الْبَحْرِ بِمَا يَنفَعُ النَّاسَ وَمَا أَنزَلَ اللّهُ مِنَ السَّمَاء مِن مَّاء فَأَحْيَا بِهِ الأرْضَ بَعْدَ مَوْتِهَا وَبَثَّ فِيهَا مِن كُلِّ دَابَّةٍ وَتَصْرِيفِ الرِّيَاحِ وَالسَّحَابِ الْمُسَخَّرِ بَيْنَ السَّمَاء وَالأَرْضِ لايَاتٍ لِّقَوْمٍ يَعْقِلُون﴾.
للحفظ
من دعاء الإمام الحسين عليه السلام يوم عرفة: “كيف يستدل عليك بما هو في وجوده مفتقر إليك، أيكون لغيرك من الظهور ما ليس لك حتى يكون هو المظهر لك، متى غبت حتى تحتاج إلى دليل يدل عليك”.
أسئلة حول الدرس
1- اذكر من القرآن الكريم دليل الفطرة على وجوده تعالى؟
2- متى تتحرَّك الفطرة وتصغو عند الإنسان؟
3- كيف يكون الفقر دليلاً على وجود اللَّه تعالى؟
4- اذكر التساؤلات والاحتمالات حول مبدأ الإنسان وعلة وجوده؟
5- كيف تستدل على وجود اللَّه تعالى من خلال خلق الكون؟
للمطالعة
معرفة اللَّه
شرح الأسماء الحسنى الملا هادي السبزواري، ج1، ص22:
وروى الصدوق في كتاب التوحيد عن مولانا أبي الحسن الرضا عليه السلام أنه بعث إليه المأمون فأتاه فقال بنو هاشم يا أبا الحسن اصعد المنبر فانصب لنا علماً نعبد اللَّه عليه، فصعد صلوات اللَّه عليه وقعد ملياً لا يتكلم مطرقاً ثم انتفض انتفاضة واستوى قائماً وحمد اللَّه وأثنى عليه وصلى على نبيه وأهل بيته ثم قال أول عبادة اللَّه معرفته وأصل معرفته توحيده ونظام توحيده نفي الصفات عنه بشهادة العقول إن كل صفة وموصوف مخلوق، وشهادة كل مخلوق إن له خالقاً ليس بصفة ولا موصوف، وشهادة كل صفة وموصوف بالاقتران وشهادة الاقتران بالحدث وشهادة الحدث بالامتناع من الأزل الممتنع من الحدث فليس اللَّه من عرف بالتشبيه ذاته ولا إياه وحّد من اكتنهه، ولا حقيقته أصاب من مثله، ولا به صدق من نهاه، ولا صمد صمده من أشار إليه، ولا إياه عنى من شبهه، ولا له تذلل من بعّضه، ولا إياه أراد من توهمه، كل معروف بنفسه مصنوع، وكل قائم في سواه معلول بصنع اللَّه يستدل عليه، وبالعقول يعتقد معرفته، وبالفطرة تثبت حجته خلقة اللَّه الخلق حجاب بينه وبينهم، ومباينته إياهم مفارقته اينيتهم، وابتداؤه إياهم دليل على أن لا ابتداء له لعجز كل مبتدء عن ابتداء غيره، وأدوه إياهم دليلهم على أن لا أداة فيه لشهادة الأدوات بفاقة المؤدين، فأسماؤه تعبير وأفعاله تفهيم وذاته حقيقة وكنهه تفريق بينه وبين خلقه وغيوره تحديد لما سواه. فقد جهل اللَّه من استوصفه، وقد تعداه من اشتمله، وقد أخطأ من اكتنهه، ومن قال كيف فقد شبهه، ومن قال
لِمَ فقد علله، ومن قال متى فقد وقته، ومن قال فيمَ فقد ضمّنه، ومن قال إلى مَ فقد نهاه، ومن قال حتى فقد غياه، ومن غياه فقد غاياه ومن غاياه فقد جزاه، ومن جزاه فقد وصفه، ومن وصفه فقد ألحد فيه. لا يتغير اللَّه بانغيار المخلوق كما لا يتحدد بتحديد المحدود، أحد لا بتأويل عدد، ظاهر لا بتأويل المباشر، متجلٍ لا بإستهلال رؤية، باطن لا بمزايلة، مباين لا بمسافة، قريب لا بمداناة، لطيف لا بتجسم، موجود لا بعد عدم، فاعل لا باضطرار، مقدر لا بجول فكرة مدبر لا بحركة، مريد لا بهمامة، شاء لا بهمة، مدرك لا بمحسة سميع لا بالة، بصير لا بأداة، لا تصحبه الأوقات ولا تضمنه الأماكن ولا تأخذه السِنات ولا تحده الصفات ولا تقيده الأدوات سبق الأوقات كونه والعدم وجوده والابتداء أزله.
إقرأ
اسم الكتاب: التوحيد
المؤلف: الشيخ الصدوق.
التحقيق: السيد هاشم الحسيني الطهراني.
يحتوي الكتاب على أحاديث قيمة ثمينة عن رسول اللَّه صلى الله عليه وآله وسلم وأهل بيته عليهم السلام في مطالب التوحيد ومعرفة صفات اللَّه عزَّ وجلَّ وأسمائه وأفعاله وكثير من المباحث الحكمية والكلامية التي دارت عليها الأبحاث بين أهل العلم وفي مؤلفاتهم منذ القرن الأول إلى الآن.
محتويات الكتاب الأبواب والأحاديث: إن أبواب الكتاب سبعة وستون، وأما عدد الأحاديث فخمسمائة وثلاثة وثمانون.